لقد أدرك الإنسان، ومنذ بدء نشوء الحياة على المعمورة، حاجته
الماسة لوجود نظام عملي ونظري لتنظيم العلاقة بينه وبين الآخرين من
أفراد وجماعات وأشياء. والنظام في اللغة؛ يدل على التأليف والجمع
والترتيب والتنسيق، وقد ينقل من الأمور المحسوسة الى المعنويات،
فيقال: نظم المعاني، أي رتبها وجعلها متناسقة العلاقات متناسبة
الدلالات على وفق ما يقتضيه العقل.
بينما النظام في الاصطلاح، هو مجموعة المبادئ والتشريعات
والأعراف، وغير ذلك من الأمور التي تقوم بها حياة الفرد والمجتمع،
وحياة الدولة، وبها تنظم الأمور.
في هذا الجانب، يقول السيد المجدد الثاني الشيرازي (أعلى
الله مقامه) في كتابه( القانون) من موسوعته الفقهية ما نصه:
(..إنما احتاج الإنسان إلى القانون لأنه إنسان، له حوائجه الفردية
والاجتماعية في مختلف الجوانب، وليس كما يقول الإغريق: لأنه مدني
بالطبع؛ فيحتاج إلى تحقيق متطلبات الاجتماع، والمتطلبات لا يمكن
جعلها في المسار الصحيح الا بالقانون...، اذن فالقانون لازم لتنظيم
امور المجتمع مهما كان نوع المجتمع بدائيا أو متوسطا...).
وبالتالي، فإذا كان النظام والقانون لازما من لوازم استقرار
الحياة، فان اللانظام واللاقانون هو أيضا لازم من لوازم الفوضى
والعبثية، وأي مجتمع لا تسوده ثقافة احترام القانون، أو لا تفعل
فيه سلطة القانون هو مجتمع فاقد للاستقرار.
يتحدث الكثير من شعوب العالم عن الشعب الياباني، وعن قدرته
في البناء والتطور، ولم يتساءل احد كيف تحولت هذه الدولة من دولة
منهزمة في الحرب العالمية الثانية، ومحملة بأعباء كبيرة، نتيجة
قصفها بالاسلحة النووية، إلى دولة في مصاف الدول المتقدمة والكبيرة؟
الجواب، بكل بساطة، انهم عرفوا بان النظام اساس الحياة وسر
نجاحها ، فجعلوه مقدسا، فترى كل شيء عندهم محدد بقدر وبوقت، وبأعلى
درجات الانضباط، فلا تجاوز على الموعد، ولا على الوقت، ولا على
حقوق الآخرين، ولا حتى على حقوق العائلة فيما بينها، ولكل فرد فيهم
حقوقه وواجباته، يؤديها باكمل وجه، ويستلم حقوقه على أتم وجه.
في عراق اليوم وفي بعض الدول الاسلامية، أصبحت (وللآسف)
ثقافة مخالفة النظام والقانون سمة بارزة من سمات الحياة السياسية
والإدارية وحتى الاجتماعية منها، ولعل نظرة احترام القانون وتطبيقه
هي النظرة السائدة في هذه المرحلة، وربما يعود جزء من هذه النظرة
السلبية للقانون والنظام العام هو ضعف أجهزة الدولة في فرض سلطة
القانون وهيبته، حيث كانت الدولة في اغلب الاحيان اداة لقمع الناس
وارعابهم وإذلالهم وتكريس الاستبداد والعسكرة، وليس لخدمة الناس
وحماية الحريات وتحقيق النظام العام.
نعم، نحن بحاجة كبيرة للإصلاح في الكثير من القوانين
والأنظمة غير المنطقية، وذات الأثر السلبي، والتي كان القرار
السياسي ومصلحة النظام في ذلك الوقت وراء الكثير من إصدارها.
والمسؤولية بالدرجة الأساس عامة وغير مختصة بجهة ما، ولكنها أكبر
بالنسبة للمصلحين ودورهم الريادي والتاريخي المشهود في تصحيح
المسارات الخاطئة، وبما ينسجم مع المصلحة العامة.
نحن بحاجة إلى أن نجعل النظام عندنا نظاما مقدسا، ويجب أن
نعلم ونعلّم الآخرين بأننا لن نتجاوز المحن بمعجزة، ولا بقدرات
الآخرين، ولكن نتجاوزها بنشر ثقافة الانضباط والاحترام والامتثال
للقوانين، فإذا فهمنا تلك الثقافة، وآمنا بها، وترجمناها على ارض
الواقع، فاني نكاد نجزم بان بلادنا سوف ترقى الى مصاف الدول
المتقدمة.
يقول الامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام) في وصية له للحسن و
الحسين (عليهما السلام): أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ.. وَ
نَظْمِ أَمْرِكُمْ وَ صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ..
* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |