القرضاوي بين التحريض ضد الشيعة والفهم الخاطئ للتشيّع

إعداد: المركز الوثائقي والمعلوماتي

 

شبكة النبأ: على مايبدو، هناك وجهتا نظر تجاه التصريحات التي يطلقها القرضاوي ونظرائه حول مذهب الشيعة، الأولى ربما لم تختلف هذه التصريحات عن تلك التي يطلقها التكفيريون الذين لم تخفق رايتهم وهي تهزها رياح الحقد الدفين. أما وجهة النظر الأخرى تكمن في عدم فهم مذهب التشيع الذي يتخذ من علوم أهل البيت منهجا عقائديا وفقهيا وفكريا وأخلاقيا. فهذا الفهم لو دقق فيه القرضاوي ومن أنتهج النهج الخلافي المتعمد لما أصبح على البسيطة أي مخالف للقرآن والسنة وأهل البيت عليهم السلام.

فالشيخ القرضاوي الذي قال أني أخشى من فُرقة المسلمين.. ويصل حجم هذه الخشية أكبر من الحروب والفتن الكبرى. ربما كلمة حق يراد بها باطلا، وربما سوء فهم لفكر التشيع وما يحمله من رؤى أصيلة مثل الأخوة الاسلامية والأمة الواحدة وبلد الملياري مسلم والتعددية وأزالة الفوارق.راجع كتاب السبيل الى أنهاض المسلمين وكتاب الصياغة الجديدة للأمام آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي.

القرضاوي يفجّر فرقعته مرة أخرى

وجدد يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتحذيره من المد الشيعي للمجتمعات السُنية، مؤكدًا أنه لا يسعي من خلال هذا التحذير إلي فُرقة المسلمين، لكنه يخشي ما هو أكبر وأهم من الفُرقة، وهو الفتنة والحروب.

كما أرجع القرضاوي الجدل، الذي أحدثه حواره مع، إلي مكانته في العالم السُني، وأن الذين شنوا عليه حملة اتهامات، يعرفون أنه ليس وهّابيا مغاليا، وإنما سُني معتدل.

وأشار، في حوار سريع، مع صحيفة المصري اليوم حيث يقيم في العاصمة القطرية الدوحة، أنه سبق أن ألمح بآرائه حول الشيعة في عدة مؤتمرات سابقة، لكن الأمانة فرضت عليه أن يتحدث هذه المرة بـ حدة ووضوح، وأن يبّصر الأمة بالمد الشيعي، لأن اللّه سيسأله إن تجاهل أمانته يوم القيامة.

* دكتور.. هل كنت تتوقع للحوار أن يثير كل هذا الجدل؟

ـ لا.. ولكنني أشكر المصري اليوم علي أي حال ولا تهمني الضجة ولا تهزني، لأنني قلت ما أملاه علي ضميري وديني ومسؤوليتي.

* لماذا الآن هذا الجدل.. وهل للتوقيت مغزي؟

ـ لقد ألمحت كثيرا للأمر من قبل في عدد من المؤتمرات، فلماذا الربط بأن تصريحاتي آنية؟!

* ولكن تصريحاتك هذه المرة كانت لهجتها حادة وانتقلت من فكرة الاختلاف بين المذهبين إلي الاتهام بوجود مد شيعي؟

ـ أنا معك في أنها بالفعل المرة الأولي التي أتحدث فيها في هذا الأمر بهذه الحدة وهذا الوضوح، ولكنها أمانتي، تفرض علي هذا، وقد استشرفت أن من واجبي أن أحذر من هذا المد، وأن أبصّر الأمة، لأن الله سيسألني عنها يوم القيامة.

* وما الذي تغير وجعلك تري ضرورة تبصير الأمة الآن؟

ـ لأنني لاحظت ازدياد المد الشيعي، بما للشيعة من إمكانات وبما هم عليه من تدريب وتثقيف، خاصة أن ساحة السنة خالية، وليس لديهم خلفية بهذا المذهب الشيعي.

* ما الذي جعلك تتخلي عن موقفك من التقريب بين المذاهب والتحول إلي التحذير من المد الشيعي واختراقه للسنة.. ألم تخش فرقة المسلمين؟

ـ بل خشيت مما هو أكبر وأهم من الفُرقة، وهو الفتنة والحروب.

* وهل التحذير من الشيعة يسد الفتنة.. البعض يري أنك فعلت العكس؟

ـ غير صحيح، فأيا كان حال ووضع الفتنة الآن فهي لا تذكر في مقابل ما يمكن أن يحدث في المستقبل من حروب وفتن كبري، لو أن الشيعة دخلوا جميع المجتمعات السنية.. فأنا أعمل علي سد الذريعة قبل أن يستفحل الأمر، لأنه لو تركنا الشيعة يخترقون المجتمعات السنية، فلن يكون الوضع محمودا، ووجودهم في العراق ولبنان أكبر دليل علي عدم الاستقرار.

ردود على القرضاوي: كلام مبالغ فيه

ضياء رشوان: كلام القرضاوي عن الاختراق الشيعي مُبالغ فيه.. ولا يتسق مع التحولات التاريخية

* ضياء رشوان المحلل السياسي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بدأ تعليقه على حديث القرضاوي قائلاً:

أنا أتفهم آراء الشيخ القرضاوي باعتبار وجوده في قطر، فالوجود الشيعي في دول الخليج، خاصة في الإمارات والبحرين وقطر، أكبر منه في باقي الوطن العربي، وإحساس السُنة هناك بمسألة المذهب الشيعي واختراقه لهم يكون أكثر من إحساس المصريين بها على سبيل المثال،

وربما ذلك لوجود أقلية شيعية نشطة ومؤثرة في الاقتصاد في هذه الدول الخليجية، بل تمتد بجذورها إلي إيران، وبالطبع الشيخ القرضاوي غير منفصل عن طبيعة المكان الذي يعيش فيه، ومن هنا جاءت هذه التصريحات.

ويضاف إلي ذلك وجود إيران كدولة إسلامية كبري تقع علي حدود الخليج العربي، في ظل حالة الصراع التي نشبت علي المنطقة الأكثر قرباً منها، علي مصر والبلاد العربية.

* لماذا الآن الجهر بالفروق بين المذهبين السُني والشيعي والتحدث عن اختراق للسُنة؟

- الشيخ القرضاوي تحدث عن الفروق بين السُنة والشيعة من قبل أكثر من مرة، كان أبرزها في مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية في الدوحة الذي حضره عدد من أئمة الشيعة، ودار حوار بينهما ورد علماء الشيعة علي القرضاوي في نفس المؤتمر.

* ولكنها المرة الأولى التي يؤكد فيها القرضاوي على الفروق بهذه الحدة، بل وصل الأمر إلي أنه قال بتبشير شيعي، وإن كان حتي ذكرها من قبل فلماذا هذا الاستنفار الإيراني الشيعي الآن ضد كلام القرضاوي؟

- ربما للحدة التي أكد فيها القرضاوي علي هذه المعاني وعلي الفروق، وبالطبع إدراكهم حكم القرضاوي هو أكثر ما يخيفهم من كلامه، وربما لأنه في مؤتمر الدوحة كان هناك علماء من الشيعة من بين حضور المؤتمر فردوا عليه، أما الآن فاعتبروا الأمر وتعاملوا معه علي أنه تحريض من قبل القرضاوي ضد الشيعة.

* وهل تعتقد أنه بالفعل كان يقصد التحريض؟

- لا.. وإنما هو تعامل كأحد أهم أئمة المسلمين السُنة الذي يخشي علي مذهبه ويحافظ عليه، وهذا حقه.

* وهل تعتقد أن تحذيره من المد الشيعي في محله؟

- لا أعتقد.. ومن يقل هذا يجهل بحقيقة التحولات التاريخية، فالتاريخ لم يذكر أبداً أن أمماً أو دولاً تحولت من مذهب إلي آخر بين يوم وليلة، أو نتيجة دعوة بعض الأفراد حتي النبي محمد (صلي الله عليه وسلم) نفسه لم يستطع نشر الدين الإسلامي بين يوم وليلة، واستغرق الأمر قروناً طويلة،

وإذا كانت هناك أقلية شيعية في بعض الدول أو حتي في مصر فهذا لا يعني أن مصر يمكن أن تتخلي عن مذهبها السُني طوال العقود الماضية لتتحول إلي الشيعة، مصر لم تتحول من المذهب الشيعي الفاطمي إلي المذهب السُني إلا بعد تحولات في قلب الدولة المصرية وانتقال الحكم إلي الأيوبيين.

* ما رأيك في القول بأن الشيعة، وخاصة في إيران، يتبعون خطوات أمريكا ويضعون أرجلهم في المكان نفسه والدليل وجودهم في أفغانستان والعراق؟

ـ ولماذا لم نجد فتنة سنية شيعية في أفغانستان كما تقولين.. أفغانستان مر عليها أمريكان وسوفييت و«طالبان» وأقليات شيعية ولم نسمع عن صراع مذهبي هناك.. أما الصراع الموجود في العراق فليس بسبب أمريكا، ومن يقل ذلك مخطئ، فالأمريكان كان من مصلحتهم تماسك العراق ولم تكن واشنطن بحاجة إلي إضافة عبء جديد عليها، ولم تكن أمريكا مدركة حقيقة الوضع.

* ومَن صنعَ هذه الفتنة إذن؟

ـ إسرائيل مازال الأمر متعلقاً بها، والدليل أنه في عام ١٩٨١ كان يوجد ما يسمي استراتيجية إسرائيل، وقد تم ترجمة النص وتسريبه، وذكر فيه أن من مصلحة الدولة العبرية تفكيك الكيانات العربية علي أساس مذهبي وعرقي، ولا تنسي أن أول من تحدث عن الهلال الشيعي وحذر من خطره هو الملك عبدالله بن الحسين الذي كان والده صديقا مقربا للإسرائيليين، حسبما أكدت مذكرات وكتابات لمسؤولين إسرائيليين والكل يعلم أيضا أن الأردن وإسرائيل علي خط واحد.

ثم أننا لو عدنا إلي الوقائع التي صنعت الأزمة في العراق سنجدها تعود إلي تفجير مرقدي الهادي والعسكري في سامراء، وهما مرقدان شيعيان، وبالتالي ليس من مصلحة إيران ضربهما،

ورغم اتهام «القاعدة» بالضلوع في هذين التفجيرين، إلا أنها نفت ثلاث مرات اشتراكها في هذا الأمر، لذا فالاتهام محصور في إسرائيل التي من مصلحتها إيقاع السنة في الشيعة، خاصة أن هناك وجوداً مؤثراً لإسرائيل في العراق، بل الإسرائيليون هناك يدربون بعض الأكراد علي الحدود، كما ذكرت بعض التقارير الموثقة، خاصة أن إسرائيل تعتبر حزب الله، شيعي المذهب أخطر أعدائها في دول المواجهة، ومن ثم من صميم مصلحتها عزله عن التأييد الشعبي الواسع الذي يتمتع به في العالم العربي، ذي الأغلبية السنية باصطناع فتنة مذهبية سنية شيعية تبدأ من العراق.

وإن كنت قلت إن الأمريكان لم يصطنعوا هذه الفتنة، لكنهم علي الجانب الآخر استفادوا منها في عزل إيران عن المحيط العربي السني المجاور.

* ما رأيك في القول بأن أساس الصراع مع الشيعة هو صراع ديني وأن ولاية الفقيه لن تكون إلا دينية، ونظام الدولة بالكامل في خدمة المشروع الديني، خاصة أن إيران تعيش علي أمل ظهور المهدي المنتظر.. وبالتالي الصراع هنا ديني كما هو في مضمون حديث القرضاوي؟

- كل دول الخليج مرعوبة من مسألة الحرب ضد إيران خاصة بعدما تأكدوا من عدم قدرة أمريكا علي حسم الحروب رغم أن الخليجيين كانوا أكثر من يؤمنون بقوة أمريكا اللامحدودة، ولكنهم اكتشفوا أن أمريكا عاجزة عن حسم حرب مع ٢٥ مليون نسمة في العراق،

فكيف لها أن تخوض حرباً مع ٧٥ مليون نسمة في إيران، وهم موقنون تماماً أن أي حرب مع إيران سيدفع ثمنها المباشر الخليجيون في الخارج من ناحية لقربهم من إيران، وفي الداخل من ناحية أخري لوجود أقليات شيعية ضخمة ومؤثرة في السعودية والإمارات والبحرين كفيلة بتفجير البلد من الداخل، حيث إن المنطقة الشرقية في السعودية بها حوالي ٣ ملايين شيعي، وبالتالي علي من يخدّم القرضاوي وضد من!

* وبالنسبة لما ذكره القرضاوي عن الإخوان، هل تعتقد أنه محق في أن جماعة الإخوان المسلمين أهملت التربية وانشغلت بالسياسة؟

- من الصعب أن نحكم علي تاريخ جماعة عمرها ٨٠ سنة، ولديها تراكم من الخبرات بهذه البساطة، فالعمل السياسي داخل الجماعة جزء لا يتجزأ من طبيعتها ثم إنني كمحلل سياسي عندما أتابع تطورهم السياسي أجده في ازدياد، فهناك اختلاف وتطور في أماكن وعدد التصويت لهم، والنسب في ازدياد كما أنهم استطاعوا كسب مناطق جديدة، في الصعيد والإسكندرية ولا يمكن لهم أن يحصلوا علي هذا التصويت إلا نتيجة لعملهم الاجتماعي.

لا يوجد صراع بين العرب وإيران..

منصور حسن، وزير الثقافة والإعلام الأسبق، قامة سياسية وثقافية في مصر، ترصد الأحداث المصرية والعربية والعالمية في صمت تحللها وتضع خطوطاً تحت بعضها مؤيدة أو معترضة أو مبررة، إلا أنها من النادر أن تجهر برأيها إلا على فترات طويلة.. و للرد على حقيقة الصراع بين العرب وإيران، لما لها من رؤية معتدلة ومختلفة وبما لها في قلوب وعقول الناس من محبة ومصداقية، لذا كان وجوده ضمن هذا الملف إثراءً وإضافة له.. سواء بالاتفاق أو الاختلاف.

* ما هي حقيقة الصراع بين العرب وإيران؟ وهل تراه في الأصل دينياً؟

- العلاقات العربية الإيرانية خيم عليها في الآونة الأخيرة ما يمكن أن نسميه نوعاً من الفتور، وليس صراعاً بالمعني المفهوم، لأنني أعتقد أنه ليس هناك في حقيقة الأمر أي مجال لصراع ديني أو حتى سياسي مع إيران، فمن الناحية الدينية لا أستطيع أن أخوض في الفروق بين المذهبين السُني والشيعي،

ولكني أثق أن ما بينهما من اتفاق علي أساسيات الدين الإسلامي هو أقوي وأكبر، وهو ما يمكن أن نتمسك به حرصاً علي تماسك الأمة، لذا اندهشت من تصريحات الدكتور يوسف القرضاوي لأنني أعلم أنه عالم إسلامي جليل ومعتدل ومن أكثر المؤمنين بالتقارب بين المذاهب،

أما من الناحية السياسية فلا يوجد أي مجال للخلاف أو الصراع بين العرب وإيران، ولكن ما يخيم علي العرب من فتور كما قلت هو بفعل أمريكا وبإيعاز من إسرائيل التي تري خطورة إيران عليها في المنطقة، ومن هنا تحاول أمريكا عزل إيران وحصارها بإفساد العلاقة بينها وبين جيرانها.

* هل هذا الحصار لحماية إسرائيل أم بسبب الدور الإيراني في العراق؟!

- لا أؤمن بذلك، فالحدة التي تتعامل بها أمريكا مع إيران ليست بسبب العراق، إنما السبب الحقيقي هو خوف إسرائيل من إيران التي تري خطورتها الشديدة عليها، ونتيجة تحيز أمريكا لإسرائيل لذا تحاول أن تكتل أكبر دول عربية في المنطقة ضد إيران،

وما يحدث في العراق هو نتيجة وليس سبباً، بل أصبح من المعروف الآن حتى في الولايات المتحدة الأمريكية أن العدوان الأمريكي علي العراق واستمرار الاحتلال، كان نتيجة لخطة وضعتها المجموعة الصهيونية في البنتاجون الأمريكي بقيادة وولفويتز لحماية إسرائيل والحرص علي مصالحتها.

* قلت ولا حتى صراع سياسي.. إذن ما ردك علي من يقول بوجود مشروع إيراني في المنطقة، وأطماع سياسية تعمل علي تحقيقها؟

- هل حاورنا إيران عن هذه الأطماع؟! إن وجدت حقيقة، هل بذلت أي من الدول العربية الجهد الكافي تجاه سؤال إيران والجلوس معها للتفاهم حول هذه النوايا وهذه الأطماع لإنهائها أو تلاشيها أو تقريب وجهات النظر! بالطبع هذا لم يحدث فنحن سرنا خلف من يقول بهذه الفكرة دون أي مجهود يذكر.

* ولكن إيران تتحالف بقوة مع سوريا ويقال إنها تمد حزب الله في لبنان والشيعة في العراق بالسلاح، فإذا لم يكن لها أطماع لماذا يصل الأمر إلي حد الدعم بالسلاح؟

- أؤكد مرة ثانية أن ما يحدث هو نتيجة وليس سبباً، فلو أن إيران كانت تطمئن للعالم العربي من حولها، ومتأكدة من أنه مسالم بشأنها لما كانت تحاول أن تخترقه وتمد جسورها إلي مواقع تقبل بها، حماية لمصالحها ضد إسرائيل.

ثم إن الذي يدعو إيران لكي تمد جسورها إلي سوريا وحزب الله و«حماس» هو في رأيي محاولة كسر الحصار الذي تحاول أمريكا فرضه عليها وليس لمصالح سياسية في المنطقة،

ولا تنسي أن هذه الأطراف الثلاثة أيضاً هي نفسها الأكثر عداء لأمريكا، وبالتالي تجد ملاذا في اللجوء إلي إيران، وهنا أؤكد أن استقواء العرب بأمريكا ضد إيران خطأ، لأنه من غير الحكمة أن تستقوي علي جارك بالغريب، لأن الغريب قد يهب لنجدتك مرة أو مرتين، أما الجار سيظل جارك أبد الدهر.

* وماذا عن احتلال إيران للجزر الإماراتية؟

ـ لاشك أن للإمارات مطالب حقيقية، وأعتقد أنه لو لم تكن العلاقات العربية - الإيرانية تمر بما تمر به الآن من توجس متبادل لكان من الممكن أن يحل هذا الإشكال بالتفاوض.

* وهل تعتقد أن باقي الدول العربية مؤمنة بفكرة الصراع سواء الديني أو السياسي مع إيران، كما هو إيمان الدول حلفاء أمريكا أو كما يتم تسميتها الدول المعتدلة؟

ـ لا.. بدليل أننا لم نسمع عن أي صراع أو حتى برود بين هذه الدول وإيران، وهو ما يؤكد أن أمريكا استغلت حلفاءها في المنطقة للترويج لهذا العداء، خاصة لقرب هذه الدول جغرافيا من إيران بعكس باقي دول الوطن العربي.

* ربما نتفهم انسياق دول الخليج خلف ادعاءات أمريكا نظرًا لقربها الحقيقي من إيران، ولكن بماذا تفسر موقف مصر من إيران وهي أبعد جغرافيا وغير متضررة بشكل مباشر لو افترضنا وجود صراع ؟

ـ لا تعليق!! وأحيلك إلي ما قلته سابقًا.

* هل تظن بالفعل أن شارعاً باسم الإسلامبولي أو فيلم «مقتل فرعون» أسباب حقيقية للصراع بين مصر وإيران؟

ـ أولاً إيران أعلنت أكثر من مرة عدم مسؤوليتها عن الفيلم، أما اسم الشارع فلاشك أنه سقطة سياسية من طهران، بل ضد قيم الدين الإسلامي الذي تدين به إيران، أن يتم تمجيد اسم شخص قتل آخر بغير وجه حق، وكان علي إيران أن ترتفع عن هذا الموقف وتراعي مشاعر المواطنين المصريين حرصاً علي إقامة علاقات سليمة في المستقبل، ولكن هذا لا يجب أن يكون سبباً للصراع.

* وماذا عن القول بوجود عداء شديد بين السعودية زعيمة السنة وإيران زعيمة الشيعة؟

ـ المتابع لحركة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران خلال العامين الماضيين يجد أن كلا الطرفين يجاهد علي ألا يبقي الوضع متأزما، وألا تتسع شقة الخلاف بينهما، وهذا ليس من شيم المتصارعين بحق، وهو أكبر دليل علي إيمانهم بأن هذا الوضع ضد طبيعة الأمور.

* عودة إلي الشق الديني.. هل تعتقد أن عدد الشيعة في الدول السنية قد زاد؟

ـ لا أعرف من الناحية الإحصائية هل العدد في تزايد أم تناقص، ولكن هذا الموضوع لا يثير اهتمامي علي الإطلاق ولا أخشي من انتشار أي مذهب من المذاهب الإسلامية، وأري أنه مثل أي مذهب إسلامي وآخر حنفي أو حنبلي، وزيادة أنصار مذهب علي الآخر ليس فيها انتقاص للإسلام بأي صورة من الصور، ولكنني من أشد المتحمسين بلاشك للتقريب بين المذاهب.

وختاماً علينا أن نراعي أن السلام والاستقرار الحقيقي في المنطقة يقتضي أن تكون العلاقات بين الدول العربية - وبالذات مصر - مع إيران وتركيا علاقات تعاون وتفاهم.

أولويات التحذير: الخطر الإيراني.. أم الخطر الصهيوني؟

 * محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين، علّق على نصيحة الشيخ القرضاوي للجماعة بالتخلي عن العمل السياسي لصالح العمل التربوي؟

بقوله: ـ جماعة الإخوان المسلمين لها ثلاث وظائف الأولي تربوية تهتم بإعداد الصف والكوادر، لتكون مؤهلة للدعوة لشمولية الإسلام ولتبليغ الرسالة بوحدة الصف والتمسك بالأخلاق والترابط والاتصال الدائم مع اللّه..

والوظيفة الثانية خاصة بالدعوة، وفيها كيف يتحرك الصف للارتقاء بالمجتمع فكريا وأخلاقيا وإيمانيا وتغليب القيم والمصلحة العامة علي الخاصة.. أما الوظيفة الثالثة فهي سياسية،

حيث نحاول أن نصلح المؤسسات والأجهزة الإدارية للدولة من خلال القنوات الدستورية والشرعية بأن نصل إلي مجلس الشعب ونخوض انتخابات الشورى والمحليات واتحادات الطلاب والنقابات والهدف الرئيسي هو محاربة الفساد المستشري في جميع أجهزة الدولة..

والتصدي لاستبداد النظام الذي أدي إلي غلاء الأسعار وأزمات الخبز والبطالة والتعليم وغيرها.. ولو أن الفساد نسبته ١٠٠% واستطعنا أن نصل به إلي ٧٠% فهذا مكسب كبير.

* ولكن بعد دخول الإخوان المجلس لم يشهد المجتمع فسادًا أقل بل شهد ما هو أكثر؟

ـ نسبة الفساد كان من الممكن أن تكون أكبر لو أن الإخوان ليسوا في المجلس، فإذا ما أحضرت قالب زبدة وحاولت تمرير السكين فيه سينقطع سريعًا، أما إذا وضعت مسامير في داخله فلن تستطيعي القطع.. والإخوان هم المسامير التي تعوق تمزيق البلد سريعًا من قبل النظام..

ثم أننا مازلنا نضع الأساس الذي سنبني عليه.. أما مسألة تحقيق النتائج فهي أمر يتعلق بمشيئة المولي عز وجل، نحن نقوم بواجبنا تجاه اللّه والوطن.

* هذا يعني رفض نصيحة القرضاوي بالتخلي عن السياسة؟

ـ لن نتخلى عن السياسة رغم احترامنا للشيخ القرضاوي، والأمر بالنسبة إلينا لا يتجزأ.

* هل فعلاً انشغلتم بالسياسة وأهملتم الجانب التربوي؟

ـ هذا كلام غير صحيح، لم نهمل أمرًا ونسير في الأهداف الثلاثة بالتوازي والتساوي.

* ألا تعتقد أن الخسائر في صفوف الإخوان أصبحت فادحة وتتطلب إعادة ترتيب الأولويات؟

ـ الإخوان تم ضربهم ضربات قاصمة في أعوام ١٩٤٩ و١٩٥٤ و١٩٦٥ ولو أن جماعة أخري تعرضت لما تعرضنا له ما احتملت، وكان انتهي أمرها من زمن، ثم أن الحرية لا توهب، والديمقراطية لا تمنح وكلتاهما لها ثمن علي الإخوان دفعه، وعلي الشعب المصري كله أن يدفعه،

فلا توجد سلطة حاكمة تتنازل طواعية عن الحكم.. لننتظر أن يتغير الواقع من نفسه فالواقع لا يتغير إلا إذا قرر الرأي العام تغييره، ونحن نعمل علي تحفيز وتوعية الرأي العام.

* هل لديك تعليق علي ما قاله الشيخ القرضاوي بشأن خطر المد الشيعي؟

ـ أنا شديد الاندهاش من تصريحات شيخنا وأسأله أيهما كان أولي بالتحذير المد الشيعي والخطر الإيراني أم الخطر الصهيوني.. هناك يا دكتور قرضاوي أولويات في الاهتمام والتحذير.. الصراع مع إيران صراع سياسي، والصراع الديني فيه يأتي في المرتبة الثانية.

لا يوجد مد شيعي.. وإنما إعجاب بنماذج الشيعة في إسقاط الشاه والمقاومة

الدكتور محمد سليم العوا المفكر الإسلامي ورجل القانون كان أول من بادر بإبداء رأيه فيما قاله الشيخ القرضاوي، وأبدى اعتراضه علي تصريحاته مع الحفاظ والإقرار الدائم بما تجمعهما من صداقة، خاصة أن الدكتور العوا هو الأمين العام للاتحاد العالمي للمسلمين، الذي يترأسه الشيخ يوسف القرضاوي.

* أبديت اعتراضك فور قراءتك الحوار الذي أجريناه مع الشيخ القرضاوي، فلماذا؟

- الشيعة مسلمون تماماً مثلنا يختلفون معنا في بعض الفروع كما تختلف المذاهب السنية مع بعضها البعض.. القول بأنهم يقولون إن في القرآن نقصاً غير صحيح فلا يوجد عالم شيعي يقول بذلك ومسألة أن هناك نشاطاً شيعياً في البلاد السنية تصور بأكثر من حجمها الطبيعي، لاسيما في مصر،

ولا يوجد تبشير بالشيعة كما لو أنه كان ديناً آخر، فهذه مجرد دعوة لمذهب يقوم بها بعض الأفراد المقتنعين بأن من واجبهم الدعوة إلي هذا المذهب، وأنا أعتقد أن الخوف غير مبرر ومصر ظلت ٢٠٩ أعوام شيعية تحت مظلة الحكم الفاطمي، وعندما خرج الفاطميون صباحاً عدنا سنة كما كنا في الليل،

فلا يوجد ما يسمي المد الشيعي أصلاً، إنما يوجد إعجاب بالنموذج الشيعي في إسقاط الشاه، ويوجد إعجاب بالنموذج الشيعي وحزب الله في مقاومة إسرائيل، وأنا نفسي معجب بهذه النماذج، وهذا لا يعني أنني شيعي أو أدعو إلي التشيع.

* هل أنت مع الرأي القائل بوجود أطماع لإيران في المنطقة؟

- هذا ما يريدونه في الغرب أن نخاف من إيران، فلا نتحد معها سياسياً، لأنهم يعرفون لو أن السنة اتحدوا مع الشيعة سياسياً لتغيرت موازين القوي في العالم كله، ولكن المقصود من الدول المهيمنة الكبرى ألا يحدث أي تقارب بين إيران والدول السنية.. وأنا أعتقد أن لدي إيران من المشاكل ما يكفيها ولا أعتقد أن لها أطماعاً في المنطقة ولكنها دولة كبري ذات قوة محترمة،

وتري أنه يجب أن يكون لها في إقليمها صوت، ولا يجوز أن تكون دولة من الدرجة الثالثة ومن حقها ألا تأتي دولة مثل أمريكا أو إسرائيل وتنافسها في وجودها في الخليج، فهي جزء من الإقليم وليست مزروعة فيه.

* هذا معناه أنك مع حفاظها علي مصالحها في المنطقة؟

- طبعاً.. أليست مصر هي الأخرى لها مصالح في المنطقة.. أليس لسوريا مصالح أيضاً، فلماذا نلوم إيران إذا كانت تحاول الحفاظ علي مصالحها مادمنا نحن لا نستطيع الحفاظ علي مصالحنا، أنا أقر وأبصم بالعشرة بوجود مشروع إيراني سياسي واقتصادي وثقافي في المنطقة، ولكن السؤال المهم: أين المشروع السني؟ أين المشروع المصري وأين المشروع السعودي؟ أين المشروع القديم وهو حلف القاهرة دمشق الحجاز؟ أين هذا المحور؟ مات! فلماذا تريدون موت المحور الشيعي.

* كيف تري الصراع السعودي الإيراني؟

- خطأ كبيراً وضد المصلحة الإسلامية العليا، فالمصلحة الإسلامية العليا تتمثل في التكاتف المصري السوري السعودي الإيراني التركي، إذا استطاعت هذه الدول الخمس أن تصنع فيما بينها تكاتفاً وتنسيقاً في المواقف السياسية والاقتصادية لتغيرت خريطة العالم، وإذا قصرنا فالمقصر سيسأل يوم القيامة.

* هل تؤيد القرضاوي الرأي أم تخالفه في ضرورة عودة الإخوان للعمل التربوي والكف عن العمل السياسي؟

ـ مشكلة الإخوان المسلمين الحقيقية هي في إخفاقهم السياسي، وهم لا يستطيعون في رأيي تقويم الدول، وهذا ليس من العقل في شيء.. وأنا قلت لهم كثيراً اشتغلوا بالتربية، وبما كان يعمل به حسن البنا، وقد وجدت أن الأستاذ عادل كمال وهو من الرعيل الأول في الإخوان أرسل للمرشد العام رسالة بنفس المعني ونشرت في الصحف،

وعلي ما يبدو أن هناك فريقاً داخل الإخوان المسلمين بدأوا يقتنعون بضرورة ترك الإخوان للسياسة والعودة إلي العمل الاجتماعي والتربوي، فنحن لدينا مشكلة أن المواطن العربي المسلم فقد كثيراً من قيمه وأخلاقياته، ونحن نريد من يعمل علي إعادتها.

* هل تخشي علي الإخوان إذا ما عملوا بالسياسة أم تخشي منهم؟

ـ هدف أي فرد أو جماعة من عمل حزب أن ينافس علي الحكم وهذا حقه وأنا مع أي إنسان يريد عمل حزب، حتي لو كان شخصاً واحداً، ولكن جميع القيود الموضوعة في قانون الأحزاب هي قيود تمنع العمل السياسي ولا تتيحه،

وهي خطيئة فقد ينبت العمل السياسي الحر زعامات وقيادات سياسية من الإخوان أو من غيرهم أفضل من الموجودة الآن، فلماذا نحرم الأمة؟ في الغرب نجد زعامات شابة تتولي أمور الدولة خمس أو سبع سنوات وتأتي بنتائج مبهرة، ثم يأتي غيرها وهكذا.. وهذا بالطبع من تأثير الديمقراطية وحرية العمل السياسي.

* ما نصيحتك لجماعة الإخوان في ضوء الظروف السياسية والأمنية التي يمرون بها؟

ـ أنا أقول لجماعة ضخمة وكثيرة العدد مثل الإخوان المسلمين إذا كانت السياسة ستعيقكم عن العمل ونشاطكم الاجتماعي والتربوي فلتتركوها، واعملوا بالتربية، فما الذي نستفيده من ضرب الإخوان في الانتخابات أو اعتقالهم أو حظر نشاطهم، لكنني سأستفيد منهم في الشارع وفي التربية.

إيران اعتقدَت أن القرضاوي يعبئ السُنة ضدها لتسهيل الضربة الأمريكية

الدكتور عمرو الشوبكي المفكر والمحلل السياسي، كانت له قراءة مختلفة لتصريحات الشيخ القرضاوي ظهرت عندما سألته: هل لديك قراءة تحليلية لتصريحات الشيخ القرضاوي وحديثه عن خطورة المد الشيعي ووجوب التصدي له؟

فأجاب: إنتاج الشيخ القرضاوي من الفقه والدين يفوق إنتاجه السياسي وأهميته الحقيقية هي أهمية دينية وليست سياسية، لذا من الصعب أن نقول إن تصريحاته كانت تحمل معني سياسيا،

فأنا أعتقد أنها تصريحات تعود لكونه زعيمًا سُنيا يستشعر خطورة ما علي مذهبه لذا قال ما قال.. ولكنه أغفل أمرًا مهمًا عندما تحدث عن مد واختراق شيعي للسُنة، وأنا لا يمكن لي أن أعتبر هذا الاختراق الذي تحدث عنه القرضاوي أنه منظم ومدروس ومخطط من قبل إيران، إنما هو اختراق نابع في الأصل من ضعف جميع المؤسسات السُنية في العالم العربي،

والشيخ القرضاوي يعلم جيدًا بل عاني كثيرًا من فكرة استبعاد العلماء الأقوياء أمثاله وأمثال الشيخ الغزالي رحمة اللّه عليه من تقلد رئاسة الأزهر، رغم أنه في الواقع أحق من كثيرين، هذا الواقع الضعيف والمهين للسُنة جعل الساحة السُنية مخترقة وأصبح الوزن الفقهي والفكري للشيعة أكبر من نظرائهم السُنة،

وأصبح هناك بريق للسيد حسن نصر اللّه وهذا غير موجود في المؤسسات السُنية، لكل هذا أنا أري أنه قد حدث اختراق شيعي للسُنة بالفعل ولكنه بسبب غياب مصداقية علماء السُنة لدي جموع المسلمين والشيخ القرضاوي رأي المسألة من زاوية واحدة.

* إذا كان القرضاوي يقصد المعني الديني فقط.. فبماذا تفسر هذا الاستنفار القوي لدي إيران من هذه التصريحات؟

- رد إيران علي القرضاوي رد مسف ومسيء ويخصم من رصيدها، ولكن من طبيعة هذا الرد يتأتي علي الذهن مباشرة أن القائمين علي وكالة الأنباء هذه التي تبنت الرد ونشرته، والتي يقال إنها وكالة رسمية هم جماعة المحافظين، وهو التيار الذي يتبناه أحمدي نجاد، بل موجود في عدد كبير من مؤسسات الدولة، وليس خافياً أن الرئيس السابق محمد خاتمي نفسه قال من قبل إن سياسات أحمدي نجاد تخدم أعداء إيران.

* هل تعتقد أن وجود الشيخ القرضاوي في قطر كان له أثر في التفسير السياسي لتصريحاته.. وطبعاً أقصد احتضان قطر للقاعدة المركزية للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط؟

- اعتقد أن هذا التفسير هو الذي ورد علي ذهن إيران، وربما تخيلت أن القرضاوي قصد تعبئة السنة ضد الإيرانيين في محاولة لتسهيل ضربهم من قبل الأمريكان، وأنه ربما علي العرب مساعدة الأمريكيين في هذه الضربة، ولكنني أعتقد أنها قراءة خاطئة ولا أظن أن القرضاوي كان يقصد هذا علي الإطلاق خاصة أنه أكد فيما بعد أنه يرفض أي اعتداء علي إيران من قبل أي جهة أجنبية.

* وكان من الطبيعي أن أنتقل مع الدكتور عمرو الشوبكي من أمر إيران إلي أمر الإخوان المسلمين في مصر، انطلاقاً من النصيحة التي وجهها الشيخ القرضاوي لهم بضرورة العودة إلي العمل التربوي وبعد أن قال نصاً إنه يعتب عليهم لاهتمامهم بالسياسة علي حساب الجانب التربوي، وسألت الدكتور الشوبكي إذا كان يتفق مع نفس وجهة النظر هذه أم لا؟

ـ فقال: هي نصيحة منزوعة السياسة من الشيخ القرضاوي، فمسألة السياسة بالنسبة للإخوان المسلمين أصبحت هيكلية الآن، رغم أن بداية الجماعة التي أسسها حسن البنا قامت في الأساس علي جانب التربية والدعوة، إلا أن الأمر اختلف وعموما لا يمكن لأحد أن يحظر علي أحد العمل السياسي.

* لكن القرضاوي لم يحظر عليهم السياسة.. وهو ليس ضد فكرة تكوينهم لحزب، غير أنه برؤيته للأوضاع وجد أن الإخوان انشغلوا بالسياسة في دولة الممارسة السياسية فيها صعبة وهو ما أدي إلي صراع دائم مع الإخوان جعلهم منشغلين بهذا الصراع علي حساب تربية الأمة التي يراها أولي من أجل تصحيح قيم المجتمع التي فسدت نتيجة أنظمة الحكم المتعاقبة؟

ـ عمل الإخوان بالتربية لم يؤت الثمار المرجوة فقد عملوا بالتربية والدعوة حتي عام ١٩٥٢ فلا وصلوا للسلطة ولا أصلحوا المجتمع.. فما الذي جد علي الأمة، لكن أن يترك الإخوان العمل السياسي بدعوي أن النظم تتغير وحدها فهي فكرة غير منطقية، بل ومثالية.

* كنت دائماً ضد الحزب السياسي القائم علي الدين، فلماذا تري الفكرة مثالية؟

ـ لأن الإخوان لن يتخلوا عن السياسة بهذه البساطة وأنا لست ضد حزب للإخوان المسلمين، لكنني ضد استخدام السياسة فيه، فمن الممكن أن يكون هناك فريق يعمل بالدعوة فقط وفريق آخر يمارس السياسة عن طريق حزب مدني يقبل كل المصريين..

فلو قرأت برنامج حزب الإخوان المسلمين في ٢٠٠٥ سيهيأ لك أنه متاح للجميع ولكن وقت الالتحاق سيطلبون منك ارتداء الحجاب وسيتابعونني في مسألة أداء الفرائض قبل أن يقبلوا عضويتي في الحزب،

ولن يقبلوا الأقباط، لذا أنا أدعوهم إلي حزب مدني يقبل جميع المصريين علي طريقة حزب العدالة والتنمية في تركيا أو حتي في أحزاب الإسلاميين في المغرب، صحيح الأغلبية فيها من المتدينين لكنها مفتوحة للجميع.

* هل الجماعة أهملت بالفعل الجانب التربوي؟

- نعم أهملت هذا الجانب، ولكنه لم يختف، هو تراجع لصالح الوزن السياسي.

تحذيرات القرضاوي بمثابة تحريض على القتل والتهجير والسجن 

من جهته قال الكاتب والمؤلف الشيعي المصري الدكتور أحمد راسم النفيس إن مصر كانت شيعية في العصر الفاطمي وأن التشيع اختفى منها بسبب عمليات القمع والإبادة الجماعية والتهجير الجماعي. واعتبر النفيس في حوار خاص مع "آفاق" تحذيرات القرضاوي من المد الشيعي بمثابة التحريض على قتل الشيعة وتهجيرهم وسجنهم.

وأشار النفيس وهو مؤلف للعديد من الكتب التاريخية والثقافية إلى أنه وعلى الرغم من كل هذه الهجمات على الشيعة فإن عدد الشيعة في مصر (المتشيعون وعوائلهم) يقارب نصف مليون، ويتوزعون على مساحة واسعة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وهم مرشحون للزيادة نظرا للهجمات الإعلامية ضدهم والتي تثمر نتائج عكسية.

ونصح النفيس مثيري الحملات ضد الشيعة بأن "يكفوا ويبحثوا عن السبب في إخفاق الدول العربية والإسلامية في التطور بدلا من إلهاء الناس بمعارك جانبية وليتركوا لكل إنسان حريته أن يعبد الله بالطريقة التي يعتقد صوابها".

* كم هو عدد المصريين الذين يؤمنون بفكرة التشيع في مصر، وأين يكثر أتباع هذا الفكر؟

- النفيس: بسم الله الرحمن الرحيم: دعنا من قضية أعداد الشيعة وأعداد السنة فنحن لا نؤمن بمنطق المكاثرة العددية. نحن نؤمن أولا بمبدأ الأخوة الإنسانية (وأن هذه أمتكم أمة واحدة) فالمجتمع الإنساني مجتمع واحد والبشر على اختلاف أديانهم تتشابه احتياجاتهم وهي الأمن والحرية والكرامة والمأكل والملبس... والدين جاء من عند الله ليؤكد على أن هذه المعاني تشمل كل البشر وأنها ليست حقا لطائفة دون أخرى.

ورغم العناد والعدائية التي أبداها أكابر مجرمي قريش لدى إعلان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله بدعوته إلا أن المانع الأساس للدعوة الإسلامية كان التزام الكثير من العرب بهذه القيم الإنسانية التي يتنكر لها بعض أدعياء الإسلام الآن.

الحالة الشيعية الراهنة في مصر ليست اختراعا فمصر كانت شيعية في أغلبها إبان العصر الفاطمي والتشيع لم يختف من مصر كما يقولون بسبب انتهاء الدولة الراعية للتشيع بل بسبب عمليات القمع والإبادة الجماعية والتهجير الجماعي وهي أمور بدأ المصريون أخيرا في الانتباه إليها كما أن التشيع في مصر لم يبدأ مع العصر الفاطمي.

لدي كتاب عن (نجباء الصعيد) وهو كتاب يؤرخ لمصر في القرن العاشر الهجري ويتحدث عن أسر وشخصيات شيعية عاشت في هذه الفترة.

ثم أنا لا أفهم سببا واحدا لهذه الهجمة على كلمة (شيعة) واعتبارها مرادفا للكفر والزندقة!!. الكثير من شيوخ الأزهر القدامى والمعاصرين لهم موقف مختلف كلي مع هذه الحالة العنصرية التكفيرية التي لا تقوم على دليل ولا برهان بل تقوم على منطق (هو كده!!). عندما ترد عليهم بأن الشيخ شلتوت أو الشيخ أبو زهرة قال كذا وكذا يسارعون إلى تجريحهم ووصفهم بالغفلة والتهاون!!.

يعني: هؤلاء لا سلاح لهم سوى فرض الرأي واستخدام أسوأ ما في ترسانتهم من بذاءات ليبقى الناس خائفين من بعبع التشيع ولا يقترب أحد من هذا المنهج وإلا فسيلقى ما لا يسره!.

الشيخ القرضاوي يأتي إلى مصر ليفرض رأيه وقانونه ويجعل من نفسه مرجعية فوق القانون الدولي والدستور وميثاق حقوق الإنسان ويجد من يطبل له!!.

* ماذا يعني أن يطالب القرضاوي بإيقاف ما يسميه التبشير الشيعي؟؟

- المعنى واضح: يا رجال الأمن تحركوا كما تحركتم من قبل وألقوا القبض على فلان وفلان وألقوهم في غيابة الجب لأن وجود من يقول بولاية أهل البيت يزعج الشيخ الذي لا يختلف تصرفه عن فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد!!).

لقد قام الأمن المصري باعتقالي ثلاث مرات بتهمة التشيع (1987 ، 1989 و 1996) فضلا عن مرة بتهمة الانضمام للإخوان وتنظيم الجهاد عام 1981 رغم أني لم أكن يوما ما عضوا في هذا التنظيم الإرهابي.

يتحدثون عن الديمقراطية وحرية التعبير ولكنهم يريدون هذه الأشياء فقط لأنفسهم، حتى عندما حدثت الأزمة الأخيرة وعندما اعترض فهمي هويدي وسليم العوا على حالة الهياج التي أحدثها القرضاوي تولى أزلام المخابرات الصدامية والوهابية تسفيه آرائهم والنيل منهم.

المعنى أنهم يريدون جمهورا قطيعا يسوقه شخص واحد بخطبة تهييجية ولا يقبلون بديمقراطية أو شورى داخل القطيع لا من فهمي هويدي أو العوا وهم أصحاب فضل عليهم. تلك هي المأساة التي يعيشها مجتمعنا منذ مئات السنين.

رحلتي مع الفكر الإسلامي بدأت منذ انضمامي للإخوان عام 1976 وكنت وقتها طالبا في الجامعة واكتشفت ألا مكان داخل هذه الجماعات لا للفكر ولا للبحث ولا للرأي الآخر وكل ما هو مطلوب منك أن تذعن وتسمع وتطيع.

إنهم يتنقلون من كارثة إلى أخرى ومن مصيبة إلى حفرة ولكن التفكير ممنوع أما التكفير فمسموح بضوابط عند البعض وسداح مداح عند الآخرين!!.

كنت أقول لأحد الأصدقاء قبل قليل، أن القبضة الأمنية هي التي تمنع تحويل مصر إلى صومال أخرى، إذ لو ترك الأمر لقادة تلك الجماعات وللشيوخ الوهابيين أصحاب فتاوى القتل والتفجير الجماعي وشن الحرب على ميكي ماوس لبدأت الحرب الأهلية منذ سنين فيما بينهم وفيما بينهم وبين الناس. الشيء الوحيد الذي اتفق هؤلاء الشيوخ عليه هو كرههم للشيعة لأسباب كثيرة.

أولها أن الفكر الشيعي فكر ناضج يؤمن بدور العقل والنظر في التاريخ ولا يمكن لكل من هب ودب أن يصدر فتاوى من نوعية فتوى ميكي ماوس أو توم وجيري.

ثانيا أن الفكر الشيعي ذو جذور راسخة في التراث الإسلامي وفي كتب القوم وهو ليس اختراعا وأن القوم لا حجة لديهم سوى الزعم بأنه فكر باطني ومحاكمة القلوب والزعم بأن الشيعة يظهرون غير ما يبطنون وغير ذلك من الترهات التي أدمنها القوم.

الآن يصرخ القرضاوي من ظهور الشيعة وأنهم يجاهرون بأفكارهم ثم يعود ليقول أنهم يمارسون التقية!!. التناقض بين الاتهامين أوضح من أن يذكر!!.

الأمن يستدعي (المتهمين بالتشيع) ليسألهم عن عقيدتهم!!. فهل يتعين على المواطن الضعيف أن يعترف (بالجريمة) المنسوبة إليه أم يستخدم سلاح (التقية) الذي يقيه من بطش هؤلاء المجرمين.

يأتي القرضاوي ليحرض ويطالب بإلقاء القبض على الشيعة ومحاصرتهم ثم يلوم عليهم لأن بعضهم يتنصل من (التهمة) ولا يسهل مهمة أساتذة التلفيق والتعذيب؟!. أليس هذا هو الفجور بعينه؟!.

* كيف يمكننا أن نعرف عدد الشيعة إذا، إذا كان هذا هو الحال وإذا كان هذا هو منطق الشيوخ؟!.

- تقديرنا الذي لا يستند إلى أية إحصاءات بل لمعلومات شخصية أن عدد الشيعة في مصر (المتشيعون وعوائلهم) يقارب نصف مليون نظرا لامتدادهم على مساحة مصر الواسعة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وهم مرشحون للزيادة نظرا للهجمات الإعلامية ضدهم والتي تثمر نتائج عكسية إذ أنها تدفع الكثيرين للبحث والقراءة خاصة مع وجود شبكة المعلومات الدولية وهذا يفسر سبب قيام الوهابيين بتدمير المواقع الشيعية أخيرا.

لا يتاح لي معرفة المتشيعين الجدد إلا عبر اتصال هاتفي أو لقاء غير مرتب وهذا يوفر حماية أمنية لهم ضد أي ضربة محتملة. أما نحن فلم نعد نأبه بهذه التهديدات.

وبالتالي فالشيعة في مصر حالة ثقافية ليست قاصرة على مكان معين ومن المفيد أن نشير إلى وجود متشيعين بالوراثة أبا عن جد ولكنهم متوارون عن الأنظار ولا يعلنون عن تشيعهم.

* تعني أن ليس هناك مشروع لتشييع مصر؟؟

- فلنكن واقعيين وعقلانيين. هناك دولة ونظام سياسي قائمين بالفعل في مصر التي عرفت أول دستور ديمقراطي يفصل بين السلطات ويحترم حرية العقيدة وكان هذا سنة 1923 ولكن انقلاب يوليو قضى عليه.

الناس تحتاج إلى الحرية والخبز والأمن وهذه أمور لن تنتظر لا تشييع مصر ولا أخونتها وعلى المسلمين أن يتعودوا على ممارسة حريتهم العقائدية وترك الآخرين يفعلون نفس الشيء.

العالم الآن به عشرات الدول الديمقراطية المشغولة بهموم مواطنيها وتنمية اقتصادها والبحث عن مكان لائق لها بين الأمم وبالتالي فنحن لن نعيد اختراع العجلة ولا الدولة وأنصح من يواصلون إطلاق هذه الإثارات أن يكفوا وأن يبحثوا عن السبب في إخفاق الدول العربية والإسلامية في التطور بدلا من إلهاء الناس بمعارك جانبية وليتركوا لكل إنسان حريته أن يعبد الله بالطريقة التي يعتقد صوابها.

* هل يواجه شيعة مصر مضايقات من قبل الحكومة وما هي أشكال هذه المضايقات؟

- ليس الشيعة وحدهم من يتعرض للمضايقات فنحن نعيش في ظل نظام أولويته هي الأمن ولا شيء سوى الأمن (أمن النظام فقط) وهو يرى في كل مشروع فكري أو سياسي تهديدا قائما أو محتملا.

المضايقات متعددة بدءا من الاعتقالات القديمة والاستدعاءات الأمنية المتكررة والإيقاف في المطارات ومصادرة أي كتب تأتي عبر البريد والمحاربة في الرزق والأصل في مصر هو التهديد أما الأمان فهو الاستثناء.

ونحن لا نعرف الآن كيف ستنتهي هذه الحملة التي دشنها القرضاوي والتي مضمونها الوحيد الدعوة إلى تهجير شيعة مصر أو إلقائهم في البحر تأسيا بمثله الأعلى صلاح الدين الأيوبي الذي فعل ما هو أسوأ من هذا قبل ثمانية قرون؟؟!!.

مضمون رسالة القرضاوي الأخيرة هي الدعوة لإلقاء شيعة مصر في البحر!!. عندما أعود من أي سفرة إلى الخارج يجري إيقافي في الجوازات ساعتين على الأقل ثم يلي ذلك التفتيش المكثف والتكدير ثم القيام بمصادرة بعض الأوراق أو السي ديهات عديمة القيمة لا لشيء إلا لإطالة مدة احتجازي بين يدي زبانية الجمرك واتخاذ إجراءات تسليم وتسلم فتمتد الرحلة بذلك خمس ساعات إضافية!!.

أحد وسائل التكدير التي اخترعها الأمن المصري هو التكدير بالوهابية حيث قاموا بتعيين خطيب وهابي في الزاوية الموجودة أسفل البناية التي أقطن فيها ولم يكن للرجل من همة طيلة الفترة التي طالت لمدة عام ونصف إلا سب وشتم الشيعة والتجمع أمام مدخل البناية لإزعاج بناتي بنظراتهم التهديدية أثناء دخولهم وخروجهم.

الآن يسمح الأمن المصري لعديد الفضائيات الوهابية بالبث من القاهرة والتي لا هم لها إلا نشر الكراهية والتحريض في حين أنه ينزعج أشد الانزعاج من تواجد صحفي معارض واحد على إحدى القنوات الفضائية ويقوم بمنعه على الفور.

ومن الواضح أن النظام لم يستفد من دروس الماضي وكيف انقلب هؤلاء عليه في كل مرة كان يتحالف معهم.

* بالتأكيد للشيعة في مصر طقوس دينية معينة فهل تتمكنون من تأديتها بحرية تامة، أم أنكم قد تضطرون لإخفاء بعض منها لوجود مضايقات من جهات معينه لأتباع الفكر الشيعي؟؟؟

- لا أفضل كلمة طقوس إذ ليس للشيعة طقوس تختلف عن بقية المسلمين. فالصلاة هي الصلاة والصيام هو الصيام والحج هو الحج وهكذا.. ولكن للشيعة مناسبات يحتفون بها مثل ذكرى استشهاد الإمام الحسين في العاشر من محرم والمولد النبوي ومواليد أئمة أهل البيت، وهم يحتفون بها في بيوتهم في الوقت الراهن.

فمن ناحية فالشيعة في مصر ليس لهم إلا إمكاناتهم الشخصية المحدودة وليس لديهم تصريح بالعمل العلني ولا جمع التبرعات وبالتالي فتأسيس مكان للتجمع ليس بالأمر اليسير.

كما أن الأمن لا يمانع في إرسال من يتحرش بك أو يقوم بشتمك كهذا الوهابي الذي أرسله الأمن خصيصا إلى مقر إقامتي ليقوم بمحاربة التشيع من عقر داري!!.

لو كان لدى هؤلاء أي ذرة من الحيادية أو الحرص على منع وقوع كارثة لما جاءوا بهذا الشخص من الأساس ناهيك عن انعدام المنطق الشرعي الذي يسمح بإقامة صلاة الجمعة في زوايا أو حتى مساجد لا يبعد بعضها عن بعض إلا بضعة أمتار.

إنها الفوضى البناءة التي يستخدمها هذا النظام لضرب الناس بعضهم ببعض ولا يهم ما يجري بعد ذلك.

الأمن المصري يعرف أن هؤلاء يهددون بقتل الكتاب والمفكرين ويزعم أنه يقوم بحمايتهم ولكن كونك شيعي لا يمنحك حق الحماية بل يمنحه حق التحرش بك والتحريض عليك.

وهذه هي الديمقراطية المصرية وخصوصياتها الثقافية كما يزعمون!!.

* هل تستطيعون التبشير للتشيع داخل مصر بحرية تامة، أم أن هناك صعوبات في ذلك؟

- نحن لا نوافق على مصطلح التبشير الذي يراد من خلاله تقديم الشيعة كأصحاب دين مغاير. الشيعة جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية وهذا هو الواقع أعجب الشيخ القرضاوي أم لم يعجبه. الشيعة جزء من منظومة العالم الإسلامي وهذا ليس موضعا للتشكيك. الواقع يقول أن خصوم الشيعة ليسوا قادرين على محوهم من الوجود ولكنهم يريدون إلغاءهم من المعادلة السياسية أو تقليل حجمهم إن استطاعوا.

التطور الكبير الذي حدث في العراق كان واحدا من أسباب حالة الهياج التي يعاني منها القوم الآن. يريدون أن يبقى الشيعة محكومين بعد أن فشلوا على مر التاريخ في محوهم من الوجود.

من ناحية أخرى فنحن نعتقد أن التشيع فضلا عن أنه يضع الأمور في نصابها فهو يوفر للمجتمعات الإسلامية المبتلاة بالتطرف والإرهاب الوهابي مخرجا لائقا وأسلوبا عقلانيا في التفكير وممارسة التدين.

من الطبيعي أن تكون هناك مقاومة ورفض للتغيير والإصلاح لأنهم يريدون أن تبقى الدنيا على حالها وأن يبقى القرضاوي قرضاوي يقول ويلتف الناس حوله يسمعون ويمصمصون شفاههم إعجابا بكل ما ينطق به على أمل أن تأتي دولة الإخوان أو تعود الخلافة من قطر أو من الصومال أو حتى من كهوف تورا بورا والآن من وزيرستان!!.

لا يهم، المهم أنهم ما زالوا يحلمون أن يخرج البغل من الإبريق بعد أن توهموا أنهم نجحوا في إدخاله فيه وأن يبقى الإبريق سليما بل وصالحا لشرب الماء والعرقسوس!!. هذا هو حالهم.

أحد أسباب الصدام بيننا وبين الشيخ القرضاوي كان كتابه المسمى (تاريخنا المفترى عليه) والذي زعم فيه أن تاريخنا كان عظيما ورائعا وكان الكل يطبق الشريعة الإسلامية بمن فيهم ذلك السفاح المدعو الحجاج بن يوسف الثقفي وأن العلمانيين والشيعة يتآمرون لتشويه صورة هؤلاء العظماء.

عندما علم بصدور كتابنا (القرضاوي وكيل الله أم وكيل بني أمية) ردا على كتابه الملئ بالخزعبلات خرج على الهواء في الجزيرة معتبرا أن الأمر يتعلق بمؤامرة إيرانية وتبشير شيعي!!!.

إذا نحن نعرض آراءنا في التاريخ والفكر الإسلامي ونحاول أن نصحح ما أحدثه هؤلاء من تشوهات وطبعا فهذا الأمر لا يروق لهم لأنهم يؤمنون بمبدأ (هو كده) و(ليس في الإمكان أبدع مما كان).

القرضاوي يؤمن أن ساحة الفكر الإسلامي في مصر وغير مصر مملوكة له بوثيقة تملك وأن (الله وكله للدفاع عن هذا الدين وهو يرفض التخلي عن هذه المهمة الإلهية) وهذا كلامه بالحرف.

التبشير الشيعي المزعوم لا يتعدى طباعة بعض الكتب وبيعها عبر القنوات الشرعية وليس توزيعها في الخفاء.

دعينا إلى بعض الندوات في القنوات الفضائية التي صممت في الأساس لتسقيط التشيع ولما لم تؤدي إلى ما كانوا يحلمون إذا بهم الآن يصرخون ويقولون الذئب الذئب.

ما حدث بعد ذلك هو أن الأمن قد أصدر تعليماته بمنعنا من الظهور الإعلامي ومنذ مايو 2007 وأنا ممنوع من المشاركة.

إذا قمنا بالرد عليهم قالوا تبشير. وإن سكتنا قالوا لا يقدرون على الرد.

مرة أخرى نحن لا نفكر بمنطق المكاثرة وحشد الموالين بل نؤمن بحقنا في طرح ما لدينا من أفكار نعتقد أنها ستثري المناخ الفكري وتقدم إضافة للجميع وتقدم حلا لأخطر مشكلة يواجهها العالم الإسلامي وهي الإرهاب ونرى أن المقاومة التي يبديها البعض راجعة لحالة الجمود السائد ورغبة الفرقاء في الحفاظ على مشاريعهم الفكرية والسياسية رغم كل ما منيت بها من إخفاقات وتراجعات طيلة الفترة الماضية وما جرته من كوارث.

* هناك من يتهم الشيعة في الوطن العربي بانتمائهم إلى جهات ومرجعيات دينية في إيران أكثر من انتمائهم لوطنهم  الأم ، ما تعليقك؟

- الكلام عن انتماء الشيعة لإيران هو سلاح العاجز عن مقارعة الحجة بالحجة والفكر بالفكر. إنها نظرية المؤامرة التي يرى فيها البعض تفسيرا مقنعا وثابتا لكل ظواهر الكون..

مرة يتحدثون عن الخطر العلماني وأخرى عن خطر التغريب وكأن المواطن المصري أصبح يخرج إلى الشارع وعلى رأسه قبعة الكاوبوي في حين أصبحت شوارعنا مملوءة بالفتيات المنقبات من أعلى إلى أسفل ومن يرتدون القمصان القصيرة ويحملون في أيديهم كتابا مجلدا طبع على نفقة فاعل الخير الشهير الذي مول عمليات تنظيم القاعدة وأسس دولة الطالبان.

من ناحية أخرى فالحالة الشيعية في مصر لا تحظى بأي رعاية أو دعم لا من إيران ولا من غير إيران وكل هذا هراء فارغ.

يتحدثون عن مليارات شيعية وإيرانية تنفق من أجل نشر التشيع ونحن نريد منهم أن يقدموا قرينة واحدة ولن نقول دليلا على صحة هذا الهراء. الخلاصة أنهم لا يريدون رؤية الحقيقة كما هي!!.

القرضاوي يتحدث عن كوادر مدربة وأنا والحمد لله لم أذهب إلى إيران إلا زائرا ولم أقم فيها ولم أتلق أي دراسة دينية في أي حوزة بل كونت ثقافتي من القراءة في كل اتجاه ولا فارق عندي بين كتاب سني وآخر شيعي.

يتحدثون عن تمويل بالمليارات ونحن والحمد لله نعيش حياة بسيطة متواضعة شأننا شأن عشرات الملايين من المصريين وهو ما نفخر ونعتز به.

هذه هي مشكلة الذين تربوا على رشاوى الوهابية وجوائزها لأنهم لا يصدقون أن من قدم هذا الإنتاج الفكري ليس ممولا مثلهم.

* كيف هي علاقتكم بالسلفية وجماعة الإخوان المسلمين في مصر؟

- الإخوان جماعة دينية مسيسة أو جماعة سياسية ذات غطاء ديني ولذا فقد نأت بنفسها عن الدخول في معركة القرضاوي الأخيرة نظرا للضرر البالغ الذي سيحدثه هذا على صورتهم ومصالحهم وعلى كل حال فليس لنا معهم علاقة ناشطة باستثناء العلاقات العادية.

أما التيارات السلفية فهم أصحاب فكر جامد وهم يكررون ما قاله ابن تيميه بحذافيره من دون تفكير ولا تدبر وهم الآن رأس الحربة في المشروع الوهابي الهادف لتحويل مصر إلى إمارة طالبانية ولا شك أن هذا المشروع قد قطع خطوات واسعة في تنفيذه حتى الآن بدعم من النظام الحاكم.

التيارالسلفي ليس شيئا واحدا بل هو تيارات ولا شك أن الممَولين وهابيا لا يمكنهم اتخاذ أي موقف يتعارض مع شروط الجهات المانحة ومع ذلك نأمل أن يتدبر البعض منهم فيما يجري من حوله وأن يعيد قراءة المسألة بعيدا عن الدوجمات التيموية المقررة سلفا.

* هل هناك حسينيات في مصر، ومرجعيات دينية لشيعة مصر؟

- قلنا من قبل أن ليس لدينا أي مؤسسات لا حسينيات ولا مساجد. والمراجع متوفرون والحمد لله خارج مصر ويمكن لكل شخص أن يقلد من يقتنع بأعلميته من المراجع الموجودين وليس هناك حاجة لمرجع يحمل الجنسية المصرية.

والتقليد الفقهي لا يعني ولاء أو ارتباطا سياسيا ولنا مطلق الحق في اتخاذ الموقف السياسي الذي نعتقد بصحته دون استئذان أحد خارج مصر.

وأؤكد لك ألا أحد من المراجع يدعمنا لأنهم يخافون من ردة فعل النظام والوهابية ويكفي ما أحدثه القرضاوي من شغب للدلالة على أسباب هذا الخوف والتحفظ.

* لقد منعتم من نشر بعض الكتب التي قمتم بتأليفها فما هي هذه الكتب وما هو السبب وراء رفض نشرها في مصر؟

- واقع الحال أن أي قرار بمنع كتبي من التداول لم يصدر. كانت هناك توصيات وتقارير أصدرها البعض ولكن لم يؤخذ بها ولم تتحول إلى قرارات.

القضية لا تتعلق بقرار مصادرة ليس له قيمة كبرى بل ويمكن أن يتحول إلى دعاية للكاتب والكتاب وهم لا يرغبون في تقديم هذه الدعاية لنا. القضية تتعلق بمناخ التعتيم الذي نتعرض له.

صدر لي حتى الآن ما يقارب العشرين كتاب عدا ما هو موجود ولم تتح الفرصة لطباعته. كلها من وجهة نظري تتناول قضايا فكرية كبرى يحتاجها الجمهور الذي يتلقى معلوماته التافهة الآن من فقهاء ميكي ماوس ومن دعاة الفضائيات وكلها ثقافة حشو بطن أي لا تسمن ولا تغني من جوع. هم يقولون أن الهيمنة الغربية هي السبب في تخلفنا.

في كتبي (المصريون والتشيع الممنوع) و(عندما يحكم العبيد) تحدثت عن التدمير الثقافي والحضاري الذي تعرضت له مصر على يد صلاح الدين الأيوبي وكيف أنه دمر مكتبة القاهرة التي حوت مليون وستمائة ألف كتاب وعشرات المخترعات التي سبقنا بها العالم قبل 800 عام من الآن وغيرها من الجرائم التي لا يتصورها عقل ومن بينها أنه هدم أهرامات الجيزة وأخذ أحجارها لبناء القلعة.

تحدثت في كتاب (عندما يحكم العبيد) عن ظاهرة لم تحدث في تاريخ أي أمة من الأمم وهي أن يُشترى العبيد ليقوموا بحكمها وكيف أن هذه الفترة التي طالت أكثر من 600 عام هي السبب في تخلفنا الثقافي والحضاري.

طبعا جماعة (هو كده) و(ما أريكم إلا ما أرى) لا يعجبها هذا الكلام لأنهم قالوا من قبل أن الغرب هو الذي أسقط الخلافة العثمانية من أجل القضاء على الإسلام وأن الغرب هو السبب في ابتعادنا عن الدين وهو تفسير يحظى بقبول النظام الحاكم لأنه يعفيه من المسئولية ويلقيها على عاتق غيره.

في كتاب (النبوة في نهج البلاغة) تحدثت عن انحراف المفاهيم والتصورات تجاه شخص النبي الأكرم وكيف أن بني أمية قدموه للناس كشخص تائه يحاول الانتحار ثلاث مرات وطبعا حورب الكتاب كما هو متوقع وجرى سحبه من الأسواق.

المعنى أنهم أصحاب مصلحة في استنفار العداء بين الإسلام والغرب وتصوير أنفسهم كمدافعين عن الإسلام والدين!!.

القضية إذا ليست قضية تبشير شيعي كما يحاول هؤلاء تقديم المسألة بل هي صراع حول المفاهيم وحول جوهر الإسلام.

تعليق أخير

قبل شهرين من الآن كانت هناك حملة مشابهة على الشيعة وكانت الذريعة هي فيلم إعدام الفرعون الذي أنتجته جهة معينة في إيران ولكن كالعادة جرى نسبة الأمر برمته لإيران والشيعة وهم أنفسهم الذين هللوا لأفلام روجر مور التي تنتقد الإدارة الأمريكية بشدة. الآن جرى استبدال المؤامرة الأمريكية بالمؤامرة الشيعية!!.

الشيعة لم يقتلوا السادات بل قتلته الجماعات الإسلامية التي تصطف الآن مع الشيخ القرضاوي في موقفه العدواني من الشيعة.

الأمر يتعلق بتوزيع أدوار كلما انطفأت معركة قامت أخرى والهدف الحقيقي هو إيجاد مناخ تحريضي لضرب إيران ومحو الشيعة من الوجود في كل مكان.

الغرب ارتكب خطيئة قاتلة عندما تحالف مع الوهابيين ومنحهم دولة انطلق منها هذا الفكر الإرهابي للعالم بأسره ثم عاد لارتكاب نفس الخطأ عندما تحالف معهم ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان ومن ثم كان تنظيم القاعدة والحادي عشر من سبتمبر.

الآن يراهن نفس هؤلاء على جر أمريكا لحرب مع إيران على طريقة (اللهم أهلك الكافرين بالكافرين وأخرجنا من بين أيديهم سالمين غانمين حاكمين أبد الآبدين). في اعتقادي أن الإدارة الأمريكية سترتكب خطأ قاتلا هذه المرة لو أقدمت على شن هذه الحرب حتى ولو ربحت.

.............................................................................................

المركز الوثائقي في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية للاشتراك والاتصال www.annabaa.org///[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/أيلول/2008 - 29/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م