التأريخ البشري ومحاولات تهويد العالم

شبكة النبأ: كيف كان التاريخ قبل الكتابة، ومن الذي وضع لبناته الأولى، ولماذا المهتمين بكتابة التاريخ يحاولون دائما التعمق وتأصيل الجذور الخاصة بحملة وكتبت هذا التاريخ؟ هل هو إثبات أحقية ما، أم أنه سرقة تاريخية لبناء حضارة ما فوق أمجاد حضارة أخرى!.  

ومجموعة تهويد التاريخ، عمل ضخم قام به عدد من الباحثين المصريين ويشكل انجازا كبيرا من حيث الترجمة ومناقشة المحتويات موضوعيا وعلميا كما يشكل مرجعا مهما للقارىء ولاصحاب الاختصاص.

وفي ما يشبه ما اسماه الشعراء والنقاد العرب القدامى: المدح في معرض الذم، فان من يود ان يكتب عرضا نقديا عن هذا العمل البارز قد يشعر بحرج ربما وصل الى نوع من انواع الضيق وهو لابد، ازاء ضخامة العمل مستذكرا بيت الشعر القديم تكاثرت الظباء على حراج، فلا يدري حراج ما يصيد.

العمل المتعدد المجلدات ضخم ومتشعب ولابد اذن من التركيز على مجالات تشكل سمات عامة فيه وتقدم صورا جلية عن اتجاه المؤلف اليهودي الروسي الاصل ايمانويل فليكوفسكي والمهمة التي وضعها نصب عينيه كما تقدم في الوقت نفسه صورة عن المنهج الذي تبعه الباحثون المصريون وفي شكل خاص محرر هذا المشروع الباحث رضا الطويل.

تحضر الى الذهن احيانا نتيجة ما نقرأه في الكتاب تلك النظرية الساخرة التي تقول بوجوب التحكم بالقدم نفسها كي نجعلها تصبح مناسبة للحذاء. ويمكن ايجاز كثير من مواقف ايمانويل فليكوفسكي ببعض ما قال الباحث رضا الطويل في نقده للمؤلف في الجزء الاول من المجلد الاول ومنه: لا يعدو مشروع فليكوفسكي لاعادة ترتيب احداث التاريخ القديم في عصور في فوضى غير محاولة لضبط مسلسل احداث التاريخ المصري مع ايقاع التاريخ الاسرائيلي الذي يقف بلا شواهد تاريخية تؤكد مصداقيته حتى اواسط القرن التاسع قبل الميلاد.

وقد وردت المجلدات الخمسة التي انطوت على ستة اسفار تحت عنوان عربي ارتفع في راس كل كتاب من هذه الكتب هو تهويد التاريخ، وفي القسم السفلي تحت صورة لتمثال اخناتون يرد العنوان الذي اعطاه فليكوفسكي لعدد من مؤلفاته هذه وهو عصور في فوضى.

وجاء هذا المشروع الضخم في حوالى 2750 صفحة متوسطة القطع وصدر عن جماعة حور الثقافية بالتعاون مع العروبة للدراسات والابحاث وهى لاتزال تحت التأسيس. بحسب رويترز.

الباحثون الذين انجزوا هذا المشروع هم رضا الطويل وكمال رمزي ورفعت السيد علي ومحمود الطويل وفكري منير وعلي قلامي وخالد شاكر. وقال هؤلاء ان ترجمة سلسلة عصور في فوضى، بكتبها الستة واعدادها للنشر استغرقت ما يتجاوز عشرين سنة كاملة من العناء. وقد قدموا الكتاب الى الباحثين الراحلين احمد عمر شاهين ومحمد جلال عباس. الاسماء التي قامت بالترجمة هي احمد عمر شاهين ورفعت السيد علي وفاروق فريد ومحمد جلال عباس.

الجزء الاول من المجلد الاول اشتمل على كتابين تحت عنوان: رؤى نقدية. اما الكتاب الاول فحمل عنوانا: عصور ليست في فوضى، وهو بقلم رضا الطويل. اما الكتاب الثاني فعنوانه: العلماء يواجهون فليكوفسكي. وكتّابه هم كارل ساجان واخرون وقد ترجمه الى العربية الكتور رفعت السيد علي.

اما الجزء الثاني من المجلد الاول فعنوانه: السفر الاول. من الخروج الى الملك اخناتون، بعده ياتي المجلد الثاني. السفر الثاني. عوالم تتصادم. ونصل الى المجلد الثالث وفيه: السفر الثالث. الارض في اضطراب. السفر الرابع. اوديب واخناتون. نصل الى المجلد الرابع وفيه سفران. الخامس وعنوانه شعوب البحر، والسفر السادس وعنوانه رمسيس الثاني وعصره.

وفي: مقدمة قصتنا مع الكتاب، قال رضا الطويل انه كان قد التزم بكتابه دراسة نقدية تفند مزاعم فليكوفسكي في اوديب واخناتون، وتحدث عن دراسته التي رد فيها على المؤرخ الصهيوني ايمانويل فليكوفسكي الذي اعاد كتابة تاريخ البشرية والتاريخ الفرعوني خاصة من وجهة نظر جديدة ستثير ضجة كبيرة لو صدقت. وقد انتهى رضا الطويل من كتابه الاول في هذا الموضوع وهو رد على كتاب فليكوفسكي اوديب واخناتون، الذي يزيف التاريخ بشكل ظاهره العلم وباطنه الكراهية والتعصب والزيف.

وفي عصور ليست في فوضى، وتحت عنوان: فليكوفسكي واخناتون. قال الطويل انه لا يمكن اعتبار فليكوفسكي باي معيار من المعايير مؤرخا من طراز هؤلاء المؤرخين المدققين الذن اضاءوا لنا مجاهل التاريخ القديم. يتقوقع فليكوفسكي في صدفة قناعاته المقدسة فلا يرى من التاريخ الا ما يتوافق مع الاساطير التوراتية او بتعبير ادق يرغم التاريخ على الخنوع لسيطرة هذه النزعة المحددة.

وبعد عرض ونقاش مسهبين يرفض الطويل ما قال فليكوفسكي انه توصل اليه مما وصف بانه تشويه لصورة اخناتون وللتاريخ ويصل الى القول: واخيرا ينتهي فليكوفسكي من حيث بدأ فلم يكن اوديب واخناتون، بحثا في الجذور التاريخية لاسطورة اوديب (الاغريقية) ولا يعد دراسة في التاريخ المصري القديم.. فهو لا يعدو ان يكون محاوة طريفة لهدم نظرية فرويد في: موسى والتوحيد والنظريات الاخرى المثيلة.

وفي مجال اخر يتناول الباحث مسالة في غاية الاهمية هي في بعض وجوهها مسألة الشك عند عدد من المؤرخين في وجود الاسرائيليين تاريخيا في مصر. انها نظرية على شيء من القدم وقد اثيرت من جديد. وقد قالت عالمة الآثار واستاذة التاريخ اللبنانية في الجامعة الامريكية في بيروت الدكتورة هلن صادر في محاضرة لها وفي مقابلة مع رويترز قبل نحو سنتين ان بين اهم من يتبنى هذا الرأي عددا من علماء الآثار والمؤرخين اليهود في جامعة تل ابيب.

وتحت عنوان: تحذيرات السياسي العجوز.. خلاصة القول. قال رضا الطويل مشيرا الى خلو في التاريخ المصري مما يشير الى وجود الاسرائيليين في مصر في بحثه عن ارتباط التاريخ المصري والتاريخ الاسرائيلي افترض فليكوفسكي ان شواهد التاريخ المصري القديم صمتت عن الادلاء باي معلومات عن العلاقة بين تاريخي ارض مصر وارض فلسطين على ما بينهما من روابط الجوار.

وعلى الرغم من وفرة الشواهد والوثائق والاثار التي وصلتنا عن علاقة مصر بارض فلسطين والمستطيل السوري والتي ترجع بتلك العلاقات الحميمة بين الارضين الى عصر ما قبل التاريخ وعلى الرغم من ان كل هذه الوثائق والشواهد والاثار حدثتنا حديثا مستفيضا عن السكان واصولهم وتاريخهم ولم تذكر من بين من ذكرتهم الاسباط اليهودية مما يعد دلالة لا يمكن دحضها على عدم وجود هذه الاسباط في تلك المناطق خلال تلك العهود. وان صمت شواهد التاريخ المصري عن اي ذكر للعبرانيين لا يرجع لاغفال وجودهم او التغافل عن تاريخهم وانما لعدم وجودهم اصلا خلال تلك الاحقاب الطوية من الدهور.

ولابد من القول انصافا، ان مجموعة تهويد التاريخ، انما هي عمل ضخم مهم وممتع تجدر قراءته والبحث في ما يتضمنه بتمعن فهناك خطر من ان يكون في اي عرض نقدي له شيء من الظلم لهذا العمل وان دون قصد.

شبكة النبأ المعلوماتية- االثلاثاء  22/تموز/2008 - 18/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م