شبكة النبأ: مُنذ القِدَم.. وفي
زمن اجدادنا وآباءنا كانت هناك حمّامات منتشرة في الاسواق وتدعى
بحمّام السوق، وسبب وجودها هو افتقار البيوتات القديمة الى
الحمّامات الخاصة المريحة التي تتوفر فيها ادوات الغسل المريح،
ولهذا كان في كل سوق او محلة حمَام خاص للرجال والنساء كل على
حِدة. وان لهذه الحمّامات فوائد ثانوية عديدة حيث اتخذت كأماكن
للعلاج والتخلص من بعض الامراض التي تصيب الانسان جراء البرد
القارص، وكما هو معروف عند البعض لأن حرارة الحمام عالية جدا تزيل
الكثير من الاوجاع التي تصيب الجسم كوجع العضام وآثار الزكام
وغيرها.
ولكن بكثرة بناء البيوت وتحديثها، وتغير الاجواء الاجتماعية فأن
ظاهرة حمّام السوق قد اخذت بالتلاشي حتى اصبح جزءا من التراث،
وللتراث لغة.. وفي هذه اللغة لحن خاص يعزفه علينا اصحابه وهم اهلنا
والأفراد المطلعين على التاريخ وما في طياته.
الاستاذ والباحث التاريخي سلمان هادي ال طعمة كان اول من
التقينا به ليتحدث الى (شبكة النبأ المعلوماتية)، يقول واصفاً لنا
الحمّام من الخارج، تتميز الحمّامات بهندسة البناء والنقوش البديعة
والزخارف الجميلة المختلفة التي تعلوا كل واجهة الى جانب القبة
العالية المعقودة.
وقد كانت الحمامات منذ القدم في دهاليز مظلمة، ماؤها شديد
الحرارة. حيث لا يستطيع المستحم المكوث فيها اكثر من نصف ساعة،
فكان هناك الكثير من الناس يغمى عليهم.
ويكمل طعمة وصف الاجواء داخل الحمام، يدخل المُستَحم الى
المَنزَع ويودع اماناته لدى الأسطة، ان كانت لديه اموال او بعض
الحاجيات وبعدها يخلع ملابسه ويضعها في مكان خاص له ويدخل الحمام
ليغسل جسمه، والكثير من الوجهاء كانوا يجلبون معهم بعض الفواكه
والطعام ليقضوا وقتا ممتعاً داخل الحمام من اجل اعطاء القوة لجسمهم
والانتعاش.
وعند الانتهاء من الغسل يدقُّ الرجل بطاسته على حوض الماء او
يصفق، اشارة منه للخروج من خزينته، وعندما يسمع (الجومدار) يأتي
بمناشفه ويعطيها الى الرجل ليلبسها ويخاطبه "نعيماً دائماً" فيجيبه
الرجل"انعم الله عليك".
وكان هناك عدد من العامليين في الحمام منهم: *الاسطة: وهو الرجل
صاحب الحمّام او ضامنه، ويجلس على كرسي وامامه الدَخل (اي المكان
الذي يجمع به المال).
*الجومدار، وأصل هذه الكلمة فارسي، وهو موزّع الإزارات وكذلك
ينشف المستحمّين. *الدلاك، وهو الذي يقوم بتدليك الجسم داخل الحمام
وفي لوج خاص.
ويتابع ال طعمة حديثه لـ شبكة النبأ، اما في الاعياد والمناسبات
فتكون هناك طقوس لأصحاب الحمامات حيث توضع صينية داخل منزع الملابس
وفيها ابريق ماء الورد، وعند خروج المستحم يرمي بمبلغ مناسب في
الصينية ليُجمع المال ومن ثم يقسَّم على الصُّناع.
ومن الطقوس المستخدمة في الافراح ان يدخل المتزوج الذي يروم
الزفاف الى الحمّام في ذلك اليوم ولمدة ساعتين، فالعريس يصطحب معه
جماعة من اصدقاءه ولفيفاً من اقرباءه، ولا يقل عددهم عن عشرة ولا
يزيد عن عشرين، مما يضطر صاحب الحمام ان يلتزم بغلق باب الحمّام
ويحجزه لهم حصرا، كما ويتم توزيع الفواكه داخل الحمام وترديد بعض
الاهازيج الشعبية التي تدل على الفرح.
وللنساء حمامات خاصة ايضاً، وتكلِّمنا عنها الحاجّة ام عبد الله
والتي تتجاوز من العمر حوالي 71 عاما، تقول ام عبد الله لـ شبكة
النبأ، ان حمامات النساء تكون بالعادة مفتوحة منذ الصباح الباكر،
وتأخذ النسوة معهن بعض المواد مثل (الحنة، صابون الركي، السبداج
الخاتون لغسل الوجه، وطين الخاوه لغسل الرأس، وطاسة لوضع المشط
والصابون اثناء الاستحمام، وحجر لتحجير كعب الساق، وعود من السواك،
والقبقاب ايضاً.
وتضيف الحاجّة، احيانا نأخذ الحرمل والبخور وندخل في خانات خاصة
لنغسل في صابون الركي والطين الخاوة لأن الطين الخاوة يجعل الشعر
قوياً ويعطية لمعان اذا استخدم معه ايضا اوراق السدر(النبق).
وتوجد هناك دلّاكات للنساء، عاملة واحدة تجلب لنا المناشف
ونعطيها مقابل ذلك 20 فلساً واجرة الحمام كله بـ(60) فلسا، اما اذا
كنت تنوين التدليك فبـ(60) فلساً.
وهذا معناه ان مجموع اجرة الغسل كانت بـ(140) فلساً، اما الان
فأن اجرة الغسل في منازلنا تكلف حوالي من 6-7 الآف دينارعراقي وذلك
من اجل الشامبو الذي اصبح بديلا لطين الخاوة، والصابون الذي انقطع
من الحصة التموينية، اضافة الى الماء المقطوع دائما.
ومن العادات التي كانت تزاولها النساء عند الولادة ان تذهب ام
الطفل بعد الولادة بسبعة ايام مصطحبة معها الجِدّة وبعض الاقارب
والاصدقاء، ويأخذن معهن كيسا مملوءا بالفواكه من اجل اتمام البهجة
في نفوس المستحِمّات.
ولا بد من تبادر سؤال بذهن الكثيرين منّا، من اين يحصل الحمّام
على الحرارة العالية؟ يجيبنا الحاج جليل حسن وهو رجل يناهز العمر
63 عامل حيث يقول: توجد في الحمامات كورة، تقع في جوفه بثلاث أذرع،
ويؤتى بالحطب ويرمى بها كي تصبح ارضية الحمام حارة، وكان ماء
الحمام يحمى قديما بواسطة (الأزبال) وهي النفايات التي تتجمع في
إسطبلات الخيل والحمير والبغال حيث تتجمع في موضع يقال له (الطمّة)
ويكون موقعها بجوار الحمام، وهناك عامل خاص يقوم بهذه العملية لقاء
اجور معينة، اما اليوم فقد استبدل النفط الاسود بدلاً من الحطب وقد
حلّت محلها حمامات عصرية.
والجدير بالذكر ان هناك عدد من الاشياء يكون واجب توفرها في
الحمام ومنها (الصابون الركي والليفة والكيس وهو عبارة عن قطعة من
القماش الخشن، يدلك به الجسم ليزيل الوسخ فتيلاً. كما يستخدم ايضا
وبالأخص في حمام الرجال الإزار والذي يكون عبارة عن قطعة قماش تكون
اغلب الاحيان باللون الاحمر، يستخدمها المستحم عندما يدخل الى
الحمام ثم يستبدل بإزار جديدة.
وكان بعض الرجال المتدينين والمعمِّرين يخلطون السدر والحناء
وورد ختمي، لتدليك الجسم كي ترفع حرارته وتزيل البثور، ومنهم من
يستخدم ماء النارنج كي يتخلص من القشرة.
كما ان الطين الخاوة والصابون الركي واوراق السدر وغيرها من
المواد البسيطة التي كان يستخدمها اهلنا في القِدم من اجل غسل
اجسامهم، وكانت مراسيم الغسل في الحمام من اجمل ما لديهم وعلى
البساطة كانوا يعيشون، فما أجمل لحن التراث من عبق ذاك الزمن. |