معروف ان لغة الاديان في معناها التبليغي والدعائي يفترض ان
تنطلق من ركائز اخلاقية قبل كل شي لكسب الطرف المتلقي فلا يمكن ان
يستميل من يستمع حديث المبلغ او المبشر بلغة العنف أو الاكراه او
جرح مشاعر الآخرين من الذين لاينتمون الى ثقافة او معتقد المتحدث
وهذه مهمة صعبة لايستطيع أي شخص مهما أوتي من ملكة الحوار والخطابة
مالم يرتكز على المنهج الاخلاقي قبل كل شيء.
في ثقافة ولغة الدين الاسلامي هناك خطاب الهي وتهيئة للنبي محمد
صلى الله عليه وآله وسلم تضع الأسس الصحيحة للتبليغ والدعوة الى
الله منها.
(ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن ) وفي آية اخرى ( لست عليهم بمسيطر) ( وماعليك الا البلاغ
المبين).
آيات كثيرة حضت النبي على ضرورة اتباع أفضل سبل الحوار لان
مهمته هي التبليغ حتى ان مهمة القتال جعلت له الخيار الذي لامفر
منه كالدفاع عن النفس الا بعد ان يبدأه اولئك الذين وقفوا ضده
وحاربوه بكل الوسائل من الاعتقال لاصحابه والتنكيل بهم في أشد
الظروف وتكذيبه جماهيريا ومقاطعته في شعب أبي طالب وكل مواقف النبي
كانت الصبر والتحمل والدعوة الى الله تبارك وتعالى حتى ان القتال
كان هو الخيار الآخر بعد ان جاءه الطرف المقابل بكل تجهيزاته
واستعداداته لمحاربته والقضاء عليه وعلى الاسلام ثم أوصى النبي
أتباعه ان لايبدأو القوم بقتال الا دفاعا عن النفس.
هكذا كانت الدعوة الى الله لانها جائت لتخرج الناس من الظلمات
الى النور، والنور هنا يفترض ان يكون كل مثال حي للحياة الحرة
الكريمة والعزة والاخوة والمحبة باعتبارها مثالا عظيما يحمله
الداعية الى الله للناس جميعا، بينما الظلمات تعني كل مثال سيء
للبغض والتفرقة والحقد والتخلف.
ان الذين اتبعوا الرسول اتباعا صادقا خالصا لله تبارك وتعالى
وعوا الرسالة وساروا عليها وكانوا كذلك دعاة للحق والاسلام لم
يحملوا على أي أحد ممن يخالفهم ولم يبدأوا الذين يعارضونهم بقتال
الا دفاعا عن النفس لذلك فان اتباع أهل البيت ممن يعرفون بالشيعة
الامامية يختلفون عن غيرهم من المذاهب الاسلامية التي تكفر الآخر
ويصل بها الامر الى فرض الافكار والمعتقدات بالاكراه والقتل
والتفخيخ وبكل الوسائل المتاحة لهم.
بل يصل الى ان نهج تفخيخ الانسان سواء عن قناعة او دونها كان
بدعة من أضلوا الامة ثلاث عقود من السنين حين حكموا العراق من قبل
صدام العوجة ووثقوا أفعالهم الشنيعة بأفلام تسربت الى الرأي العام
بعد سقوط نظام صدام البائد حيث ذلك الفلم الذي يصور لنا جلاوزة
النظام البائد وهم يفجرون جسد مواطنين عراقيين بجهاز التحكم عن
بعد.
لم تكن بدعة التضليل والكذب والافتراء على المستضعفين بالجديدة
ففي قصص الامم التي سبقتنا نقرأ كيف حاول فرعون مصر ان يضلل أهل
مصر ضد موسى عليه السلام (ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي
ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون* أم أنا خير من هذا
الذي هو مهين ولا يكاد يبين* فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء
معه الملائكة مقترنين* فاستخف قومه فأطاعوه, انهم كانوا قوما
فاسقين) والاستخاف أوصل فرعون الى الشرك بالله وادعائه الربوبية (
قال انا ربكم الاعلى). فكل زمان له فرعون ولفرعون اتباعا وهمجا
ينعقون وراء كل ناعق لان فرعون اصبح نموذجا لمن يتجبر من البشر على
الارض ويطغى طغيانا عظيما .
نحن اليوم وبعد ان دحر فرعون العراق ظهر في الافق فرعون جديد له
حضارة ولديه تكنولوجيا متطورة قادرة على ضرب من يريد من الدول
بضغطة زر واحدة فمرة جعل من الشيوعية عدوا له وحاربها بكل مالديه
من فنون الخداع والتضليل هنا وهناك حتى أصبحت الشيوعية في دولته
محظورة وخط أحمر لايمكن التساهل مع من يدنوا اليها وهي تهدد الامن
القومي عنده، ثم جاء الدور التالي على الاسلام وعناوين مضللة
للامة الاسلامية والرأي العام الدولي فكانت جريمة الحادي عشر من
سبتمبر ايلول عام 2001 حيث التدمير المروع لمركز التجارة العالمي
في نيويورك ايذانا بالحرب على الاسلام والحمد لله ان من فند وكذب
سيناريو الجريمة من قبل المتطرفين الاسلامين من اتباع بن لادن هم
من الاكادميين وممن عمل بعضا منهم في البنتاكون الامريكي فندوا
الرواية هذه واعتبروها تلفيقا لان تدمير المركز العالمي كان بنفس
الاسلوب المتبع في تدمير البنايات من قبل شركات البناء حيث يتم
تدميرها تدريجيا دون ان تلحق اضرارا بالمباني المجاورة لها وقد
وافق هذه الرواية عدد من عمال الصيانة الذي عملوا ذلك اليوم في
مواقع قريبة من مركز التجارة العالمية ووصفوا طريقة الانفجار التي
تفند الرواية الرسمية المضللة من قبل الادارة الامريكية.
اليوم نحن نقف عند مفترق طرق خطيرة سواء كنا في الولايات
المتحدة الامريكية ام خارجها تتمثل بالفتنة الدينية للمبشرين
المسيحيين الذين ينفذون سيناريو جدا خطير ان لم ينتبه اليه
المسلمون ويكون الخروج من نفقه المظلم صعب جدا فهناك الرسوم
الكاريكاتيرية التي سخرت من النبي محمد صلى الله عليه وآله بحجة
حرية التعبير عن الرأي وهنا في الولايات المتحدة برامج اعلامية في
الاذاعة والتلفزيون يقودها زكريا بطرس يعلن علنا استخفافه بالاسلام
واتهاماته وتضليله للرأي العام من ان محمدا كان زانيا ولوطيا
وكاذبا وقاتلا وربى المسلمين بهذه التربية مستغلا مارود في كتبنا
الاسلامية من الروايات التي وضعت هنا وهناك ممن حجروا على عقولهم
ولم يبحثوا عن حقيقة مايقرأونه الذي هو افظع سخرية مما مارسمته
الصحف الاوربية وافضع ممايقوله هذا المبشر او ذاك فمن جهة نجد ان
من مارس التضليل هو من المسلمين انفسهم نتيجة تراكمات موروثة كان
الغلو والتعصب هما الدافع الحقيقي من ورائها.
فما المانع حين يتم اعادة طبع الكتب الخاصة بالشيعة بعد تنقيحها
من الروايات التي تحط من قدر أئمة اهل البيت ونفس الشيء ينطبق على
السنة مثلا ان الله يتجسد يوم القيامة للمسلمين فينكرونه لانه ليس
بالصورة التي عرفوه فيظهر لهم ساقه عندها يؤمنوا انه هو الله او ان
احدى زوجات النبي كانت خارج البيت متبرجة فشاهدها عمر بن الخطاب
على هذا الحال فغضب عليها واستنكر هذا الفعل وذهب الى النبي ليقول
له كيف انت نبي واحدى زوجاتك خارج البيت بلا حجاب فنزلت الاية
القرآنية اكراما لعمر( يانساء النبي لستن ---- ) هذا التضليل
والاساءة لرفع شأن هذا الصحابي او ذاك على حساب حرمة النبي
واستخافا بعقول الامة يفترض ان ينتهي.
ولا استغرب حين يظهر الشيخ القرضاوي او غيره من علماء المسلمين
وهو يساهم اليوم بالحملة الدولية لتفريق الامة الاسلامية وتهيئة
الاجواء لضرب ايران ومن ثم تقويض الروح الجهادية لدى المقاومة
الاسلامية المشروعة والتي حققت حضورا جماهيريا في الشارع العربي
والاسلامي.
رغم تحفظي على دور ايران السلبي تجاه اهلنا في العراق ويشاركها
من يحملون شعار المستعضعفين في الارض، ان الامر خطير يجب على علماء
الامة الانتباه اليه واتخاذ مواقف عقلانية وقانونية تحد من الاثار
السلبية لتلك الحملات المستمرة والتي سيصعدها في رأي مرشح الحزب
الجمهوري جون ماكين ان وصل الى البيت الابيض خلفا للرئيس الحالي
جورج دبيلو بوش. |