قبل ايام قليلة مضت, شاهدنا كيف تحول الرئيس السوداني فجأة
وبقدرة قادر, من محارب شرس لا يعرف الرحمة ولا الشفقة, الى رسول
للمحبة والسلام وحتى الوئام بين ابناء بلده السودان, شاهدناه يزور
دارفور المهجرة المغتصبة, يلوح بعصاه "لاهل القرآن" من الدارفوريين,
يترنح ويرقص على أحد مسارحها, يخاطب "اهل الكتاتيب والالواح" من
على ارض دارفور, مسرح أكبر الجرائم وابشعها في عصرنا هذا, يظهر لهم
المحبة والمودة, ويطالبهم بالعودة من المنافي للمشاركة في القرار
السياسي, ويعدهم بالمستقبل الآمن والمشرق.
عمر حسن احمد البشير الرئيس الاطول حكماً في تاريخ السودان,
والقادر المقتدر الذي يجمع بين يديه كل من منصبي رئاسة الوزراء
ورئاسة الجمهورية, بالاضافة لمنصبه العسكري الاول, ومنصبه الديني,
لا شك انه يتخيل ويريدنا ان نتخيل معه ان اقليم دارفور بخير
والسودان كذلك, وان المياه ستعود الى مجاريها, وكأن شيئاً لم يحدث
بالامس القريب, لا مليوني لاجئ ومشرد دارفوري, ولا مئات الالاف من
القتلى, ولا عشرات الالاف من حالات الاغتصاب, لا ابادة جماعية حصلت
في بلاده وفي ظل سلطته, ولا من يحزنون.
يقال ان احد السودانيين المصابين بمرض الهوس, استغل فرصة
التغيير الوزاري في بلده قبل عقدين من الزمن او اكثر, اذ ذهب الى
وزارة المالية السودانية مدعياً بأنه وزير المالية الجديد, واستطاع
بالفعل ان يخدع جهاز امن الوزارة وحرسها بزيه الانيق, ليدخل الى
مكتب الوزير ويجلس على مقعده الوثير للحظات, قبل ان يأتي الوزير
الحقيقي, لينقل بعدها الوزير المزيف الى مستشفى الامراض العقلية
للعلاج.
ادعاء المصاب بداء الهوس وجنون العظمة بأنه من اصحاب الجاه
والسلطان, عارض مرضي يعتبر من المسلمات البديهية في الطب النفسي,
وهو امر معروف لدى الصغير قبل الكبير, ومرض الهوس هذا, ابعده الله
عنا وعنكم, يحجز على من يعاني منه ويخضع للعلاج المجاني في الدول
المتقدمة, لما يشكله من خطر على السلامة العامة, لكن من الغريب
جداً ان نجد اليوم, المكتبة الطبية خالية تقريباً من الدراسات
والابحاث التي تتناول العلاقة الوطيدة بين مرض الهوس وجنون العظمة,
وبين السلطة المطلقة لاصحاب المعالي والسيادة, وما اقدم ويقدم عليه
هؤلاء من تصرفات وافعال غير مسؤولة وخطيرة, يعتقدون انهم قادرون
على التخلص والافلات بسهولة من عواقبها.
d.mehma@hotmail.com |