إنفجار سوريا: مُرتَجَع الجهاديين ام ساحة عنف جديدة؟

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: اثار الاعتداء الذي تسبب بسقوط 17 قتيلا في دمشق مؤخرا ووصفته السلطات السورية بـ الارهابي اسئلة حول الجهة التي تقف وراءه فيما رأى فيه بعض المحللين انه رسالة من اسرائيل او من القوى السنّية المتطرفة في المنطقة.

وبينما لم تعلن اي جهة تبنيها للعملية التزمت السلطات السورية كالعادة في مثل هذه الحالات الصمت التام ما دفع المعلِّقين الى التوقف عند نظريات مختلفة وعديدة.

فكما هو معروف ان سوريا كانت ولاتزال ممراً عالمياً لدخول الجهاديين من مختلف الجنسيات الى العراق لتنفيذ عمليات ارهابية وتفجيرات انتحارية على مدى السنوات الخمس الماضية يُرجِع بعض المحللين ان دمشق بدأت تكتوي بالنار التي ساعدت في ايقادها في العراق. لكن محللين اخرين يرون ان ما حدث لايعدو كونه فقرة من المخططات الاسرائيلية الرامية لإشعال الفتنة ما بين سوريا ولبنان حيث مجموعات المهربين تنشط في حدود مابين البلدين.. بينما يذهب اخرون الى ابعد من ذلك ويرون اعتداء دمشق جاء على خلفية عدم رغبة طهران بجلوس السوريين مع الاسرائيليين على طاولة واحدة الامر الذي يساعد على اختراق الحلف الستراتيجي بينها وبين دمشق...!

وكتب المحلل نيكولا بلانفورد في صحيفة كريستشن ساينس مونيتور مقالا تحليليا عن تفجير دمشق جاء فيه: مع بدء السلطات السورية التحقيق في حادث التفجير الذي اودى بحياة 17 شخصا قرب دمشق يوم السبت الماضي، تشير اصابع الاتهام في المسؤولية عن ذلك الى الميليشيات الاسلامية اما الداخلية أو الخارجية. اذ يلاحظ المراقبون ان انفجار السيارة المفخخة بحوالي 200 كيلوغرام من المواد الشديدة الانفجار قرب مبنى يقال انه تابع لفرع فلسطين، في الاستخبارات العسكرية السورية، كان الاعنف والاسوأ من نوعه منذ تلك المواجهة الدامية التي وقعت بين النظام وميليشيات حركة الاخوان المسلمين في اواخر السبعينيات واوائل الثمانينيات. حتى الآن لم تعلن اية جهة مسؤوليتها عن الحادث، لكن من المؤكد ان هناك الكثير من الاطراف التي يمكن الاشتباه بها.

صحيفة الشرق الاوسط، التي تتخذ من لندن مقرا لها، اعلنت ان ضابطا كبيرا في الاستخبارات السورية كان من بين الاشخاص الذين قتلهم الانفجار. واذا كان هذا صحيحا على الرغم من قول السلطات السورية ان الضحايا كانوا جميعا من المدنيين يكون معنى هذا ان التفجير كان عملية اغتيال مدبرة وليس مجرد هجوم عشوائي استهدف المارة.

اذ تشير التكهنات الاولية الى ان المسؤولية عنه تقع على عاتق مجموعة من الـ «جهاديين» ردت به على قمع وملاحقة السلطات السورية لها.

واضاف الكاتب بلانفورد، صحيح ان النظام في سورية يتمتع منذ حوالي ربع قرن بحالة استقرار تفتقر اليها الدول المجاورة الا انه بدأ يتعرض منذ 2004 لسلسلة من الهجمات والصدامات بين قوات الامن السورية وبين ما يشتبه بأنها ميليشيات تعمل على طريقة القاعدة.

ففي الوقت الذي يقول فيه بعض المحللين ان الاشتباكات التي وقعت سابقا، ومنها الهجوم على السفارة الامريكية في دمشق قبل سنتين، كانت من تدبير الدولة لكي تكسب تعاطف الغرب، يقول آخرون ان سورية تواجه فعلا تهديدا حقيقيا من جهاديي المنطقة الذين يمقتون علاقات سورية مع ايران، ويعارضون محادثات دمشق غير المباشرة مع اسرائيل. لكن بالاضافة لتهديد الجهاديين هذا، واجهت سورية هذا العام عددا من عمليات الاغتيال الغامضة.

ففي فبراير الماضي انفجرت سيارة قائد جناح حزب الله العسكري عماد مغنية في احدى ضواحي دمشق مما ادى لقتله على الفور. وقبل وقت غير بعيد تم اغتيال ضابط سوري كبير كان مستشارا للرئيس بشار الاسد، ويقال انه كان يرتبط بعلاقات مع حزب الله اللبناني.

يقول المحلل السياسي السوري سامي مبيض: هناك متطرفون في العراق وفي لبنان وجميعهم يمكن ان يقعوا ضمن دائرة الاشتباه في التفجير الاخير. ولا شك اننا سنواجه اوقات صعبة اذا حاولت الجهات المشتبه بها شن حرب استخبارات ضد سورية، وذلك لأن الامن خط احمر لا يمكن تجاوزه.

 واضاف الكاتب بلانفورد، جدير بالذكر ان الولايات المتحدة كانت تتهم سورية دائما منذ الغزو الامريكي للعراق بأنها تسهل دخول المتطرفين العرب الى العراق عبر اراضيها وطالبتها باحكام قبضتها على امن الحدود، لكن على الرغم من اعتراف وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس لصحيفة الحياة اللبنانية يوم الجمعة الماضي بتناقص عدد المتشددين الذين يدخلون العراق من سورية، الا انها ارجعت الفضل في ذلك لاعمال الحكومة العراقية والولايات المتحدة وليس للمساعدة السورية.

وفي الشهر الماضي حذر الرئيس السوري من العنف الذي يمكن ان تثيره ميليشيات الجهاديين في شمال لبنان، ودعا الجيش اللبناني للقيام بحملة ضدها لأنها كانت قد دخلت منذ مايو الماضي في اشتباكات مع ميليشيا اخرى مؤيدة لسورية.

لكن على الرغم من ان اتفاق المصالحة الذي تم التوصل اليه اخيرا نجح في وقف تلك الاشتباكات حتى الآن على الاقل، ما يزال الشمال اللبناني يعيش حالة توتر يمكن ان تتحول الى انفجار في اية لحظة.

واختتم الكاتب بلانفورد تحليله، فقبل نحو اسبوعين حشدت سورية آلاف عدة من جنود الوحدات الخاصة على حدود لبنان الشمالية مما آثار تكهنات في بيروت بأن دمشق تعتزم القيام بعمل عسكري داخل لبنان. غير ان سورية اعلنت بعد ذلك ان غاية الحشد العسكري هي التصدي لعمليات التهريب فقط، ثم جاءت اشارة صحيفة الثورة السورية لتزيد حدة التوتر عندما ذكرت ان مرتكبي انفجار دمشق جاؤوا من بلد مجاور، وقالت: ان الامن السوري صلب، لكن لما كانت المنطقة تعج بالارهابيين، علينا حماية حدودنا لمنع تسربهم وللحيلولة دون قيامهم بأعمال التفجير والتخريب. من الملاحظ فعلا ان حدود لبنان الشمالية تشكل ممرا مفضلا للجهاديين لعبورها ودخول سورية.

الاسد يعتبر شمال لبنان قاعدة للتطرف تشكل خطرا على سوريا

واعلن الرئيس السوري بشار الاسد في حديث لنقيب المحررين اللبنانيين ملحم كرم ان شمال لبنان يشكل خطرا على سوريا لانه اصبح موئلا للمتطرفين الاصوليين وهو ما اعتبر النائب سعد الحريري من ابرز قادة الاكثرية النيابية في لبنان انه يشكل "تهديدا صريحا ومباشرا" للبنان.

وردا على سؤال لوكالة فرانس برس نقل كرم عن الاسد قوله "ان شمال لبنان بات قاعدة حقيقية للتطرف تشكل خطرا على سوريا".

وكان كرم اجرى المقابلة مع الرئيس الاسد الاحد ونشرت مقتطفات منها مساء الاثنين الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية على ان تنشر كاملة الثلاثاء في صحيفة البيرق التي يملكها نقيب المحررين اللبنانيين.

يذكر بان طرابلس كبرى مدن شمال لبنان شهدت الاثنين انفجارا استهدف حافلة للجيش اسفر عن مقتل اربعة عسكريين ومدني واحد. وكانت سيارة مفخخة قد انفجرت في دمشق السبت واسفرت عن مقتل 17 شخصا.

واعتبر سعد الحريري زعيم تيار المستقبل الذي يتمع بثقل كبير في طرابلس ولدى الطائفة السنية في تصريح بان موقف الاسد يشكل "تهديدا صريحا ومباشرا لسيادة لبنان وخصوصا الشمال" محذرا المجتمع الدولي وخصوصا فرنسا التي زار رئيسها نيكولا ساركوزي مؤخرا دمشق من استخدام سوريا ذريعة الارهاب للتدخل في لبنان.

وقال "ننبه المجتمع الدولي لا سيما الاصدقاء في فرنسا ونحذر من مخاطر التسليم للنظام السوري باي تدخل مباشر او غير مباشر في شؤون لبنان بحجة رد هجمات المتطرفين".

كما دعا جامعة الدول العربية الى "تحمل مسؤولياتها في وقف مسلسل التهويل على لبنان" وطالبها ب"ارسال فريق عربي رسمي للتحقيق في اوضاع الحدود بين البلدين والاشراف على مكافحة كل اشكال التهريب الامني وغير الامني".

وقال "يداب الرئيس بشار الاسد منذ فترة على تحميل لبنان والشمال تحديدا تبعات الاوضاع الامنية داخل سوريا" مضيفا "اليوم وجه (الاسد) رسالة جديدة الى اللبنانيين في هذا المجال تكشف عن نوايا مبيتة لا يجوز السكوت عنها".

يذكر بان سوريا عززت مؤخرا قواتها العسكرية على الحدود مع شمال لبنان سعيا منها "لمكافحة التهريب" (اكرر التهريب) كما اكد رئيس الحكومة السوري محمد ناجي عطري في الثالث والعشرين من الشهر الجاري.

واعتبر الحريري بان تعزيز القوات السورية على الحدود مع شمال لبنان "محاولة لا تنفصل عن مسلسل ترهيب لبنان تارة بداعي مكافحة التهريب وطورا بنية الضغط على لبنان وابقاء الشمال رهينة القلق".

لكن اخبار هذه التعزيزات السورية على الحدود اثارت مخاوف الاكثرية النيابية في لبنان من احتمال تدخل عسكري سوري جديد خصوصا وانها اعقبت اعلان الرئيس الاسد مطلع ايلول/سبتمبر عن "قلقه" من اشتباكات طائفية جرت في طرابلس عاصمة الشمال اعتبرها دليلا على توسع المجموعات الاصولية السنية.

صحيفة سورية: جميع اعضاء مجموعة اعتداء دمشق من جنسيات عربية

ونقلت صحيفة الوطن السورية المقربة من السلطات عن مصدر امني ان "جميع افراد المجموعة" التي قامت بعملية التفجير في دمشق من "جنسيات عربية وليس بينهم اي سوري" مؤكدة ان هدف الاعتداء لم يكن الحي الذي وقع فيه.

واضافت الصحيفة ان المصدر الامني كشف لها انه "بعد ساعات من وقوع التفجير استطاعت السلطات المختصة الكشف عن الخلية المخططة للهجوم وتم اعتقال عدد كبير من أفرادها" مشددا على ان "البحث لا يزال جاريا عن عدد آخر".

واكد المصدر ان جميع أفراد المجموعة هم من "جنسيات عربية وليس بينهم أي سوري". واوضح "هدف عملية التفجير الإرهابية التي وقعت صباح السبت في منطقة القزاز لم يكن حي القزاز والفرع الأمني الموجود في المكان بل حصل الانفجار لأسباب تكشف لاحقا في هذا المكان".

واوضحت الصحيفة ان الانفجار الذي اودى بحياة 17 شخصا "وقع في منطقة القزاز المزدحمة بالقرب من فرع فلسطين الأمني". ومن بين الضحايا العميد في الجيش جورج ابراهيم الغربي وابنه. وتابع المصدر ان "التحقيقات جارية لمعرفة الهدف الحقيقي الذي كان ينوي الإرهابي تفجيره".

وقال المصدر ان "التحقيقات أظهرت بأن هذه الخلية كانت تعمل لزعزعة الأمن والاستقرار في سورية بتوجيهات من الجهات الممولة لها".

وكانت السلطات السورية اعلنت الاثنين ان التحقيقات الاولية اظهرت ان الاعتداء عملية "انتحارية نفذها ارهابي على علاقة بتنظيم تكفيري" وان السيارة المفخخة التي استخدمت "دخلت من دولة عربية مجاورة". وتابعت ان التحقيقات مع الموقوفين في هذه القضية كشفت ان "الارهابي منفذ العملية على علاقة بتنظيم تكفيري (...) جرى توقيف بعض افراده سابقا" دون المزيد من التفاصيل.

غموض تام حول الجهة المخططة لاعتداء دمشق

وأثار اعتداء دمشق اسئلة حول الجهة التي تقف وراءه فيما رأى فيه بعض المحللين رسالة من اسرائيل او من القوى السنّية المتطرفة في المنطقة. فلم تعلن اي جهة تبنيها العملية حتى الساعة بينما التزمت السلطات السورية كالعادة في مثل هذه الحالات الصمت التام ما دفع المعلقين الى التوقف عند نظريات مختلفة وعديدة.

وتساءلت صحيفة الوطن السورية المقربة من السلطة عن المستفيد مما جرى" معتبرة انه "من الطبيعي ان يكون كل من لا يريد لهذا البلد ان ينعم بالامن والسلام الذي امتاز به طوال السنوات الماضية".

واضافت "للاسف فان قائمة من يريدون الوصول لهذه النتيجة كثر علما ان هذه القائمة لا تبدأ باسرائيل وحدها ولا تنتهي بجماعات اساءت فهم الدين". بحسب فرانس برس.

ويرى المحلل رياض قهوجي المقيم في دبي "عدم امكان استثناء احد من الشكوك بسبب المصالح الاقليمية المتناقضة وخصوصا بسبب الموقف الاقليمي الملتبس لسوريا".

وقال لوكالة فرانس برس ان سوريا "حليفة ايران الا انها تقوم في الوقت نفسه بمفاوضات سلام غير مباشرة مع اسرائيل مشروطة بحسب الدولة العبرية بالبقاء على مسافة من طهران". واضاف ان "دمشق تحاول في المقابل طمأنة طهران بكل الوسائل بان هذا السلام لن يتم على حساب تحالفهما". واعتبر بالتالي ان هذا الاعتداء يمكن ان يكون "رسالة الى سوريا" لكي تتخلى عن حلفها مع ايران.

وقال قهوجي من جهة ثانية ان "المجموعات السنية الاصولية لا تحبذ ايضا تحالف دمشق طهران وغير راضية عن المحاولات المفترضة لدفع السنة السوريين الى اعتناق المذهب الشيعي". واشار قهوجي من جهة ثانية الى ان الانفجار في حد ذاته يطرح اسئلة.

وقال "ان نقل مئتي كيلوغرام من المتفجرات ليس بالامر البسيط في بلد مثل سوريا" التي تمسك بشكل جيد الشؤون الامنية. واضاف "هذا يمكن ان يدل على وجود نزاعات داخل الاجهزة الامنية".

وهو الاعتداء الثالث في دمشق هذه السنة بعد مقتل العميد محمد سليمان المسؤول عن امن مركز الدرسات والبحوث العلمية السوري في آب/اغسطس ومقتل القيادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية في شباط/فبراير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/تشرين الأول/2008 - 6/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م