كُره اليهود للإنسانية ومراحل التاريخ السبعة عند المسيحيين الإنجيليين

شبكة النبأ: المعروف ان اليهود قوم إستعلائيون، فهم يؤمنون بأنهم شعب الله المختار وان الله سيغفر لهم قتلهم الأنبياء والناس بغير حق، وإفسادهم في الأرض، مهما بلغ ذلك الإفساد!!، لكن لماذا لا يحب اليهود في الولايات المتحدة المسيحيين، الإنجيليين والأصوليين على الرغم من حب هؤلاء لهم؟ وعلى الرغم من انه بفضل المسيحيين وقوتهم المتنامية في القرن الماضي تحققت احلام اليهود في فلسطين.. وتمكنوا كثيرا في اماكن اخرى عديدة من العالم..

هذا التساؤل كان محور دراسة لـ" جيمس ويلسون المحاضر بجامعة هارفارد، والحاصل على أعلى الأوسمة الأمريكية "الميدالية الرئاسية للحرية، وهي من أرفع الجوائز المدنية ـ المعنونة بـ "لماذا لا يحب اليهود المسيحيين الذين يحبونهم، نشرتها مجلة سيتي جورنال"City Journal" الأمريكية، وتنطلق تلك الدراسة من أن المجموعتين اللتين تؤيدان إسرائيل في الولايات المتحدة هما: اليهود، والمسيحيين الإنجيليين والأصوليين. والدعم اليهودي لإسرائيل من السهل تفسيره، لكن الأمر المحير هو لماذا يدعم هؤلاء المسيحيون- أغلبهم من المحافظين- إسرائيل؟. وتشير الدراسة إلى لغز أخر تبلوره الدراسة في أنه على الرغم من هذا الموقف، فإن العديد من اليهود يكرهونهم. أما اللغز الثالث فيتمثل في أن هناك فصيل كبير من الأمريكيين من أصل إفريقي معاد لإسرائيل واليهود، إلا أن الناخبين اليهود ينظرون إلى هؤلاء السود على أنهم حلفاؤهم الطبيعيون.

تأييد المسيحيون الإنجيليون لإسرائيل وكراهية اليهود لهم

وللتأكيد على تأييد المسيحيين الإنجيليين لإسرائيل أشارت الدراسة إلى استطلاع اُجري في عام 2006 يُظهر أن المسيحيين الإنجيليين لديهم ميول تجاه إسرائيل أكثر من باقي الأمريكيين، وأنهم أيضاً أكثر تعاطفاً معها من المسيحيين البروتستانت والعلمانيين. وبحسب استطلاع أخر، اتضح أن الإنجيليين يدعمون سيطرة إسرائيل على القدس، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، كما يقفون إلى جانب إسرائيل في نزاعها مع الشرق الأوسط، أكثر من المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت والعلمانيين.

وتوضح الدراسة أنه على الرغم من حب المسيحيين الإنجيليين وتقديرهم للدولة اليهودية والشعب اليهودي، إلا أن اليهود في المقابل لا يبادلونهم نفس الشعور. فقد أفادت نتائج استطلاع بأن 42% من اليهود الذين شملهم الاستطلاع أعربوا عن عدائهم للإنجيليين والأصوليين. بينما توصل عالمان بكلية بارش الى أن نحو 16% من الأمريكيين عموماً لديهم نفس الشعور العدائي تجاه المسيحيين الأصوليين. بحسب موقع تقرير واشنطن.

أسباب حب المحافظين لليهود

تكشف الدراسة أن السبب الرئيسي وراء حب المسيحيين المحافظين لليبراليين اليهود وتأييدهم لإسرائيل له جذور عميقة في معتقداتهم، فلدى الأصوليين البروتستانت تعاليم تسمى "التدبير الإلهي" وبحسب هذه التعاليم، التي ظهرت في انجلترا في بداية القرن التاسع عشر، فإن التاريخ الإنساني ما هو إلا سلسلة من سبع فترات أو مراحل، والتي تعامل الله فيها مع الإنسان بشكل مختلف. الفترة الأولى هي ما قبل نزول آدم إلى الأرض والتي يعتبر عصر البراءة. والفترة الثانية هي من آدم إلى نوح وهي عصر الضمير. والثالثة هي الفترة من نوح إلى إبراهيم وهي عصر الحكومة. ثم الفترة الرابعة وهي من إبراهيم إلى موسى أي عصر النظام الأبوي. أما الفترة الخامسة فهي من موسى إلى عيسى وهي عصر الحكم الموسوي، ثم المرحلة السادسة وهي من عيسى حتى وقتنا هذا وهو عصر النعمة الإلهية، وأخيرا تتمثل المرحلة السابعة في المرحلة التي سيعود فيها المسيح ليحكم العالم.

ويعتقد معتنقي هذه التعاليم – "التدبير الإلهي" - أن اليهود هم شعب الله المختار. وعندما تأتي فترة حكم المسيح لابد أن يكون اليهود يعيشون في إسرائيل وعاصمتها القدس، حيث سيعود الهيكل للظهور في وقت معركة هرمجدون"”Armageddon”. فقبل وقوع هذه المعركة الأخيرة، فإن المسيح الدجال سيظهر ربما في صورة رجل سلام. ويعتقد الأصوليون البروتستانت أن المسيح الدجال سيخدع الناس ويحتل الهيكل وسيحكم باسم الله، ثم يُهزم في آخر الأمر على يد المسيح. لذا يعتقد الكثير من هؤلاء أن كيفية تعاملهم مع إسرائيل ستؤثر فعليا على مصيرهم الأبدي.

ومازال المسيحيون الأصوليون، وهم الصهاينة الأوائل، يؤيدون إسرائيل، لاعتقادهم بأنها ستكون المكان الذي سيعود فيه المسيح. ففي عام 1878، قام وليام بلاكستون المسيحي الأصولي ومؤلف كتاب "المسيح قادم" بكتابة مذكرة تُطالب بإقامة دولة يهودية في فلسطين. وقد حصل بلاكستون على توقيع أكثر من 400 مسيحي من بينهم رئيس المحكمة العليا جون روكفيلر، إلا أن الرئيس الامريكي بنيامين هاريسون رفض المذكرة. وفي عام 1916 عاد بلاكستون وعرض المذكرة على الرئيس وودرو ويلسون الذي كان أكثر تعاطفاً، والذي أيد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عندما أصدر في عام 1917 وعده الشهير بإقامة وطن لليهود في فلسطين.

مصادر تأييد المسيحيين والإنجيليين لإسرائيل

وتوضح الدراسة أن القساوسة الإنجيليين والأصوليين يقومون بكل حماسة بتعزيز فكرة الموالاة ودعم إسرائيل. فقد قاموا بتأييد إسرائيل من خلال ترانيمهم التي يتلونها في الكنيسة أكثر من البروتستانت والكاثوليك العاديين. ويوضح جيمس جث أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيرمان أن الإنجيليين الذين يحضرون إلى الكنيسة بانتظام ويسمعون تلك الترانيم، كانوا أكثر ميلاً إلى تأييد إسرائيل أكثر من قرنائهم الذين لا يحضرون بانتظام.

وفي الوقت نفسه، كانت هناك كتب مسيحية شعبية تقوي من موقف هؤلاء القساوسة. فعلى سبيل المثال احتوى كتاب "The Late Great Planet Earth" للكاتب هال ليندس، على تعاليم "التدبير الإلهي" والمراحل السبعة التي تتحدث عنها هذه التعاليم، كما شرح معركة هرمجدون وقضية حماية اليهود وإسرائيل.

وهناك أيضا مصدراً ثالثاً لدعم إسرائيل وهو المنظمات الإنجيلية الموالية لإسرائيل والتي من بينها جسور من أجل السلام والسفارة المسيحية الدولية، التي تأسست يوم 30 سبتمبر 1980 في القسم الغربي من مدينة القدس رداً على القرار الذي اتخذته ثلاث عشرة دولة آنذاك والقاضي بنقل سفاراتها من القدس إلى تل أبيب، ومؤتمر القيادة المسيحية القومي من أجل إسرائيل.

وتنتقل الدراسة للحديث عن الجماعات البروتستانتية السائدة مثل المجلس القومي للكنائس ومجلس الشرق الأوسط للكنائس. وتقول الدراسة أن هذه الجماعات لها موقف مختلفة تماما تجاه إسرائيل. فعلى سبيل المثال رفض NCC تأييد إسرائيل في حرب الـستة أيام في عام 1967، وعلى الفور بدأت في معارضة التوسع الإسرائيلي عقب نصرها. وفي عام 2004 قررت الكنيسة البروتستانتية دراسة عرضاً لتحويل استثماراتها من الشركات التي تقيم نشاطاً اقتصادياً مع إسرائيل.

مناهضة البروتستانت لإسرائيل

أما السبب وراء مناهضة القادة البروتستانت العاديين لإسرائيل فيتمثل فيما يراه هؤلاء من القمع الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. وقد تلقى هؤلاء القادة تشجيعاً من أكاديميين أمريكيين مثل الكاتب نعوم تشومسك، ومن الصحافة الأوروبية أيضا مثل BBC و the Guardian و the Evening Standard و Le Monde . فجميعهم رفض بأشد العبارات ما تقوم به إسرائيل، عندما اقتحمت مخيم جنين للاجئين بدعوى القضاء على الإرهابيين المحصنين بالمخيم، وقتلها 52 فلسطينياً. والتي أطلق عليها الكاتب البريطاني A.N. Wilson اسم "المذبحة" و"الإبادة الجماعية".

وتنتقل الدراسة إلى توضيح لماذا تكره العديد من الجماعات اليهودية والناخبين اليهود حلفاءهم من المسيحيين الإنجيليين؟. فتقول أن اليهود الأرثوذكس يُرحبون بتأييد الإنجيليين بينما يعارضها اليهود المصلحون والعلمانيون. ومعظم اليهود هم ليبراليون سياسيون، ينتمون إلى الحزب الديمقراطي، ويهتمون بالقضايا الليبرالية بشكل عام. وفي المقابل، يميل الإنجيليين إلى أن يكونوا محافظون، حيث لا تمثل لهم السياسة أهمية مقارنة بمعتقداتهم الخاصة بـ"التدبير الإلهي".

أما الأمريكيون السود فهم من أكثر الجماعات معاداة للسامية. ولكن ذلك التوجه لم يكن على طول الخط دائما، فقد كان هناك العديد من القادة السود الذين يؤيدون اليهود الأمريكيين من أمثال دو بوا W.E.B. Du Bois ورالف بانشRalph Bunche. كما أيد السود تأسيس وإقامة دولة إسرائيل عام 1948. ولكن مع مرور الوقت واندلاع حرب 1967، بدأت هذه القيادات في التراجع عن تأييدها لليهود، وأصر المندوبون السود في أواخر الستينيات على تمرير قرار يُدين تلك "الحرب الامبريالية الصهيونية". والآن وبحسب نتائج مراكز الاقتراع، فإن نحو ثلث الأمريكيين السود لديهم مواقف شديدة المعاداة للسامية. وكان القادة الأمريكيون السود، وليس الإنجيليين، البيض هم من أطلقوا إشارات معادية للسامية.

وعلى الرغم من أن الناخبين الأمريكيين السود ليبراليون، وغالباً ما يبتعدون عن حلفائهم اليهود، إلا أنه بالنسبة لليهود، فهم يعتبرون أن السود أصدقاء والإنجيليين أعداء، أيا كانت مواقفهم من اليهود وإسرائيل.

أسباب اخرى للكراهية

وهناك سبباً أخر أكثر عمقاً وراء كراهية اليهود للمسيحيين الأصوليين. فعلى الرغم من أن الإنجيليين البروتستانت يؤيدون إسرائيل ويتعاطفون مع اليهود، فإنهم في عيون الليبراليين يعتبرون معادون للعناصر الأساسية للنظام الديمقراطي. فهم يعتقدون أن الولايات المتحدة قامت كأمة مسيحية، كما يشعرون بالقلق من ضياع القيم الأخلاقية. لذلك فالمسيحيين الأصوليين يسعون إلى فرض الأخلاق المحافظة وتغيير اتجاه البلد بحيث تجعلها تخضع لمشيئة الله، وفتح المدارس العامة التي تُعلم المعتقدات المسيحية، هذا بالإضافة إلى سعيهم للإطاحة بحقوق الأقليات.

وأيا كان السبب وراء عدم ثقة اليهود في الإنجيليين، فإن عليهم التضحية عندما يكون مستقبل إسرائيل وبقاؤها هو القضية الأهم. فنصف البروتستانتيين في الولايات المتحدة إنجيليين ويمثلون نحو ربع الشعب الامريكي كله. وفي المقابل، يمثل اليهود أقل من 2% من الأمريكيين، وهذه النسبة ستقل، حيث إن أكثر من نصف اليهود يتزوجون من غير اليهود. وعندما يتعلق الأمر بمساعدة تأمين بقاء إسرائيل، فإن الأقلية اليهودية في أمريكا يجب ألا ترفض المساعدة التي تعرضها جماعة أخرى أكبر من هذه الأقلية بـ 10 أضعاف. فليس هناك فائدة من تكرار ما قاله الصحفي الأمريكي مينكن H.L. Mencken بأن المسيحيين الأصوليين "أغبياء" و"مغفلين".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء  6/تموز/2008 - 4/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م