شبكة النبأ: لا أحد يشك بأن
العراق يتصدر قائمة دول العالم من حيث عدد الأرامل والأيتام. هذه
الظاهرة آخذة بالاتساع منذ سبعينيات القرن الماضي أيام النزاع
المسلح مع القوى الكردية، والإعدامات التي طالت الآلاف لأسباب
سياسية، مرورا بسلسلة الحروب التي بدأت من ثمانينات القرن الماضي،
ولم تنته حتى الآن. كل ذلك حول نسبة كبيرة من سكان العراق إلى
أرامل أو أيتام.
وتقول أم يحيى، 39 سنة، التي فقدت زوجها بعد التغيير "ما أن
تفقد إحداهن زوجها حتى تجد نفسها في مواجهة صعوبات الحياة
بمفردها"، وتضيف "هذه الحقيقة، يعرفها الجميع، ولكن أغلب الجهات
الحكومية وغير الحكومية تحاول تجاهلها".
وبينما يعيش العراق وضعا اقتصاديا صعبا حيث تستشري البطالة
ويزداد التضخم تدفع الشرائح الأضعف اقتصاديا ثمنا باهظا لذلك،
وتأتي شريحة الأرامل في مقدمة من يدفعون الثمن "لأنها لابد أن تدفع
كي تعيش بينما دخلها محدود وربما معدوم" كما تقول أم هبة،27 سنة.
إلا أن هناك مشكلة أخرى تواجه الأرامل، فبالإضافة إلى المشاكل
التقليدية المتعلقة بالإنفاق على الأسرة وتوفير السكن، اعتادت
النسوة على تسلم الإعانات بدلا من التفكير بالحصول على عمل لتوفير
مصدر ثابت للدخل.
ويرى حيدر السلامي،41 سنة، وهو من العاملين في إحدى المؤسسات
الخيرية، أن "الهم الأكبر لأغلبهن هو تقصي أخبار المؤسسات الخيرية
التي تدفع إعانات بسيطة لا تتجاوز الأربعين دولارا في أحسن الأحوال،
وبغض النظر عن عدد أفراد الأسرة"، فضلا عن "أن اهتمام العديد منهن
ينحصر كذلك في كيفية الحصول على الكفيل الذي يقرر دفع مساعدة شهرية
ليتيم يختاره من خلال إحدى المؤسسات الخيرية".
ويضيف السلامي أن "مؤسسة المعصومين التي يعمل فيها تقدم مساعدات
لـ600 عائلة فاقدة لمعيلها". ويوجز حيدر مهمة المؤسسة التي يعمل
فيها بأنها "بمثابة وسيط بين المتبرع والمستفيد، وهي تحتفظ بأضابير
لأيتام وأرامل تقوم بدفعها لجهات خيرية أخرى للحصول على متبرعين
يدفعون مساعدات قد تكون شهرية أو لدفعة واحدة".
الأغنياء يأتون متأخرين
ويقر حيدر بأن ما يقدم من خلال المؤسسة "لا يكفي لتلبية حاجات
أسرة صغيرة لأكثر من ثلاثة أو أربعة أيام"، وهو ما تؤكده أم
منتظر،37 سنة،، وهي إحدى النساء سيئات الحظ ممن فقدن معيلهن جراء
أعمال العنف. وتتسلم أم منتظر 25 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل
عشرين دولارا كل شهر "هذه النقود قليلة جدا بالقياس لمتطلبات ثلاثة
أشخاص، ولهذا أضطر إلى الاقتراض من أقربائي في أكثر الأحيان لتلبية
بعض الحاجات".
ولا تنكر أم منتظر تلقيها لإعانات من بعض "أهل الخير"، بالرغم
من أن "الظروف الاقتصادية صعبة، ولا تدع مجالا للناس كي يبادروا
لمساعدة الآخرين في أغلب الأحيان" كما تقول.
ويعتقد حيدر السلامي أن "المجتمع العراقي ولاسيما الموسرين فيه
متأخرون جدا في مجال تقديم المساعدة لمحتاجيها".
ونتيجة تلك الحروب المتلاحقة ظهرت أجيال متعددة من الأرامل
والأيتام في المجتمع العراقي، ولعل معاناة الجيل الأحدث أقسى من
الجيل الذي قبله لأنه مازال في خضم الصعوبات الناجمة عن فقدان
الأزواج، فضحاياه من النساء وجدن أنفسهن مسؤولات عن أسر بلا مسكن
تتألف من صغار غير قادرين على العمل.
أم رضا فقدت زوجها في انفجار عبوة ناسفة في بغداد، واضطرت إلى
مغادرة محل سكناها إلى كربلاء، وهي تعيل أسرة مؤلفة من ثلاثة صبيان
وبنت واحدة. تقول في حديثها لـ"نيوزماتيك" "أسكن حاليا في منزل
شيد على أرض مملوكة للدولة، وأدفع 150 ألف دينار عراقي شهريا كبدل
إيجار"، وكنت بنيت غرفة في أرض للدولة لكن البلدية أزالتها". ولفتت
إلى أنها "تفتقر إلى المساعدة"، في مجتمع وصفته بأنه "ذئب كبير لا
يمكن إلا للقوي العيش فيه"، حسب قولها.
مساعدات من الخارج
توجد في كربلاء العديد من المؤسسات الخيرية التي تقدم مساعدات
عينية ومالية لأسر فقدت معيلها، وتحصل أغلب هذه المؤسسات تقريبا
على دعم من متبرعين من خارج العراق، لاسيما دول الخليج. وقد زار
وفد نسوي كويتي غير رسمي كربلاء قبل فترة قصيرة، وقدم مجموعة من
الهدايا العينية لأكثر من خمسين عائلة فاقدة للمعيل تقوم الجهة
التي يمثلها الوفد بكفالتها.
وتصف هدى العلي رئيسة الوفد أوضاع الأرامل والأيتام في العراق،
بأنه "صعب للغاية" وتضيف في حديث لـ"نيوزماتيك" إنها "زارت منازل
العديد من الأرامل في كربلاء ووجدت أن بعض الأسر تعيش بلا سقوف أو
تحت سقوف متهرئة"، وتؤكد أن" الواجب الإنساني يحتم على كل القادرين
تقديم العون والمساعدة لمئات الأطفال والنساء ممن يفتقرون إلى
المأوى المناسب والعيش الآمن".
وتشير رئيسة الوفد النسوي الكويتي إلى أن "هناك صعوبات تعترض
مرور المساعدات من الكويت باتجاه العراق في وقت ينبغي ان يكون
الدخول إلى العراق أكثر يسرا وبشكل يشجع على تقديم مساعدات وإعانات
لعدد أكبر من الأرامل والأيتام".
وقد أثار كلام هدى العلي حفيظة إحدى الأرامل العراقيات وتدعى أم
يحيى، 42 سنة، التي قالت بانفعال واضح إن" الكويت ليست بأغنى من
العراق ولابد للحكومة العراقية أن تضع حلا لمشكلة الأرامل والأيتام".
من جانبها أضافت أم هبة قائلة "من العار أن تتلقى العوائل
العراقية الفقيرة مساعدات من دول أخرى بينما الحكومة العراقية تعطي
من وقت لآخر مساعدات لهذه الدولة أو تلك".
العمل مو عيب
ويعتقد مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
الدكتور أحمد باهض أن "مشكلة العوائل الفقيرة، ومنها الأسر فاقدة
المعيل، تكمن في غياب الرؤية الواضحة بشأنها لأن شبكة الحماية
الاجتماعية التي استحدثتها الحكومة لدعم الفقراء علمت المعوزين على
انتظار موعد تسليم الإعانات".
ويضيف الدكتور باهض "هذا الأمر لا يساعد على حل المشكلة، الحل
يكمن في وضع برنامج كبير للاستفادة من طاقات النساء والصغار
وتعليمهم كيفية الحصول على المال من خلال العمل". ويشير باهض إلى
أن "لدى مركزه برنامجا يطبق حاليا في نطاق محدود ويأمل توسيعه مع
الوقت ليشمل عدد أكبر من الأسر، وهو يقوم على تعليم الفقراء كيفية
التفكير للحصول على المال، فالمنح وحدها لا تكفي"، حسب قوله.
ويبدو أن فكرة العمل للحصول على أجر تحظى بقبول النساء فاقدات
المعيل فأم محمد، 39 سنة التي تعيل بعض الصغار ومن بينهم طفلة
مختلة عقليا، تقوم بعمل المسبحات والترب من الطين وتبيعها على
أشخاص يبيعونها بدورهم على زوار العتبات المقدسة في كربلاء، فتحصل
على شيء من المال يعينها على توفير بعض متطلبات أسرتها.
وتقول أم محمد "العمل ليس عيبا ولا هو بحرام، فإن وجدت عملا
مناسبا فسأعمل من أجل توفير حاجات أطفالي المتزايدة".
أما نهى محمد، 32 سنة، فتشير إلى أن "دخلها الشهري محدود جدا"،
لكنها ترفض فكرة العمل في الوقت الحاضر لأنها ما زالت تعتني بأحد
صغارها الرضع"، إلا أنها لا ترفض فكرة العمل إجمالا، وتؤكد أنها
"ستعمل بعد زوال الموانع".
وتدعو أم نور، 34 سنة، إلى أن "تقوم بعض الجهات بتشغيل النساء
الأرامل ولو في منازلهن فهذا الأمر أفضل من تنقلهن على أبواب
المؤسسات الخيرية".
بشكل عام وفي ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة أدت مشكلة فقدان
المعيل وعدم وجود مصدر ثابت للدخل إلى تفاقم أوضاع آلاف الأسر
المهددة بالتفكك، وبدأت الحاجات المتزايدة لأبناء الأمهات الأرامل
تضعهن في وضع حرج أمامهم، هذا إلى جانب ترك الكثير من الأبناء
الصغار المدرسة للبحث عن فرصة عمل في السوق، ما يعني أنهم سيربون
أنفسهم على أخلاقيات السوق التي لا تناسب أعمارهم وأفكارهم، وقد
تصنع منهم أشخاصا منحرفين. |