الخلاف داخل المؤسسة السياسية العراقية ينذر برحلة إلى المجهول

علي الطالقاني

أصبحت الاوضاع في العراق تؤرق العراقيين وتنذر بالخطر. وأصبحت الخلافات تتوسع فجوتها. هذه الخلافات ليست طائفية. الخلافات هذه المرة داخل المؤسسات الحيوية للدولة، بين أصحاب الكتل السياسية. خلافات حول مستقبل العراق، وحول المعاهدات و المحادثات وطرق إدارتها.

هذه الخلافات تنبع من الفشل السياسي، ومن فشل المفاوضات مع الأميركيين، ومن تصريحات ومواقف تتعلق بالحق العراقي واستقلاله، لتأتي بعد ذلك الخلافات بين الكتل السياسية، وخلافات داخل كل كتلة. هذه الخلافات متداخلة ويجب فرزها و توضيحها.

هناك خلاف حول مستقبل العراق، حول الهدف السياسي من التفاوض القائم مع الأميركيين، ويتصدى لهذا الخلاف المتفاوضون أنفسهم. ما بين رافضون و مؤيدون و متريثون و أصحاب شروط و تختلف القوى المتعددة التي تشكل الطبقة السياسية الراهنة في العراق حول الاتفاقية الأمنية المزمعة مع الولايات المتحدة بشكل يبدأ من الجهاز الرسمي للدولة، اي الرئاسات الثلاث، وصولا للقوى السياسية المشاركة بالحكم او المعارضة له. ومن بين الاراء وحسب مانقلته صحيفة الوطن الكويتي بتاريخ 28/8/2008.

* مؤيدون:

- عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق العراقية في البرلمان قال: إنه لابد من عقد الاتفاقية بين العراق والولايات المتحدة، مشددا على ان الاتفاقية يجب أن تتضمن التأكيد على سيادة العراق واستقلاله ووحدة أراضيه.

وأضاف أن الحكومة حريصة على أن تصب هذه الاتفاقية في صالح العراق والولايات المتحدة أيضا وهي واحدة من عدة اتفاقيات عقدتها أمريكا مع دول مثل اليابان وألمانيا وقطر وسلطنة عمان.

- النائب سعد البرزنجي، الحزب الديموقراطي الكردستاني (53 مقعدا) قال إن إبرام هذه الاتفاقية سيكون عامل خير للعراق وأمريكا.

وبين أن العراق دولة تبنى من جديد ومن هنا فإنه يحتاج إلى من يسنده في توفير الأمن لحين استكمال قدراته وبنيته التحتية.

وأضاف البرزنجي أن الاتفاقية ضمانة لمنع قيام نظام دكتاتوري جديد في العراق الذي يضم مكونات متنوعة وهي كفيلة بحماية العراق من أطماع بعض دول الجوار وأجندتها العدوانية تجاهه.

* متريث

- وليد الحلي، حزب الدعوة الإسلامية، بدا متريثا وفضل عدم إبداء موقف حزبه لحين الاطلاع على تفاصيل بنود الاتفاقية، وقال إن »الاتفاقية ما تزال قيد الدراسة، ولم تصل إلى أية نتائج حتى الآن.

وأضاف الحلي، المقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي، أن الحزب »بانتظار دراسة هذه الاتفاقية والاطلاع على تفاصيلها قبل أن يعلن موقفه النهائي منها«.

* شروط

- النائبة ليلى ثامر فاخر عن المجلس الإسلامي الأعلى (يرأسه السيد عبد العزيز الحكيم) تشترط أن تكون الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق مقيدة بما سمتها شروطا موضوعية، وبينت أن »توقيع مثل هذه الاتفاقية، التي تخص أمن العراق وسياسته وذات التأثير على مستقبل الأجيال القادمة، يتطلب توقيعها وجود شروط موضوعية بحيث لا تمس سيادة وأمن العراق مع الأخذ بكل المعايير والأطر الضامنة لمستقبل البلاد.

- النائب باسم شريف عن حزب الفضيلة (15 نائبا)، قال من حيث المبدأ العام يعتمد قبول الاتفاقية أو رفضها على عدم مساسها بالسيادة الوطنية وأن يكون العراق هو الذي يمتلك زمام الامور، لافتا هو الآخر إلى أن حزبه »لم يطلع على المسودة النهائية للاتفاقية كي يقرر موقفه منها.

وشدد، أنه يجب ان تعرض هذه الاتفاقية على مجلس النواب، وأن يكون هناك اتفاق وطني وشعبي عليها، ومجلس النواب يجب أن يعرضها على عامة الشعب، مستدركا صحيح أن مجلس النواب هو مجلس منتخب، لكنه لا يمثل جميع أطياف الشعب العراقي، والاتفاقية يجب أن تراعي السيادة الوطنية، وألا تتخذ من العراق منطلقا للاعتداء على دول الجوار أو تهديدها.

* رافضون

- ندى الجبوري من الكتلة العربية للحوار الوطني (18 مقعدا ويرأسها النائب صالح المطلك)، قالت إن الاتفاقية مرفوضة نصا وتفصيلا مشيرة إلى أن العراق هو الآن تحت الاحتلال لذا فهو غير مؤهل لعقد اتفاقيات طرفها قوي والآخر ضعيف.

- النائب عن القائمة العراقية الوطنية عزت الشابندر قال، إن المسؤولية التاريخية المترتبة عن توقيع الاتفاقية الطويلة الأمد تقع على الحكومة العراقية والاطراف التي لديها اطلاع عليها.

وأضاف الشابندر، أن القائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي، وتشغل 20 مقعدا في البرلمان لم تطلع حتى الآن على مسودة هذه الاتفاقية، لأن الحكومة تحرص على عدم اطلاع باقي الاطراف عليها، لافتا إلى أنه من حيث المبدأ الجميع يتفق أن من حق العراق أن يبرم الاتفاقيات التي تخدمه وتحقق مصالحه، لكن المشكلة اننا لم نطلع حتى الآن على الاتفاقية كي نحدد موقفنا منها.

وفي وجهات نظر أخرى

اياد السامرائي:

رئيس كتلة التوافق في مجلس النواب قال "ان رئيس الوزراء سيشكل لجنة خاصة من المختصين والخبراء لوضع اللمسات الاخيرة على الاتفاقية، لاجل عرضها في البرلمان. واضاف السامرائي في تصريح نقله موقع الاتحاد الوطني الكردستاني، ان الحكومة تصر على عدم المساس بالسيادة الوطنية ومصلحة الشعب العراقي، منوها بانه في حال قدمت مسودة صوفا إلى البرلمان لن تكون قابلة للانتقاد من قبل اعضاء مجلس النواب، بحسب قوله، مؤكدا ان وضع جداول زمنية لوجود القوات الاجنبية في العراق ضمن الاتفاقية الأمنية، يعد انجازا كبيراً للحكومة.

علي الاديب

نائب رئيس الائتلاف العراقي عادل الاديب أكد من جهته توقف المفاوضات قبل نحو أسبوع، بسبب تقديم الجانب الأمريكي صيغة عدها نهائية، إلا أنها احتوت على نقاط رفضها المفاوضون العراقيون.

وقال الأديب أن الجانب الأمريكي طلب إعطاءه مهلة 10 أيام ستنتهي بعد ثلاثة أيام، للرد على اعتراضات الجانب العراقي على بنود رئيسية فيها.

وأشار الأديب إلى أن بعض اعتراضات الجانب العراقي استجابت لتعديلها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليسا رايس، في حين بقيت مسألة حصانة الجنود الأمريكيين والمتعاقدين خارج إطار العمليات العسكرية، من دون البت فيها. وأضاف أن الجانب العراقي في انتظار القرار الأمريكي بشأن هذا المحور لحد الآن.

وشدد الاديب على أن الحكومة العراقية ستكون مضطرة على عرض الاتفاق على مجلسي الوزراء والنواب في حال رفض الجانب الأمريكي تعديل بند الحصانة القضائية الخاص بقواته والمتعاقدين معهم في العراق.

ونفى الأديب قيام رئيس الوزراء نوري المالكي بتغيير الوفد العراقي المفاوض على الاتفاقية العراقية الأمريكية.

ابراهيم الجعفري

ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي السابق، ورئيس تيار الإصلاح الوطني، وجه نقدا في بيان مكتوب للموقف السياسي من الاتفاقية الأمنية، منوها إلى أن مدة خمس سنوات على سقوط النظام السابق كفيلة لتشكيل رؤية سياسية تضع تاريخا محددا لخروج القوات متعددة الجنسيات.

ويعلن التيار الصدري موقفه الرافض للاتفاقية جملة وتفصيلا وخرج مئات من أنصاره في عدة مدن وسطى وجنوبية للتنديد بالاتفاقية.

عباس البياتي

على النقيض من ذلك، قال عباس البياتي عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي في صحافية ان البرلمان سيعقد أول اجتماعاته في التاسع من الشهر الحالي وبالتالي ستكون من أول أعمال الاجتماع الجديد مناقشة الاتفاقية بين العراق والولايات المتحدة.

وأضاف إن هناك اجتماعات مكثفة للتوصل إلى توافقات حول النقاط الخلافية المتبقية والمتمركزة حول ..الحصانة القضائية وجدولة الانسحاب أو التاريخ النهائي للانسحاب.

وكشف عن أن هناك قرارا مبدئيا بالانسحاب ، ولكن هناك الخلاف حول التاريخ النهائي..ونعتقد أن الحوارات من الآن لحين عقد الجلسة المقبلة (للبرلمان) ستكون كافية جدا للتوصل إلى مخرج لهذه النقاط الخلافية. وأوضح البياتي أن هناك ثلاث مراحل ينبغي أن تمر بها الاتفاقية قبل الإقرار النهائي: الأول يتمثل بالمجلس السياسي للأمن الوطني ثم مجلس الوزراء بعدها يأتي مجلس النواب.

وكان علي الدباغ المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية قد قال في تصريحات إن بغداد تنتظر ردا من واشنطن على مسودة نهائية طرحتها للاتفاقية الأمنية طويلة المدى المزمع إبرامها بين الجانبين.

وتستهدف هذه الاتفاقية تنظيم وجود القوات الأمريكية في العراق بعد نهاية التفويض الممنوح من قبل الأمم المتحدة للقوات متعددة الجنسيات بنهاية العام الجاري.

خاتمة

أثارت هذه التصريحات قلقا واسعا في الأوساط الرسمية والشعبية العراقية، واستدعت صدور مواقف سياسية ووجهات نظر مختلفة، وبيانات دينية و سياسية واجتماعية شعبية رافضة. وزادت هذه المواقف في حدة الجدل الدائر حول المفاوضات مع امريكا، كما زادت في حدة المخاوف مما يسمى الاتفاقية الامنية، التي تسعى إليها الإدارة الأميركية.

وبعد النظر الى تلك المواقف التي عبر عنها أصحابها، لا يبقى الا القول إن الأوضاع تؤرق العراقيين وتنذر بالخطر، وربما تقود هذه الحالة إلى الفوضى، وربما إلى الانهيار.

على طوال السنين الماضية كانت هناك خلافات سياسية عراقية، تقابلها أغلبية وأقلية في إطار المؤسسات التشريعية، تعطي للموقف العراقي الرسمي غطاء وطنيا وشرعيا. أما بعد هذه الاستعراض لأهم مجريات الاحداث فإن الخلاف يدب داخل المؤسسة التشريعية نفسها، وإذا استمر هذا الخلاف، فإن الموقف السياسي العراقي يصبح من دون غطاء شرعي، ويصبح عاجزا عن الدفاع عن نفسه، وهنا يبدأ الانهيار. فالبرلمان العراقي ابتعد عن السلطة العراقية وأدائها، و نأى بنفسه عن أداء اللجنة التي اتفقت مع الامريكيين. وحين يحدث مثل هذا الشيء، فإن الوصف لهذه الحالة هو التصدع في بنية المؤسسات، ورحلة إلى المجهول.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/أيلول/2008 - 14/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م