الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة وطموحهم في التعليم والإندماج في المجتمع

مرتضى توفيق/ كربلاء

شبكة النبأ: ان عمر الطفولة هو من أجمل المراحل التي يمر بها الإنسان، حيث يعبّر ويبرز ما يكمنه في داخله من مواهب وطاقات، ومن منا لا يرى معاقا ولا يردد كلمة (كان الله بعون أهله)، أو كلمة (مسكين ما يستاهل)، او (سبحان الله)... وتجد هناك تعبيرات وإشارات كلها تنطق بما نشعره تجاه هذه الفئة التي حرمت شيئا ربما يبدو للعديد منا عادياً.. وقد يكون بالفعل شيئا عاديا ولكن لا نعرف قيمته حتى نفقده، فهل فكرنا يوماً في نفسية هذا الطفل المعاق.

وهل نظراتنا أو كلماتنا وإشاراتنا تترك أثراً سلبياً على نفسيته، وهل شفقتنا لصالحه، أم تدمره وتؤثر على معنوياته؟... كيف نتعامل معه؟ وما هو دور الأسرة والمجتمع في هذا الأمر؟ وهل الأسر عندنا تعد وجود معاق فيها مشكلة وعائقا أمامها؟ الأسئلة عديدة وكثيرة، ومن خلال هذا التحقيق نحاول ان نجيب عليها:

(الحمد لله على أي حال)، كان هذا كلام ام حسين، ام لطفلين معاقين الأول بعمر ( 16 ) عاما وعندما تشاهده تضنه لا يتجاوز ثمان سنوات والثاني بعمر ( 12)عاما اللذان يعانيان من شلل رباعي منذ الصغر، وحدثتنا ام حسين عن أسباب عوقهما وما مدى المعاناة التي تعيشها بسبهم فقالت: بعد ان تجاوزت أعمارهم السنة الخامسة بدأت أعراض المرض تظهرعليهم حيث عانوا أولا من صعوبة في المشي وراجعت الأطباء لمعرفة حالتهم فاخبروني ان عندهم ضعف في العظام وأعطوهم العلاج إلا ان حالتهم أخذت بالتراجع، اذ أخذت أيديهم أيضا يتكون فيها انحناء واعوجاج وبعد المراجعات الكثيرة والطويلة داخل المحافظة وخارجها، كانت النتيجة أنهما مصابين بغدّة على الحبل الشوكي مما يتطلب عملية جراحية خارج القطر، وأضافت ام حسين.. ان الظرف المادي حال دون ذلك.

اما عن حالتهما وكيفية العناية بهما.. فقالت بحسرة كبيرة ودموع كشفت لنا عمق ألمها.. أنها تعاني عناءا كبيرا ولاسيما بعد ان كبروا حيث أصبح من الصعب حملهما ونقلهم من مكان إلى أخر وتوفير اغلب احتياجاتهم. وطالبت أم حسين الحكومة والجهات الخيرية ان تساعد أبناءها في علاجهما خارج القطر.

أما الطفل المعاق حسن، قال لنا وبصعوبة كبيرة في النطق ان مطلبه الوحيد ان يمشي ويلعب كباقي الأطفال.. حيث أضافت أمه أنها تجلسه على كرسي معاقين امام البيت في الصباح والمساء وتقوم بمراقبته.. وتشير إلى أنها تتمنى لجميع الأطفال السلامة والصحة الا أنها تشعر بأسى كبير عندما تنظر إلى أطفالها لا يستطيعون ان يشاركوا الأطفال في اللعب او الذهاب الى المدرسة.

فيما قالت ام زهراء ان طفلتها زهراء لم تكن معاقة منذ ولادتها ولم تكن مريضة حتى ان ولادتها كانت طبيعية في مستشفى النسائية والتوليد، ولكن بعد مدة من ولادتها بدأت حالتها الصحية بالتراجع رغم مراجعة الأطباء المتخصصين بأمراض الأطفال في المحافظة لدرجة إن الطفلة فقدت الوعي لمدة تزيد عن أسبوعين وتمت المحافظة على حياتها بفعل المغذيات طبعا، وفي هذه الحالة أجرى الأطباء الكثير من التجارب والتحليلات الطبية حيث قاموا بإبدال دمها كلياً كونها أصيبت بجرثومة في الدم.

وأضافت ام زهراء ان عملية استبدال الدم هذه لم تكن بالشيء الهين في عام 2000 كون ذلك يحتاج إلى أجهزة طبية متطورة لم تكن متوفرة آنذاك أو ربما كانت عاطلة لذا تم استبدال الدم بواسطة نيدل كبير بطريقة بدائية جدا. وقالت ام زهراء والدمعة لم تفارق عينيها إن الأطباء ذكروا إن سبب إصابة الطفلة بهذا المرض ناجم عن تقبيل شخص مصاب بالزكام في الأسبوع الأول للولادة وقد ذكرت إن الممرضة التي كانت متواجدة في ساعة الولادة كانت مصابة بالزكام .

فزهراء ألان و التي دخلت عامها الثامن تعاني حاليا من صعوبة النطق والمشي إضافة إلى عدم تمكنها من مسك الأشياء بسهولة الأمر الذي حال دون تسجيلها في المدرسة، إلا إنها ذكية جدا وتعي واقعها المرير لدرجة إنها تخجل في بعض الحالات، فتضيف ام زهراء ان تعاملنا معها يكون بحذر شديد حتى نشعرها بأنها هي المفضلة لدينا لتفادي إزعاجها كونها سرعان ما تبكي إذا ما تم جرح مشاعرها.

أما والدة احمد، الطفل المنغولي، ربما تختلف نظرتها قليلا، تحدثت لي بتذمر وبقلق شديد والم وحسرة ودموع كادت لا تفارقها طول حديثنا معها مبينةً، ان وجود معاق في الأسرة يستوجب جهدا نفسيا وجسديا إستثنائيا والأهم المصاريف المالية، الشيء الذي يفتقده الكثير من الأسر في الظروف التي نمر بها الان، اذ قالت ام احمد ان ( احمد) منذ ولادته يعاني من نقص في خلايا الدماغ الأمر الذي ولد فيه (منغوليا) وكثيرا ما شكل عبئا كبيرا علينا ولاسيما أنا قبلت بقضاء الله وقدره، على الرغم من كوني حلمت بأن يولد احمد معافاً من أي مرض كإخوانه الذين سبقوه.

وتضيف أمه التي تراقبه على مر الوقت، خشيت ان يتسبب في أذى نفسه مما اعتدت حالته وأخذت على عاتقي التكفل بجميع احتياجاته ولاسيما إطعامه اذ انه لا يستطيع ان يعتمد على نفسه حتى بالأكل..

اما ما يتعلق بإخوانه فهم أيضا اعتادوا مرض أخاهم كواقع حال ليس لهم قدرة على تغييره او استبداله بحال آخر، وأشارت والدته انها سبق وان سيرت له معاملة في دار الرعاية الاجتماعية إلا أنها إلى يومنا هذا لم تعرف مصيرها.

كما وطالبت ام احمد الحكومة ان ترعا هذه الشريحة من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة كون لهذا الطفل حقوقا على الدولة ان ترعاها إضافة إلى العمل على توسيع الدور التي تعنى بهذه الشريحة ولاسيما دار الحنان لشديدي العوق لافتتا إلى أنها في الوقت الحاضر لا ترغب بإرساله الى دار رعاية لان محبته لا تختلف عن محبة إخوانه الآخرين الذين يعطفون عليه ويحبونه لما هو عليه من فقدان للأحاسيس والشعور بالزمان والمكان وبالمجتمع الذي يحيط به.

وعن طريق الصدفة صادفني معاقا يستقل درجة نارية صغيرة.. فأجبرني الفضول لمعرفة قصته وقال لي: بأنه كان يتمنى أنها جاءت (الدراجة) قبل هذا الوقت لكان أكمل دراسته التي لا زال يتمنى إن يكملها، وأضاف انه الان يسعى حتى يقدم لإمتحانات خارجية، وأشار بكلمات نجدها فيها المعنى الواقعي ( إن الإنسان بدون شهادة لا يسوى شيء)، وعن سبب إعاقته قال انه منذ الولادة بهذا الوضع.

التأهيل والتدريب

بحثاً عن المزيد.. حملنا هموم ومأساة الطفولة.. وآلم ومشاعر ذويهم وآرائهم وتوجهنا صوب المسؤولين والاختصاصين إذ حدثنا مدير قسم الرعاية الاجتماعية في كربلاء علي رسول قائلا: ان الطفل وهو بحالة صحية وعقلية تامة تجده بحاجة الى رعاية وعناية خاصة وكبيرة جدا فما بلك اذا كان بحاجة الى رعاية خاصة واهتمام خاص، فلذا وفرت الدولة قسما خاصا لهم يسمى قسم ذوي الاحتياجات الخاصة وقد أصبح مستقل من الناحتين المالية والإدارية عن دائرة الرعاية الاجتماعية، موضحا انه يشمل دار رعاية الحنان للذكور وهي تعد الدار الثانية في العراق ودار رعاية المسنين ودار براعم الأيتام للأطفال إضافة إلى معهدي الأمل والصم والبكم ومعهد الرجاء للتخلف العقلي فضلا عن حضانة الأجيال الثانية.

لذا فإن الأطفال المعاقين المسؤول عنهم معهد الأمل والمتخلفين عقليا في معهد الرجاء إضافة إلى دار الحنان لشديدي العوق.

ويقول الدكتور علاء جلاب أخصائي أطفال.. ان هذه الشريحة المهمة والواسعة تبقى بحاجة الى رعاية من نوع خاص جدا، كونها تشعر بهذا النقص سواء كان خلقي او عقلي، وبطبيعة عملي وجدت اغلب هؤلاء الأطفال هم بدرجة كبيرة من الذكاء أي ليس بحاجة إلا لتنمية هذه القدرات الخارقة من خلال فتح مراكز تأهيلية ومدارس خاصة لهم، اما عن طبيعة العلاقة بينهم وبين عوائلهم او المجتمع، انا قلت في بداية حديثي انهم بحاجة الى رعاية خاصة، فيجب على الجميع ان لا نشعرهم بأنهم عبء علينا، وان نتعامل معهم كأنهم أصحاء. 

فيما قال الدكتور احمد سالم أخصائي أطفال ورئيس لجنة اللجان الطبية السابق.. ان هذه الشريحة لها حقوقا على المجتمع والدولة وانا من خلال ترأسي للجان الطبية قد تم صرف رواتب للأطفال المنغوليين وكذلك للأطفال ذو الشلل الرباعي وغيرها من الأمراض المزمنة، الا ان الطفل المنغولي ليس له علاج أطلاقا، اما باقي الأطفال فيمكن ان يستفاد من مواهبهم وقدراتهم من خلال المدارس الموجودة لذوي الاحتياجات الخاصة.

ويضيف رعد الهلالي أستاذ لغة عربية.. ان هذه الشريحة من مجتمعتنا هم بحاجة كبيرة لرعاية خاصة من قبل ذويهم والمجتمع وكذلك يجب ان يكون لهم اهتمام خاصة من قبل الحكومة من خلال فتح مراكز تأهيل ومدارس خاصة او مؤسسات تربوية تعنى بهم، وكذلك انتقاء الكوادر التربوية والتعليمية لهذه الشريحة المهمة.

وأضاف بهذه الطريقة نستطيع ان نشعرهم بانهم شريحة مهمة ويمكن الاستفادة من قدراتهم ولا نشعرهم بأنهم غريبين او عالة على المجتمع، وهذه المراكز التأهلية والمؤسسات التربوية معمول بها في اغلب دول العالم.. وكذلك توجد كفاءات وفي مختلف الاختصاصات من ذوي الاحتياجات الخاصة يشغلون مناصب كبيرة في بلدانهم.

لذا نتمنى من الحكومة الاهتمام البالغ بهذه الشريحة.. وكذلك أدعو كل مؤسسات المجتمع المدني والخيرين ان يقدموا التعاون والحب لأنهم يحتاجون إلى كل بسمة وكلمة طيبة ولا نبقى نتحسر على ما أصابهم.

وأضاف جاسم عريبي  رئيس جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة، أننا نحاول زج اكبر عدد ممكن من الأطفال المعاقين الى المجتمع من خلال إقامة مشاريع خاصة لهم، حيث أننا نجد الكثير من هؤلاء لم يتم تسجيلهم في دائرة الرعاية الاجتماعية ولاسيما الأطفال المعاقين بسبب الأعمال الإرهابية مما فقدوا أطرافهم او أي عضو من جسدهم، وقد قامت جمعيتنا بتسجيل 400 معاقا والكثير منهم حصلوا على فرص علاج وتوفير بعض الاحتياجات الضرورية لهم.

وكذلك طالبنا بتوفير بعض فرص العمل للمعاقين الذين يستطيعوا العمل في الأمور المكتبية والادارية التي لا تكون بحاجة الى جهد عضلي، ونتأمل خيرا بذلك.   

رأي الدين والشرع

في نهاية جولتنا.. حملنا كل ما جمعناه من آراء ووضعنا بها أمام  الشيخ حمود الشيباني.. لنقف على رأي الدين والشرع في هذه القضية إذ يقول: يجب أن نعلم أن ما يصيبنا من خير أو شر، صحة أو مرض إنما هو من الله سبحانه وتعالى وعلينا أن نرضى به ونقبله.. ولنعلم أيضاً أن المصائب لا تنزل علينا جزافاً إنما في حدود الابتلاء والامتحان.. أما بالنسبة للشخص المعاق فقد حث الإسلام ذويهم بحسن معاملتهم واكرامهم، و مدح الإسلام الصابرين على البلاء وعلى ما أصابهم، فالعائلة التي لديها شخص بحاجة لرعاية خاصة، وهنا اقصد بمختلف العاهات الجسدية او العقلية ان لا يسيئون إليهم ولا يلجؤون لعزلهم عن المجتمع بحجج واهية كانه يسبب لنا الإحراج او ما شاكل من هذه الأعذار، بل يجب ان يعملوا جاهدين بزجهم في المجتمع وأشعارهم بأنهم جزءا لا يتجزأ منه.

وآخر المطاف نجد ان آراء الجميع تكمن باحتضان هؤلاء الذين حرموا من هذه النعم الكبيرة والعظيمة وكذلك فتح مراكز تأهيلية ومدارس خاصة.. وأشعارهم بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  27/تموز/2008 - 23/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م