التقهقر والبدايات الصفرية

كاظم فنجان الحمامي

من المعوقات الخطيرة, التي تقف في وجه الاقسام والشعب الإدارية في معظم المؤسسات العراقية. وتفقدها القدرة على الوفاء بإلتزاماتها الإنتاجية, والخدمية. هي ظاهرة التأرجح الإداري في تحقيق الأهداف والخطط التنموية, فتراها متذبذبة بين مد وجزر, وصعود وهبوط, وتحسن وتردي, ونشاط وخمول, وتقدم وتقهقر. وتكون هذه الظاهرة لصيقة بظروف تغيّر مدير هذه الشعبة الإدارية, أو ذلك القسم الإنتاجي..

فما أن يستبدل المدير. ويغيب عن الأنظار, حتى تدفن معه الخطط والبرامح, التي أعدها, وحرص على تنفيذها. وربما تزول نهائيا على يد المدير الجديد, الذي سرعان ما يبادر إلى نسفها, وتسفيهها. والعودة بدفة الإدارة الى البدايات الصفرية. ويعزى هذا التصرف إلى رغبة المدير الجديد في التميز, وإثبات الذات. والظهور بمظهر المبدع المجدد. أو لعدم قناعته بما انجزه وحققه المدير السابق. وربما يعزى ذلك إلى صعوبة فهمه للسياقات والأساليب, التي كانت نافذة قبل مجيئه, كونها تفوق حدود مداركه العلمية المتواضعة. وغالبا ما يكون مجيئ المدير الجديد محفوفا بجوقة الوصوليين والإنتهازيين, الذين لا يستحون من شتم المدير السابق, من أجل إرضاء المدير اللاحق.

ولسوء الحظ , يكشف المدير الجديد عن مواهبه الإرتجالية, ويفرض برامجه وخططه المستحدثة. والتي غالبا ما تكون مبنية على رؤيته السطحية. فيختل التوازن الإداري. وتميل عجلة الإنتاج نحو التخبط مـتأثرة بهذا النفس البيروقراطي المقيت. فتتفاقم وتيرة المشاكل, وتتعقد الأمور, وتخرج عن السيطرة. ثم ينهار الكيان الإداري برمته, ويفشل في تحقيق الحد الأدنى مما هو مطلوب منه. وتنتهي هذه التجربة بإعفاء هذا المدير, وتنسيب مدير آخر. ليحل محله. فتنحرف بوصلة الإدارة مرة أخرى نحو خط الصفر. وتنطلق أبواق الوصوليين والإنتهازيين في تمجيد الخليفة الجديد. وتغرق سفينة المؤسسة الإدارية المعطوبة في بحار الفشل. وتستمر دورات التعثر على هذه الإيقاع البليد. وتتواصل تقلبات النواعير الفارغة, وهو ما جرت عليه العادة منذ ثمانينات القرن الماضي..

والمضحك المبكي. ان بعض المدراء الجدد لا يمتلكون ابسط المؤهلات الإدارية. ولا يرتقي مستواهم العلمي إلى مرحلة الدراسة الإبتدائية. وأحيانا دون ذلك. فتراهم يحملون معاولهم للإطاحة بصروح الإبداع والتفوق, ويتعمدون تهديم رموز الخير والعطاء.

فمنهم من اسهم في تجميد شعبته الإدارية, وضبط درجة الإنجماد على الصفر الفهرنهايتي. ووضعها في كهوف القارة القطبية الشمالية, لترقد هناك مع قبائل الأسكيمو.

ومنهم من أسهم في تغييب الكفاءات العلمية, وتفتيت القدرات والمهارات الإدارية الواعدة. وأعلن الحرب الشعواء على أصحاب الشهادات العليا. والإستخفاف بقيمة الكم المعرفي الإنساني.

ومنهم من ظل يراوح في مكانه على خط الصفر. متذرعا بتطبيق اللوائح والأنظمة الموروثة من زمن (حصرم باشا)..

ومنهم من تعطلت حركته, وغط في سبات عميق, حتى صار رمزا لعقاقير (الفاليوم)..

ومنهم من لا يجيد سوى التهميش على الكتب الرسمية بعبارة (للإطلاع وإتخاذ ما يلزم), التي ابتكرها المرحوم (سرجون الأكدي) في الألف الثاني قبل الميلاد..

ومنهم من حوّل دائرته إلى (مضيف) عشائري متخصص بالتدخين الجماعي, والإدمان على شرب كؤوس الشاي, والثرثرة في المواضيع التافهة..

ومنهم من تقوقع على نفسه. وإنهمك في حل مسابقات الحروف المتقاطعة, ومتابعة أحداث مسلسل (سنوات الضياع). وهكذا أضعنا فرص التقدم والإرتقاء نحو الأعلى..

وإذا ما علمنا, أن ظاهرة البدايات الصفرية مرتبطة بسوء تطبيق معايير إختيار المدراء. لا يكون مستغربا إذا طالبنا بضرورة تحديد مقاييس الإنتقاء. والعمل على تهذيب وتنقية الأجواء الإدارية من العناصر الفاشلة والضعيفة..

فالإدارة الجيدة هي مجموعة من الفعاليات الواضحة, والمتخصصة, والمحترفة.. إنها علم شامل ومتجدد. يتضمن التقييم, والتدقيق, والتخطيط, والتنفيذ, والقيادة, والتحفيز, والقياس, والمتابعة..

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء  3/أيلول/2008 - 2/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م