هل بدأ موسم هجرة العراقيين الى الوطن؟

شبكة النبأ: الهجرة خارج الوطن، بسبب التداعيات الأمنية والسياسية والإقتصادية، تحط رحالها بعد زمن مضني، ووقت طويل، أمتد بالناس حتى فقدوا الامل من معانقة أراضيهم والإرتماء في أحضان بيوتهم القديمة.

حيث لم تعد الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة والمتقلبة التي كانت تأسر سكان إقليم كردستان، خصوصا الشباب منهم، وتجبرهم على الهجرة والاغتراب إلى بلدان المنفى الحلم، قائمة الآن تقريبا.

تبدلت الأحوال، واللوحة التي بدا فيها المهاجرون، وهم يسارعون خطاهم للوصول إلى بر الأمان وطلب اللجوء في إحدى دول المهجر، تغيرت ألوانها القاتمة، وأصبح الوطن فيها، بالنسبة للبعض منهم، مكانا للحلم الجديد، يجذب المغتربين ويشجعهم على اتخاذ قرارهم بـ "العودة" وان كانت بعض تلك الرغبات مؤجلة لغير الحاصلين على جوازات سفر أجنبية تضمن لهم تعاملاً لطيفاً في المطارات.

وليس من المبالغة إذا قلنا ان الكثير من المغتربين العراقيين عموما يودون العودة إلى ديارهم غير ان الظروف الصعبة التي تعم البلد رغم التحسن النسبي الذي طرأ عليها، والتي يصعب على أساسها ضمان الأمن، عرقل رغبات الكثيرين في أقدامهم على مثل هذه الخطوة، وجعلها مقتصرة على أهالي كردستان الذين يعيشون إقليمهم ظرفاً استثنائيا ميزهم عن بقية المناطق العراقية. بحسب اصوات العراق.

والحقيقة، ان عدد من العوائل الكردستانية، تركت بلدان الثلج وأجوائها المختلفة تماماً عن أجوائنا العراقية وفضلت العودة إلى العراق من بوابته الشمالية، وان لم يتوحد العائدون في أسباب عودتهم.

ولعل من أبرز تلك الأسباب هي التطورات الاقتصادية والأمن المستتب إلى حد كبير الذي يعيشه الإقليم والذي شجع المغترب على استثمار أمواله بعد ان عانى الأمرين بجمعها من الأعمال الشاقة التي تثقل كاهل المغترب في غربته.

كما ان الاختلاف الحاد في الثقافات بين مجتمعاتنا الشرقية والمجتمعات الغربية دفع عدد من العوائل العراقية المغتربة، بضمنها عوائل كردية الى العودة خوفاً من ان تؤثر اختلاف الثقافات والمعتقدات على تنشئة الأبناء وخاصة الفتيات منهم.

يقول حسن سرتيب عيسى (48) عاما انه اضطر الى مغادرة العراق في ثمانينات القرن الماضي بسبب معتقداته السياسية التي أجبرته على طلب اللجوء في السويد، غير ان المستجدات الحاصلة في الوضعين السياسي والاقتصادي للإقليم شجعته على اتخاذ قراره بالعودة ثانية إلى أربيل مع عائلته زوجته وابنتاه.

يوضح عيسى ان قرار ترك الوطن واللجوء إلى السويد، آنذاك، لم يكن خياراً طوعياً بقدر ما حكمت به الظروف التي كانت تعيشها المنطقة.

ورغم ان ابنتي حسن جمانة، 12 عاما وهند 8 اعوام اختلفتا في قرار العودة، فالبنت الكبرى لم ترحب كثيراً بقرار الرجوع إلى كردستان والدراسة فيها غير ان هند كانت أكثر تقبلاً لخوض تجربة العودة رغم أنها لم تظهر حماسة كبيرة للموضوع.

ويوضح حسن ان اختلاف الثقافات بين مجتمعنا والمجتمع الأوربي شجعتاه على اتخاذ قرار العودة، ويجد من الصعوبة ان يتأقلم هو وزوجته فاطمة مع النمط الذي يسير عليه الشباب الأوربي والذي ستسير على خطاه جمانة وهند.

غير ان ما يرضي الأب ليس بالضرورة ان يرضي ابنتيه فـ: جمانة لا زالت وهي في أربيل تعاني كثيراً من عملية ألاندماج ثانية مع واقع لم تعشه سابقا، بالإضافة إلى كونه مختلف كلياً عن الواقع الذي جاءت منه، وهند لا زالت مشغولة بتجمعات الأهل والأصدقاء وتلك ميزة افتقرت إليها عندما كانت مع عائلتها في السويد ولم يتوفر لها الوقت الكافي للاختلاء بنفسها وتذكر صديقاتها ومقارنتهم بصديقاتها الجديدات، فلا زالت العطلة الصيفية مستمرة.

تقول جمانة إنها تفتقر للحرية في العلاقات بين الشباب والصبايا، وانها عندما كانت في السويد تجالس زميلها وتخرج معه وتزوره كما يزروها في البيت دون إحراج أو مشاكل اجتماعية تُذكر.

ورغم ان جمانة ولدت في السويد وتعلمت في مدارسها غير ان والدها "كما تقول" ظل محافظاً على النمط الاجتماعي الذي انحدر منه رغم الخلافات التي نشأت بسبب ذلك بين الأب وأبنته. وتضيف جمانة أنها احترمت دائما وجهة نظر والديها في الأمور التي تخص حياتها لكنها توضح إلى إنها اعتادت على ان يكون لها رأيها الشخصي الخاص الذي يجب ان تعمل به عندما تنقص والديها وسائل الإقناع بفكرتهما.

تلك مشكلة، تعاني منها جمانة وان بدت بالنسبة لوالديها بأن حلها مرهون بالزمن الذي سيتيح لها فرصا جديدة للتكيف.

والحقيقة ان المسؤولية التي تقع على عاتق الوالدين في تنشئة أبنائهما في بلدان المهجر كبيرة وان السعي المستمر في سبيل إيجاد فرص العمل والاندماج مع الحياة ليست الوحيدة التي تثقل كواهلهم بل ان متابعة أبنائهما وإبعادهم عن أصحاب السوء مسؤولية أكبر تجعل الحياة في الكثير من المرات صعبة وعسيرة.

فالهوة بين الوالدين المنحدرين من أصول شرقية وبين أبنائهما المولودين في أوروبا تزداد كلما كبر الأبناء وعلى الوالدين إعادة تشكيل مفاهيمها من جديد وفقاً لنمط الحياة الذي يعيشه أبنائهما وتلك "مهمة" يستحيل تنفيذها على البعض.

وإذا كان قرار حسن بالعودة جاء بسبب أبنتيه فأن دوافع هلكوت 38 عاماً من أهالي السليمانية تختلف، فهو يسعى إلى الاستفادة مما يشهده الإقليم من انفتاح اقتصادي والحصول على فرصة عمل جيدة تكفل له حياة أفضل من الناحية الاجتماعية عما كان يعيشه في السويد.

ويقول هلكوت في حديثه انه يتأسف كثيراً لأنه لم يتخذ قرار العودة قبل ذلك، وان الصعوبات الحياتية التي يعاني منها سكان الإقليم يمكن إيجاد الحلول لها بينما الضغوطات النفسية التي يعاني منها المغترب يصعب في مرات كثيرة إيجاد حل لها.

ويوضح هلكوت المتزوج من جوان  30 عاماً ان فكرة العودة كانت تؤاتيه بين الحين والأخر غير انه أنتظر لحين حصوله على جواز سفر سويدي يتيح له حرية السفر متى ما يشاء والى المكان الذي يريده حول العالم، كما انه يحميه من الأوضاع والظروف غير المستقرة التي يعيشها العراق والذي تنقلب فيه الأوضاع بين ليلة وضحاها.

هلكوت يسكن الآن في بيت والده ويطمح في الحصول على قطعة ارض يبني عليها منزله الخاص، واستطاع الحصول بمدخراته المالية من عمله في السويد فتح معرض للسيارات في السليمانية.

ورغم تأكيد هلكوت على الفرق الواسع بين أسلوب ووسائل الحياة في كردستان والسويد إلا انه يؤكد بأنهما لم يعانيا كثيراً في تكيفهما من جديد هو وزوجته مع واقعهما الحالي.

وتختلف معاناة العائلات العائدة التي لها أبناء بهدف الاستقرار فيه عن تلك التي ليس لها منهم نصيب.

كما ان مسؤولية الوالدين كبيرة وهم يحاولون التعايش مع المتغيرات المصاحبة لنمو أبنائهم في بلدان المهجر تزداد مسؤولياتهم في بلدانهم في إعادة النظر بنمط حياة أبنائهم وفي بعض الأحيان تغيرها كلياً، فمن مساحات الحرية الواسعة الممنوحة للأطفال في بلدان بعيدة عن الوطن إلى التقييدات.

يبقى مهماً القول ان السنوات القليلة القادمة ستكون الفيصل في تطور موسم الهجرة إلى الوطن من دونه! فإذا استمرت الأوضاع في إقليم كردستان العراق كما هي عليه الآن، وتمكنت الحكومة الإقليمية فيه من وضع أسس للبنية التحتية للمنطقة وتوفير الخدمات للناس، من ماء وكهرباء وطبابة وتعليم، فان عددا متزايدا من المغتربين سيعودون إلى وطنهم حتما وفق كل القراءات.

ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة توضح عدد المغتربين العائدين إلى كردستان خلال فترة الخمس سنوات الماضية غير أن موضوع عودتهم بات يهم الشارع الكردستاني الذي بات منشغلاً في الحديث عنه وعن تغير الأحوال بين الأمس واليوم.

كذلك استمرار تحسن الأوضاع الأمنية في بغداد والمحافظات الأخرى، واستقرار الوضع السياسي، سيكون إشارة ايجابية أخرى للمهاجرين تدفعهم التفكير جديا بالعودة إلى العراق، خصوصا لأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال، الذين سيستثمرون أموالهم في مشاريع إعادة بناء العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء   13/تموز/2008 - 11/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م