توزيع أم تقطيع كهربائي؟

كاظم فنجان الحمامي

تشوينا حرارة الصيف. وتبعثرنا ليلا فوق السطوح الساخنة. نتقلب على أضلعنا يمينا وشمالا, في صراع عقيم مع سلطان النوم, الذي تمرد علينا.. تتبخر أجسادنا في هذه المحرقة الجماعية. فنتفحم تحت حرارة الشمس الغاضبة. وتتسامى أرواحنا المكوية في الفضاء كما تتسامى الغازات الملتهبة. تتيبس جلودنا, وتتقشر, ثم تتكسر, فنتفتت من القهر كرقائق الذرة. وتنثرنا الرياح فوق إسفلت الطرقات المنصهرة..

ترتفع الحرارة في الظل حتى تصل الى 52 درجة بمقياس جهنم الحمراء. نهرع الى الانهار والجداول, لنتبرد بالمياه المشبعة بالكوليرا, حتى صرنا كمن يستجير من الرمضاء بالنار..

تطاردنا أشباح وعفاريت الاحتباس الحراري حيثما هربنا. فنتهاوى في براكين الهيئة العامة لتقطيع الطاقة الكهربائية كالجذوع الخاوية.. اختارتنا الأقدار من بين كل الأمم لكي تمعن في إيذائنا. وتحرمنا وحدنا من نعيم وبركات صاحبة الجلالة ( الكهرباء )..

نسمع إنها وصلت إلى مجاهل أفريقيا. وتغلغلت في مستنقعات غابات الأمازون. ومنحت الاستقرار لقبائل البالوبا والتاميل, وجميع عشائر الهوتو والتوتسي, وقبائل اللر القابعة في كهوف زاكروس.. وسمعنا إنها هبطت منذ أعوام في صحراء دارفور. لكنها هجرتنا, وصبت حقدها علينا من دون أن نقترف ذنبا, أو نرتكب اثما..

وفرنا لها في العراق كل أنواع الوقود والنفط الخام والغاز الطبيعي بالمجان. ومن دون أن نحدد لها الكمية والنوعية والكيفية. وهيئنا لها جميع مصادر الطاقة التي تنضب, والتي لا تنضب. فطلبت منا الخضوع لسياسة الترشيد, وبرمجة التوليد. والانصياع لنظام التوزيع. فوافقنا على الفور. وقدمنا لها النذور والقرابين. ومن دون أن نناقش معها تحديدات الفترات الزمنية لتغذية المناطق..

لكن التوزيع تحول إلى تقطيع. والتقطيع تحول إلى إزعاج. والإزعاج إلى كابوس. والكابوس جثم على صدورنا, وسرق راحتنا, وعبث باستقرارنا. وتفاوتت أساليب التقطيع من منطقة إلى أخرى. وانقطعت الكهرباء كليا عن بعض المناطق. بينما راحت تتقطّع على هواها في مناطق أخرى. وصار تقطيعها مزاجيا. لكنها مازالت تزورنا على غير موعد, وتقتحم منازلنا على شكل ومضات وجرعات عشوائية متذبذبة من حيث الشدة والقوة..

وبات التقطيع هوايتها وحرفتها المفضلة. حتى تقطعت أنياط قلوبنا. وتهشمت أرواحنا. وعادت بنا الأيام إلى عصر المهفة السومرية. ومازلنا ننتظر معجزة استقرار تقطيعها. اما بخصوص موضوع انتظام توزيعها فصار عندنا من الأحلام المستقبلية..

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين  4/تموز/2008 - 2/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م