صراع القوقاز والخطر على إمدادات الطاقة لأوربا

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: سلّط الصراع المسلح بين روسيا وجورجيا علاوة على تأثير حريق اندلع في خط انابيب للنفط في تركيا الضوء على هشاشة منطقة القوقاز كمعبر رئيسي لإمدادات الطاقة لأوربا. لكن لايزال الاتحاد الاوروبي يثني على المنطقة بشدة كسبيل للحد من اعتماده على النفط والغاز الروسيين وباعتبارها الممر الاول لنقل الطاقة من بحر قزوين الى الغرب وهو مسار يتجنب الاراضي الروسية من خلال المرور عبر جورجيا.

وقال ديتر هيلم من جامعة اوكسفورد "تملك روسيا استراتيجية شديدة الوضوح وستفضل أن يمر غاز أوروبا عبر روسيا وليس عبر دول مستقلة."لا توجد محاولة واضحة لتعطيل الامدادات ... لكن وجود اضطرابات ليس أمرا غير مفيد لروسيا."

وحدث أكبر تعطل في الامدادات بالمنطقة قبل نشوب الصراع يوم الخميس الماضي عندما أرسلت جورجيا قوات لاستعادة السيطرة على اقليم اوسيتيا الجنوبية الذي تدعمه موسكو والذي انفصل عن جورجيا في التسعينات.

وتوقف تدفق حوالي 850 ألف برميل من النفط يوميا عبر خط الانابيب باكو-تفليس- جيهان الاسبوع الماضي عقب انفجار في الاراضي التركية أعلن حزب العمال الكرستاني الانفصالي مسؤوليته عنه.

وأفادت مصادر أن خط الانابيب الذي ينقل خاما عالي الجودة من القطاع الاذربيجاني من بحر قزوين ويتوقع أن ترتفع طاقته الى 1.2 مليون برميل يوميا في العام القادم قد يغلق لمدة اسبوعين.

وقالت مصادر بصناعة النفط ان أذربيجان استخدمت خطوط السكك الحديدية وناقلات النفط لنقل بعض كميات الخام التي كان مقررا مدها عبر خط الانابيب باكو-تفليس-جيهان الى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط لكن الخيارات الاخرى محدودة.

وفي أعقاب بدء حملة القصف على جورجيا توقفت كميات قليلة من شحنات النفط عبر مينائي بوتي وباتومي المطلين على البحر الاسود.

ويستخدم الميناءان لتصدير منتجات النفط من دول اخرى مطلة على بحر قزوين مثل قازاخستان وتركمانستان علاوة على الخام الاذربيجاني.

وأشارت بيانات لتجار ومسؤولين حكوميين الى أن صادرات الخام من أذربيجان وقازاخستان وتركمانستان والمنتجات النفطية من وعبر أذربيجان بلغت حوالي 1.3 مليون برميل يوميا مطلع اغسطس اب. وقد تراجعت الى 350 ألف برميل يوميا في نهاية الاسبوع الماضي.وقدم تعطل الامدادات بعض الدعم لاسواق الخام العالمية.

غير أن انعكاس ذلك على السعر كان ضعيفا حيث عوضت الدلائل على تباطؤ الطلب العالمي تأثير انقطاع الامدادات.

وقال بنك يو.اس.بي في مذكرة بحثية "لم يخبو النجم الاذربيجاني بعد اذ أن من غير الواضح مدى شدة أو الى متى سيستمر تعطل الامدادات عبر هذا الممر."كما أن المخاطر الوشيكة بشأن خط الانابيب هذا ليست واضحة أيضا."

ويحرص الاتحاد الاوروبي على تجنب الاعتماد المفرط على الامدادات الروسية - التي ثبت في السابق أنها لا يمكن الاعتماد عليها - بينما يروق للاتحاد الاعتماد على امدادات بحر قزوين.ويعتمد الاتحاد الاوروبي على روسيا في الحصول على نحو 25 بالمئة من احتياجاته من الغاز.

والقى الاتحاد بثقله وراء مشروع خط الانابيب نابوكو الذي يتوقع أن يبدأ تشغيله في عام 2013 وسينقل غاز بحر قزوين الى تركيا ومنها الى غرب أوروبا.

وقال هيلم ان الصراع الحالي يبرز الحاجة الى اتخاذ نهج أشد من قبل الحكومات.واضاف "الدرس واضح بالنسبة لاوروبا. لا يمكن ترك نابوكو والمشروعات المرتبطة به للشركات الخاصة بالكامل. موارد بحر قزوين بحاجة لحماية الحكومات."

وقال محللون اخرون ان فرص تعطل خطوط أنابيب الغاز والنفط الرئيسية التي تمر عبر جورجيا بسبب الصراع لاتزال ضئيلة.

وقالت انا يلينكوفيتش من أوراسيا جروب "نقدر أن احتمالات تأثر خطوط الانابيب ضعيفة حقا. سيتطلب ذلك تصعيدا كبيرا في الصراع."

وقال متعامل لدى شركة نفط غربية كبرى مساهمة في خط الانابيب باكو-تفليس-جيهان ان من السابق لاوانه التوصل الى استنتاجات متشائمة بشأن صادرات النفط الاذربيجاني.واضاف "لن يقلقني هذا كثيرا. اذا لم يستأنف خط الانابيب الذي ينقل النفط الى جيهان العمل في غضون اسبوعين فسيحدث ذلك في غضون ثلاثة اسابيع. سيشدد الاتراك الامن ومن المستبعد ان يتدخل الروس وسيكون كل شيء على ما يرام مجددا."

النفط يرتفع مع تعطيل الصراع في جورجيا لحركة الناقلات

وفي سياق متصل ارتفع سعر النفط بأكثر من دولار مُعَوِضا جزئيا انخفاضه خمسة دولارات في الجلسة السابقة مع تصاعد القتال بين روسيا وجورجيا الذي عطل بعض الصادرات من منطقة قزوين. لكن المحللين قالوا ان ارتفاعات النفط حد منها ارتفاع الدولار الذي بلغ أعلى مستوياته في ستة أشهر

وقال ديفيد مور المحلل في كومنولث بنك اوف استراليا في سيدني "الصراع العسكري في جورجيا هو العامل الرئيسي وراء ارتفاع أسعار النفط هذا الصباح." وأضاف "هناك كذلك درجة من الانتعاش الفني بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط في الايام الماضية."بحسب رويترز.

وقالت شركة الطاقة الاذربيجانية الحكومية ان الصراع بشأن اوسيتيا الجنوبية أدى الى تعطيل شحنات الخام الاذري والوقود المكرر من مينائين في جورجيا.

ويمر خط انابيب نفط رئيسي ينقل الخام الاذري عبر جورجيا لكنه تعطل الاسبوع الماضي في الجزء المار بتركيا قبل بدء الصراع.

وأدى الحريق الذي نشب في الجزء التركي من خط انابيب باكو-تفليس-جيهان الى وقف عمليات تحميل الخام الاذري الخفيف الى ميناء جيهان التركي.

ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن متحدث باسم الحكومة قوله يوم الاحد ان بلاده رابع أكبر مُصَدر للنفط الخام في العالم لن تتراجع عن موقفها في الخلاف النووي على الرغم من تهديدات بتشديد العقوبات عليها.

وكانت التوترات بين ايران والغرب بسبب برنامجها النووي والمخاوف من ان اسرائيل أو الولايات المتحدة قد تشن هجوما على ايران من العوامل الرئيسية وراء ارتفاع أسعار النفط في الاشهر القليلة الماضية.

وحث رئيس أوبك خلال زيارة لايران الدول الاعضاء في المنظمة على الالتزام بمستويات الانتاج المتفق عليها.

وتتجاوز اوبك مستوى الانتاج المستهدف وتقود السعودية التجاوزات بعد ان تعهدت بتلبية الطلب المتنامي المساعدة في تهدئة اسعار النفط المرتفعة. وتعقد اوبك اجتماعها التالي يوم الثامن من سبتمبر أيلول المقبل.

استبعاد خروج مستثمري الطاقة من بحر قزوين رغم الصراع

وأصاب الصراع في جورجيا المستثمرين في المنطقة بالقلق لكن من غير المرجح أن يدفعهم الى الخروج من منطقة تجذبتهم اليها مواردها من الطاقة وخطوط أنابيب النفط والغاز الحيوية التي تنقل الامدادات الى الغرب.

ويتفق محللون على أنه رغم أن تأثير النزاع على أسعار النفط والغاز كان محدودا الا أن المستثمرين سيكونون أكثر قلقا بشأن الاستثمار في منطقة بحر قزوين اذ تنتابهم الشكوك في سمعتها كسبيل لخفض الاعتماد على روسيا.

وقال جيفري وودراف من مؤسسة التصنيف الائتماني فيتش "مثل هذه الاوضاع تؤدي الى شعور عام بعدم الاستقرار ولذلك أعتقد أنه سيتعين على المستثمرين التفكير مليا في احتمالات استمرار المشكلات في المنطقة من الان فصاعدا."

وخفضت فيتش تصنيفها لجورجيا وسط توقعات سلبية الأسبوع الماضي عندما شنت تفليس هجوما لاستعادة السيطرة على اقليم اوسيتيا الجنوبية الانفصالي.وأضاف وودراف "قد يتساءل البعض عن حجم مخاطر النقل التي خفت او تقلصت عن طريق بناء بنية تحتية في مناطق مضطربة أخرى.. لكن من السابق لاوانه عمل هذا التقييم حتى الآن."

واقترب القتال في جورجيا بشكل خطير من خطوط أنابيب النفط والغاز التي تتيح بديلا قيما للامدادات الروسية.ويغذي خطا أنابيب رئيسيان أوروبا بالنفط والغاز من بحر قزوين فيما يعد ممر امدادات امنا نسبيا يمكن أوروبا من خفض اعتمادها على الطاقة الروسية. بحسب رويترز.

وأغلقت شركة بي.بي خط انابيب الغاز باكو-سوبسا الذي ينقل امدادات الى ميناء سوبسا الجورجي بسبب الصراع.

وفي وقت سابق من الاسبوع أغلق خط انابيب النفط باكو-تفليس-جيهان الذي يمر بالقرب من العاصمة الجورجية تفليس متجها الى ميناء جيهان التركي وذلك بسبب انفجار في القطاع التركي غير مرتبط بالصراع بين روسيا وجورجيا أعلنت جماعة حزب العمال الكردستاني الانفصالية مسؤوليتها عنه.

وهناك خط انابيب غاز اخر من باكو يمر عبر تفليس باتجاه ميناء سوخومي بمنطقة ابخازيا التي تسعى أيضا للانفصال عن جورجيا حيث أرسلت روسيا قوات الى هناك.

ويزيد اغلاق خط انابيب باكو-تفليس-جيهان الضغوط على البنية التحتية للطاقة في جورجيا وتدفق النفط والغاز من بحر قزوين الى الاسواق الاوروبية.

وقال كليفورد جادي من معهد بروكينجز "ينبغي أن يدفع (الصراع) الى التفكير مليا بشأن النظر الى أي منطقة كملاذ امن أو كحل سحري لأمن الطاقة."

لكن بعض المستثمرين يقولون ان الصراع لن يكون له تأثير على الاطلاق على الاستثمارات وان اشتباكات سابقة بين روسيا ومناطق انفصالية لم توقف الامدادات.

وضرب أحدهم مثلا بالشيشان رغم أنها ليست ممرا رئيسيا لنقل الطاقة مثل جورجيا.وقال جورج نيانياس رئيس دينهولم هول كابيتال ماركتس التي تستثمر في شركات خاصة في روسيا "اذا نظرت الى الحرب الطويلة في الشيشان التي خاضتها روسيا.. فستجد انه لم يكن لها أي تأثير يذكر على تصورات النمو المحلي."

واضاف "وهذه كانت حربا طويلة ومريرة. لا أعتقد حقا أن هذه الحرب سيكون لها اي تأثير... سينظر المستثمرون اليها وسيفكرون فيها جيدا.. واذا رأوا أنه لا تأثير للحرب على استثماراتهم .. فلن يسحبوها."

ويذكر الصراع الجورجي الدول الاوروبية التي تحصل على الطاقة من بحر قزوين بأن روسيا ستهتم دائما بالسيطرة على خطوط الانابيب التي تمر عبر الدول المجاورة لها.

وقد يثير أيضا قلق كونسورتيوم نابوكو الذي يعتزم بدعم من الاتحاد الاوروبي بناء خط أنابيب جديد لنقل الغاز من بحر قزوين والشرق الاوسط بحلول عام 2013.

وقال محلل لدى منظمة دعم مقرها الولايات المتحدة ولها مكاتب في جورجيا وروسيا "احدى النتائج المرجحة هي تقوية عزم تلك الحكومات والشركات الساعية لتجاوز روسيا على الحصول على موارد بحر قزوين."من المرجح أن يكون للاعمال العسكرية الروسية تأثير عميق على العلاقات بين روسيا وكل الدول السوفيتية السابقة.. وخاصة أوكرانيا التي تطمح مثل جورجيا الى الانضمام لعضوية حلف شمال الاطلسي."

أكبر مستثمر أجنبي في روسيا سابقا يحول أموالا الى الخليج

من جهة ثانية قال الرجل الذي كان يوما أكبر مستثمر أجنبي في روسيا ان الجانب الاكبر من صندوقه هرميتاج مستثمر الان في اقتصادات الخليج وان حكم القانون في روسيا بلغ من الضعف حدا غير مسبوق منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

ويرأس بيل براودر صندوق هرميتاج لادارة الاصول وكان له ذات يوم أربعة مليارات دولار من الاصول تحت الادارة في روسيا. ويحظر عليه الان دخول البلد وهو يتهم مسؤولين بسرقة ثلاث من شركاته.

وأبلغ براودر رويترز، أن اجمالي قيمة الاصول تحت ادارة هرميتاج ثلاثة مليارات دولار منها أقل من خمسة بالمئة في روسيا والنسبة الباقية موزعة على أسواق صاعدة أخرى مع حوالي 65 بالمئة في أسهم باقتصادات الخليج الغنية بالنفط.

وقال براودر يوم الثلاثاء "بالنظر الى أنهم سيستثمرون 2.5 تريليون دولار في البنية التحتية على مدى الاعوام العشرة القادمة في تلك المنطقة فاننا نركز على الشركات التي ستستفيد من هذا الانفاق في قطاع البنية التحتية."

وأكبر استثماراته في الامارات العربية المتحدة ثم قطر في ضوء ثروتها المكتشفة حديثا نسبيا من الغاز الطبيعي. ومن بين الاسواق الاخرى المفضلة لديه الكويت ومصر ولبنان.

وقال عن اقتصادات الخليج وهي من أكثر الاسواق رواجا هذا العام "من بعض الاوجه لديهم نفس العوامل الاقتصادية الجيدة لروسيا بدون المشكلات الاخرى."

ويقول براودر ان تجربته في روسيا هي جزء من اتجاه عام أوسع نطاقا يشمل هجوم رئيس الوزراء فلاديمير بوتين على ميكل أكبر شركة في البلاد لفحم الكوك وقرار رئيس الوحدة الروسية لشركة النفط العملاقة بي.بي الشهر الماضي مغادرة البلاد.

وقال مدير الصناديق أمريكي المولد الذي يحمل جواز سفر بريطانيا "على صعيد حكم القانون بلغت الاوضاع الحضيض منذ أوائل التسعينات .. لا أحد بمأمن في روسيا."

وكان براودر احتجز في مطار موسكو عام 2005 وجرى ترحيله لاسبباب تتعلق بالامن القومي. وقال "حياتي كلها كانت هناك .. كانت صدمة هائلة". ويقول انه منذ ذلك الحين تحفظت شرطة الضرائب من مكاتب شركته على وثائق استخدمت بشكل غير قانوني للسيطرة على ثلاث شركات استثمار واختلاس 230 مليون دولار من الضرائب المستحقة للدولة الروسية ذاتها.

وأحجمت وكالات الحكومة الروسية عن التعليق وتقول دائرة الجرائم الاقتصادية بوزارة الداخلية انها ليست طرفا في التحقيق ولا تعلم شيئا عنه. وقالت خدمة الهجرة الاتحادية ان التحقيقات ليست في نطاق اختصاصها.

وكان فلاديمير بوتين وهو الرئيس الروسي انذاك قال في 2006 انه لا يعرف لماذا جرى ترحيل براودر لكنه "يتصور أنه انتهك قوانين بلدنا." وأضاف أن روسيا ترحب بالمستثمرين الاجانب الذين يعملون في حدود القانون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس   21/تموز/2008 - 19/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م