قراءة في كتاب: فقه الدولة

الدولة الإسلامية في المنظور الفقهي

 

 

 

المؤلف: الشيخ فاضل الصفار

الكتاب: فقه الدولة.. الدولة الإسلامية في المنظور الفقهي

عرض: الباحث حميد جاسم الغرابي

 

 

 

 

شبكة النبأ: ورد في دعاء الافتتاح: ( اللهم إنا نرغب اليك في دولة كريمة تعزُّ بها الاسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة).

يعد الشيخ فاضل الصفار إستاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة وإستاذ الدراسات الاصولية والفقهية في جامعة اهل البيت (عليهم السلام) وصاحب مؤلفات متعددة في صنوف المعرفة خصوصا الاسلامية منها، وتقع موسوعته السياسية المسماة بـ( فقه الدولة) موقع الهرم المعرفي  ضمن سلسلة مؤلفاته لما تضمنته من آراء ونظريات أماطت اللثام عن البحث السياسي الفقهي في مدرسة اهل البيت (ع)عموما وحوزة كربلاء المقدسة على وجه الخصوص.

 وقد حرص الشيخ على ان  لايكون كتابه فقهيا محضا ولا اكاديميا محضا وفي هذا النهج الوسطي محاولة للأنفتاح على كلا الإتجاهين، ناهيك عن تأصيله لمفاهيم واطروحات مبتكرة للدولة ونظام الحكم فيها وفق الكتاب والسنة والعقل والإجماع. ومن الجدير بالذكر إن دراسته كانت دراسة إستدلالية مقارنة عرض فيها لمختلف الاراء للمذاهب الاسلامية وغيرها فإتسم بحثه بالموضوعية وساق للقارىء نظريات معرفية مستندة على الادلة والبراهين العلمية. فبحق كان الشيخ موفقا في تتبعه وتحقيقه إذ لم يعتمد على النقل فقط بل إستسقى معلوماته من مظانها الأصيلة ملتزما بشروط التحقيق العلمي ليصل بالقارىء  الى ميناء الحقيقة بالرغم من أهمية البحث وخطورته

فقد كان موضوع الدولة ونظام الحكم  مثار جدل والناس فيه بين شد وجذب منذ فجر التاريخ البشري الى اليوم.

يمكن تلخيص المحاور التي سيكون الحديث عنها وفق العنوان الى محاور ثلاث:

المحور الاول: التعريف بالدولة  وبيان مكانتها في الاسلام.

المحور الثاني: معالم الدولة التي يبنيها الاسلام.

المحور الثالث: المصادر المعرفية لمفهوم الدولة عند العلامة الشيخ فاضل الصفار. مقتصرين في ذلك على مبتنيات الشيخ العلامة الصفار في كتابه (فقه الدولة):

المحور الأول

التعريف بالدولة وبيان منشأ حاكميتها ومكانتها في الاسلام

التعريف بالدولة: الدولة في اللغة بفتح الدال وضمها وهي بمعنى واحد، فيراد منها مادار وانقلب من حال الى حال. ولمصطلح الدولة عند الشيخ اعتبارات عدة  فبحسب المعنى المذكور تطلق على المال والغلبة، وبحسب البلاد فيقال الدولة الاسلامية والدولة الاوربية، وبحسب الهيئة الحاكمة  يقال لكل زمان دولة ورجال.

وتكمن براعة الشيخ الصفار عندما  حلل مفهوم الدولة أصوليا فقال ( يظهر أنها – أي الدولة -  ليست حقيقة شرعية ولامتشرعية وانما هي مصداق من مصاديق المعنى اللغوي، وعليه فهي عرفية خاصة أو عامة وقد أمضاها الشارع بحسب ماتعارف عليه عند العقلاء.

وقد حاول الشيخ من خلال تتبعه لمصطلح الدولة في القرآن والسنة أن يبرز لنا مفهومها المتوافق مع اللغة أو الاصطلاح ويخلص الى نتيجة مفادها أن ماورد من إستعمالات  ليس تأسيسا جديدا حتى يحمل على الحقيقة الشرعية وانما يحمل على المعنى اللغوي.وبحسب ما تعارف عليه العقلاء من الحقيقة العرفية الخاصة أو العامة.

وبالجملة فإن مفهوم الدولة عند الشيخ الصفار:  تعني التشكيلات الحكومية وأقسام السلطات(التنفيذية – التشريعية – القضائية ) وسياسة الدولة ومقوماتها وعناصرها.....ألخ حسب موسوعته (فقه الدولة).

أما حسب فقهاء القانون فمنهم من يرى بأن الدولة ظاهرة إجتماعية تنشأ وتتحقق من واقع حياة الأفراد، ومنهم من يرى الدولة قبل كل شيء ظاهرة قانونية والسلطة هي عنصرها الأساسي  متجاهلين بقية عناص الدولة كالشعب والإقليم. بيد ان هناك من يرى الدولة بأنها: مجموعة من الافراد هي الشعب، تستقر على اقليم معين ولها سلطة سياسية تملك حق فرض أوامرها على الافراد المحكومين.

لقد أشار الشيخ من خلال نقده لتلك التعاريف  بان ليس هناك تعريفا جامعا ومانعا للدولة في علم السياسة فقد ذهب بعض المتخصصين الى انه جمع مائة وخمسة وأربعين تعريفا للدولة ويعلل الشيخ سبب ذلك الى ان مفهوم الدولة حديث الإستعمال نسبيا. فمن أجل ذلك إكتفى البعض ببيان أركان الدولة ومقوماتها والتي هي كانت  أيضا منشا للأتفاق والإختلاف. والذي يرجح فيه  الشيخ الصفار رأي إستاذه السيد الشيرازي حيث جعل عناصر الدولة تنحصر في ثلاث هي ( الإنسان، والنظام، والأرض) لتوافقه مع أهداف الشريعة.

اما ما يخص مكانتها في الشريعة الإسلامية: فبعد أن تخبط المنظرون في علاقة الدين بالدولة، إنطلق الشيخ الصفار من دلالة الحديث النبوي الشريف ( صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي... الفقهاء والأمراء ) ليؤكد حقيقة ثابتة في الشريعة هي تكامل العلاقة بين الفقيه والسياسي ولايمكن بأي شكل من الأشكال الفصل بينهما في إدارة الدولة. ومن خلال هذا الترابط والتقارب بين الديني والمدني حاول الشيخ الصفار الإجابة على عدة أسئلة ومايتعلق منها بالمحور الأول هو:

هل للإسلام دولة وعلى أي مبدأ تقوم شرعية سلطتها ؟ فقبل إجابته على هذا السؤال عرض الشيخ الصفار مقدمة رأها ممهدة للجواب وهي:

إن منشأ ضرورة الدولة بحسبه أنها ضرورة فطرية وحضارية وحيوية. فالإجتماع البشري على مر العصور اكتشف بحكم العقل والفطرة ان الانسان بمفرده لايستطيع قضاء جميع احتياجاته بنفسه فتلك الضرورة دعته الى تكوين الأسرة والجماعات الصغيرة والإنضمام للقبيلة ومن ثم الى المجتمعات الكبيرة.

ويبدو أنه يريد القول بأن تكوين المجتماعات لايرتبط بنوع العقيدة والدين بقدر إرتباطه بالفطرة والعقل. وهذه ملاحظة مهمة تؤدي الى نتيجة في غاية الخطورة وإن لم يفد منها البعض حتى الشيخ نفسه فهو قد سخر جميع الأدلة النقلية والعقلية لأثبات التلازم  بين الديني والمدني  في نشوءالدولة الإسلامية. ولم يركز على تلك الفطرة الكامنة ليس عند الإنسان فحسب بل في جميع الموجودات كل بحسبه.

ومن هنا لابد من تحديد مفهوم الدولة في الإسلام: للدولة الإسلامية مفهوما خاصا تتميز به عن مفهومها في الفقه الدستوري المعاصر وسبب هذا التمايز يرجع الى طبيعة الشريعة الإسلامية ومبادئها والتحديدات التي تضعها للسلطات والأفراد فلايكفي وجود ماسبق من عناصر مختلفه بحسب الإتجاهات( الشعب والاقليم والسلطة)  وإنما لابد من توافر ركن أساسي وجوهري وهو الإيمان الذي هو كيان معنوي روحي متمثلا بتطبيق المبادىء الإسلامية في الدولة كلها ومن خلال إشراقات وفيوضات العقد الروحي( ياايها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) أو قل الكيان القانوني تقوم الدولة الإسلامية.

أما إذا إستقرينا النصوص التشريعية والتجارب الاسلامية يمكن رسم ملامح أو وضع عناصر تتعلق بمسألة السلطة أو الدولة  في الإسلام بعضها ثوابت عقلية  جاءت الشريعة لتقرها بذاتها أو تجري عليها تغييرا يتناسب مع الشرع الحنيف والبعض الآخر مستحدث من الشريعة بنص القرآن والسنة والأخير حصيلة تجارب سلطوية بلورت مفاهيم لاوجود لها قبل الاسلام أو في زمن الوحي. ويمكن تلخيص هذه العناصر بما يأتي:

1- بناء الامة هدف سامي ومركزي فوق السلطة.

2- أصالة النظام وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

3- إعتماد الورع والتقوى وتقديمه كموجه ورادع على القانون وحصر مجال عمل السلطة في حال عصيان الفرد على النظام العام.

4- كون السلطة ولاية ومشروعيتها نابعة من العلاقة التفاعلية بين صاحبها وموضوع العمل. قيام السلطة على اساس التعاقد ( البيعة ) والتي تتضمن حقوقا دستورية  كحق الرفض والعزل والمنافسة والمسائلة وهو محل خلاف نظريا وتطبيقيا. فمن أجل ذلك بادر الرسول الكريم (ص) الى تاسيس الحكومة وإقامة الدولة إستجابة لدواعي لفطرة  وبحكم العقل والشرع  وكذلك لما كان له  من الولاية لأن الإسلام دين الفطرة ومن خصائصه أنه دين ودولة أو عقيدة وشريعة طبقا لمصدريه القرآن الكريم والسنة النبوية. فقد أورد القرآن الكريم في شأن الدولة  والأحكام الدستورية والتشريعية مبادىء عامة كلية صالحة لكل زمان ومكان. وجاءت مبادرة الرسول تلك ضمن مرحلتين: المرحلة المكية والمرحلة المدنية.وتعد المرحلة المدنية هي النواة الاولى لحكومة الرسول (ص) الدينية والمدنية فقد تركزت جهود الرسول الأعظم (ص) في العمل السياسي التأسيسي بخطوات عدة أبرزها:

 

1-      اعلان دستور المدينة المنورة وهو عقد وميثاق ينظم العلاقة بن المسلمين واليهود وبقية القبائل الأخرى المتواجدة في المدينة ويعد هذا الدستورالمدني الإسلامي شاهد تاريخي على دولية الاسلام وعالميته وسنتعرض للكلام عن بنوده وتحليله في مناسبة اخرى ان شاءالله تعالى.

2-      بناءه لمسجد قباء وجعله مركزا لتجمع المسلمين ونشاطاته المختلفة الدينية منها والسياسية والإجتماعية والتربوية والإقتصادية والعسكرية.

3-      تجهيزه للجيوش والسرايا والبعثات العسكرية وإرسالها الى مختلف المناطق لغرض الدفاع عن بيضة الاسلام.

4-      مراسلة الملوك والأمراء ودعوتهم لسماع صوت الحق والسماء.

5-      بعث السفراء والمندوبين السياسيين الى الملوك والزعماء  وهو بداية العمل الدبلوماسي في الاسلام

6-      نصب القضاة وتعيين الولاة وتهيئة البرامج الادارية  والسياسية لهم.

بالإضافة الى توقيع الوثائق وعقد الأحلاف وقيامه بالعزل والنصب حسبما تقتضيه المصلحة الأسلامية. كل ذلك يؤكد بما لايقبل الشك بأن الرسول الاعظم (ص) لم يكن مبلغا ومرشدا وصاحب رسالة سماوية  فحسب بل كان قائدا وحاكما وزعيما دينيا وسياسيا بل رئيسا لاول دولة إسلامية تقوم على اسس دينية ومدنية ودستورية والنصوص القرآنية نفسها شاهدة على ذلك.

الى هنا  تعرفنا على  ماهية الدولة ومكانتها في الاسلام. ويبقى الجواب على السؤال التالي من اين لهذه الدولة الشرعية أو الحاكمية. حاول الشيخ الصفار: أن يوضح لنا حقيقة تشريعية  قرآنيةألا وهي ان ليس هناك من مقنن او مشرع سوى الله سبحانه اصالة ولاتوجد في النظام التوحيدي حجة او نفاذ لرأي شخص بحق شخص آخر ولاحق له في فرض آرائه على الفرد والمجتمع. ولابأس من التعرض لمفهوم الحاكمية فقد برز منذ منتصف الستينات على  مستوى الفكر السياسي العربي والاسلامي  فقد طرقه بعض المفكرين الاسلاميين وتلقفته بعض الحركات الاسلامية واتخذت منه محورا وهدفا لمواجهة واقع النظم السياسية القائمة  وواقع المجتمعات  المسلمة وكان محل اختلاف بين الفكرين الاسلامي والعربي المعاصر حول تحديد هذا المفهوم وتأصيله: فثمة إتجاه يرى أن هذا المفهوم إسلامي يعبر عنه جوهر النظرية السياسية الاسلامية، وإنه يجد جذوره في الاصول المنزلة والتراث الاسلامي، وهناك إتجاه آخر يرى أن المفهوم ليس مفهوما إصوليا وإنما ظهر عند إعتراض الخوارج على واقعة التحكيم التي فرضوها على  الإمام علي (ع) ليقعوا في فخ معاوية متناسين تحذير الإمام علي (ع)، ثم أعاد طرحه حديثا أبو الأعلى المودودي ضمن أجوائه في شبه القارة الهندية.

وعند ملاحظة موارد الحاكمية في اللغة والإصول فإنها جاءت على نوعين:

1-      الحاكمية التكوينية: وهي إرادة الله الكونية القدرية التي تتمثل في المشيئة العامة المحيطة بجميع الكائنات.

2-      الحاكمية التشريعية: تلك التي تتعلق بإرادة الله الدينية وتتمثل هذه الإرادة في تصور عقدي عن الخالق والمخلوق، والكون ونظرية الشريعة العامة حيث تكون العبادات جزءا منها بالإضافة الى النظرية الأخلاقية.

تأسيسا على نوعي الحاكمية يتضح ان الغاية الأساسية من وراء الخلق هو محض معرفة الله سبحانه وتعالى والتعبد له  إنظر سورة ( الذاريات: 56 ) وإتساع مضمون العبادة وشمول نطاقها ترك بصماته على إتساع شمول ونطاق ومضمون الحاكمية التشريعية فضلا عن وجود مقصدين آخرين لها في:

1-      الفصل في الخلاف بين الناس في الدنيا والآخرة.

2-      المنع من الفساد وتحقيق مصالح الناس في الدارين.

ومن هنا جاء تحديد الشيخ الصفار  لحق التشريع في إطار الأدلة الأربعة في الإسلام فتلك المصادر ماهي الا طرق ومناهج التوصل الى الحاكمية بنوعيها والتعرف عليهاومن ثم أوضح الشيخ الصفار نوع الولاية وحدودها من خلال عرضه الفقهي ورأي بأنها يجب أن تكون محدودة كولاية الولي بالنسبة الى الأيتام والقصّر والغيّب والأمور الحسبية لخلص الى انه يجب معرفة من له الولاية بالأصالة على العباد والبلاد والذي منه  تتفرع باقي الولايات  والسلطات  فهي عنده حق خالص لله وانما يتصدى غيره بإذنه تعالى لاقامة العدل والدين والمراد من الحكم  هو الحاكمية القانونية المنبعثة من ولاية الله الحققية الناشئة من خالقيته و مالكيته عز وجل لا الحاكمية التكوينية بمعنى التصرف في الكون والايجاد. ولايعني انحصار الامرة والحاكمية بالله عزوجل قيامه بأدارة البلاد وممارسة الامرة وفصل الخصومة فان ذلك غير معقول ولامحتمل، بل المراد أن من يمثل مقام الأمرة في الدولة والمجتمع  يجب ان يكون ماذونا من جانبه عز وجل وولايته مستمدة من ولايته سبحانه ومنبثقة منه لان ما بالعرض ينبغي ان يرجع الى ما بالذات.

ولايفهم من حصر الحاكمية بالله عزوجل هو نفس ماكان يردده الخوارج شعارا ضد مولانا امير المؤمنين عن شبهة حصلت لبعضهم أو عن عمد عند البعض الآخر حيث كانوا يقولون:

 ( لاحكم الا لله الحكم لله ياعلي لالك ) وكان غرضهم نفي اية حكومة في الأرض سواء من الله أو من الناس ولذا أجابهم قائلا: ( كلمة حق راد بها باطل، نعم إنه لاحكم الا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا أمرة الا لله ) وهذا أمر ممتنع لانهم أرادوا المباشرة لا الواسطة بان يكون عليهم أمير من جانب الله عز وجل.

فيظهر لنا من هذا القسم  بأن الدولة والحكومة عند الشيخ الصفار:

1-      ضرورة متنوعة  يتوقف عليها نظام الحياة وإن الشريعة الإسلامية عقيدة ودولة  وحاكميتها ناشئة من ولاية حقيقية واقعية وقد ثبت إنهااولا وبالذات ليست الا لله سبحانه.

2-      و لما تنزّه الباري عن الممارسة والمباشرة لتلك الحكومة كان لابد أن يتصدى  لها من ينصبه الله تعالى لذلك مباشرة أو بواسطة فردا أو جماعة.

المحور الثاني

معالم الدولة التي يبنيها الإسلام

بعد التعرف على مفهوم الدولة في الفكر الإسلامي ومنشأ حاكميتها في منظور سماحة الشيخ الصفار في موسوعته ( فقه الدولة) نحاول توضيح أبرز خصائص الدولة التي يعرضها الإسلام من خلال دستوره السماوي المنزل على قلب الرسول محمد (ص) الا وهو (القرآن الكريم) والتي تبناها الشيخ  في (فقه الدولة).

في البدأ علينا  توضيح حقيقة مهمة سبق وأن ذكرناها  وخلاصتها أن ليس هناك غياب تشريعي سياسي قرآني كما يرى البعض بحجة ( أن النص القرآني للمسلمين مدّونة تفصيلية من التشريعات تشمل مناحي حياة الإجتماع الإسلامي: من التجارة والبيوع والعقود، الى المواريث والحقوق إلى أحكام الأنكحة والطلاق والولاية على الأيتام والقاصرين، الى قواعد قسمة أموال الفتوح والغنائم، الى أحكام الحدود، الى المواثيق والعهود مع غير المسلمين....إلخ. ولكنه لم يقدم تشريعا خاصا للمسألة السياسية) فبعيدا عن التعليق على هذا النص والذي يؤكد الرؤية السياسية للقرآن و لاينفيها خاصة بعد الرجوع للمعنى اللغوي لمصطلح

( السياسة) فماذكره النص السابق تنظيمات،الغاية منها سياسة الرعية وتنظيمها وتحقيق مبدأ الإستخلاف الرباني في الأرض. فليس القرآن بصدد تقديم نظرية سلطوية إستبدادية حاكمة تحد من أفق ورؤية الأنسان وما ينسجم مع الزمكانية البشرية فالقرآن كتاب سماوي إنتقل بالبشرية من الضلالة الى الهدى  وقد تميز بصفة الخلود ومن أهم خصائص الخلود الأحكام الكلية التي عرضها القرآن أما التفاصيل فقد أحالها للسُنة النبوية وماأثر عن الأئمة المعصومين (ع) وكذلك للعقل  نفسه ومايستجد له من موضوعات خارجية بالإمكان إرجاعها للأحكام الكلية القرآنية فالقول بالفراغ التشريعي قول لايخلو من مبالغة إن كان المقصود فراغ الأحكام( ما فرطنا في الكتاب من شيء) أما الموضوعات  فتلك مرونة أرادها الله للتيسير على عباده وعدم الشق أو العنت عليهم.

فمما لاشك فيه إن الإسلام  من خلال إرتقاءه بالإنسان نحو الكمالات الروحية والمعنوية بل وحتى البناء المادي له فمن هذا شأنه محال أن يتركه دون نظام فالذي يدعو الى طهارة الإنسان بكل صنوفها لايخفى عليه حاجة الإنسان الى أسرة ومجتمع ودولة أونظام. من هنا حاول الشيخ أبراز عدة مسلمات تعد من الأركان الأساسية للدولة ومن خلالها تظهر معالمها الرئيسة فلايمكن للدولة أن تكون بدون أمة وهذه الأمة التي تخضع للدولة الإسلامية قد لاحظت فيها الشريعة أمور عدة هي:

(الإستقلالية والإنفتاح، الوسطية والشهادة، العدالة والقسط،والشورى). الحقيقة لقد أسهب الشيخ في حديثه عن الأمة في أصلها ومقوماتها وخصائصها مستوفيا جميع النظريات القانونية( الوضعية) منها أو الإسلامية ومن الجدير بالذكر إن مفهوم الأمة قد ورد في القرآن الكريم بمعاني  متعددة منها.  قال تعالى (  وما من دابة في الأرض ولا طائر  يطير بجناحيه الا أ ُمم  أمثالكم ) وهنا بمعنى النوع  وقال تعالى ( كان الناس أمة واحدة....) وهي هنا صنف من الناس  وعلى طريقة في الضلال أو الكفر وقوله تعالى: (  ولتكن  منكم أمة يدعون الى الخير...) وهي هنا جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح. أما - الأمة -  في اللغة فتعني الطريقة والدين. بناءا على هذا جاء مفهوم الأمة في القرآن بمعنى ( الطريقة  والدين والرياسة والقصد والهدف والجماعة والهداية )وصولاً الى معنى الإمامة. فبالرغم  من عدم  تناول الشخ الصفار المعنى اللغوي،لكنه بين بأنها  لاتخرج عن كونها جماعة من الناس يجمعها مقصد مبهم أو أعم،  أو قل بأنها الجماعة التي ربطت أنفسها بعضا ببعض بمصير واحد، فلهم علائق متبادلة، سواء كانت لهم لغة واحدة أو عدة لغات، أو دين واحد أو عدة أديان. ويتبين من ذلك إن للأمة معنيان (أخص- وأعم) والمراد منه عند الإمام الشيرازي المعنى الأعم وليس المعنى الأخص الوارد في القرآن ويبدو  أن مفهوم الأمة يتطلب وقفة تأمل فعند قراءتي لكتاب (فقه الدولة )وجدت من الأفضل وضع دراسة خاصة مقارنة عنه عند الشيخ وغيره من الكتاب الإسلاميين. فبقدر تعلق الأمر بمعالم الدولة المدنية الإسلامية في فقه الدولة للشيخ الصفار فأنه يرى خصائص معينة للأمة الإسلامية إكتسبتها من كتاب الله ومن خلالها تتكون قاعدة الدولة المدنية في الإسلام. ويمكن إيجازها بالتالي بحسب الشيخ الصفار:

1-      إن الأمة الإسلامية أمة مسؤولة لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بخلاف الأمم الأخرى فقد أفاد من الآية الشريفة ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن  المنكر وتؤمنون بالله ) ليدل على تحمل هذه الأمة أمانة الدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعضة الحسنة وكذلك فإن الأمة الإسلامية أمة وسطى وشاهدة على الأمم الأخرى ويمكن ملاحظة أسباب هذه الوسطية والشهادة من خلال إستقراء تاريخ الأمم والشعوب فيتبين أن الأمة الأسلامية نأت بنفسها عن الإفراط في الإعتقاد وجعلها قادرة على رؤية الحقائق بوضوح بعكس الأمتين اليهودية والنصرانية وغيرها. قال تعالى ( إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين).

2-      الأمة الإسلامية أم رسالية أنطلقت من نفس مبادىء وقيم الرسالات السماوية السابقة ودعت الى الإيمان بها فهي متصلة بها من جانب ومتميزة عنها بجانب آخر. إنها أمة متوحدة: قال تعالى ( إنما المؤمنون أخوة ) فالآية الشريفة تؤسس لآصرة العقيدة وهي الجامع المشترك بينهم والذي يدفعهم لأقامة عبادات وشعائر مشتركة في زمان ومكان واحد. بعد إيجاز مفهوم وخصائص الأمة الإسلامية عند الشيخ الصفار. نتابع الحديث عن بقية معالم الدولة المدنية الإسلامية ويبدو أن الفصل الرابع من كتابه فقه الدولة قد جمع أغلب هذه المعالم والذي كان بعنوان ( أهداف الدولة ) ويظهر من هذا العنوان أن الشيخ قد ركز على أن الهدف الأساسي والنهائي للإسلام هو إصلاح الإنسان فردا ومجتمعا  أما بناء دولة  أو سلطان فليس غاية في حد ذاته بقد ماهووسيلة لتوفير الظروف المناسبة لنمو الإنسان المسلم والمجتمع المسلم. ويؤكد إن الأهداف التي تتواخاها الدولة قسمين( وجودية) وهي التي تعد من ضرورات قيام الدولة و أهداف

( تنموية) هي وظيفتها تجاه المجتمع الذي تحكمه ويرى سماحة الشيخ إن الأدلة الأربعة  ( الكتاب والسُنة  والإجماع والعقل)  بل وفروعها كالسيرة وبناء العقلاء ومرتكزات المتشرعة قامت على أن تتوخى الدولة أهدافاً وقد حددها الشيخ بأربعة  هي:

1- إرساء النظام في المجتمع: لان به حماية حقوق الناس ومقاصد الشرع الحنيف.

2- حفظ العدل:وقد دل على وجوبه العقل لإستقلاله بحسن العدل وقبح الظلم، والشرع لأنه قوام الرعية وجمال الولاة فقد جاء في الكتاب العزيز ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وأكدت السُنة الشريفة المتواترة  على وجوب العدل، منها ما ورد عن الإمام الصادق (ع) حيث قال: قال أمير المؤمنين (ع) لعمر بن الخطاب: ثلاث إن حفظتهن وعملت بهن كفتك ما سواهن، وإن تركتهن لم ينفعك شيء سواهن. قال  وما هي يا أبا الحسن ؟ قال(ع): إقامة الحدود على القريب والبعيد والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود. قال عمر: (لعمري لقد أوجزت وأبلغت) توفير الرفاه للجميع ويعدها الشيخ غاية عقلائية على الدول أن تتوخاها كونها حامية ومتصرفة بمقدرات الناس.

2- التقدم بالمجتمع الى الإمام: ويعده الشيخ مقتضى الإرتكاز العقلائي في هدفية العقلاء في الأمور وورد في الروايات الشريفة ( من لم يعرف زيادة في نفسه فهو في نقصان) يفهم من ذلك إن الشيخ يرى إن النتيجة الطبيعية لضرورة الدولة وتوافقها مع الفطرة  أنها وسيلة لتوفير الظروف الملائمة لنمو المسلمين وهي بمقدار ما تكون معبرة عن الكتاب والسُنة والإجماع، بمقدار ما تكون قادرة على خلق الأجواء السليمة لنمو الإنسان المسلم والدولة التي أقامها الرسول في المدينة والتي كانت تعبيرا عن إرادة الأمة فيما إلتزمت به هذه من أوامر  ونواه وتكاليف كانت تعبر عن حقيقة التنوع البشري والسياسي الذي كان يعيش في المدينة آنذاك. الدولة المدنية الإسلامية بحسب الشيخ الصفار من شأنها أن تساعد على إيجاد الظروف الملائمة لإنطلاق الإسلام في الواقع ونحو العالم وليس من مهامها ووظائفها أن تددخل في إسلوب الدعوة الى الله أو في طريقة  تبليغ الأحكام الشرعية وغيرها مما هو من وظيفة المجتمع  الإسلامي. فهو يحتفظ لنفسه دائما بالطريقة والإسلوب فيما يريد إبلاغه وتأديته. ومن هنا ينتفي كما يبدو لي الربط بين قداسة الرسالة السماوية وتكوين الدولة فإن ربطا كهذا يجعل من الدولة هدفا بحد ذاته وبديلا لكل شيء في حياة المسلم، وفي التاريخ الإسلامي شواهد كثيرة لمسألة تقديس الدولة برغم عدم وجود نصوص قرآنية مباشرة بشأن الدولة. لكن للدولة شخصية حقوقية قد أقرها العقل والمنطق والدين بدلالة قوله تعالى( ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) فتحقيق المصالح للأمة ودفع الضرر والمفسدة تعد قاعدة رئيسة تبتني عليها معالم الدولة المرجوة في الإسلام ومن هنا كانت إنطلاقة الإمام الحسين (ع) في ثورة الطف الخالدة (وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) إذن الإسلام يريد من الدولة أن تكون مراعية لموازين الحكمة فتعمل بالحسن في كل الشؤون وتتجنب القبيح فيوجب عملها الحفاظ على مقاصد الشرع. وأن تتجه الدولة في هدفها لصالح المواطن من خلال تأمين مستلزمات الحياة المادية والنفسية بل وحتى الكمالية وحفظ حقوقه بعدم تعدي الآخرين عليه ففي منظور  العلامة  الشيخ الصفار  إن دراسة معالم الدولة المدنية الإسلامية خصوصا من القرأن بمثابة مفتاح لجميع المباحث التي تطرح على بساط البحث وتحت عنوان( الفقه السياسي) وخاصة في حقل السياسة والحكومة في المنظورالأسلامي فعند بحث هذه المعالم تتجلى لنا الحقائق الأصيلة بنص القرآن الكريم ليتسنى تطبيقها على أرض الواقع في حكومة مدنية إسلامية دستورية. فمن جملة هذه الحقائق والمعالم  للدولة  المدنيةالإسلامية والتي يمكن إستنتاجها من كتابه( فقه الدولة).

1- الخلافة الإلهية. ففي المنظور القرآني الإنسان خليفة الله  في الأرض والمتكفل بإقامة حكم الله ووارث الأرض والحكومة فيها. وفي ضوء ذلك فهو مكلف بإكتساب الصفات والشروط اللازمة لإحراز هذه المسؤولية الكبرى عن طريق إستثمار جميع طاقاته المادية والمعنوية التي وهبها له الباري.

قال تعالى:( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وقال ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما إستخلف الذين من قبلهم) فيرى الشيخ  إن الإنسان بمقتضى الآيات الشريفة إستحق أن تسجد له الملائكة إكراما وتعظيما إستجابة لأمر الله ويستفاد من هذا الإستخلاف في الأرض الأستخلاف التكويني كون الأنسان يمثل الله في اسمائه وصفاته الحسنى وهو حاكيا لقدرة الله في وجوده وعمله. والخلافة في الحكم فهو  يخلف الله في الحكم والأمور الإجتماعية الراجعة  الى القيادة والسلطنة والحاكمية.

2- الأمة الواحدة:  يرى الله تعالى من خلال كتابه الكريم الناس على مابينهم من اختلاف في الميول والنزعات ماهي الا مجموعة منسجمة ومتحدة في الإتجاه وقد بين القرآن الكيفية الاولى للمجتمع البشري وشكل النظام المتناسق الشمولي في عمله وأهدافه وهو الشكل المعقول الذي ينبغي على الإنسان تحقيقه في مستقبل الزمان قال تعالى: ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين).

وقال: ( وما كان الناس إلا أمة واحدة فأختلفوا) وقد أرتأينا أن نفرد بحثا مستقلا عن مفهوم الأمة عند الشيخ في فقه الدولة فلا نطيل.

3- مفهوم الإمامة القيادية:

 إن النظام التوحيدي المتجسد في عالم الوجود بحكمة الله وقدرته يقتضي الهداية اليه من خلال الأنبياء والمرسلين من قبل الله تعالى وهي قاعدة عقلية والصفة المعقدة في خلق الأنسان تجعل من إمامته وقيادته لاتتأتى الا من قبل اللطف والخيار الألهي وهكذا فأن النخبة التي إصطفاها الله تعالى تقود الإنسان نحو السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. قال تعالى ( وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا ) وقال تعالى ( ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ) فقد كان للإمامة ثقافة خاصة في ثنايا( فقه الدولة) خصوصا إذا عرفنا ان القرآن ينص على نوعين من الإمامة إمامة الصالحين والمتقين وقد تكفل بها الأنبياء والأوصياء وإمامة الكفر التي يدعوا اليها الطواغيت  قال تعالى: ( يوم ندعو كل إناس بإمامهم ) فكان لزاما من التصدي لإقامة دولة العدل. قدبحث الشيخ ذلك في عدة أمور منها ( منشأ حاكمية الدولة وقد سلطنا الضوء على مفهوم الحاكمية في المحور الاول، ووجوب إقامة الدولة المدنية الإسلامية وجوبا عينيا ضروريا من خلال التأسي بسيرة المعصوم وكيف استطاع النبي (ص) والإمام علي (ع) من تأسيس دولة العدل وإرساء نظام الحكم في المدينة والكوفة، وكذلك النصوص الخاصة في التعيين. ووقوف الأئمة(ع) ضد الجور وإسقاط دول الظالمين وشرعيتها، فأن الدولة العادلة التي يرتضيها الإسلام شاملة لقوانين الحكم بالدلالة العقلية الإلتزامية فقد سن الشرع الحنيف قوانين عديدة كقوانين الحرب والسلم وقوانين المال والإقتصاد والقصاص وقوانين العبادات وتنفيذ تلك القوانين يتطلب وجود دولة لصيانة التشريع والنظام. فضلا عن اللابدية العقلية من إقامة دولة العدل وتكمن براعة الشيخ في بحث القيادة والإمامة عندما بحث مفهوم الولاية وأقسامها وانواعها منطلقا من كتاب الله والسُنة وبناء العقلاء والعقل والحكمة. مفهوم الحرية: يرى الشيخ من خلال القرآن الكريم بأن الله عز وجل قد منح الإنسان الحرية في مقابل ماوفره له من هداية وحكمة تمثلت بلطفه الألهي ( بعثة الأنبياء والرسل والكتب السماوية) انظر قوله تعالى ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) تجد إن الله تعالى ترك حرية الإختيار للأنسان وفي ذات الوقت جعله مكلفا ومسؤولا عن مستقبله ولابد من الجمع بين سيادة الدولة والحريات العامة وذلك عن طريق كون قوانين الدولة اسلامية ورئيسها مرضيا ومقبولا ومطابقا للشروط الآلهية ومنتخبا من الأكثرية وجعل مجالس الأمة ( البرلمان) كقوة تشريعية نافذة وفي دائرة الاسلام والقوة التنفيذية من الحرية الإسلامية وكلاهما يراعيان الدستور الإلهي بمقتضى عقد الوكالة المبرم بين الناخبين وأعضاء المجلس عن طريق صناديق الإقتراع. حقوق الإنسان: وهي من جملة معالم الدولة المدنية الإسلامية والتي أكد عليها القرآن الكريم في عدد من آياته كقوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم) وقوله تعالى ( كل نفس بما كسبت رهينة) وقد رأى الشيخ إن قيام التكتلات والمؤسسات الحقوقية طريقة مثلى لضمان تلك الحقوق. فالانسان هو الأصل في تشريعات الدولة وحقوقه هي مستقى القانون  وهو حقيقي في الإسلام ونسبي في الدول الديمقراطية اما الدول الديكتاتورية فمستقى القانون هو الطاغية والمستبد التجربة السياسية وعقل الإنسان: وهما قاعدتان رئيستان أكد عليهما القرآن الكريم وخاصة عند التفكر والعمل وجميع نشاطات الإنسان على مستوى الفرد والمجتمع والنخب السياسية والحكومة وتلمس ذلك في الآيات التي تؤكد على التعقل، كقوله تعالى ( افلا تعقلون) وقوله تعالى ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وهذا له علاقة بضرورة قيام الدولة في الحياة البشرية. وقد قدم القرآن الكريم نماذج لدول العدل ودول الجور الشورى: يحدد القرآن احدى صفات المجتمع المتحرك والمؤمن بالعمل على أساس التشاور وتبادل الآراء واتخاذ القرار المشترك وقد حدد الشيخ في ( فقه الدولة ) ثلاث صيغ بحسب الإستقراء الخارجي:وهي ( مشاركة الناس في الشورى مباشرة وخصوصا بما يتعلق بشؤون الحكم ويراه الشيخ من أفضل أنواع المشورة، اختيار الناس لجماعة من الخبراء واهل الحل والعقد يرجع اليهم في الأمور نفسها.، إرجاع المشورة الى مجلس الشورى الذي تنتخبه الأمة. وقدم الشيخ بحثا مفصلا حول حقيقة الشورى وأدلتها وصيغتها ومتعلقاتها. من خلال شرح مفاهيم آيا ت الشورى (وأمرهم شورى بينهم) وقوله تعالى ( وشاورهم في الأمر) المسؤولية التضامنية المشتركة: وهي عند الشيخ الصفار، المؤسسات الإجتماعية المتضمنة القوى الإجتماعية المختلفة ومن أهم صور عملها العمل المؤسسي القائم على نظام الفرق والجماعات والهيئات والتي تكون غالبا تحت عنوان مشترك وقد أثبت العمل المؤسسي جدارته في قيادة المجتمعات نحو الرقي والتقدم وتعد دول المؤسسات من أرقى الدول في الديمقراطية والحكم. ويمكن فهم العمل الجماعي والمؤسسي من بعض آي الذكر الحكيم فقد قال تعالى:  (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وقوله تعالى: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله).

10- مواجهة الظلم:وهنا يوجب الشيخ على المسلمين مقاومة الظالمين والجائرين من الحكومات الإسلامية وغير الإسلامية لان الظلم عمل قبيح عقلا وحرام شرعا ويجب ردعه مهما أمكن وقد أفاد من قوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) وقد صنف الشيخ هذه المقاومة إلى صنفين (ايجابية )من خلال دخول المقاوم في الحكم لإجل الإحسان الى المسلمين والحد من نشاط الجائرين بإذن الإمام المعصوم زمن حضوره كما هو الحال مع علي بن يقطين وزير الخليفة العباسي ,وغيره وتحت رعاية واشراف واذن الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة (وسلبية )ان كانت الظروف تتطلب ذلك وقد دلت عليه الأدلة الأربعة والسيرة العقلائية والمتشرعة وسيرة المعصومين(ع).

11-     تحقيق العدل وبسطه: لقد أعتبر الشيخ هذا الأمر ليس من معالم الدولة المدنية الإسلامية فحسب بل من أهدافها وغايتها وقد صرح القرآن بذلك قائلا ً ( ان الله يأمر بالعدل ) وغيرها من الآيات الكريمة وكذلك  ماتوخاه الإنبياء من بعثاتهم فضلا عن انها من صفات الله تعالى ومن خصائص عالم الخلقة وفضلى صفات الإنسان.

12-     المساواة بين الرعية: وهي عند الشيخ من أهم صفات الأ مة الإسلامية وقد صرح القرآن الكريم بأن الناس خلقوا من أب واحد وام واحدة وهم متساوون في الخلق وأما التباين الصوري فهو في الخارج وخارج سمة الكرامة البشرية المشتركة وقد جعلها الشيخ نتيجة للأخوة الأسلامية حيث يقول سبحانه ( انما المؤمنون اخوة) فمجموع كثير من الآيات الشريفة تخلص الى أن العدل والمساواة هي رسالة الدولة المدنية الإسلامية.

13-     إعلاء الحق:  يقول الشيخ:  (يجب على الدولة الإسلامية العمل من أجل إنقاذ المظلومين وخصوصا المسلمين الواقعين تحت الظلم والإستضعاف) وذلك بدلالة الأدلة الأربعة. ( الكتاب والسنة والإجماع، والعقل).

14-     رفض الإستكبار: وذلك من خلال أمرين: داخلي وخارجي: أما الداخلي فيأتي بتوفير وسائل النهوض وردع الظلم والقهر من خلال التنظيمات السياسية الهادفة والمستقيمة والتنظيمات الإقتصادية لحفظ كرامة الإنسان والتنظيمات الثقافية الشاملة لمسائل الدين والدنيا لتحقيق السعادة في الدارين. والتنظيمات الإجتماعية والتي هي بمثابة مصدر قوة للفرد والمجتمع كما في النصوص والأخبار والتنظيم الجهادي فإن الخير كل الخير تحت ظلال السيوف. اما الخارجي فهو بتوفير الدعم المادي والمعنوي للأمة الإسلامية اينما وجدت كي لاتكون أمة مستضعفة وهذا يتطلب وسائل متعددة.

15-     إنتخاب الحكومة: تقلد زمام الأمور في  المجتمع البشري حق الهي مصدره الربوبية  والهداية كما تقدم ولايحق لأحد أن يحكم الناس الا الله او من يفوضه الله تعالى  لهذا الحق.  قال تعالى

( ان الحكم الا لله ) وقال ( ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها) لكن وبحسب قول أمير المؤمنين (ع) ( لابد للناس من أمير ) يجب أن يكون للناس حكومة وقيادة منتخبة من قبلهم وفق الموازين الشرعية والدستورية.

16-     رفض الإستبداد والتسلط الأجنبي: وهو مايراه في وجوب السعي لعلو الإسلام ونفي سبيل الكافرين وهو مقتضى قاعدتي العلو ونفي السبيل للعقدين الإيجابي والسلبي وعند الشبخ ذلك نتيجة لعدة أمور سبق ذكرها منها الأخوة الإسلامية والحرية والسلام والجهاد والرقي والتقدم والتعاون ورفع الظلم عن المستضعفين وغيرها قال تعالى ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا). وبدونه ينشأ الفساد السياسي الذي يمهد لتدخلات الأجنبي وللقضاء عليه لابد من وضع الخطط وتهيئة الأجواء لذلك.

17-     الملك لله وحده: وتلك قاعدة يرسخها الشيخ من خلال عدم خروج الإنسان منها فأمر تكوينه وتنميته وتربيته وهدايته كلها بيد الله تعالى كما إن نظامه وقانونه وكيفية تكامله وتعامله مع الأشياء وتعيين وظائفه وأدواره كلها بيد الله تعالى وفي قبالة ذلك الإنسان عاجز وغير قادر عن أن يحيط بالأشياء ولطائف وجودها ومصالح نفسه في النشأتين وفي النتيجة خضوع الإنسان لله وللشريعة والملك الظاهري ماهو الا تخويل وإستخلاف من قبله عز وجل لغرض إعمار الأرض بشروط خاصة وقد جاءت آيات عديدة تؤكد ذلك المعنى كقوله تعالى ( إن الحكم الا لله ) ولايتم ذلك الا بواسطة الرسل او الائمة(ع) او من يأذن له الإمام أو بواسطة تراضي الأمة عن طريق الشورى الشعبية والإنتخاب.

18-     تحقيق الأمن والسلام: يرى الشيخ إن  من معالم الدولة المدنية الإسلامية  رفاهية الناس وحسن التدبير والتنظيم الإداري وتوخي أهداف الإنسان وحماية المستضعفين  وإقامة المؤسسات الحقوقية والذي يؤدي بدوره الى تحقيق الأمن والإستقرار قال تعالى: (ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) وقال: ( فلا عدوان الا على الظالمين.

19-     الإلتزام بالعهود والمواثيق:  وقد جاء هذا الإلتزام كمؤشر على صدق الأيمان وكعلامة على التقوى وقد أورد الشيخ  هذا الإلتزام ضمن مستثنيات الإباحة الأصلية فقد أوجب على المسلمين إحترام معاهداتهم مع الكفار وغيرهم لأن  أدلة الوفاء بالعهد واردة على كل شيء حلال وكل شيء مطلق وغيرها من الأدلة. قال تعالى: ( وأوفوا بالعقود ) وقال: ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) نستطيع القول إن هذه من أهم المعالم التي جاء بها الإسلام من أجل بناء دولة مدنية عقدية تتوافق مع الفطرة وتقيم حكم الله في الأرض وقد جاءت هذه المعالم الإسلامية  للدولة المدنيةبشكل مفصل في كتاب (فقه الدولة) للشيخ العلامة فاضل الصفار  إستاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة وإستاذ الفقه والأصول في جامعة أهل البيت (ع).

المحور الثالث

المصادر المعرفية لمفهوم الدولة

الباحث في جهد الشيخ الصفار يجد أنه إعتمد الآليات العلمية المشروعة وهو المعبّر عنه في إصطلاح الأصوليين بالأدلة الشرعية الأصلية منها والفرعية ومنها:

الكتاب: (القرآن الكريم ) وهو كتاب الله عزوجل،الذي أنزله على نبيه محمد (ص) ألفاظا ومعاني وأسلوب، وأعتبره قرآنا دون أن يكون للنبي (ص) دخل في إنتقاء معانيه أو صياغته.

فنجده  أنه إعتمد على الكتاب العزيز حتى عد من أهم المصادر المعرفية التي أستند اليه في تقرير كثير من المسائل السياسية والدستورية. ويبدو أنه إستطاع ان يكشف عن مدلول النص القرآني بما يتناسب مع المنتج المعرفي والفقهي  تفسيرأ وتأويلاً ولايخرج عن سياق الآيات إلا للضرورة القصوى وذلك عندما يجد مستندا روائيا. يعمم أو يطلق أو يخصص. خصوصا إن للشيخ ممارسة  في البحث الخارج مكنته من البحث الفقهي والأصولي  والكلامي وفق المنهج الإمامي المعروف وكذلك في محاضراته في الفقه وأصوله في جامعة أهل البيت (ع) مؤسسا حالة جدلية بين النص والواقع لتكون دائما منتجة لصيغ معرفية وفكرية ونظرية  جديدة تدفع بالفقه السياسي والدستوري (فقه الدولة ) متوافقة مع غايات الإسلام الأساسية مؤسسا حالة جدلية بين النص والواقع لتكون دائما منتجة لصيغ معرفية وفكرية ونظرية  جديدة تدفع بالفقه السياسي والدستوري (فقه الدولة ) متوافقة مع غايات الإسلام الأساسية. فمنذ البداية نراه يستنطق الآيات المباركة لغرض بيان معنى مصطلح ( الدولة ) في القرآن من خلال قوله تعالى ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) وهنا يقول الشيخ بأن هذا الإستعمال القرآني لمصطلح الدولة ليس تأسيساً جديدا حتى يحمل على الحقيقة الشرعية بل يقر حمل المصطلح على مراده اللغوي   لكن يبقى مفهوم الدولة في القرآن  من الإجمال مايحتاج الى تفصيل وبيان تكفلت به بقية الأدلة الشرعية. وينتقل الشيخ الى إثبات ضرورة الدولة  للبشرية مستندا الى كثير من الآيات البينات وهو بذلك يعطي للأدلة النقلية وظيفتها في إثبات فكرة الدولة في القرآن وبيان الأحكام الفقهية المتعلقة بالدولة.

لقد توصل الشيخ عبر إستدلاله الى حقيقة سبق الإشارة اليها وهي ضرورة الدولة  من خلال ضرورة الإجتماع الإنساني وأنه لايمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الفرد منعزلا ومنفردا وهذا الإستدلال لم يكن مستنده الآيات القرآنية  مباشرة بل نقل  استدلال استاذه السيد الشيرازي. في حين انه قد ورد في كتاب الله بعض الآيات التي يفهم منها ضرورة الدولة والإجتماع البشري. كقوله تعالى (إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله.

 أتقاكم ) وغيرها  فضلا عن الخصيصة التي تميز بها الخطاب القرآني وهي الخطاب الشمولي مما يعني أنه  يحاكي البشر  بما هم في إجتماع لامتفرقين  كما في  ( ياايها الناس ) و ( ياايها الذين آمنوا ).

انه من المؤسف حقا قول البعض بأن الرسول محمد (ص) لم ينشأ دولة بل أقتصر دوره على الهداية والارشاد. لقد بين الشيخ في ثنايا  كتاب فقه الدولة هشاشة هذا الرأي. وعدّ  دولة الرسول من المسلمات وانها مرت بعدة مراحل. كانت أولاها ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) لتهيئة الاجواء المناسبة والكوادر المؤمنة  إذن يمكن تصنيف المصادر المعرفية في كتاب فقه الدولة والتي إستسقى منها الشيخ متبنياته ومستنداته  إلى صنفين:

1- الأدلة النقلية.

2- الأدلة العقلية.

ونعني بالأدلة النقلية هي الكتاب والسنة وقد تعاضدا في مجمل مباني الشيخ  وبما أن السُنة شارحة لما ورد من إجمال في كتاب الله العزيز نجد كم هائل من الروايات التي حاول من خلالها الشيخ تقرير جملة من المسائل المتعلقة بالسلطة والحكم والدولة والذي يتابع كتابات الشيخ فيما يخص الدولة وشؤونها وأمر السلطة والحكم يجد إنه بصدد أنموذجين مهمين في عمر الدولة الإسلامية ونموذج  آخر وإن قلت فترته الزمنية لكنه إمتداد لهما.

الأنموذج الأول: هو دولة الرسول الكريم محمد (ص) التي أسسها قبيل هجرته من مكة إلى المدينة المنورة.

والأنموذج الثاني: دولة  الإمام علي (ع) إبان خلافته وتسنمه مقاليد الحكومة الإسلامية برغم الظروف الغير طبيعية التي رافقت  قيادته لكنها بحق تعد مثالا حيا  لحكومة العدل فكلا الدولتين طبقتا تعاليم الإسلام والنهج القرآني. هذا من جهة ومن جهة إخرى فإن النصوص القرآنية التي إعتمدها الشيخ فإنها غالبا ما تمثل أفكار مدرسة أهل البيت (ع) فيما يخص فقه الدولة ولا يخفى على الجميع الإقصاء القسري الذي تعرضت له هذه المدرسة خصوصا فيما يتعلق بمسائل الدولة والسلطان فضلا عن إقتناعها بمسألة عدم شرعية أي دولة في عهد الغيبة ما لم تكن مأذونة من قبل الإمام المعصوم (ع) فجاء بحثه موفقا من حيث مقارنته مع مدرسة الجمهور.

فيما يخص جهده في الإستدلال بكتاب الله العزيز فإنه حاول أن لايدخر وسعا في ذلك خاصة إذا علمنا إن هناك عدة مراحل بحثية لدى الفقيه لغرض الوصول إلى الحكم الشرعي  وقد إلتزم بها الشيخ. فضلا عن أهمية الرجوع إلى القرآن الكريم في مسائل تعد من الخلافيات. فقد انطلق الشيخ من القرآن الكريم ليؤكد النظرية السياسة في القرآن والتي حاول البعض التشكيك بها أو نفيها. هناك كثير من المصاديق التي يمكن الإستشهاد بها على كيفية توظيف النص القرآني في ثنايا كتاب فقه الدولة لكنا سنكتفي بمثالين الأول في جزءه الأول والثاني في جزئه الثاني

المثال الأول: في منشأ حاكمية الدولة.

فبعد أن وصل الشيخ إلى نتيجة مهمة مؤداها العمل على قيام الدولة الشرعية في  المجتمع البشري أو ما يسمى بالدولة المدنية خلاف مايعتقده البعض من دعوة الإسلام على الدولة الدينية والقول بالدولة المدنية يعني تمتع المجتمع بالسلطات ( التشريعية والتنفيذية والقضائية)  وفق أصول الإسلام المعروفة ويبدو م كلامه أنه مع إستقلال هذه السلطات. بيد إن هذا الأمر يدعو إلى الحديث عن الحاكمية ومنشئها وهنا التجأ الشيخ إلى القرآن الكريم لتحديد منشأ هذه الحاكمية. فما بين الدفتين آيات تؤكد أن لا ولاية لأحد على أحد وإنها تنحصر في الله عز وجل: قال تعالى ( هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا) وقال عز من قائل (إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون) يستنتج الشيخ  من خلال هذين النصين الكريمين بأن الحاكمية  محصورة به عز وجل أصالة وجذراً وعلة وهي التي يطلق عليها ( الولاية ) ويستثنى من ذلك صاحب الإذن ممن له الولاية الحقيقية، وإلا كانت  حاكميته وولايته  جور وعدوان.

جاء إستدلال الشيخ بالآيات القرآنية لإثبات دور الشورى في الحكومة وأدق ما استدل به في هذا السياق هما الآيتان التاليتان: ( وأمرهم شورى بينهم...) و قوله تعالى ( وشاورهم في الأمر...) فبعد بيان مفهوم الشورى لغة وإصطلاحا أكد أن صلاحية الشورى يجب أن تكون في الموضوعات لا في الأحكام. وأوضح الإحتمالات التي يمكن أن تتصور من الآيتان الشريفتان وهي:

1-      شأن النبوة ومقاماتها التكوينية والتشريعية. 2-  شأ ن الحكم والتكاليف الشرعية المنصوصة. 3-  شأن النبي (ص) في تصرفاته 4- شأن الناس في أمورهم الخاصة.5-  شأن الناس في أمورهم العامة. ليصل الى عدة نتائج  وهي: الوجوب من خلال صيغة الأمر ومادتها والقرائن الموجودة في الايتان الشريفتان وهي مايخص أفعال الناس وأهما الحكم والسلطة وينبه الشيخ الى  الوقوع في المحذور إن لم يكن ظاهر النص الوجوب وهو لغوية فعل الرسول (ص) وهذا ممتنع أصلا.

 وقد قرب استدلاله بآية سورة آل عمران عن طريق  ورود الجملة الخبرية  بقصد الانشاء لتؤكد إفادتها الوجوب وفق ما حققه جمع من الاصوليين. وقد جعل من السياق القرآني معضدا ً لها حيث وردت صفة الشوري ضمن مجموعة صفات أخرى للمؤمنين الواجبة من قبيل اجتناب الكبائر والاستجابة لله سبحانه. لقد تجلى للشيخ من خلال إستدلاله القرآني عدة ظهورات قد بينها وهي( الشورى في أمور المسلمين بدلالة " أمرهم "، أجواء الآيات مشعرة بالحديث عن الشورى بين المؤمنين وهي تشمل الرئيس والمرؤوس. مع التفريق بين الآيتين بأن الأولى جاءت للحديث عن لزوم إتباع نهج الشورى مخاطبة الحاكم أما الثانية فجاءت تلزم الأمة المشاركة في هذه الشورى.

ويمكن تفصيل التوظيف القرآني لأبراز دور الشورى في عدة أنحاء إكتفى الشيخ بذكر منحيين منهما وترك المنحى الثالث وهو مايخص الجانب الفقهي المتعلق بفصال الرضيع فقد قال الفقهاء ( الفصال منوط برضى الأبوين وتشاورهما بما يصلح حال الطفل ) استنادا للآية الكريمة ( والوالدات يرضعن أولادهن.حولين..........فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما....) ويبدو أنه لاصلة له بالجانب السياسي لفقه الدولة سوى تقرير مبدأ الشورى في الأمور المهمة  لكن الأنسب ذكر جميع موراد الشورى في القرآن إضافة لآيات سورة الشورى وسورة أل عمران فيكون  هناك ثلاث موارد للشورى في القرآن يمكن تصنيفها الى الجانب السياسي المتعلق بالدولة والجانب الأخلاقي المتعلق بشؤون الناس فيما بينهم  والجانب الأسري المتعلق بمسألة فصال الطفل. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء  29/تموز/2008 - 25/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م