
شبكة النبأ: في خضم عاصفة جديدة
تضرب العملية السياسية في العراق على خلفية الصراع الدائر الان حول
كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها بين العرب والأكراد، تبرز
الصراعات الإثنية كتحدٍ جديد للعراقيين قد يعمل على تقويض ما تحقق
من نجاحات ان لم يتم الوقوف على أسبابه ومعالجته ضمن اطر المصلحة
العامة التي تكفل حقوق الجميع دون إستثناءات او محاباة لطرف على
حساب آخر..
فقد رأت صحيفة واشنطن بوست Washington Post في تقرير لها، ان
الكثير من الجماعات السياسية العراقية اختارت مواصلة أجنداتها
بالوسائل السياسية بدلا من "العنفية"، ما ساعد في خفض مستويات
العنف، فيما تبرز بعد سنوات من العنف الطائفي ما وصفته بالنزاعات
الاثنية والمناطقية التي صارت أكثر وضوحا الآن.
كما تطرقت الصحيفة إلى قضية كركوك، مشيرة إلى ان الأكراد يخططون
لعزل كركوك عن العراق في حال عدم وضع آلية لضم كركوك إلى إقليم
كردستان.
ففي الجنوب، كما ترى الصحيفة، تتنافس الأحزاب الشيعية المسيطرة
من اجل انتزاع القوة الانتخابية من أنصار مقتدى الصدر وشيوخ
العشائر. أما في غرب العراق، فالعشائر السنية في تحد للسيطرة
السياسية للأحزاب السنية الدينية القائمة. في حين يدخل الأكراد
والعرب والتركمان، في الشمال، في صراع من اجل السيطرة على مدينة
كركوك الغنية بالنفط.
ويقول مثال الالوسي، كما تنقل الصحيفة، التي تصفه بالنائب السني
المستقل، "ما نشهده الآن هو أناس يعرفون كيف يستخدمون السلاح وهم
الآن يريدون ممارسة السياسة." ومع ذلك، تعلق الصحيفة، فان بعض
القادة يبدو أنهم غير قادرين على التقرير في ما إذا يضعون ثقتهم في
صناديق الاقتراع.
النزاع على كركوك تتأكد شدته. فالصراع على تقاسم السلطة في هذه
المدينة المختلطة اثنيا أدى إلى هجوم انتحاري وصدامات أثنية خلفت
25 قتيلا على الأقل في الشهر الماضي. وفي هذا الأسبوع اخفق النواب
في التوصل إلى اتفاق على تمرير تشريع الانتخابات المحلية، الأمر
الذي يشكك في عقد الانتخابات في موعدها، وتبيان مصالحة وطنية.
بهذا الصدد، يقول خلف العليان، الذي تقول الصحيفة عنه انه نائب
سني يتزعم مجلس الحوار الوطني، احد مكونات كتلة سنية سياسية كبيرة،
ان "مما لاشك فيه ان العنف سيتزايد في كركوك ان لم تحل قضيتها."
ويقول نواب عراقيون ومسؤولون أميركيون ان عوامل عدة وراء التحول
المرتبك إلى ممارسة سياسة بنحو قوي. فالجماعات المسلحة تحاول
مقاتلة القوات الأميركية، وفي الوقت نفسه تنضم إلى العملية
السياسية، كوسيلة للبقاء. وفي حين ان إدارة بوش في شهورها الأخيرة،
فالأحزاب السياسية العراقية، التي تتحسس احتمال انتهاء الوجود
الأميركي في العراق، تريد تعزيز دوامها السياسي. وآخرون يرون
السطوة السياسية وسيلة في ممارسة ضغط اكبر على القوات الأميركية
لتغادر العراق.
وتواصل الصحيفة تحليلها قائلة ان سلطة الحكومة المركزية سائرة
إلى الضعف مع مساعي العشائر، والطوائف، والجماعات الاثنية، إلى
تعزيز سلطتها في مناطقها. فهؤلاء يريدون تشديد استحواذهم على
الانتخابات المقبلة، التي يتوقع ان تأتي بقادة محليين أكثر تأثيرا.
فالانتخابات أمر حيوي بخاصة للسنة الذين لم يصوتوا قبلا بسبب
مقاطعتهم الانتخابات المحلية في العام 2005. لذا تزايد تنافس
الجماعات السياسية مع أحزاب تقليدية من اجل قيادة المجتمع السني.
ففي الشهر الماضي، كما تتابع الصحيفة، برز في الفلوجة، بمحافظة
الانبار، التي كانت حاضنة التمرد السني، لاعب سياسي جديد. فقد أعلن
جيش الناصر صلاح الدين، وهو جماعة سنية مسلحة، عن انه سيتخلى عن
العنف ويشكل حزبا سياسيا تحت مسمى الجبهة الوطنية لأحرار العراق
للتنافس في الانتخابات.
وقال مجيد علي عناد، قائد المجموعة، للصحيفة "وجدنا ان العمل
المسلح لن يخرج الولايات المتحدة من العراق،" وأضاف "فبعد خمس
سنوات من تفجيرات عنيفة، لم يتزحزحوا مترا واحد من العراق."
وتجد الصحيفة ان الجبهة الوطنية وجماعات تمرد سابقة ستلتحق
بصراع شديد على السلطة بين سياسيين سنة من الحزب الإسلامي العراقي
وقادة جدد من مجالس الصحوة، التحالف العشائري المدعوم من جانب
أميركا وتتزايد شعبيته نتيجة نجاحاته في مقاتلة تنظيم القاعدة في
العراق.
وتنقل الصحيفة عن عفان العيساوي، قائد جماعات الصحوة في الفلوجة،
قوله ان "الدخول في الانتخابات هو من اجل تغيير الواقع الحالي في
منطقتنا، أي هيمنة الحزب الإسلامي العراقي على الطيف السني. وهم
غير جديرين بقيادة السنة."
ويرى مراقبون سياسيون ان قرار الحزب الإسلامي الأخير في العودة
ثانية إلى حكومة رئيس الوزراء، نوري المالكي، محاولة للإبقاء على
تأثيره.
وفي هذا يقول مثال الالوسي "إنهم فقدوا ثقة الناس وقواعدهم في
تلك المناطق. وهم الآن يشعرون بالغضب الشديد،" في إشارة إلى الحزب
الإسلامي.
وتضيف الصحيفة قائلة ان في الأسابيع القليلة الماضية، شهدت
الانبار هجمات على مكاتب الحزب الإسلامي ومسئوليه، كما استُهدِف
قادة الصحوة، الأمر الذي يؤشر ما سيغدو عليه الوضع مع اقتراب موعد
الانتخابات.
أما في الجنوب فقد ظهر التوجه القومي بقوة من خلال تنافس شخصيات
الغالبية الشيعية بتقديم أنفسهم ممثلين للعراقيين كافة.
فالسياسيون الشيعة يتطلعون إلى ما وراء الانتخابات المحلية؛ إذ ان
الانتخابات الوطنية العامة ستعقد في كانون الاول ديسمبر 2009.
ففي آب الماضي، أمر مقتدى الصدر جيش المهدي بوقف إطلاق النار من
جانب واحد، وفي العام الجاري أمر جيش المهدي بالتخلي عن العنف
وتقديم الخدمات الاجتماعية بدلا من ذلك.
وتضيف الصحيفة ان وقف إطلاق النار هذا قد كان سببا رئيسا في خفض
أعمال العنف، إلا ان توترات برزت بين جماعات شيعية، والقوات
العراقية الحكومية، التي شنت هجمات عديدة على جيش المهدي، فأشاع
الصدريون اتهامات تقول ان المالكي وأحزاب شيعية أخرى تحاول بذلك
إضعافهم قبل الانتخابات.
وتقول الصحيفة ان عددا من المراقبين يعتقدون التيار الصدري
وجماعات مسلحة أخرى تحولت الى السياسة كآلية للبقاء.
والسبب في ذلك كما يقول النائب الكردي محمود عثمان للصحيفة هو
ان "الذين كانوا يستخدمون العنف تلقوا ضربة كبيرة."
وتنقل الصحيفة عن مسؤول كبير في السفارة الأميركية ببغداد، طلب
عدم ذكر اسمه، قوله لصحفيين في الشهر الماضي، ان التوترات بين
الفرقاء الشيعة المتنافسين في البصرة "من المحتمل ان تتحول إلى عنف
شيعي شيعي كسياسات انتخابية."
وبخصوص الأكراد، تقول الصحيفة إنهم يعملون على مصالحهم.
فمعارضتهم سيطرة الحكومة المركزية على ثروات البلاد النفطية سدت
الطريق لشهور مضت على تمرير قانون النفط والغاز، الذي ينظر إليه
كعنصر حيوي في المصالحة.
وفي الشهر الماضي قاطع النواب الأكراد التصويت على تقسيم
المقاعد بالتساوي بين الاثنيات في مجلس كركوك المحلي. ومرر
البرلمان القانون إلا ان الرئيس جلال طالباني، وهو كردي، نقضه.
ففي كركوك، يقول القادة العرب ان التصويت كان إثباتا على إنهم
ربحوا السلطة من خلال الالتحاق بالعملية السياسية. وتنقل عن برهان
مزهر العاصي، وهو زعيم عشائري مؤثر وممثل عربي في مجلس محافظة
كركوك، قوله الآن بدأنا نشعر ان أصواتنا تسمع مرة أخرى." وتنقل
الصحيفة مخاوف قادة عرب للصحوة في كوكوك من محاربة قوات الأمن
الكردية لهم.
الأمم المتحدة: العنف في العراق تراجع
والسياسيون بحاجة لمواصلة الحوارات
من جهة ثانية قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون
السياسية، إن أعمال العنف في العراق شهدت في الأشهر الثلاثة
الأخيرة تراجعا، اثر تحسن اداء القوات العراقية، فيما تحتاج
العملية السياسية إلى مزيد من التقدم.
واوضح بيان لمجلس الأمن الدولي، تلقت وكالة أصوات العراق نسخة
منه، ان "وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية لين
باسكو اشار خلال تقريره الربع السنوي الذي تم تقديمه لمجلس الأمن،
حول الأوضاع في العراق الى أن أعمال العنف قد تراجعت وبدأ الامن
يتحسن في مختلف أنحاء البلاد في الأشهر الثلاثة الماضية".
واضاف باسكو ان ذلك يعود الى "تحسن أداء قوات الأمن العراقية من
خلال قيامها بسلسلة من العمليات العسكرية لفرض النظام".
ولفت الى أن "المكاسب الأمنية تحتاج إلى تعزيز عن طريق مواصلة
الحوار بين الأطراف السياسية، وحين لا يتم الإتفاق على قانون مجالس
المحافظات فمعنى ذلك أنها لن تقام وبالتالي ستؤثر بشكل كبير على
المصالحة الوطنية في البلاد"، مبينا ان "الامم المتحدة تبذل ما
بوسعها لإيصال الأطراف المختلفة إلى تسوية مرضية للجميع".
من جانبه قدم نائب المندوب الأمريكي الدائم في الأمم المتحدة
أليهاندرو وولف، إفادته نيابة عن القوات المتعددة الجنسيات في
العراق اشار خلالها إلى حدوث تحسن في الوضع الأمني وتراجع أعمال
العنف.
وأضاف وولف أن" إجمالي معدل الهجمات تراجع بنسبة 84% فيما
انخفضت وفيات المدنيين بسبب أعمال العنف بنسبة 65%. كما انخفض أيضأ
معدل القتلى بين قوات الأمن العراقية بنسبة 67%".
وزاد "كما انخفض معدل القتلى بين صفوف القوات الأمريكية بنسبة
91%، ومعدل القتلى في صفوف قوات التحالف بنسبة 96%".
وتحدث وولف ايضا عن المكاسب الأمنية التي حققتها القوات
العراقية والقوات المتعددة الجنسيات من خلال العمليات التي قامت
بها في البصرة ومدينة الصدر والموصل والعمارة وديالى".
متحدث أمريكي: انخفاض العنف لأدنى
مستوياته منذ اربع سنين
وفي نفس السياق قال المتحدث باسم القوات المتعددة الجنسيات في
العراق، إن التقارير الاستخباراتية تؤكد انخفاض عمليات العنف
والجريمة المنظمة إلى أدنى مستوياتها، منذ اربع سنوات اثر اداء
القوات الأمنية العراقية.
وذكر الجنرال ديفيد بيركنز، خلال مؤتمر صحفي ببغداد، أن
التقارير تشير الى "انخفاض عمليات العنف التي تنفذ من قبل تنظيم
القاعدة، أو الجماعات الخاصة المدعومة من قوة القدس التابعة للحرس
الثوري الإيراني، والاغتيالات والسرقات التي تنفذها عصابات الجريمة
المنظمة، إلى أدنى مستوى لها منذ أربع سنوات".
واضاف بيركنز أن "النجاحات التي تحققها القوات الأمنية العراقية
خلال عملية بشائر الخير في ديالى، وعدم تعرضها لخسائر بشرية ناجم
عن زيادة اعتمادها على المعلومات الاستخباراتية"، مبينا ان هذه
المعلومات اثبتت "هروب قادة تنظيم القاعدة إلى خارج العراق، بعد
تنفيذ القوات العراقية عمليات أمنية في أغلب المناطق التي يتواجد
فيها عناصر التنظيم".
واوضح ان تلك العملية ادت الى "ضبط 24 مخبأ للأسلحة واعتقال 480
مطلوباً، بينهم ثمانية ممن يسمون أمراء في تنظيم القاعدة، فضلا عن
إعادة 290 عائلة مهجرة إلى مناطقها، خلال مدة تنفيذ العملية".
وكشف أن القوات المشتركة "تنفذ عمليات نوعية في إطار (بشائر
الخير)، من خلال اعتماد الجهد الاستخباري في الوصول إلى الهدف"،
منوها إلى أن ذلك "حال دون تعرض القطعات العسكرية إلى الخسائر".
وبدأت القوات العراقية، بمساندة لوجستية من القوات الأمريكية،
في 29 تموز يوليو الماضي، عملية أمنية واسعة، أطلق عليها اسم (بشائر
الخير) في محافظة ديالى (57 كم شمال شرق بغداد)، التي تعد واحدة من
أكثر محافظات العراق اضطرابا، وشهدت في الآونة الأخيرة العديد من
الهجمات "الانتحارية" التي نفذ بعضها بواسطة نساء تم تجنيدهن من
قبل (القاعدة)، الذي نقل أغلب نشاطاته إلى ديالى بعد أن خسر ما كان
يعتبر حاضنة له في محافظة الأنبار، إثر قيام العشائر هناك بمقاتلة
عناصر التنظيم وإخراجهم من المحافظة.
وفي معرض رده على سؤال لوكالة أصوات العراق، بشأن القدرة التي
يتمتع بها تنظيم القاعدة والجماعات الخاصة في مناطق شمال بغداد،
قال بيركنز إن "تنظيم القاعدة والجماعات الخاصة، ما زالت قادرة على
تنفيذ الهجمات ضد المواطنين المدنيين والقوات الأمنية المشتركة"،
مستدركا إلا أنها "لا تستطيع المواجهة وأصبحت عاجزة عن استنفار
قواها بعد استهداف القوات العراقية والأمريكية مصادر تمويلها
بالمال والسلاح من خلال إحكام السيطرة على اغلب المنافذ الحدودية
المشتركة مع دول الجوار".
وذكر بيركنز أن العمليات الأمنية في محافظة ديالى، تنفذ "بصورة
مشتركة من خلال الوحدات العسكرية التابعة للقوتين العراقية
الأمريكية بإسناد جوي لتأمين متابعة المطلوبين وملاحقتهم في
الأراضي الزراعية والوعرة في ديالى، بعد أن أحكمت هذه القوات
قبضتها على مخارج المدينة ومداخلها".
وبشأن استخدام النساء في العمليات الانتحارية، قال بيركنز إن
تنظيم القاعدة "لجأ إلى هذا الاسلوب بعد أن خسر عناصره من
الانتحاريين الرجال"، منوها إلى أن ذلك "يدل على عدم قدرة التنظيم
على تنفيذ الهجمات، لاسيما بعد إحباط الكثير من المحاولات
الانتحارية التي استخدم فيها الرجال".
وخلص المتحدث باسم القوات متعددة الجنسيات لدى العراق، إلى أن
"استخدام (القاعدة) للنساء في تنفيذ عمليات انتحارية، هو خروج عن
القاعدة الأمنية"، عادّا أنه يعبر عن "يأس التنظيم من تحقيق
أهدافه، واثبات وجوده، ولعدم قدرته على إفشال الاستقرار الأمني
المطرد في الكثير من مناطق العراق". |