شبكة النبأ: يراهن البعض على أن
العراق يعيش مرحلة أمنية جيدة، وأنه سيشهد نهاية مطاف الدورة
الدموية التي أنتجتها آلة القتل منذ محاولة الاغتيال الأولى
بعد تغيير النظام عام 2003،
وصولاً إلى يومنا هذا مرحلة أمنية مثالية.
فأن المتتبع للشأن العراقي وللمجريات السياسية على الساحة
الداخلية، يرى أن مشكلة الفيدرالية و الخلاف على كركوك و موضوع
حقوق الأقليات والانتخابات المحلية، ستشكل مرحلة جديدة تدفع آلة
القتل لأن تعيد نشاطها ولكن بقطع غيار أخرى، وربما يكون هدف
الأشباح المقبل القيام بعمليات نوعية تستهدف مسئولي التنظيمات
السياسية والحركات الجماهيرية، كما حصل مؤخرا عندما اغتيل النائب
عن الكتلة الصدرية صالح العكيلي، جراء انفجار عبوة ناسفة استهدفت
سيارته شرقي العاصمة بغداد.
مما غطت تداعيات عمليات الاغتيال مؤخرا باقي المشاكل التي يعاني
منها العراقيون، وأغرقت هذه التداعيات الوضع المحلي بحرب أخرى غير
تلك التي شاهدناها في الأعوام التي تلت تغيير النظام ربما لا تنتهي
هذه الأحداث والتداعيات بمدة منظورة وربما تتمخض عن الفترة المقبلة
"فوضى بناءة" تسعى أمريكا جاهدة أن تضع بصمتها التي قد تفرضها
بطريقة أو بأخرى، في وقت أصبح العراق فيه مسرحا لكافة القوى
الإقليمية والدولية التي تمارس أجندتها بأدوات محلية، وفي الوقت
نفسه تعجز فيه منظمات عالمية من وقف النزف العراقي.
كما لا يخفى على المتتبع الأسباب التي تقف وراء هذه المرحلة
الخطيرة ومن طليعتها:
أولا: زيادة عمق الانقسام الداخلي بين الأطراف السياسية، كذلك
بسبب الخلافات الحادة التي تطيح بالتوافقات حول كافة الاستحقاقات
الكبيرة بين الأطراف المتشاركة سياسيا.
ثانيا- الانقسام الحاصل بين الحكومة ومناوئيها والتباينات بين
حلفاء الحزب الواحد، وقد برز واضحاً في هذا المجال الانقسام بين
السياسيين حول النظرة إلى معالجة ملف الصحوة بحيث أن بعض الشارع
السني الذي يقف داعماً لمجالس الصحوة والشرعية الرسمية والذي يشكل
عموده الفقري، يقابله في الشارع نفسه أطراف سنية متشدّدة تنظر
بعدم ارتياح إلى مجالس الصحوة الذي قدمت عليها الحكومة. وكذلك
موضوع الانقسام حول مجالس الإسناد في المحافظات الجنوبية.
ثالثا- تواجد تنظيم القاعدة محليا وتحوله إلى لاعب خطير من
خلال تعاطف بعض الأطراف مع هذا التنظيم، وتهييج خلاياه النائمة
التي سرعان ما تستيقظ لدى صدور أوامر بتحريكها، ولعل الأحداث التي
تجري بين فترة وأخرى في بعض المناطق التي تشهد حركة لتنظيم القاعدة
مثل ديالى والموصل خير دليل على تواجد هذا التنظيم.
رابعا- دخول الإعلام الذي يعمل على إطلاق شائعات عن موجة اغتيالات
جديدة من خلال استغلال الموقف العراقي من بعض الدول المجاورة.
خامسا- محاولة بعض الجهات نقل الانقسام الداخلي بين مكونات
الشعب العراقي و اللعب على الوتر الطائفي اثر التباين الطفيف في
مواقف الأطراف المتنازعة، مستغلّين فترة الانتخابات المحلية
وتصويرها على إنها انقلاب بعض الأطراف على الأخرى، وقد حاولت هذه
الجهات إحداث خلل أمني في بعض المناطق من خلال إقدامها على استهداف
مسؤولين حكوميين ينتمون إلى الأحزاب المشاركة في العملية السياسية.
وربما ستزيد بعض الأطراف السياسية استثمارها للأحداث الأمنية،
لتعزيز رؤيتها وشعاراتها وحركتها السياسية، واتهام المؤسسات
الحكومية لعزلها أو تحجيم صلاحياتها.
من الواضح أن الجهات التي وقفت خلف الاغتيالات نجحت بتوجيه
ضربات قوية، لأمن العراق، وتحقيقها انجازات خطيرة وفي بداية
تخطيطها للمرحلة المقبلة.
هذه الانجازات تشير وبوضوح إلى المهارات التكتيكية والمحترفة
التي تمتلكها هذه الجهات من تقنيات عالية القدرة، وأنها قادرة على
التحرك والرصد والمتابعة، كما لها أمتدادت في أغلب المحافظات،
وقادرة على تنفيذ مآربها عند رغبتها وحسب توقيتها السياسي والأمني.
لا يخفى أن لغة الحوار السياسي والإيمان بالتعايش السلمي وأخذ
الحقوق ضمن هذه الأطر هي السمة البارزة للبلدان المتقدمة على عكس
ما نشاهد في تلك النامية فمن الملاحظ تاريخيا في تلك البلدان أن
المراحل السياسية التي تعيشها قائمة على ثقافة القتل والانقلابات
العسكرية وربما ستكون المرحلة المقبلة في العراق من هذا النوع مع
اختلاف الآليات والخطط، يصنف الخبراء السياسيين أن هذه الأعمال تقع
ضمن مرحلة التأسيس لمرحلة سياسية وأمنية تعمل على استهداف الأمن
العراقي.
كما تنص المرحلة المقبلة مستخلصة من المتن الانتخابي وبعض
الخلافات وما ستجري من عمليات نوعية ستستخدم أطراف النزاع وسائل
مختلف منها المقاطعات السياسية وتحالفات جديدة.
مهاما كانت النتائج و أيما وصلت أليه الأمور فقد برهنت عمليات
الاغتيال الأخيرة على أن الوضع العراقي السياسي والأمني لم يعد
مستقرا، وأن العراق دخل مرحلة جديدة تنذر فيه الأوضاع إلى تصاعد
الاختراقات الأمنية ربما تنتقل في مرحلتها القادمة من الاستعداد
إلى المباشرة ميدانيا، و تؤكد على هذه الحقيقة الأوضاع العراقية في
صورها المختلفة.
وربما تساعد بعض العوامل على انفلات الأمن منها الظروف
الاقتصادية السيئة ومعاناة المواطن من الخدمات إضافة إلى عامل
الفقر وانتشار العقائد المتطرفة وانعدام الثقافة.
ربما ستشارك في تأجيج هذه الأزمة قوى سياسية فاعلة ومجموعات
متطرفة عقائديا وأخرى مذهبية، كل هذه المعطيات ساعدت على تدخل قوى
وأجهزة عراقية أو غير عراقية، وسهلت لها تحركاتها، ولا شك أن
الأمريكيين لهم موروثات وعلاقات حميمة مع بعض القوى والأحزاب التي
لها اختراقات واسعة في النسيج الاجتماعي والأمني والسياسي للبلاد،
التي لم تفتك من هذه الموروث وبقيت تراهن هذه القوى على أمريكا
وإمكانية عودتها إلى اللعبة السياسية والاجتماعية في العراق.
وتشير الظروف في العراق إلى أن أحداث الاغتيالات الأخيرة ليست
عابرة بل هي مؤشرات لمرحلة عراقية جديدة سمتها الاضطراب الأمني
والسياسي والتوترات الاجتماعية، قد تنجح القوى المتربصة بالعراق
وأمنه في إحداث اختراقات واسعة مما تربك الساحة العراقية برمتها.
A_alialtalkani@yahoo.com |