قراءة في كتاب: رجل أمريكا الواحد.. بين المذهبين الفردي والجماعي

 

 

 

 

اسم الكتاب: رجل أمريكا الواحد: مُتع واستفزازات أمتنا المتفردة

المؤلف: جورج ويل

الناشر:  CROWN FORUM

عرض: تقرير واشنطن

عدد الصفحات: 400

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: مع قرب موعد انتهاء فترتي حكم الرئيس بوش التي شهدت مزاوجة بين تياري الفكر المحافظ، السياسي المعروف اصطلاحاً باليمين المحافظ الجديدة Neo-Conservative، والديني المعروف اصطلاحاً باليمين المسيحي الجديد New Christian Right، وتصاعد الجدل حول أفكار هذا التيار على المستويين التطبيقي والنظري، تنوعت العديد من الكتابات التي تناقش أفكاره على المستوي التطبيقي، والتي منها ما كان منتقداً للجانب التطبيقي لأفكار التيار المحافظ الجديد، ومنها كتاب – على سبيل المثال - فرانسيس فوكايما Francis Fukuyama – أحد منظري هذا التيار في كتابه الذي أثار ضجة والمعنون بـ "ما بعد المحافظين الجدد: أمريكا على مفترق الطريق After the Neocons: America at the Crossroad"، فضلاً عن العديد من الكتب التي يُمكن اعتبارها بالكتب التنظيرية لهذا التيار ومنها الكتاب الجديد – الصادر في 29 ابريل من هذا العام – لروبرت كاجان Robert Kagan والمعنون بـ "عودة التاريخ وانتهاء الأحلام The Return of History and the End of Dreams"، وكتاب جورج ويل George F. Will الجديد، والذي سيكون محور التقرير التالي.

وفي ضوء هذا التعدد والتنوع تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يُعتبر بمثابة جهد تنظيري يحاول من خلاله جورج ويل George F. Will التأكيد علي أن التيار المحافظ يتسم بالانقسام بين تيارين رئيسيين: التيار الأول هو التيار المحافظ التقليدي الذي ينتمي إليه "ويل"، أما الثاني فهو التيار المحافظ الجديد والتيار الليبرالي داخل الولايات المتحدة. ويرى "ويل" في كتابه أن الخلافات الفكرية بينهما ليست في سبيلها للتقلص، ومن ثم حاول أن يرسم الخريطة الفكرية لأنصار التيار الأول (المحافظ التقليدي)، بالإضافة إلى انتقاد الركائز الفكرية والسياسية لأنصار التيار الثاني (المحافظ الجديد)، ربما سعياً من جانبه لإعادة المنظور المحافظ التقليدي للساحة السياسية من جديد.

العودة إلى التيار المحافظ التقليدي

بداية يمكن القول أن جورج ويل يُعد من أبرز أقطاب التيار المحافظ التقليدي علي المستوي الفكري بعد وفاة ويليام باكلي William F. Buckley، إذ ظل علي مدار ما يقرب من 35 عاماً مدافعاً بقوة عن الفكر المحافظ انطلاقاً من رؤية فكرية حول ضمير المواطن الأمريكي، وفي هذا الإطار يفرق "ويل" في ثنايا كتابه بين معسكرين في إطار التيار المحافظ أحدهما يضم المحافظين التقليديين "الأعضاء المؤسسين founding members" للتيار المحافظ الذين ينظرون شذراً لسياسات الرئيس جورج دبليو بوش انطلاقاً من إيمانهم بالنهج الواقعي في السياسات أكثر من المعتقدات ذات الطابع الديني حول الإلهام والوحي الإلهي، وعلي النقيض يري أنصار التيار المحافظ الجديد والمدونون bloggers أن الرئيس بوش هو بمثابة وينستون تشرشل Winston Churchill جديد قاد الولايات المتحدة خلال الحرب إلي أن أصبح جون ماكين John McCain مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة أواخر هذا العام.

ويضع "ويل" نفسه في صدارة أنصار التيار المحافظ التقليدي وهو الأمر الذي دأب علي تأكيده منذ بداية سبعينيات القرن المنصرم خلال دراسته في جامعتي أكسفورد Oxford وبرينستون Princeton، ثم من خلال كتابات صحفية متتالية عبر من خلالها عن رؤيته حول مستقبل الولايات المتحدة والسياسات الواجب إتباعها من منظور التيار المحافظ (التقليدي).

المحافظون الجدد والإخفاقات السياسية

 يستهل "ويل" كتابه بتجميع تحليلي للآراء المنتقدة لسياسة إدارتي الرئيس جورج بوش على المستوي الخارجي، والتي تعود جذورها إلى أعمدة صحفية نُشرت عام 2004 انتقدت الحرب الأمريكية على العراق (مارس 2003) باعتبارها أسوأ كارثة على مستوى السياسة الخارجية في تاريخ الأمة الأمريكية، وعلى الجانب الأخر تكالب الكتاب والصحفيون على دعم الحرب الأمريكية على العراق، ومؤكدون على النجاح – من وجهة نظرهم - الذي تحققه الحرب الأمريكية في العراق.

وفي هذا السياق عبرَّ ويل في كتابه – الذي نحن بصدده - عن السبب الذي دفعه لانتقاد نهج الرئيس بوش في ذلك الوقت بقوله "إن المحافظين الجدد قد اتجهوا لتحطيم مبادئ راسخة في الذاكرة الجماعية لأنصار التيار المحافظ "التقليدي" وهي الابتعاد عن الانخراط في قضايا السياسة الخارجية بصورة كبيرة لاسيما خارج نطاق المجال الحيوي الجغرافي للولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تحولت الحرب التي كان يُفترض أن تقود للسلام في الشرق الأوسط عبر هندسة اجتماعية وسياسية تقوم علي إعادة البناء إلي سلسلة من الإخفاقات الخارجية التي أضرت بالمكانة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية، واصفاً الرئيس جورج بوش George W. Bush ونائبه ديك تشيني بمن يلهثون خلف تحقيق انجازاً علي الصعيد الخارجي، ولا يدركون تركيزهم علي البعد الآني في سياساتهم.

إعادة هيكلة دور مؤسسة الرئاسة الأمريكية

 لم تكن الانتقادات التي أوردها ويل في كتابه مجرد اختلاف في الرؤى مع الإدارة الأمريكية الحالية، وإنما جاءت لتُعبر عن إدراك المحافظين التقليديين لدور مؤسسة الرئاسة الأمريكية فمنذ فضيحة وترجيت Watergate إبان فترة رئاسة الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون، اتجه ويل لانتقاد تعاظم دور مؤسسة الرئاسة الأمريكية خلال الحرب الباردة، مؤكداً أن وجود الدستور الأمريكي الذي يضع حدوداً مرنة تفصل بين أدوار مؤسسات النظام السياسي الأمريكي، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن طغيان مؤسسة الرئاسة على شؤون السياسة الخارجية لم يعد مواتيا ً للتطور علي الصعيدين الداخلي والدولي وذلك لأن طغيان دور الرئيس على أدوار المؤسسات الأخرى يفتح الباب على مصراعيه لسياسات تخفق في تحقيق أهدافها.

ويؤكد الكاتب أن الإعلاء من دور الوسائل العسكرية قد أضحى ركيزة أساسية للسياسات التي يطرحها الحزب الجمهوري الذي يُعد الوعاء المؤسسي الرئيسي لأنصار التيار المحافظ علي اختلاف توجهاتهم وذلك باعتبارها وصفة سياسية فعالة لإخراج الولايات المتحدة من المحن التي تنتابها من آن لآخر، وهو المبدأ الذي تعود جذوره الأولي للرئيس تيودور روزفلت Theodore Roosevelt الذي انتقد افتقاد الأمريكيين آنذاك للرغبة في تكوين إمبراطورية مؤكداً أنه لا يعتقد بوجود ضرر ما من تركز القوة بين يدي رجل واحد.

أمريكا بين المذهبين الفردي والجماعي

 واستمراراً لدفاع ويل عن حكومة تُمارس الحدود الدنيا من التدخل في حياة المواطن، أشار إلى أن أفكار وليام كريستول William Kristol محرر جريدة الويكلي استاندارد Weekly Standard المعبرة عن الخط الفكري للمحافظين حول عظمة الأمة الأمريكية nation greatness من منظور جماعي يقوم على مفاهيم قد تبدو للوهلة الأولى متعارضة مع الحرية الفردية وقيم الحكومة المحدودة في نطاق نشاطها علي الصعيد الداخلي.

بيد أن تبني رؤى مغايرة في هذا الصدد حول ذات المفهوم يمكن أن تحدث الاتساق المطلوب بين الغايتين وخاصة رؤية الرئيس ريجان Reaganالتي أكد فيها علي انطواء مفهوم العظمة الأمريكية علي مبدأين أحدهما ينحو تجاه التركيز علي تعبئة المواطنين حول القضايا والثوابت المشتركة، أما المبدأ الآخر فيركز علي أن مضمون عظمة الأمة الأمريكية يُشير ضمناً إلي عظمة المواطنين الأمريكيين، واعتبارهم أبطالاً بالفطرة، ومن ثم يجب أن يشعروا بالحرية التي يستحقونها دون قيود.

مستقبل التيار المحافظ

 ضمانات الحفاظ على الأوضاع التي تكفل استمرار الأمة الأمريكية في أوج ازدهارها تتمثل من وجهة نظر "ويل" ليس في إعادة اكتشاف الروح الإنسانية داخل المواطن الأمريكي وفق أطروحات الليبراليين، وإنما في التركيز على انعكاسات علاقات القوة على بنية المجتمع الأمريكي كاستمرار للنهج الواقعي الذي يفضله الكاتب ويدافع عنه، ومن ثم يُؤكد ضرورة عودة الرأسمالية في صورتها التقليدية كإطار اقتصادي يوجه السياسات الأمريكية ويحدد خطوطها العريضة.

و في هذا السياق يُحاول الكاتب التوفيق بين النهج المحافظ في تقديس التقاليد والتراث الحياتي بشكل عام وبين سياسات السوق الحر التي أكد بعض المحللين أمثال دانييل بيل Daniel Bell أنها تنطوي علي تناقضات ثقافية تقوض من التقاليد المحافظة وتدفع باتجاه الانجراف نحو التجديد الثقافي.

حيث يُدافع الكاتب بقوة عن الرأسمالية منتقداً أنصار الحفاظ علي البيئة الداعين لتقييد الأنشطة الإنتاجية واستهلاك مصادر الطاقة الغير متجددة انطلاقاً من إغفالهم الاعتبارات الواقعية والمصالح الكامنة خلف نمو الإنتاج الصناعي، نافيا أي تعارض بين التمسك الصارم بالتقاليد الأمريكية ورفض الدعوات الراديكالية للتغير الثقافي من جانب ودعم الرأسمالية وسياسات السوق الحر من جانب آخر وذلك للعلاقات البينية التي تسمح بالتكامل بينهما ليسهمان معا في استمرار الأمة الأمريكية المتفردة كياناً واحداً لا ينفصم .

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/أيلول/2008 - 19/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م