شبكة النبأ: فيما تواصل وزارة
الخارجية الامريكية نَفيَها، كرر رئيس الوزراء العراقي نوري
المالكي تصريحه مرتين خلال يومين فقط، حول الإتفاق مع الجانب
الامريكي على سحب القوات الامريكية من العراق أواخر العام 2011،
بالإضافة الى تأكيد الرئيس العراقي جلال الطالباني لقناة الحرة،
على ان المسودة الاخيرة التي أتُفِقَ عليها ضمّت فقرة الإنسحاب
الامريكي من العراق في نفس التاريخ، وما بين هذا الشد والجذب من
قِبل الطرفين المتفاوضَين، لابد من ان يعرف الشعب العراقي وممثليه
في البرلمان ماهية الإتفاقية بالتفصيل وأن تؤخذ وجهات نظر المشككين
او المنتقدين بجدية بالغة لما فيه مصلحة العراق أولاً واخيراً..
وبثّت اذاعة صوت العراق تحليلا ونقدا مفصلا لبنود مسودة
الاتفاقية الامنية المقترحة بين واشنطن وبغداد، واوضح تحليل
الاذاعة ان بنود عديدة من شانها ان تعرض حاضر ومستقبل العراق الى
الخطر، وتسلب منه فواصل مهمة من الشان السيادي الشامل للعراق،
وتعطي للامريكيين كثيرا من الامتيازات على حساب الوطن والمواطن
وبناء العراق المستقل المتحكم بكل مفاصل السيادة دون اي اجتزاء.
واوردت اذاعة صوت العراق فقرات وبنود هذه المسودة، وحذرت من
التوقيع عليها قبل اعادة النظر فيها وعرضها في وسائل الاعلام ليطلع
الشعب العراقي على كافة تفاصيلها وليشارك السياسيون والخبراء
الاستراتيجيون في نقد وتنقيح وتعديل او الغاء فقرات وبنود منها.
وجاء في تقرير الإذاعة " مازال اصحاب العلاقة بالشان التفاوضي
الجاري حول الاتفاقية الامنية المزمع توقيعها بين العراق والولايات
المتحدة، يصرحون بشكل متواصل بانه تم التوصل الى مسودة الاتفاق
التي تتضمن 27 فقرة تنظم الوجود الامريكي في العراق حتى عام 2011
والى مابعد هذا التاريخ، تشكل افضل مايمكن ان يحقق مصالح العراق
ويوفر له بقاء القوات الامريكية فوق اراضيه لحمايته وصيانة امنه
ومنع حدوث فراغ امني !!
ان هذا التسارع في الاشادة بما تم التوصل اليه من اتفاق في هذه
المسودة التي رفعت الى مجلس السياسي للامن، يزيد الخشية والخوف من
تسويق هذه المسودة وتحويلها الى وثيقة او معاهدة لشرعنة استمرار
بقاء القوات الامريكية في العراق، وذلك لما تحويه المسودة من مواد
وفقرات تشكل موضع شبهة واشكال سيادي وامني في ان واحد.
ومن الامور التي تدفع الى التشكيك بجدوى هذه الاتفاقية الامنية
للعراق، هو الاندفاع الغريب لدى المفاوض العراقي في الاشادة فيها
على الدوام، فمنذ المسودة الاولى للاتفاقية التي كانت تضم فقرات
فاضحة تمس سيادة العراق،كان بعض المشاركين في الوفد العراقي
المفاوض، يشيد ببنود تلك الاتفاقية بدءا من نائب رئيس الوزراء برهم
صالح وانتهاء بوكيل الوزارة الحاج حمود ومرورا بوزير الخارجية
هوشيار زيبباري، مضافا لهم الناطق باسم الحكومة الدباغ وغيره.!!
كل اولئك اشادوا بماحوته وتضمنته المسودة الاولى وصوروها للشعب
العراقي بانها " تضمن مصلحة وسيادة وامن العراق"!!.
وعاد هذا الفريق المفاوض ليعيد ذات التصريحات في تعليقاته على
التصحيح الاول الذي جرى على مسودة الاتفاقية، وقالوا مامضمونه : "
ليس بعد هذا التعديل من مخاوف وخشية وجرى الاخذ بنظر الاعتبار
الغاء وتعديل كل مامن شانه ان يكون مخلا بسيادة العراق، وهذا
التعديل الجديد يضمن سيادة العراق "!!
ولكن وبعد التعديل الثاني الذي جرى على المسودة وتم تحديد عام
2011 كاقصى سقف زمني لبقاء القوات الامريكية في العراق، اقر
المفاوض العراقي بمجمل اركانه، ان هذه المسودة هي الافضل والمناسبة
للعراق وللولايات المتحدة، ولابد من اقرارها وتوقيعها !!
وأضاف تحليل الإذاعة: "اذا كان المفاوض العراقي يرى كل تلك
المسودات الثلاث بذات المنظار الايجابي، وبنفس الرضا، فان الشعب
العراقي يرى لزاما عليه ان لايطمئن لهذه التصريحات، خاصة وان اغلب
الفريق المفاوض العراق يمتاز بصفات لايمكن الادعاء بانه برئ منها
وهي :
الف- ان اغلب اعضاء الجانب العراقي المفاوض، قليل الخبرة
والتجربة في مجال التفاوض الدولي وبالذات في هكذا موضوع شائك
كالاتفاقية الامنية التي ستشكل اية ثغرة فيها، مسا مباشرا بسيادة
العراق. بينما الوفد الامريكي مثل السفير المسؤول عن الملف العراقي
ساترفيلد والسفير رايان كروكر وغيرهم، يستند الى خبرة طويلة ومراس
عسير في التفاوض الدولي، وقدرة فائقة على استخدام العبارت
والمترادفات والمصطلحات السياسية والدبلوماسية بشكل يجعله قادرا
على جعل كل فقرة من فقرات مسودة الاتفاقية، حبلى بالتفسيرات
والتاويلات على شاكلة الجدل التاريخي القائم حتى الان بين العرب
واسرائيل بشان قرار مجلس الامن 242 لعام 1967 الذي يقول
الاسرائيليون انه يدعوها الى الانسحاب من " اراض " عربية، بينما
يقول العرب ان القرار يدعو اسرائيل الى الانسحاب من " الاراضي "
العربية المحتلة، وشتان بين العبارة الاولى التي تعطي للاسرائيليين
الحق بابقاء بعض الاراضي العربية محتلة بيدها، وبين العبارة
الثانية التي تعطي العرب الحق بالادعاء بان الانسحاب لابد ان يكون
من جميعا الاراضي العربية !! ومثل هذه الفخاخ موضع الاختلاف في
تفسير قرار 242، تمتلئ بها مسودة الاتفاقية الاخيرة.
باء - ان من بين اعضاء الفريق المفاوض العراقي من لم يزل يملك
علاقات صداقة وتعاون مع الجانب الامريكي بشكل يمنعه من الوقوف
بوجهه والرد على مطالبه في التفاوض بالادلة والبراهين، واذا تذكر
هذا – المفاوض - انه يتحمل مسؤولية تاريخية، فان ذلك ربما يسعفه
للرد، ولكن باستحياء وخجل حتى لايسبب للمفاوض الامريكي حرجا ويرد
له طلبا.
جيم – ان من بين المفاوضين في الجانب العراقي، من يعتقد صادقا
بان لاولايات المتحدة هي بالفعل صديقة للعراقيين، وهي تسعى لتقديم
افضل مايمكن من مساعدات في الجانب الامريكي، وهو يعتقد كذلك انه
كلما زادت فترة بقاء القوات الامريكية في العراق فان ذلك يوفر
مزيدا من الامن ويمنع ما يصطلحون عليه بالفراغ الامني.
دال - المسودة الاخيرة مازالت تحوي المزيد من الامور الغامضة
التي تفسر لمصلحة الجانب الامريكي، وحسب اطلاع اذاعة صوت العراق
على ماترشح من بنود هذه المسودة للاتفاقية الامنية فانها تضم
التالي :
اولا– كلما وردت كلمة " يتعهد " فانها مقتصرة على الجانب
العراقي فقط، بينما تضيع هذه الفقرة " يتعهد " في الزام الجانب
الامريكي بمسؤولياته، واذا وردت مرة ما،فانها ترد بشكل عمومي في
مقدمة الفقرة، بينما تغيب في تفاصيلها، حتى تظهر كل جانب وجزء من
هذه الفقرة، وكانها غير مشمولة بالتعهد الاولي الذي ورد في بداية
الفقرة.
ثانيا - مسودة الاتفاقية تفوض الجانب الامريكي بشان " السيادة
والسيطرةعلى الا جواء العراقية " بشكل كامل ومطلق، بحجة ان العراق
لايملك الامكانات لرصد اجوائه، بينما ضباط متقاعدون من الجيش
العراقي من العاملين في الدفاع الجوي يؤكدون، بان الامكانات ميسورة
من الكفاءات والقدرات، ولايحتاج الامرالا الى شراء منظومات رادار،
وبالامكان توفيرها من السوق العالمية خلال فترة قليلة جدا.
ان القبول بهذا التخلي عن الشان السيادي المتعلق بالاجواء
العراقية، انما هو تخلي عن حق من حقوق الشعب والوطن، وهو يشكل
انتقاصا مفضوحا للسيادة.
ثالثا– ان الحديث عن بدء الانسحاب من القواعد الامريكية،
لايتضمن الاشارة عن مصير ومآل هذه القواعد بعد الاخلاء، فهل تظل
هذه القواعد الخالية من الجنود،تحت سيطرة الجيش الامريكي حتى خروج
اخر وحدة عسكرية له من العراق، ومن ثم تسلم كل هذه القواعد، ام ان
الجانب العراقي سيسارع الى استلام القاعدة العسكرية التي تم
اخلاؤها فورا، حتى لاتكون قاعدة جاهزة للامريكان لاستخدامها مجددا
وقتما شاؤوا لتظل تشكل تقطة عسكرية امريكية بكل تجهيزاتها قابلة
للاستفادة منها حالما يقرر الامريكان.
رابعا- مسودة الاتفاقية لاتحدد تفاصيل خروج القوات الامريكية
وتحديد الوحدات والحجم الذي سيتم سحبها من العراق وتعداد افراد تلك
الوحدات، وانما ظل الامر عموميا ومبهما في فقرات المسودة، وكأن
الامر يتعلق بالحديث عن انسحاب عشرات الاشخاص من مقر صغير في قاعدة
ما في العراق، وليس انسحابا لقوات جرارة يزيد تعدادها على ربع
مليون جندي وترسانه هائلة من السلاح والذخيرة والمعدات.
خامسا – مسودة الاتفاقية لاتحدد مستوى وحجم العمليات العسكرية
التي من حق القوات الامريكية القيام بها خارج قواعدها العسكرية.
سادسا – مسودة الاتفاقية لاتحدد حصانة المؤسسات العراقية ولا
المسؤولين العراقيين كالوزرات والوزارء وبقية المسؤولين وحتى
المحافظين والقادة والضباط العسكريين، ولاحصانة القواعد العسكرية
والامنية والمخابراتية ولا حتى الحوزات العلمية او المرجعيات
الدينية، حيث يسمح هذا الاطلاق لعمل القوات الامريكية، تنفيذ
عمليات الدهم والاعتقال واطلاق النار والتسبب بالقتل في كل هذه
الاماكن والمرافق الرسمية والدينية، وهذا نموذج من نماذج ممارسات
القوة المختلة الغاشمة، وليس نموذجا لمهام قوات ملزمة بالمواثيق
والرضوخ لقواعد السيادة وضوابط الدولة العراقية، كما يحاول الجانب
الامريكي الايهام بانه ملتزم بها وهو ما ثبت بطلانه، وخاصة في
العمليات التي نفذت في المحافظات التي سلم فيها الملف الامني
لاداراتها المحلية وفي الوزارات والادارات ومكاتب المحافظين
والقواعد العسكرية العراقية، والامثلة كثيرة ولسنا في وارد سردها
لكثرتها واشتهارها.
ثامنا – مسودة الاتفاقية توفر حصانة لقوات الامريكية في قواعدها
وفي خارج هذه القواعد ايضا !!، بينما الاتفاقات التي ابرمتها
امريكا مع اليابان وتايلند ودول اخرى، لاتضمن حصانة الجندي
الامريكي الا داخل القواعد العسكرية الامريكية وليس خارجها، كما هو
في مسودة الاتفاقية الامنية الاخيرة.
تاسعا – مسودة الاتفاقية في فقرة الاشراف على الاجواء العراقية
والتحكم بها، تسلب بشكل طبيعي وفق هذا التفويض بالاشراف الامريكي
على الاجواء والتحكم بها، من العراق الاشراف واعطاء الاذن بتحريك
طائراته المدنية في المطارات وخاصة في مطار بغداد الا باذن من
الضباط الامريكيين، اذا لايحق لاي طيار ان يحلق بطائرة الركاب
المدنية الا ان يأخذ اذنا مسبقا من الضابط الامريكي في برج
المراقبة، وهذا دليل من ادلة فقدان السيادة والرضوخ لارادة واوامر
قوات اجنبية، وهو يشكل صورة من صورة ممارسة المحتل لصلاحية طاغية
هلى حساب سيادة العراق.
عاشرا – مسودة الاتفاقية تبقي مسمار جحا قائما لمصلحة القوات
الامريكية واحتمال مواصلة بقائها في العراق، اذ يؤكد بعض ماورد من
عبارات في بعض فقرات هذه المسودة، ان الجانبين العراقي والامريكي
يبحثان في الظروف الامنية المستقبيلية، للاتفاق على الضرورات
وحجمها في تحديد عدد وحجم القوات الامريكية التي ستتعامل مع الظروف
الاستثانئية.
كما ان فقرة الابقاء على قوات امريكية في العراق لتدريب وتاهيل
القوات الامنية العراقية، لم تجر الاشارة الى تعدادها وحجمها وهل
صلاحياتها محدودة بالتدريب او القيام بعمليات عسكرية ايضا، ولم
تحدد كذلك حجم الذخائر وعدد الطائرات والدبابت والاليات التي
سترافق تلك القوات في البقاء، فهل تبقى الاعتدة والاليات والاسلحة
بما يكفي لاستخدامها في عمليات واسعة او حرب شاملة، ام ان الذي
سيبقى هو مجرد اليات لتوفير حماية محدودة وضيقة للقوات الامريكية
المتبقية في العراق.
احد عشر – لم تنم الاشارة في مسودة الاتفاقية الى مصير ملف
المخابرات والامن والاستخبارات الذي مازال ملفا "مغلقا" بيد القوات
الامريكية حتى الان، وهو يشكل صورة من صور استلاب ونقص السيادة.
حتى ان رئيس وزراء سابق دون ان نجد ضرورة لتسميته، قالها صريحة
لاحد الوزارء " انني لم التق مسؤول الامن والمخابرات في فترة
حكومتي الا مرتين فقط، كل مرة لم يستغرق اللقاء الا 15 دقيقة !!
وكان اللقاء بيننا بروتوكليا وشخصيا وليس لقاء عمليا " !!
اثنا عشر- الاتفاقية لاتتحدث من قريب او بعيد عن تعهد امريكي
للعمل على الغاء البند السابع الذي مازال يقيد العراق وهو البند
الذي يشهره الامريكيون كـ " سيف ديمقوليس " على الشعب العراقي،
بينما الشعب العراقي والدولة العرقية في حل من قيودها، لانه قرار
اتخذ ضد النظام البائد وضد دولة لاوجود لموؤسساتها او مسؤوليها
الذين غادروا الحكم اما اعداما او سجنا او هربا.فهل تريد المسودة
ان تبقي الامر على ماهو عليه الامر في هذا الجانب ". وانتهى
التحليل الى المطالبة بنشر بنود تفاصيل مسودة الاتفاق في وسائل
الاعلام ليطلع الشعب العراقي عليها أولاً.. |