شبكة النبأ: على مدى عقود من الزمن، ظل التعليم المختلط في
أميركا ظاهرة مألوفة ومعهودة. فعلى مستوى التعليم العالي في 1960،
كانت هناك 300 كلية اقتصر طلابها على الإناث؛ اما اليوم فقد تراجع
هذا العدد الى أقلّ من ستين. ومن أصل 250 كلية كان يقتصر طلابها
على الذكور في منتصف الستينيات توجد حاليا أربع كليات من هذا
القبيل فقط.
وعلى المستويين الإبتدائي والثانوي فان المدارس الخاصة او
الدينية فقط هي التي كانت صفوفها الدراسية حكرا على نوع دون آخر (من
حيث الذكورة او الأنوثة)، الا أن هذا الوضع بدأ يتبدل. ففي حين
قدمت 11 مدرسة حكومية صفوفا غير مختلطة، إما لفتيان او لفتيات قبل
6 أعوام، فإن أكثر من 500 من المدارس من هذا القبيل ستكون متاحة في
خريف العام الحالي —استنادا للإتحاد الوطني للتعليم الحكومي لنوع
بمفرده، ("ناسبي") وهي مجموعة تعتبر أن للتعليم غير المختلط منافع
للصبية والفتيات معا.
والسبب وراء انبعاث الإهتمام بالصفوف غير المختلطة هو أن حفنة
ناشطة من المربين وعلماء النفس وأولياء الأمر او الوالدين بدأوا
يلمسون ان الصبية والشبان لا يحصّلون علميا كنظيراتهم من البنات
والشابات ولعلّ هذا الواقع بدأ يشكل أزمة. بحسب موقع أميركا دوت
غوف.
وقد برز التفاوت الصارخ في التحصيل الدراسي منذ منتصف التسعينات،
كما أن دراسة نشرها المجلس الأميركي للتربية في 2006 وجدت أنه منذ
تلك الحقبة فان نسبة الإناث البيض من ذوات درجات البكالوريوس واصلت
صعودها -- وهو إتجاه بدأ في الستينات من القرن المنصرم – في حين أن
نسبة الذكور البيض من نفس التعليم الجامعي لم تشهد تغييرا يذكر.
وفي أوساط الأميركين السود وهي الفئة التي أكثر ما عكست تباينا بين
الطلاب الذكور والإناث، فقد حقق الذكور بعض التقدم، اذ ارتفعت نسبة
انخراطهم في الدراسة من 37 في المئة في 1995-1996 الى 40 في المئة
في 2003-2004.
واصبحت الإناث يحصلن الآن على نسبة 54 في المئة من درجات
البكالوريوس و59 في المئة من درجات الماجيستر و49 في المئة من
شهادات الدكتوراه. وواصلت هذه النسب ارتفاعها عاما بعد عام. لكن في
قلّة من التخصصات الدراسية مثل الهندسة وعلوم الكومبيوتر حيث يظل
الذكور مهيمنين، فان الإناث بدأن بزيادة نسبهن من هذه التخصصات،
وانعكس ذلك في أن 6 من بين كل 10 درجات في العلوم الإحيائية وأكثر
من ثلاثة أرباع الشهادات في تخصصات مثل التربية وعلم النفس كانت من
نصيب الإناث.
وعلى المستويين الإبتدائي والثانوي فان البنين هم أكثر احتمالا
وبنسبة 50 في المئة منهم للبنات أن يعيدوا صفوفهم الإبتدائية، وهم
أكثر ترجيحا بأن يتوقفوا على الدراسة الثانوية كما أنهم أكثر
احتمالا وبنسبة الضعفين ان يكونوا يعانون من إعاقات تعليمية.
واستنادا لوزارة التربية الأميركية فان ثلاثة أرباع البنات يتخرجن
من المدارس الثانوية في حين ان نسبة الشبان الذي ينهون هذه الدراسة
لا تتجاوز الثلثين. وتقدر دراسة صادرة عن المعهد الحضري ان عددا
أزيد بنسبة 23 في المئة من الإناث السوداوات يتخرجن من المدارس
منهم للشبان السود. كما تحصل البنات على تقديرات أعلى ويكنّ أكثر
احتمالا بان يتخرجن ضمن نسبة الـ10 في المئة العليا لصفوفهن
استنادا لهيئة مجلس الكليات التي تشرف على اختبارات "سات" التي
تؤهل الطلاب لدخول الكليات والجامعات.
لكن تقريرا أخيرا حول مساواة الجنسين في مجال التعليم الأميركي
قلّل من شأن وجود أزمة في أوساط الطلاب الذكور. اذ بيّن ان الفتيان
والفتيات على حدّ سواء خطوا خطوات رائعة في مجال التربية، وأنه لا
يوجد من أدلة على ان المكاسب التي حققتها الفتيات جاءت على حساب
الفتيان. (راجع المقال التالي: "دراسة تثبت أنه عندما يتحسن أداء
البنات في المدارس يتحسن أداء الصبيان أيضاً"، على موقع أميركا دوت
غوف).
ويشير بعض الخبراء الى أن مثل هذه الأزمة قائمة لا في الولايات
المتحدة فقط بل في بلدان أخرى أيضا، كما كشفت عن ذلك دراسة لمنظمة
التعاون الإقتصادي والتنمية في 2002. ويقول هؤلاء ان الحل يكمن
ولو جزئيا في صفوف دراسية تقتصر على نوع دون الآخر.
وحول ذلك يحث الطبيب وإخصائي النفس، لينارد ساكس، المدرسين على
أن يكونوا أكثر وعيا بالفوارق بين النوعين في صفّ الدراسة. ويقول
ساكس: "من المفارقات ان التعليم الذي يتغاضى عن الجنسين يؤول الى
تعزيز الصور النمطية للنوع ومن نتائجه ان عددا أقل من الفتيات
سينخرطن في صفوف مادة الفيزياء وعلوم الحاسوب وعلم المثلثات وحساب
التفاضل والتكامل." ويشغل كوكس منصب المدير التنفيذي لـ"ناسبي".
ويورد كوكس أبحاثا تفيد بان الصبية والبنات يستجيبون للضغوط
وللمنافسة، كل على نحو مختلف. فقد اشار الخبراء الى أن الدماغ
يتطور لدى الذكور بصورة تختلف عن الإناث وأن تشعباته تختلف لدى
الجنسين. ونتيجة لذلك، ففي حين يستطيع الصبية والبنات أن يتعلموا
نفس المواد فان الصورة الأمثل لتلقينهم قد تحتلف بين الذكور
والإناث، خاصة في الرياضيات والعلوم.
ومؤخرا جاء في مقال لساكس في دورية "اسبوع التربية": "إن الفجوة
الحقيقية بين الجنسين لا تتمثل في القدرات بل في الحوافز – اي لا
بمقدور الصبية والفتيات أن يقوموا به بل كيف يريدون تعلمه."
الا أن خبراء من أمثال ريتشارد كاهلينبيرغ من مؤسسة "سنشري"
يعارضون فصل الفتية نسبة الى جنسهم. ويقول كاهلينبيرغ في هذا
الصدد: "السياسات التي تتعمّد فصل الطلاب نسبة الى عرقهم او جنسهم
او ديانتهم منافية لما يفترض ان يدور حوله التعليم العام وهو جمع
أطفال من خلفيات مختلفة معا."
وهناك دراسة رائدة نشرت في دورية أبحاث الطفولة المبكرة الربع
سنوية خلصت الى أن الأطفال ما قبل السنّ المدرسية يفيدون من ناحية
تنموية حينما يكونون في صف دراسي فيه غالبية من البنات في حين انهم
يتخلفون بصورة مطردة في تلقن المهارات في بيئة دراسية تقتصر على
الصبية فقط. وتبين ايضا ان نسبة الصبية في الصف الدراسي لم يكن لها
أثر على تنمية قدرات البنات.
وتلك كانت مجرد دراسة واحدة طالت أطفال ما قبل سن المدرسة. الا
أن مثل هذه النتائج توحي بأن اية صورة لبيئة التعليم المثالية او
القصوى للصبية يحتمل بأن تزداد تعقيدا بدلا من أن تزداد وضوحا.
التكنولوجيا تُغير شكل الفصول الدراسية في أمريكا
من دورات دراسية عن طريق الانترنت الى أجهزة كمبيوتر محمولة
خاصة بالأطفال ومدرسين افتراضيين دخلت التكنولوجيا الفصول الدراسية
الأمريكية ليقل الاعتماد على الكتب الدراسية والمُفكرات والورق بل
والمدارس ذاتها في بعض الحالات.
تسأل في ذلك جيميلا تشيمبرز البالغة من العمر 11 عاما. انها
واحدة من 650 تلميذا يحصلون كل يوم على كمبيوتر محمول من انتاج
شركة ابل في مدرسة تمولها الدولة في بوسطن. ومن فوق مكتبها في الصف
الثاني في فصلها الدراسي تطبع واجب الرياضيات مستخدمة برنامج
كمبيوتر تعليمي يعتمد على الرسوم المتحركة تقول انه يشبه ألعاب
الفيديو.
وتقول عن برنامج (اف.ايه.اس.تي.تي) لتعليم الرياضيات الذي تنتجه
شركة سكولاستيك والذي تتنافس تشيمبرز هي وطلبة اخرون على حل
معادلاته الرياضية لتحقيق أعلى الدرجات "انه مريح. يساعدني على
التعلم بشكل أفضل. كأنني العب."بحسب رويترز.
ويقول خبراء التعليم ان مدرستها التجريبية المتوسطة في بوسطن
(ليلى جي. فردريك) تعطي لمحة عن المستقبل.
ليس هناك كتب دراسية في المدرسة وفي كل يوم يحصل التلميذ على
كمبيوتر محمول يعيده في نهاية اليوم. وثمة مدونات لكل من المدرسين
والتلاميذ ويتخاطب العاملون وأولياء الامور من خلال برامج الرسائل
الفورية وتسلم الواجبات المدرسية في "صندوق" الكتروني على موقع
المدرسة على شبكة الانترنت. ولم تعد حجة "أكل الكلب واجبي" مقبولة
في هذه الأحوال.
بدأت التجربة في المدرسة قبل عامين بتكلفة بلغت مليوني دولار
ولكن لم يحصل كل التلاميذ في الفصلين الدراسي الثامن والسابع على
أجهزة كمبيوتر محمولة إلا في العام الماضي. ويؤدي التلاميذ الفروض
التي تطلب منهم في قاعة الدرس على تطبيقات مجانية لجوجل مثل (جوجل
دوكس) Google Docs أو(اي موفي) iMovie لشركة ابل او برامج تعليمية
متخصصة مثل ( اف.ايه.اس.تي.تي) FASTT لتعليم الرياضيات.
وتقول ديبرا سوشيا ناظرة المدرسة الواقعة في دورتشستر وهي ضاحية
فقيرة في بوسطن "لماذا نشتري كتبا دراسية حين يمكننا شراء جهاز
كمبيوتر؟. عادة ما تكون الكتب الدراسية عفا عليها الزمن حتى قبل ان
تطبع."
ورغم ذلك هناك ثمة شيء وحيد مسلم به ينتمي للماضي.. المكتبة
التي تمتليء بالقصص.
وتضيف سوشيا "انها تجربة قوية جدا". ارتفعت نسبة الحضور من 92
في المئة الى 94 في المئة وانخفضت نسبة تحويل التلاميذ لادارة
المدرسة لأسباب تأديبية بنسبة 30 في المئة كما ان بوسع أولياء
الأمور المشاركة بصورة أكبر. وتقول "يمكن لأي أُسرة ان تجري حوارا
مع المعلم من خلال الانترنت وتقول "لدينا مشكلة".
وعلى عكس المدارس التقليدية فان التلاميذ في مدرسة فردريك
يعملون على مستويات على درجة كبيرة من التباين. فيجلس الأطفال ذوي
الاحتياجات الخاصة جنبا الى جنب مع التلاميذ المتفوقين. وتقول
سوشيا ان أجهزة الكمبيوتر تناسب نطاقا واسعا من مستويات الذكاء
والاستعداد للتعلم مما يتيح للمعلمين تعديل أسلوب التدريس ليناسب
نقاط الضعف لدى تلاميذهم.
كما كانت الانترنت حافزا للتغيير. فحجم الالتحاق بالقاعات
الدراسية الافتراضية على شبكة الاتصالات في الولايات المتحدة بلغت
نقطة المليون في العام الماضي بزيادة 22 مرة عن مستواها في عام
2000.
ويقول مايكل هورن المدير التنفيذي للتعليم في معهد اينوسايت وهو
مركز بحثي لا يسعى للربح في ماساتشوستس انها مجرد بداية.
ويضيف "تشير توقعاتنا الى ان 50 في المئة من الدورات الدراسية
للمرحلة الثانوية ستدرس من خلال الانترنت بحلول عام 2013. النسبة
واحد بالمئة تقريبا حاليا."
ويقول رون باكارد الرئيس التنفيذي لشركة كيه 12 التي تقدم مناهج
دراسية وخدمات تعليمية عن طريق الانترنت في 17 ولاية أمريكية ان
نسبة التحاق التلاميذ زادت 57 في المئة عن العام الماضي الى 41 الف
تلميذ بدوام كامل. وحدث معظم النمو في مدارس افتراضية بتمويل عام.
وقال باركارد لرويترز "لانها مدارس عامة تمول الدولة العملية
التعليمية مثلما تفعل في المدرسة التقليدية ولكننا في المتوسط نحصل
على 70 في المئة" من التكلفة المناظرة في المدارس العامة
التقليدية.
وتابع "نأخذ الأطفال الذين لم تنفعهم المدرسة المحلية. ويتسع
النطاق من أطفال في حاجة لتعليم خاص جدا الى الاطفال الموهوبين
جدا."
ويقول بنك مورجان ستانلي الاستثماري ان شركات مثل كيه 12
ستستحوذ على حصة متزايدة من التمويل العام في سوق التعليم الامريكي
وحجمه 550 مليار دولار بالنسبة للاطفال من سن خمسة الى 18 عاما مع
تبني عدد اكبر من الولايات الامريكية لنظام المدارس الافتراضية.
وفي الاونة الاخيرة افتتحت كيه 12 التي تتخذ من فرجينيا مقرا
لها مكتبا في دبي للتوسع خارجيا ويتوقع باكارد طلبا خارجيا قويا
على التعليم الابتدائي والثانوي الامريكي المعد لمواطنين اجانب
يريدون الدراسة في جامعات أمريكية. |