عسكرة حقوق الإنسان وأولويات السياسة الأمريكية

 

شبكة النبأ: لاتتردد جميع الدول تقريباً في كل ركن من أركان العالم، مهما كانت درجة نموها وتطورها، في الإعلان عن التزامها بحقوق الإنسان. ولكن الأمر لم يكن دوماً على ما هو عليه اليوم، فلم يتوطد مدى التقدم الذي تحققه دولة ما في مجال حقوق الإنسان، أو انعدام تقدمها فيه، كموضوع في العلاقات الدولية إلا منذ أقل من نصف قرن. فقد كانت كيفية معاملة حكومة ما لمواطنيها على أراضيها تُعتبر، قبل الحرب العالمية الثانية، مسألة تتعلق بسيادتها، أي بسلطتها العليا فيما يتعلق بشئونها الداخلية. ولكنها مع التطور الحادث عل المسرح الدولي أضحت قضية حقوق الإنسان محل اهتمام دولي، فقد شهدت الخبرة التاريخية حالات من التدخل العسكري تحت مسمى حماية حقوق الإنسان، ولهذا ظهر مفهوم جديد، مفهوم عسكرة حقوق الإنسان، الذي بدأ يتردد كثيرا في الآونة الأخيرة.

وقد كان للولايات المتحدة الأمريكية دورا متميزا في مجال تطوير ودعم أفكار وممارسات حقوق الإنسان، فقد نص إعلان الاستقلال، الذي أنهت الولايات المتحدة عبره ولائها للتاج البريطاني في العام 1776، على أن "جميع الناس خلقوا سواسية." ولدى الولايات المتحدة تاريخ من العمل على الصعيد الدولي في سبيل حقوق الإنسان. فعقب الحرب العالمية الأولى، دافع الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون عن حق تقرير المصير، وأيد حماية المجتمع الدولي للأقليات. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، كرست الولايات المتحدة الكثير من الجهد والمال للإبقاء على الديمقراطية في أوروبا وإعادة تعزيزها ولإقامة الديمقراطية في اليابان. وتصدرت جميع الدول الأخرى في إنهاء الاستعمار، فمنحت الفيليبين استقلالها في عام 1946. ومع انتهاء الحرب الباردة، برزت واشنطن كزعيم في مجال المبادرات متعددة الأطراف الخاصة بحقوق الإنسان والمبادرات الإنسانية في الصومال والسودان وهاييتي والبوسنة ودول أخرى.

وثيقة الحقوق الأمريكية

شهد العالم من خلال وثيقة الحقوق، وهي التعديلات العشرة الأولى التي أدخلت على الدستور الأمريكي في عام 1791، أول تجربة عملية في إيجاد نظام حكم يحترم حقوق مواطنيه ويوفر السبل لصيانتها أيضاً. فقد كلفت الوثيقة من بين حريات أخرى، حرية الدين وحرية التعبير وحرية الصحافة، كما ضمنت حق المواطنين في التجمع السلمي وحقهم في رفع العرائض إلى الحكومة لإنصاف المظالم، وحقهم في عدم إخضاعهم لعمليات تفتيش واحتجاز بشكل غير معقول وحق المواطنين في محاكمة سريعة وعلنية، حسب الأصول القانونية للمحاكمات.

فعلى الرغم من أن الأمريكيين الذين عاصروا تلك الفترة المبكرة لم يتحدثوا عن "حقوق الإنسان" كما هي متعارف عليها حالياً، إلا أنهم تحدثوا عن الحرية والحريات. وكان الكثير من المهاجرين الأوائل قد وفدوا إلى الولايات المتحدة (العالم الجديد) سعياً وراء الحرية الدينية التي حرموا منها في أوروبا خلال القرن السابع عشر. وقد تطور لديهم أثناء إقامة مجتمعاتهم المحلية مع مرور الزمن إحساس بالتسامح الديني بالإضافة إلى تحمس شديد لحكم أنفسهم بأنفسهم.

القانون الأمريكي وتشجيع الحرية الدينية

في العام 1998 أصدرت الولايات المتحدة قانون الحرية الدينية الدولية، الذي بموجبه تم إنشاء مكتب الحرية الدينية الدولية التابع لوزارة الخارجية، كما تم بموجبه استحداث منصب سفير متجول ، وقد أنيط بالمكتب مسؤولية إصدار التقرير السنوي حول وضع الحرية الدينية والاضطهاد الديني في كافة دول العالم، وبمراقبة حالات الاضطهاد والتمييز في العالم أجمع، كما يقوم المكتب بإعداد وتنفيذ السياسات التي من شأنها تشجيع التسامح الديني. ويسلّط المكتب الضوء على وضع الحرية الدينية في العالم من خلال إصدار تقرير سنوي مفصل حول الحرية الدينية الدولية في أكثر من 190 بلدا.

وقد وفر هذا القانون الأدوات الدبلوماسية الحيوية اللازمة التي تمكن الحكومة الأمريكية من تشجيع الحرية الدينية حول العالم وذلك من خلال منح وزارة الخارجية، تحت سلطة الرئيس، الصلاحيات التي تخولها تصنيف الدول التي تنتهك الحريات الدينية على أنها "دول مثيرة لقلق خاص".

وبمجرد إدراج دولة ما على قائمة "دول مثيرة لقلق خاص"، يمكن أن تواجه هذه الدولة عقوبات اقتصادية أو غير ذلك من الإجراءات الأمريكية التي يرتئيها الرئيس بالتشاور مع الحكومات الأخرى والمنظمات الإنسانية. وتحاول الولايات المتحدة العمل مع الدول المصنفة كدول مثيرة لقلق خاص في سبيل تعزيز التسامح الديني فيها كما توفر تمويلا للبرامج التي تشجع حرية العبادة في الخارج.

وعن هذا القانون يقول الرئيس بوش في الذكري العاشرة للقانون "إنه سيضمن أن تظل الحرية الدينية أولوية لجميع الحكومات الأمريكية المتعاقبة." ويضيف إنه خلال الفترة التي مرت في تاريخ القانون، وهي عشر سنوات، تم إحراز "تقدم مفعم بالأمل" في كثير من البلدان. ومن بين هذه الانجازات ما يلي:

في تركمانستان، ألحت الولايات المتحدة من أجل الإفراج عن المفتي عباد الله الذي أودع السجن لرفضه تدريس المعلومات الدعائية التي تروج لها الدولة بوصفها نصوصا دينية. وقد أصبح المفتي منذ ذلك الحين مستشارا في مجلس الشئون الدينية في الدولة.

اتخذت حكومة فيتنام خطوات مشجعة نحو الحرية الدينية وذلك بإفراجها عن العشرات من السجناء المتدينين وإعادة فتح الكنائس التي كانت قد أغلقت من قبل الحكومة.

وقال الرئيس بوش إن الذكرى السنوية ينبغي أن تكون بمثابة تذكرة لنا على أنه لا يزال هناك العديد من الناس محرومين من حرية ممارسة العبادة كما يشاءون. واستشهد على وجه التحديد بما يلي:

إريتريا، حيث يقبع 3 آلاف شخص من سجناء العقيدة الدينية في سجونها.

بورما، التي قامت الحكومة فيها بمداهمة الأديرة البوذية وبالاعتداء على الرهبان أثناء قيامهم باحتجاجات سلمية.

الصين، التي منع فيها أحد المعارضين من زيارة الولايات المتحدة والاجتماع بأعضاء الكونجرس عندما احتجزته السلطات الصينية.

أوزبكستان، التي تعرض فيها أفراد الأقليات الدينية للضرب وأودعوا بالسجون، ولكن الرئيس يفيد بأن "الاتفاقات الأخيرة التي أبرمت معها تعطينا الأمل بأن هذه الانتهاكات لن تتكرر.

تقارير وزارة الخارجية

وفي إجراء أمريكي آخر لتعزيز حقوق الإنسان على المستوي الدولي، ترفع وزارة الخارجية الأمريكية عدة تقارير شاملة عن حقوق الإنسان إلى الكونجرس. وتضم هذه التقارير:

تقارير ممارسات حقوق الإنسان في الدول المختلفة، وهي تقييم مفصل عن الوضع في مختلف الدول في العالم؛

دعم حقوق الإنسان والديمقراطية، وهي تقارير تصف ما تقوم به الحكومة الأمريكية لمعالجة الانتهاكات المذكورة في التقارير التي تقيم الوضع في كل دولة؛

تقرير الحرية الدينية حول العالم، وهو بمثابة تفحص لمدى تمتع الناس بحرية العبادة وممارسة شعائر دينهم؛

تقرير الاتجار بالأشخاص، وهي دراسة مسحية للاسترقاق المعاصر.

انتقاد اختراقات حقوق الإنسان

لم يقتصر الأمر على التقارير والقوانين ولكن وجه المسئولون الأمريكيون انتقاداتهم لاختراقات حقوق الإنسان. فعن تدهور حقوق الإنسان بكوريا الشمالية صرّح مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون شرق آسيا وحوض المحيط الهادي "كريستوفر هيل" بأن أوضاع حقوق الإنسان بكوريا الشمالية "بائسة" ويتعين معالجتها إذا ابتغت بيونج يانج تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة. ويضيف أن حقوق الإنسان ليست أولوية أمريكية فقط، ولكنها أولوية أممية. وهي جزء من عرف الانضمام إلى المجتمع الدولي.

وعقب إصدار محكمة مصرية، في الثاني من أغسطس 2008، حكمها بالسجن لمدة عامين وكفالة 10 آلاف جنيه لوقف التنفيذ على الناشط المصري في مجال حقوق الإنسان وأستاذ علم الاجتماع سعد الدين إبراهيم بتهمة الإساءة لسمعة مصر في الخارج أصدرت وزارة الخارجية في الرابع من أغسطس، بياناً عبرت فيه عن استنكار الحكومة الأمريكية لهذا الحكم، وعن مطالبتها باحترام حرية الرأي والاستحقاق القضائي. فقد دعا البيان إلى عدم استخدام الدعاوى القانونية لتقويض مبادئ حرية التعبير، وضرورة حماية الحقوق السياسية والمدنية في جميع الدول.

وفي أعقاب قرار محكمة الجرائم الدولية بتوجيه تهم للرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ضوء ما زعم عن أعمال نفذتها حكومته في دارفور، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفحص هذه التهم عن كثب كما أنها تؤيد إخضاع أفراد الحكومة السودانية للمحاسبة والمساءلة على جرائمهم في الإقليم. وفي هذا السياق قال "شون ماكروماك" الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تزال رائدة في محاسبة المسئولين عن الإبادة، سواء أكانوا أفرادا تابعين لحكومة أو لجماعات ثوار.

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ العام 2004 درجت الولايات المتحدة على وصف ما حصل في دارفور بأنه إبادة جماعية. وكان وزير الخارجية الأسبق "كولن باول" قد تحدث عن "نمط منتظم وواسع النطاق من الفظائع" مثل القتل والاغتصاب وإحراق القرى وهي أعمال ارتكبتها ميليشيا الجنجاويد وقوات حكومية ضد قرويي دارفور من غير العرب.

أمريكا ليست ملاذا لمنتهكي حقوق الإنسان

من أجل الحيلولة دون حصول منتهكي حقوق الإنسان على تأشيرات أمريكية، تعمل الولايات المتحدة على توسيع بنك معلومات فاعل يتضمن بيانات عن هؤلاء المخالفين. وفي هذا الصدد تؤكد جولي مايرز، مساعدة وزير الأمن الوطني لشئون تنفيذ قوانين الهجرة والجمارك أنه بالنسبة لهؤلاء المخالفين ممن يصبحون مواطنين أمريكيين فإن هناك عملية يمكن من خلالها "نزع الجنسية" عن المواطنين الأمريكيين المتجنسين. وقد تم ذلك عدة مرات في الماضي، خاصة بحق أعضاء سابقين في الحكومة النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

وقد أعلنت مايرز من قبل أن الولايات المتحدة ليست ملاذا آمنا لمنتهكي حقوق الإنسان في العالم أجمع.و منذ أن أنشأت دائرة الهجرة والجمارك وحدة تقصيات تتخصّص بخروقات حقوق الإنسان في 2004، تم توقيف حوالي 238 شخصا ممن انتهكوا حقوق الإنسان ورحلوا عن الولايات المتحدة

وتدير وحدة تقصي انتهاكات حقوق الإنسان في دائرة الهجرة والجمارك حوالي ألف تحقيق مع 88 بلدا. وتفيد مايرز أن غالبية القضايا الفعلية تطال دولا في أمريكا الوسطى والجنوبية وهايتي والبلقان وإفريقيا. أما الأفراد قيد التحقيق فيزعم بأنهم كانوا ضالعين في جرائم تتراوح من الإبادة الجماعية إلى الاضطهاد الديني العنيف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/أيلول/2008 - 17/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م