إصدارات جديدة: تجارب الكتَّاب.. من القراءة إلى الكتابة

الكثير من الناس يجيدون فن الصمت ولايفكرون بالتعريف بأنفسهم

 

 

الكتاب: تجارب الكتّاب.. من القراءة إلى الكتابة

المؤلف: حسن آل حمادة

الناشر: دار القارئ ببيروت

عدد الصفحات: 436 - قطع كبير

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: بديهة أن الأشخاص الذين برزوا وعُرِفوا كانوا يعملون وفق سنن الحياة، وهم أولئك النفر الذين أتقنوا فن الظهور -بالمعنى الإيجابي- وعرّفوا أنفسهم للآخرين بما يحسنونه من عملٍ. بينما الأشخاص الذين قُبروا قد قَبروا أنفسهم بأيديهم؛ لأنهم لم يسعوا من أجل التعريف بوجودهم وبقدراتهم وإمكانياتهم.

ورغم أن حكمة الحياة -على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)- تقول: "تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه"؛ إلاّ أننا نجد الكثير من الناس  يجيدون فن الصمت والسكوت؛ فلا تجدهم يفكرون بالتعريف بأنفسهم.

وبتصوري أن المُمسك لهذا الكتاب يُصنَّف من القسم الأول؛ فهو إمّا أن يكون كاتباً يسعى للتعرّف على تجارب الآخرين ليجمع عقلوهم إلى عقله، أو هو قارئ يريد أن يُسجِّل اسمه في قائمة الكتَّاب، لذا حرص على اقتنائه ليستفيد من تجارب الكتَّاب ليحذو حذوهم.

على كل حال؛ فإن فكرة الكتاب تهدف التركيز على جنبتين: الأولى: تجارب الكتّاب في ممارسة عادة القراءة، والثانية: تجاربهم في الكتابة، بمختلف مجالاتها: (الدراسة، المقالة، الشعر، القصة...إلخ). وقد انبثقت هذه الفكرة لديّ عام 1419هـ، وعزفت عنها ذلك الوقت بعد نقاش مع مؤلف من أبناء المنطقة، ولكنني ونحن الآن في عام 1429هـ وجدت نفسي مصرًّا على انجازها، بعد أن قمت عمليًّا بتقديم بعض الدورات، فيما يخص مهارتي: القراءة والكتابة، ووجدت تفاعلًا من قبل المتدربين والمتدربات مع التجارب القرائية والكتابية التي أنقلها لهم.. المتدربون -في الواقع- هم من شجعني على إنجاز فكرة الكتاب وتحويلها من حلم لحقيقة.

كما سنرى؛ فإن المشاركين بالكتابة في هذا العمل هم مجموعة من الكتّاب -والكاتبات- العرب، وهدفنا من ذلك إبراز أكبر قدر ممكن من التجارب الكتابية المهمة، ويتغيا المشروع، تقديم معرفة جادة، بلغة مرنة، تُعين الجيل المعاصر، من أجل تنمية عادة القراءة لديهم أولًا، ولتعزيز قدراتهم الكتابية ثانياً.

وقد يُستحسن أن نشير في هذا التقديم إلى أن المؤلف عَمِدَ لاستكتاب مجموعة منوّعة من الكتّاب، بعيدًا عن أي صفة أخرى! ومن مناطق عربية مختلفة، وقد وجد تجاوبًا سريعًا من قبل بعضهم، وتلقى وعودًا بالمشاركة من آخرين، فيما لم يسمع أي استجابة من فئة ثالثة، لذا عزف عن محادثتهم بالأمر مجددًا.

ومن يؤلف عملًا كهذا، لا شك أنه يقع في حيرة وهو يختار الأسماء المناسبة لهذا العمل؛ فالكتّاب كُثر، والاختيار تّم بناءً على كون المُستكتب كاتبًا له حضوره ونتاجه المنشور، بغض النظر عن الامتداد والتشعب، ففي قناعتي أن كل من مسك بالقلم وسطّر للآخرين ما قام بنشره، فهو كاتب يستحق أن يحكي تجربته الكتابية، وأظن أن كل تجربة هنا تمثل أهمية وفائدة لمن يقرؤها.

أما بالنسبة لتفاوت حجم المشاركة بين الكتّاب، فحدث بسبب عدم قدرة الكتّاب على ضبط الحديث عن ذواتهم؛ فالحديث عن الذات حديث جميل، ولو تُرك الكاتب وطبعه لكتب أضعاف ما كتب. شخصيًا، طلبت من المشاركين الكتابة في حدود (2500) كلمة، وأجمع معظمهم أن هذا المقدار كبيراً للحديث عن تجربة محددة، ولكن الأكثر -وأنا أولهم- ترك الأمر للقلم وما كتب، ولم أجد مشكلة في هذا الأمر، إذ تنوعّت بذلك الكتابات في طريقة العرض قليلًا، وتباينت في الحجم بشكلٍ ملحوظ؛ لتضفي على الكتاب جمالًا بخروجه عن الرتابة المُمِّلّة أحيانًا.

وفيما يخص محاور كتابة التجربة، فقد أردنا أن تكون مفتوحة للكاتب، وبعد طلب البعض من الكتّاب تحديد محاورها، حددنا بعضها على سبيل التوضيح لا الإلزام، فمثلًا بالنسبة للتجربة القرائية، قد يجد القارئ حديثًا عن أول كتاب أو كتب قرأها صاحب التجربة، وطريقة حصوله عليها، وهل كانت بتشجيع من قبل شخص ما -أب، معلم...إلخ-؟ نوعية القراءات التي شجعته على الاستمرار في القراءة. هل بدأ منفتحًا في قراءته، أم منغلقًا في مجالات محددة؟ كيف كان يقرأ؟ هل كان يخصص محورًا محددًا -كالتاريخ مثلًا- لبعض الوقت، أم ينوع في قراءاته؟ هل شعر يومًا بعدم جدوى القراءة؟ هل وجد توبيخًا واستهزاءً بسبب ملازمته للقراءة؟ كيف كان قبل القراءة، وكيف أصبح بعدها؟

وفيما يخص التجربة الكتابية، قد يجد القارئ إشارة لأول مادة تم نشرها لكاتب التجربة، وجهة نشرها، وردود الفعل المصاحبة لها، -سلبًا أو إيجابًا-. كما سيعرف القارئ إن كانت التجربة الأولى للكاتب في النشر دفعته للمزيد من النشر، أم جعلته يتريث قليلًا؟ ولماذا يكتب الكاتب؟ وهل من جدوى للكتابة؟ وماذا يكتب؟ وفي أي الأجواء يكتب؟ وما هو أسلوبه المتبع في الكتابة؟ وهل يفكر بالتوقف عن الكتابة؟ وغير ذلك من نقاط وملاحظات.

ما هي الشريحة التي ركّزنا عليها في الكتاب؟ وماذا نتوقع أن يضيف إليها؟

الكتاب مُوجّه بدرجة أولى لمن يسعى لتحقيق كيانه الثقافي، وتفعيل قدراته الكتابية، ففيه مادة مفيدة، لكل من يفكر بمسك الكتاب كقارئ، أو ككاتب في المستقبل القريب، ولا يخفى على أحدٍّ، أهمية نقل التجارب الناجحة في مختلف المجالات، وكما يروى عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: "إن في التجارب علم مستحدث"، فالكتاب -كما نأمل- سيضيف للقارئ تجارب منوعّة لكتّاب عملوا بجد، وربما مشى بعضهم في حقلٍ من المسامير، حتى وصلوا لما هم فيه من مكانة بارزة تبوؤها في مشهدنا الثقافي.

فالإنسان يظل بحاجة؛ لأن يتعلم من تجارب الآخرين مهما بلغت مكانته العلمية، وصدق الشاعر إذ يقول:

ألم ترَ أن العقل زينٌ لأهله

 

 

وأن تمام العقل طولُ التجاربِ

 

بقي أن نشير إلى أن الترتيب المُعتمد في تسلسل التجارب تم وفقًا للترتيب الهجائي لأسماء الكتّاب، وقد استغنينا عن وضع تراجم لهم، باعتبار أن تجاربهم تحكي التعريف بهم، لذا اكتفينا بوضع كلمة (كاتب)، لكل مشارك مع إضافة اسم بلده، مع احترامنا للجميع، وتقديرنا لمقاماتهم في الساحة الدينية والعلمية والثقافية والاجتماعية.

وكلي أمل أن يجد القارئ لهذه التجارب ما يعينه وهو يشق طريقه في عالمي: القراءة والكتابة.

فهذه مجموعة من التجارب نضعها بين أيديكم؛ لكيلا نبدأ من الصفر.

المشاركون: يذكر أن المشاركين حسب ترتيبهم في الكتاب، هم: أحمد راسم النفيس (مصري)، إدريس هاني (مغربي)، بشير البحراني (سعودي)، جاسم الصحيح (سعودي)، حسن آل حمادة، حسن حنفي (مصري)، حيدر حب الله (لبنانبي)، خولة القزويني (كويتية)، رسول محمد رسول (عراقي)، زيد الفضيل (سعودي)، سامي خضرة (لبناني)، صباح عباس (سعودية)، عبدالحميد الأنصاري (قطري)، عبدالخالق الجنبي (سعودي)، عبدالله اليوسف (سعودي)، عدنان العوامي (سعودي)، فوزية العشماوي (مصرية)، فيصل العوامي (سعودي)، كفاح الحداد (عراقية)، محمد الحرز (سعودي)، محمد محفوظ (سعودي)، محمود الموسوي (بحريني)، منصور النقيدان (سعودي).

مقولات مختارة من الكتاب:

جاسم الصحيح: على مدى عشرين عامًا خَلَتْ أو يزيد قليلاً للأمانة الأدبية، استطاع الشعر أن يخلقني من جديد على عدّة أصعدة خلقًا إنسانيًّا أعادني إلى ما يشبه ذاتي الأولى التي فطرني الله عليها، ولكنْ شوَّهتها الحياةُ، فجاء الشعرُ ليعمل عملية جراحية لهذه الذات المشوّهة ويقتطع معظم تلك التشوّهات.. وما زالت العملية الجراحية مستمرّة!

محمد الحرز: من جانب آخر هناك أسباب أعمق في ميل الواحد منا للكتابة. لكنها لا تصل إلى تفسير هذا الميل بشكل جذري وقاطع. إذْ مسألة الكتابة مثل مسألة الموت، وكذلك الشعر هي إحدى الأسرار الكبرى التي كلما اقترابنا من فكِّ طلاسمها أصابتنا الحيرة، واعتلت وجوهنا الدهشة. وإذا كان ما يقوله علماء النفس الاجتماعيين صحيحًا من أن ميول الفرد ورغباته في جانب كبير منها تتشكَّل بدوافع وحوافز اجتماعية، فإن هذه الدوافع لعبة دورًا لا يُستهان به -حتى لا أقول كبيرًا- في تقديمي للناس كشاعر وناقد.

منصور النقيدان: الموهبة مع إدمان الكتابة تمنحك الإلهام وتصنع منك كاتبًا ومبدعًا، وليس عليك بعدها إلا أن تقوم بصقلها، عليك أن تضع بصمتك وتصوغ روحك في كلماتك، فهذا ما سيخلق منك لونًا مختلفًا، ويجعل قارئك يلحظ ومضك ويشعر بنبضك وهو ينساب بين حروفك في رحلة كالأحلام.

خولة القزويني: لقد اتخذت من الإسلام منهجًا في الكتابة؛ لأن الإسلام برنامج حياة كامل شامل يصلح لكل زمان ومكان، والإنسان هو المعني أينما كان في مشارق الأرض ومغاربها، والله عزَّ وجلَّ بعث إلينا ثقافة صافية نقية تخاطب الإنسان بشكل موضوعي وفقًا لطبيعته ومكوناته، نفحة من روح الله وحفنة من تراب الأرض، والمنهج الإسلامي يتعامل في سياق هاتين الطبيعتين المتناقضتين دون أن يلغي أحدهما، ويعزِّز الله عزَّ وجلَّ هذا التوازن ويهذِّبه، ولهذا عندما تبحث في الثقافات الأخرى ستجد الضعف والهشاشة والتطرف، فالحضارات كلها تساقطت على مرِّ التاريخ؛ لأنها من صنع إنسان قاصر، وعقيدة بهيمية أثبتت خواءها وفشلها وعدم صلاحيتها في تلبية حاجات الإنسان، وبقي للإسلام الخلود؛ لأنه دين الله عزَّ وجلَّ وتخطيطه وتدبيره، وأيُّ فكر وضعيٍّ يراد به إصلاح الأمم يسقط في المشاكل والانحرافات، وهكذا كانت الشيوعية والرأسمالية وغيرهما من المذاهب التي حركت العالم زمنًا وأوردته موارد الدمار.

عبدالحميد الأنصاري: لا أتذكر الآن أول كتاب قرأته، لكني كنت أقرأ كل مطبوع يقع تحت يدي، ولم يكن الأمر متعلّقاً بالتشجيع. لكنه بهجة (القراءة) ولذة (المعرفة) وإشباع (الفضول) المعرفي ومُتعة (التجاوز) الزماني والمكاني بالاطلاع على عوالم أخرى، وانطلاق (الخيال) والتحرر من (قيود) المجتمع.

كانت قراءاتي عامة وشاملة ومتنوعة وفي كل المجالات المعرفية: الدينية والأدبية والاجتماعية والسياسية، لم أغلق على نفسي باباً من أبواب الفكر مطلقاً، ولم أكن أسير طرح فكري معيَّن، وقد تسألني: لماذا خرجت عن السائد والمألوف أو المعتاد في توجيه الطلاب إلى كتب معينة وإلى لون ثقافي معيّن؟!

حسن حنفي: لم يكن في الحسبان نشر أية سيرة ذاتية لي قبل الثمانين- لو عشنا- حتى يكتمل مشروع "التراث والتجديد" أولاً وحتى لا تطغى السيرة الذاتية الشخصية على الأعمال الفلسفية الموضوعية فيقع القراء والباحثون في خطأ ردّ الموضوع إلى الذات والقضاء على استقلال الموضوع. ومع ذلك تم كتابة هذا النص بناء على طلب حسن آل حمادة.

محمد محفوظ: يبدو لي أن عملية الكتابة مرتبطة في كثير من جوانبها بمستوى القراءة. بمعنى أن القراءة الجادة والمتواصلة، هي الطريق الطبيعي لخلق كاتب قادر على العطاء والإنتاج الثقافي والفكري والأدبي. وإن تراجع مستوى القراءة لدى الإنسان، يعني على المستوى العملي تراجع مستوى وتقنيات الكتابة. لذلك من الضروري لمن يريد أن يصبح كاتبًا، أن يكثِّف قراءاته، ويطوِّر من مستوى متابعته للشأن الثقافي.

رسول محمد رسول: لا تخونني بدايات المقالات، لأنني أفكِّر في أيِّ موضوع أكتبه لأيام قبل الشروع بكتابته. أصحِّح كل فقرة أكتبها قبل أن انتقل للأخرى. وأفضل ساعات الكتابة عندي هي ساعات مساءات الأيام، وعندما أشرع بوضع كتاب جديد أفضِّل الكتابة في آخر الليل حيث الهدوء وغياب أيِّ مكالمات هاتفية أو مواعيد مع أصدقاء وما أشبه.

لا أحبُّ الكتابة في يومي الخميس والجمعة؛ لأن هذين اليومين هما استراحة أسبوعية دافئة بالنسبة لي، وضرورة خاصة لكي أمنح فاهمتي وذاكرتي وذخيرة كلماتي وعباراتي بعض الراحة من أجل جولة كتابية قادمة.

الكتاب صدر عن دار القارئ ببيروت، في (436) صفحة من القطع الكبير.

* نص ما نشرته جريدة البلاد السعودية حول كتاب: "تجارب الكتاب.. من القراءة إلى الكتابة"، لمؤلفه الكاتب والإعلامي حسن آل حمادة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين   18/تموز/2008 - 16/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م