أنا مستقل إذن أنا متهم

كاظم فنجان الحمامي

بات من المؤكد ان ايماني المطلق بالاستقلالية السياسية والفكرية, وعدم انتمائي الى الكيانات والتكتلات الحزبية, ورفضي الانضمام الى صفوف حزب ما, وعدم قناعتي بشعاراته الطنانة.

جلب لي الهم والغم, ووضعني في مواقف محرجة لم اكن اتوقعها.. فقد انهالت عليّ الاتهامات الملفقة من كل حدب وصوب. وتعرضت لسخط وكراهية معظم المتحزبين, الذين واصلوا حملاتهم ضدي منذ ثمانينات القرن الماضي ولحد الآن. ابتداء من النظام السابق الذي كان يعتبرني من (ذوي المجرمين), ومرورا ببعض الاحزاب التي كانت تعتبرني مرة (بعثي سابق), وطورا ( متمردا), وحينا آخر من عناصر (المليشيات المسلحة), وتارة ( شيوعيا), و( علمانيا ) و( ليبراليا ) و( متطرفا ).. الى آخره من التهم الجاهزة..

وتزداد ضراوة هذه الاتهامات الموسمية المفبركة كلما ترشحت لمنصب ما. وكلما سنحت لي فرصة الارتقاء في السلم الوظيفي أو الاجتماعي. وتكاد تكون معظم الفئات التي تبغضني قد اشتركت بطريقة أو بأخرى في تلفيق مجموعة من التهم المتناقضة والمتقاطعة والمتضاربة, التي تتهمني بالانتماء الى هذه الفئة أو تلك..

ويعزى هذا العداء المستعر منذ فترة طويلة الى حرصي الشديد على ابداء الرأي الصريح في المعضلات التي تتطلب معالجة بؤر الفساد الاداري المستشري هنا وهناك, ومثابرتي الجادة في مكافحة التخلف المهني والعلمي ضمن مجال عملي. الأمر الذي جعلني معرضا مثل بقية العراقيين الشرفاء لأن تمارس ضدي بعض العناصر الشريرة هواياتها في تلفيق التهم المزيفة, بقصد النيل مني وايذائي, وابعادي خلف جدران القهر والاهمال.. وكانت تهمة الانتماء السياسي الباطلة هي السلاح القديم المستخدم في اقصائي وتغييبي والتخلص مني.. وبالتالي تقييد حريتي, وشل حركتي. من دون ان اقترف اثما, أو ارتكب ذنبا..

ولكن مع كل هذا وذاك سأبقى مستقلا, ومسلما, وعربيا, وعراقيا, وعاشقا لشمس الحرية.. إذن انا منتمي ومنحاز الى ديني ووطني وبيتي وانسانيتي. وارفض ثقافة الموت, وكل مظاهر العنف المسلح, وبخاصة المستتر منها خلف غطاء ديني. وارفض ان اكون معصوب العينين وسط القطعان البشرية المنقادة على غير هدى خلف المجهول. واعلن التزامي بالصراحة والشفافية في التعبير عن رأيي. ولم اقم بالتخفي خلف اسم مستعار.. 

وتبقى الحرية هي العلامة البارزة في الاعتقاد, بل هي السارية وبدونها لا تقوم للاعتقاد راية.. والحرية حق لكل الناس, وليست امتيازا تمنحه لنا جهة حزبية معينة..

فنحن نولد احرارا, ولكننا سرعان ما تتلقانا أياد الآخرين من حولنا. فيضعون لنا ((الضوابط, والقواعد, والقيود)), ويصنعون لنا القوالب لنعيش بداخلها مدى العمر, ظنا منهم أن هذا هو الأفضل لنا, فهم الذين يقررون ويحددون المساحات المتاحة لنا لكي نمارس حرياتنا على نطاق ضيق من خلال تلك القوالب التي فصلوها لنا..

الحرية هدية الله لمخلوقاته. لقد منحنا الله الحرية لكي نتعلم, ونعمل ونخدم الناس, فخير الناس من نفع الناس. والمسلم من سلم الناس من يده ولسانه. ومنحنا الادوات اللازمة لذلك. واهمها العقل. ومنحنا حرية التفكير. ولكن لا يعني ذلك ان نحاول إجبار الناس على ان يعيشوا أو يفكروا على طريقتنا..

فهويتنا هي حريتنا. وهناك من يحاول ان يصادر حريتنا, ويحرمنا من أن نكون أو لا نكون. وينبغي علينا ان نختار لانفسنا : من نكون ؟. وكيف نكون ؟. فحريتنا هي انسانيتنا..

والحرية والانسانية متلازمتان والانسان. اما أن يكون حرا, شريفا, مستقيما, صادقا.. واما أن يكون عبدا, ذليلا, مخادعا, منافقا.. فنحن ولدنا احرارا وسنموت عراقيين.. ولنا مطلق الحرية في ان نكون مستقلين استقلالا كاملا لا نقصان فيه عن كل تدخل من هنا أو من هناك.. ولابد لنا ان نضحي من اجل حريتنا واستقلالنا..

اما اولئك الذين فقدوا الحياء, وانغمسوا في هذا المنهج المفضوح, وتمادوا في ممارسة لعبة الوشاية والنميمة, وتلفيق الاتهامات المغرضة, ونسج الاكاذيب, بقصد منع الناس من ممارسة نشاطاتهم الابداعية المشروعة, واسكاتهم, وتكميم افواههم, وحرمانهم من حرية البوح بالحقائق الدامغة, التي تكشف زيفهم وفسادهم. فلهم الخزي والعار, ومأواهم مزبلة التعفن الاخلاقي, وبئس المصير.. 

ربِّ اشفـني مِن مَرضِ الكِتابَـهْ

أو أعطِـني مَناعَـةً

لأتّقـي مَباضِـعَ الرَّقابَـهْ.

فكُلُّ حَـرفٍ مِن حـروفي وَرَمٌ

وكُلُّ مِبضَـعٍ لَهُ في جسَـدي إصابَـهْ.

فَصاحِبُ الجَنابَـهْ

حتّى إذا ناصَـْرتُهُ..لا أتّقي عِقابَهْ !

**

كَتبتُ يَومَ ضَعفِـهِ :

 نَكْـرَهُ ما أصَـابَهْ

ونكْـرهُ ارتِجافَـهُ، ونَكرهُ انتِحابَـهْ

وبَعـدَ أن عبّرتُ عَـن مشاعِري

تَمرّغَتْ في دفتَري

ذُبابتانِ داخَتـا مِنْ شِـدّةِ الصّبابَـهْ

وطارَتــا

فطـارَ رأسـي، فَجْـأةً، تَحتَ يَـدِ الرّقابَـهْ

إذ أصبَـحَ انتِحابُـهُ :  انتخابَـهْ !

مُتّهَـمٌ دومـاً أنا

حتّى إذا ما داعَبَتْ ذُبابَـةٌ ذُبابَـهْ

أدفـعُ رأسـي ثَمَناً

لهـذهِ الدُّعابَـه

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  3/تموز/2008 - 1/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م