جدليّة العلاقة بين المواطِن والمسئول

تحقيق: محمد حميد الصواف/ زينب شبيل

 

شبكة النبأ: من بين المصطلحات المتداولة بين الناس مفردة المسئول وهو رجل الدولة المناط به عمل تقع عليه تبعته مهما كانت، ارتقت درجته الوظيفية أو تدنت.

فالمسؤولية بشكل عام هي التزام وتحمُّل ما تترتب عليها من أمور دون تفريط أو إهمال، فهي ليست عنوانا يتبجح به المسوؤل أو موضعا للتشريف والتفاخر، بل هي موضع تكليف وخدمة.

هذا التعريف صُنِّف في جميع قواميس الأمم والنظم في الدول المتقدمة أو النامية في مختلف بقاع المعمورة، ليكون صيغة قانونية تخضع لخدمة المجتمعات والشعوب.

لكن كما يبدو هذا المفهوم لم يجد طريقه إلى أسماع الكثير من موظفي الدوائر والمؤسسات، أو إنهم لم يدركوا معناه. 

في هذا التحقيق تسلّط (شبكة النبأ) الضوء على هذه الظاهرة السلبية التي تكاد تكون ثقافة تسود سلوكيات العديد من موظفي الدولة، تلقي بظلالها القاتمة على معاناة المواطنين وهمومهم دون اكتراث، حتى باتت علاقة المواطن بالمسئول أو الموظف إشكالية مستديمة تعود بجذورها إلى بدايات تكوين هذه العلاقة.

بدءا توجهنا إلى مديرية التقاعد العامة حيث استوقفنا السيد كريم حاتم، وهو احد المراجعين الدائمين كما علمنا يتجاوز الخمسين أفنى عشرة أعوام من عمره في الأسر، لنستفسر سبب كثرة مراجعاته للدائرة فأجابنا والمرارة بادية في ثنايا حديثة: منذ ثلاث سنوات وأنا أتنقل من مدينة كربلاء إلى بغداد شبه يوميا، واحمل هذا المعاملة ومعاناتي معها، لغرض إكمال إجراءات تقاعدي بعد أن قضيت عشرة أعوام كأسير حرب في إيران، ولكن كل هذا الوقت لم يكفي لانجاز هذه المعاملة.

وأضاف كريم، موظفو دائرة كربلاء يرسلونني إلى بغداد، في حين موظفو دائرة بغداد يرجعونني إلى كربلاء، وهذا الترحال يستحق مني الجهد والأموال التي اضطر إلى اقتراضها من الأصدقاء والأقارب، وأظن إن مجموع ما سأتقاضاه بعد عمر طويل سيكون من حصة الدائنين.

 وعندما بادرناه بسؤالنا عن سبب تقديم شكوى بهذا الشأن إلى مدير القسم أو الدائرة لمعالجة معضلته أجاب: في المرة السابقة ترجيت احدى الموظفات انجاز معاملتي، ابتسمت وقالت لي بعد قليل سوف أنجزها وبعد أن خلت غرفة مكتبها قالت بجرأة ووقاحة صلفة: سأنجزها لك بسرعة ولكن إذا أعطيتني مبلغ 50 ألف دينار، عندما أقسمت لها أنني لا املك هذا المبلغ وإنني سوف اشتكيها للمدير بدأت تسخر مني وأحالتني إلى موظف آخر.

أما السيدة أم محمد التي كانت عائدة من مديرية الرعاية الاجتماعية بعد استلامها للراتب قالت لنا: عندما يسلمني الموظف المختص راتبي اشعر كأنه يتصدق علي من ماله الخاص، فمعاملة الموظفين تتصف بالتعالي والمنة، لا يبالون بنا كأننا مواطنين ادني درجة منهم، فضلا إنهم يقومون أحيانا باستقطاع جزء من رواتبنا دون حق لأنفسهم، ولا يوجد من نبث إليه شكوانا غير الله.

المواطن عباس خلف أجابنا جازما لدى استفسارنا عن كونه قد تعرض لمثل هذه الحالات: لم يتغير شيء، لا يزال النظام والروتين نفسه سائدا قبل التغيير وبعده، بل إن الفساد تضاعف لعدة مرات، سابقا كنا نعذر الموظف كون راتبه لا يكفيه قوت يومه... أما ألان والحمد لله يتقاضون ما لم يكونوا يحلموا به يوما من الأيام ولا يزال الكثير منهم فاسدين.

وأضاف عباس: اذكر إن يوما ذهبت إلى إحدى الدوائر لانجاز معاملة عقار خاص بي، فلما حذرت الموظف من إنني سأتقدم بشكوى ضده إلى المسئول الأعلى منه في الدائرة رمى بأوراق معاملتي على الأرض وهو يصيح بي مستهزئا "خذها واشتكي إلى رئيس الوزراء ليقطع رأسي!!!".

توجهنا إلى مدير عام مديرية ضريبة كربلاء الأستاذ محمد ضياء الموسوي حيث استعرضنا ما يعانيه المواطنون جراء تلك التصرفات التي تبدر من الموظفين، فبرر لنا معترفا بتلك السلوكيات السلبية التي تصدر عن البعض معللا ذلك إلى سوء أحوال الموظفين...!!؟

حيث يقول: هناك بعض الأمور التي تجعل من الموظفين أن يكونوا ذو أخلاق سيئة ومنها مثلا مؤهلات الدائرة التي يعمل بها كالبناية والأثاث التي يحتويها فهذا بدوره يحدد معنوياتهم وراحتمه في العمل..

بالإضافة إلى عدم شمول الموظفين بزيادة الرواتب بشكل عادل، حيث أن الموظفين خريجي الابتدائية رواتبهم أعلى من خريجي المتوسطة مثلا, ولا يعيرون اهتمام إلى الشهادة والى الدرجة الوظيفية..!!!)

 من جانبه يرى السيد عبد الرسول شاكر المدير الأقدم في مدرية الضرائب وجود أزمة أخلاقية تتسبب بهذه الظاهرة ملقيا باللوم على الطرفين المواطن والموظف حيث يقول: هناك إشكالية أخلاقية بين الموطن من جهة والموظف من جهة أخرى، تتمثل في عدم احترام الموظف إلى الدائرة التي يعمل بها ,والمواطن في مراجعته للدائرة لأجل لديه غايته .

ومع الأسف فان أخلاقهم تسير نحو الأسوأ فعند مراجعة المواطن إلى أي دائرة يقوم بفرض أوامره على الموظف في تنفيذ طلباته, والموظف يأتي للدوائر أو أي مكان يعمل فيه من اجل الراتب وليس لخدمة الدائرة التي يعمل فيه.

انطلقنا بعد ذلك صوب مديرية نزاهة كربلاء علّنا نستوضح قوانين الضبط والمتابعة لشؤون الموظفين وما هو دور هذه المديرية في مثل تلك الحالات.

 ولكن الغريب في الأمر إن الحرس رفضوا إدخالنا وأصروا أكثر عندما أعلمناهم بأننا صحفيون مؤكدين لنا في نفس الوقت أنهم  تلقّوا أوامر صارمة بعدم استقبال الإعلاميين؟!

بعد هذا الموقف كففنا أوراقنا وتوجهنا إلى أستاذ علم الاجتماع محمود العزيز ليشرح لنا أبعاد هذه الظاهرة ومسبباتها فأجابنا قائلا: تعتبر هذه الظاهرة هي نوع من الفساد الإداري دون شك، فالرشوة وتأخير انجاز معاملات المواطنين بشكل مقصود يعزى إلى مساوئ وغياب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية بسبب انفلات الأوضاع وشيوع التسيب العام في جميع الأعمال الرسمية، بحيث أصبح دخول دوائر الدولة أو مراجعتها كجحيم للمواطن لا يطاق،خصوصا بعد التغيير حيث أصبحت مكافحة هذه الظاهرة مستعصية للغاية على جميع الحكومات، لتجذرها في نفوس الكثيرين.

ولمعالجة هذه الحالة يرى الأستاذ العزيز وجوب عدة عوامل وعلى المدى البعيد حيث أردف قائلا: لا يمكن وضع الحلول خلال فترة زمنية قصيرة، إنما تحتاج لوقت طويل تتضافر معه عدة عوامل منها خطط مدروسة وقاعدة واعية ومدركة ومسؤولون أمناء قادرين على تجاوز كافة العقبات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/أيلول/2008 - 24/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م