إستهلاك المنتوجات المتزايد يضع مصير العالم على حافة الهاوية

إعداد/ المركز الوثائقي والمعلوماتي

شبكة النبأ: وُصفت أزمة الغذاء التي يواجهها العالم اليوم بالأزمة القديمة الجديدة ولكن على ماتبدو هذه المرة أشد قسوة، مما أستدعى الباحثين والمختصين لمعالجة الأوضاع قبل أن تصل إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها، فكانت هناك الآراء والتوصيات من قبل المهتمين بهذا الشأن، وقد تناول الكاتب الأمريكي "مارك رايس أوكسلي" موضوعا حول أزمة الغذاء يتسائل فيه عن النمو السكاني، وتكاليف الطاقة المتصاعدة، والطلب المتزايد على اللحوم، والنقص الكارثي في المحاصيل، والتدافع المفاجئ على أسواق الحبوب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 80% خلال فترة لا تزيد عن ثلاث سنوات.

وتسائل "مارك رايس" عن ماهية هذه الأحداث وهل هي موجز بأزمة الغذاء الحالية؟ ويجيب الكاتب نفسه بالقول  نعم هو كذلك بالفعل، ولكنه لا ينطبق على أزمة الغذاء الحالية فحسب، بل أيضا على أزمات الغذاء في بداية السبعينيات. وعلى الرغم من بعض أوجه التشابه بين الأزمة الحالية والأزمات السابقة إلا أن الأزمة أو ''صدمة'' الغذاء الحالية تتصف بسمات لافتة للنظر تفصلها عن الأزمات السابقات.

وزاد كاتب المقال، عندما اجتمع قادة العالم -في روما- في المؤتمر الذي نظمته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، لمناقشة الخطوات التي يتعين اتخاذها لمعالجة أزمة الغـــذاء العالمية، جرت مباحثات للاستفادة من دروس الأزمات السابقة المماثلة، كما طرحت عدة أسئلة قد تساعدنا على الإحاطة بأبعاد الأزمة الحالية وعلى تبين سبل الخروج منها، هل هذه الأزمة غير عادية كما يقال وإلى أي درجـــة؟

ويشبّه كاتب المقال الأزمة الحالية واصفاً إياها بعدم الاختلاف عن الأزمات السابقة مثل أزمة 1972 والتي كان السبب الرئيس فيهــا الهبوط الكبير في إنتاج المحاصيل الزراعية في الاتحاد السوفييتي السابق، وهو ما أدى إلى اندفاع الاتحاد السوفييتي إلى شراء المحاصيل من أي مكان مما كان له تأثيرات فادحة على دول القارة الأفريقية وشبه القارة الهندية لم تخف درجة فداحتها إلا بعد أن توصلت أميركا والاتحاد السوفييتي إلى اتفاقية بشأن التجارة في الحبوب سعت إلى تنظيم مشتريات الاتحاد السوفييتي من الحبوب من الأسواق العالمية؛ ويشار هنا إلى أن أسعار الأغذية قد ارتفعت مرة أخرى، في أواخر الثمانينيات ومرة ثالثة في منتصف التسعينيات، وفي المرتين لم تنخفض الأسعار وتستقر الأسواق إلا بعد زيادة الكميات المنتجة من المحاصيل الزراعية.

ووجد كاتب المقال أوجه الشبه بين هذه الأزمة والأزمات السابقة، واصفا إياها بالاختلاف  في بعض الوجوه، ففي الحالتين كان ارتفاع أسعار النفط سببا أثّر على أسعار السلع الغذائية، وفي الحالتين أيضا كانت العوامل الجوية، بيد أن هناك سببين آخرين تنفرد بهما الأزمة الحالية عن أزمات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات هما توجيه المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي، وارتفاع مستوى معيشة سكان أكبر دولتين من دول العالم اكتظاظا بالسكان وهما الصين والهند.

ويتسئا مرارك رايس ما هو تأثير هذه الأزمة؟ إذ يقول أيضا  يذهب ''ليستر براون'' -رئيس معهد سياسات الأرض في واشنطن- إلى القول بأن تأثير الأزمات السابقة، قد تجسد في صورة مجاعة، انحصرت في مناطق جغرافية محددة مثل منطقة الساحل الأفريقي وبنجلاديش، أما الأزمة الحالية فهي لا تقتصر على مناطق جغرافيا بعينها وإنما تضرب الدول ذات السكان الأقل دخلا في العالم.

وتسائل مرة أخرى ما الذي يمكن لنا تعلمه من حلول الأزمات السابقة؟ يجيب على التساؤل  ولدّت أزمات الثلاثينيات والسبعينيات نمطا من التفكير الخيالي حول الكيفية التي يمكن بها توفير الغذاء للعالم كما أدت أزمة السبعينيات إلى زيادة الاهتمام بالأبحاث والتنمية والثورة الخضراء، أما الأزمة الحالية فهي تساهم في تعزيز الاهتمام بأبحاث الأغذية المعدلة جينيا. ولكن أي الاستجابات المؤسسية كانت مفيدة؟

وفي سؤال آخر عن ما هي الاستجابات المؤسسية غير المفيدة؟ فرض قيود على الصادرات، تكديس السلع فهذه الإجراءات ليس لها سوى تأثير مؤقت، كما أنها لا تساعد على الحد من الأسعار بل وقد تؤدي إلى تفاقمها، وإلى إدامة الأزمة ذاتها. ولكن ما الذي يحتاج إليه العالم في المدى الطويل لتوفير الغذاء لسكانه؟ قال السكرتير العام للأمم المتحدة ''بان كي مون'' مؤخرا: إن العالم قد استهلك أكثر مما أنتج خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وإن هذا في حد ذاته كفيل بدق ناقوس الخطر، وإن العالم لم ينتج كميات كافية من المحاصيل لأن المخازن كانت مكتظة، ولأن الأسعار كانت منخفضة، ولأن المزارعين لم يكن لديهم دوافع كثيرة تدفعهم إلى زيادة الإنتاج، وإن ما نحتاج إليه في الوقت الراهن هو قلب هذه الأوضاع بحيث يزداد العرض من السلع على الطلب عليها وتنخفض بالتالي الأسعار.

ويرى ''ليستر براون'' -رئيس معهد سياسة الأرض في واشنطن- أن الأمر سيحتاج أيضا إلى إجراءات أخرى، ومنها على سبيل المثال ضرورة أن تعمل الولايات المتحدة على تقليل كمية المحاصيل الغذائية التي يتم توجيهها لإنتاج الإيثانول، وأن تقتنع في ذات الوقت أن سعيها إلى زيادة الأمن النفطي في العالم قد جاء على حساب الأمن الغذائي، مضيفا: ''أن هناك حاجة إلى إجراءات أخرى، كالعمل على الحد من الزيادة السكانية، ومعالجة الآثار الناتجة عن التغير المناخي، ومعالجـــة الأسباب المؤدية إليه، مع العمل في نفس الوقـــت على تحسين كفـــاءة استخدام المياه واكتشاف مصادر جيدة له، وتطوير التقنيات الزراعية، وإجراء إصلاحــات على القوانين التجاريـــة، كما يقول بعض الخبراء إن الوقت قد حــان لاعتماد نموذج زراعي يقوم على معايير مختلفة مثل الامتياز، وقيمة المحتوى الغذائي، وتقليل البصمة الكربونية، ومراعاة التنوع الحيوي، ومراعاة الأبعاد المتعلقة بالعدالة الاجتماعية.

أسعار الغذاء تقفز 15.5 بالمائة في الأردن 

من جانب آخر قال البنك المركزي الأردني إن أسعار المواد الغذائية قفزت خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري بنحو 15.5 في المائة، ما أسهم بشكل كبير في ارتفاع معدل التضخم .

وقال البنك المركزي في تقرير بثته وكالة الأنباء الأردنية إن "المستوى العام للأسعار في الأردن شهد ارتفاعا قياسيا ليصل إلى 12.7 بالمائة مقارنة مع 6.7 بالمائة لنفس الفترة من عام 2007 ."

وقال التقرير إن الارتفاع في أسعار مجموعة المواد الغذائية "شمل جميع البنود المكونة لهذه المجموعة وبخاصة الألبان ومنتجاتها والبيض التي ارتفعت أسعاره بنسبة كبيرة بلغت 32.8.

وبين أن المستوى العام للأسعار تأثر بجملة من العوامل الداخلية تمثلت "بتحرير أسعار المشتقات النفطية في السوق المحلية وتعرض المملكة لموجة صقيع حادة بالإضافة إلى زيادة أجور ورواتب موظفي ومتقاعدي القطاع العام." حسب CNN

وفي فبراير/شباط الماضي، رفعت الحكومة الأردنية أسعار المحروقات، للمرة السادسة، في خطوة أثارت استياء الأردنيين الذي يعانون ارتفاع الأسعار.

ويقدر معدل دخل الفرد في الأردن بنحو 2700 دولار سنويا، في حين قالت الحكومة إن معدل الفقر ارتفع وحدد خط الفقر الجديد عند مستوى دخل 700 دولار للفرد في السنة.

التصدي لإرتفاع النفط والغذاء

من جهة أخرى ختم وزراء مالية الدول الثمانية الكبرى اجتماعاتهم في طوكيو، السبت، بالتعهد للتصدي للمخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي المتمثلة في ارتفاع أسعار النفط والغذاء، ومساعدة الدول النامية في جهود مكافحة الاحتباس الحراري.

ورغم عدم تضمينه في أجندة النقاش الرسمية، إلا أن الدولار، الذي هوى لمعدلات قياسية أمام العملة الأوروبية يورو مؤخراً، فرض نفسه على المداولات التي استغرقت يومين، وفق الأسوشيتد برس.

ووضع وزراء مالية الدول الكبرى الثمانية: بريطانيا، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، روسيا، بجانب الولايات المتحدة خارطة طريق لقمة قادة المجموعة التي ستقام شمالي اليابان الشهر المقبل.

وانعقدت اجتماعات وزراء مالية الدول الكبرى وسط سلسلة من التحديات الجسيمة التي تتهدد بزعزعة استقرار الاقتصاد العالمي، منها القفزة الهائلة في أسعار النفط، الذي شارف على مستوى 140 دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي.

وأجبر الارتفاع القياسي العديد من دول آسيا: منها الهند وإندونيسيا وماليزيا على قطع الدعم الحكومي عن مشتقات النفط، ما أدى بدوره لقفزة في أسعار المواد الاستهلاكية.

ويواجه العالم أزمة غذاء طارئة محتملة جراء ارتفاع أسعار الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى تمخض عنها أعمال شغب وعنف في العديد من الدول في آسيا وأفريقيا، ما عزز المخاوف من شبح أزمة غذاء عالمية قد تهدد ملايين البشر بالمجاعة وسوء التغذية.

ولم تتضح ماهية القرارات التي توصل إليها وزراء مالية الدول العظمى في شأن هذه القضايا المحورية.

وأسفر ارتفاع الأسعار في مايو/أيار الماضي، عن تضخم هو الأسوأ خلال الستة أشهر الماضية، وفق البيانات التي كشفت عنها وزارة العمل الأمريكية، الجمعة.

كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، التي سجلت أعلى قفزة خلال 18 عاماً في إبريل/نيسان الماضي، بأكثر من 0.3 في المائة الشهر الماضي.

وتعهد وزير مالية اليابان، فوكوشيرو نوكافاجا، بالعمل عن كثب مع الولايات المتحدة - أقرب الحلفاء - لمواجهات الأخطار الاقتصادية المحدقة.

وأضاف قائلاً عقب اجتماعه بوزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون: "نحن بحاجة لتنسيق تحركاتنا عن كثب لأن هناك الكثير من عوامل الخطر."

كما أعرب عن قلققه على الاقتصاد الأمريكي، الذي تعتصره أزمة الائتمان والرهن العقاري.

وينُظر إلى ضعف الدولار كعامل محوري ساهم في ارتفاع أسعار النفط، إلا أن العملة الخضراء بدأت مؤخراً استرداد عافيتها، فيما حذر بولسون من إمكانية تدخل الحكومة في سوق العملات لكبح تردي سعر صرف الدولار.

وساهم إعلان رئيس الاحتياط الفيدرالي (المصرف المركزي الأمريكي) بن برنانكه، عن إمكانية رفع سعر أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، في وقف الدولار من تدهوره المتواصل.

ومن جانبها، أعربت وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاغاردين عن رضاها من الارتفاع الأخير في سعر صرف الدولار، مشيرة إلى ترابط العملات والتضخم وأسعار البضائع.

مصير العالم على المحك 

و مثّل مؤتمر الأمن الغذائي الذي عقد في مقر منظمة الأغذية والزراعة في العاصمة الإيطالية روما بمشاركة عدد كبير من رؤساء دول وحكومات العالم خطوة مهمة على طريق البحث عن سبل تذليل الأزمة الغذائية، حيث تم خلال المؤتمر تحديد مجموعة من التدابير الكفيلة بضمان الاستقرار في سوق الأغذية العالمية. وقد عكس المؤتمر جهود مواصلة رؤساء العالم مناقشة أزمة الغذاء العالمية والبحث عن طرق وحلول فعالة لحل هذه الأزمة التي أصبحت تشكل مأساة حقيقية بالنسبة لمعظم الدول الفقيرة في العالم.

وقد تمحور جوهر النقاش حول بحث الإجابة عن العديد من التساؤلات من بينها هل يكون الحل في التركيز على الشراكة بين الدول التي تملك الموارد والتكنولوجيا وبين أخرى تقتصر الثروات عندها على الأرض والبشر أم أن الأولوية كما يرى البعض تفرض ضرورة الحد من إنتاج الوقود الحيوي الذي حرم الأسواق في عام 2006 من مئة مليون طن من الحبوب وأدى إلى ارتفاع الأسعار؟ .

كما جرى التساؤل حول مدى استعداد الدول الغنية لتقديم الخبرات والأموال للدول الفقيرة لزيادة قدرتها على تحمل التغيرات المناخية التي تهلك المحاصيل؟ وحقيقة أن فساد بعض الأنظمة يمنع وصول المساعدات من عواصم الغرب؟ وقد أنهى المؤتمر أعماله دون أن يقدم إجابات للعديد من الأسئلة التي ما زالت تنتظر إجابات.

تكاتف إقليمي

لقد جاء المؤتمر في وقت استفحلت فيه أزمة الغذاء العالمية على نحو لم تجد فيه الكثير من دول العالم سوى اللجوء إلى التكاتف في البحث عن أساليب لمواجهة هذا التحدي. فمثلاً قامت أكبر الدول الآسيوية المصدرة للأرز بما فيها الهند والصين وباكستان بتنسيق جهودها، وأعلنت استعدادها لبحث آفاق نمو أسعار الحبوب وطرق جديدة لتوزيعها، إضافة إلى تبادل المعلومات المتعلقة بأوضاع السوق الغذائية. ويعتزم البنك الآسيوي للتنمية تقديم المساعدة المالية اللازمة.

أما دول أميركا اللاتينية وبحر الكاريبي فقررت في محاولة لتحاشي الهزات الاجتماعية الواسعة النطاق الناتجة عن الجوع.. وضع كل عملية إنتاج المواد الزراعية تحت رقابتها والإشراف على سياسة تحديد أسعار الأغذية وتسويقها.

وفي ما يخص روسيا الاتحادية فإن نمو أسعار الأغذية شمل أسواقها أيضا، لكنها لا تعاني من نقص الطحين وغيرها من المواد الغذائية علاوة على أنها تشغل بثبات المرتبة الثالثة عالميا في مجال تصدير الحبوب، وبذلك تظل عامل يؤمن الاستقرار في سوق الحبوب. وقد جاء المؤتمر في سياق مناقشة واقتراح آليات تفعيل جهود مثل تلك الدول وكذا تنفيذ الآليات التي وضعت منذ عشرات السنين لمواجهة أي شح عالمي في المواد الغذائية.

حلول مطروحة

وعلى صعيد الحلول المطروحة ضرورة ابتكار تكنولوجيات أكثر تكاملية من أجل مواجهة هذه الأزمات وكذا إيجاد آليات لمساعدة تلك الدول التي لا تستطيع أن تدبر نفسها بنفسها ليس عبر التأمين الغذائي والمساعدات الغذائية، والعمل على تكثيف الأبحاث من أجل الحصول على محاصيل جيدة، للقضاء على المجاعة لخلق فرص تخفض نسبة المجاعة.

وإذا كان من الصعب القضاء على الجوع، فإنه يجب تجهيز الكوادر في الأراضي وتعليمها وتأهيلها والوصول إلى التقنيات وتعليمها هذه الآليات على النحو الذي يمكن من الحصول على أفضل المحاصيل. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن أبرز أسباب الأزمة الغذائية الاحتكار الكبير في بنى ومؤسسات الدول وسعي كثير من الشركات والدول الحصول على ربح كبير بغض النظر عن الأزمات التي قد تظهر لدى المواطنين العاديين.

ومن أمثلة ذلك الرسوم الجمركية على تصدير واستيراد المواد إلى الاتحاد الأوروبي هي أكثر بعشرة مرات من الرسوم الجمركية في روسيا، و يوجد هناك دائما حواجز في تنفيذ وتفعيل وتصدير المواد الغذائية إلى الخارج. فمثلا تصرف كندا تسعة وثمانين دولاراً على كل هكتار من الأراضي، فيما تصرف الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مئة دولار على كل هكتار، أما فنلندا فتقدم 500 دولار على كل هكتار من الأراضي المسطحة الزراعية.

فيما يرتفع الرقم في سويسرا مثلا ليصل 4214 دولاراً على الهكتار الواحد. فهل يوجد مقارنة بين سويسرا وافريقيا ولذلك يجب أن يشكل صندوق وبنوك خاصة لتوجه إليها من قبل الدول المتطورة صاحبة الأرباح الزائدة التي تم الحصول عليها من المواد الغذائية.

وفي نظرة تأملية يمكن التأكيد على أن الأزمة التي يواجهها العالم حاليا إنما تعد في أحد تجلياتها نتاج التداعيات السلبية للعولمة، بمعنى خضوع العالم بكامله لآليات السوق والطلب والعرض. وعلى ذلك فإن السؤال هو: هل يمكن تحديد تاريخ للانتهاء من هذه الأزمة العالمية »أزمة الغذاء«. الإجابة التأكيد على أن هناك دوما سبل للحل، وليس هناك مشكلة ليس لها مخرج، وأحد هذه المخارج الدعم المالي لتلك الدول التي تعاني من تلك الأزمة ليس عبر المواد الغذائية بل عبر خلق التكنولوجيات المتكاملة الجيدة لإنتاج المواد الغذائية.

وهنا فإن أرقام نشرة برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة فعلاً مثيرة للرعب حيث تشير إلى أن هناك 400 مليون طفل في العالم يعانون من الجوع وأن طفلاً واحداً يموت خلال 5 ثوانٍ بسبب أمراض مرتبطة بالجوع، والمسؤول عن هذا كله الدول المتطورة والمتحضرة والتي تستطيع أن تحسب لعشرات السنين مستوى التوازن الغذائي في العالم وفي مجال الطاقة.. وغير ذلك من جوانب يمكن أن تساعد على تجنب الأزمة أو استفحالها.

ومع ذلك فإن هناك شكوكاً حول حجم الأموال المتوفرة لمواجهة الحاجات الطارئة وحول القدرة على الاتفاق بين دول تختلف مصالحها ومع ذلك يأمل البعض في إيجاد الحلول، فبعض الخبراء يرى في خطة العمل التي يحاول بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة تشجيع المجتمعين على الاتفاق بشأنها الإطار الجيد للحل بينما يرى آخرون من المجتمع المدني يعتبرون أنها غير كافية.

ويجمع الخبراء أنه لا خيار أمام المجتمع الدولي سوى الاتفاق، حتى ولو كان هذا الاتفاق بداية الطريق. لكن بين إطلاق الوعود وتنفيذها سيبقى ملايين البشر يعانون من سوء التغذية وقد تكون هذه المعاناة الدافع للتحرك بفاعلية أكبر في المستقبل.

أما على صعيد الأوضاع لدينا في العالم العربي فنحن نعاني من أزمة في الإنتاج الغذائي حيث حصيلة استيراد الغذاء السنوية تبلغ (17) مليار دولار يتم من خلالها استيراد حوالي (75) مليون طن من الأغذية على الموائد العربية وفي هذا الصدد تتعدد الأسباب لينينتهي عصر الأكل الرخيص في العالم العربي.

الثورة الخضراء

وفي السياق نفسه كتب فيفين والت موضوعا حول أزمة الغذاء في مجلة تايم  يقول فيه تعود جذور هذه الازمة الغذائية الى ستينات القرن الماضي والى ما عرف بالـ غرين ريفوليوشن (الثورة الخضراء). ويومها، ارتفع حجم المحاصيل الذراعية، وانخفض سعر السلع الغذائية. فبدأت مرحلة من البحبوحة الغذائية دامت أربعة عقود كان الغذاء فيها في متناول الجميع. وحسِب الناس أن أيام المجاعات الكبيرة ولّت.

وطوال أعوام، بذلت الدول الغنية، أي الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، مساعدات كبيرة لقطاع الزراعة. وانتهجت سياسات حمائية، وفرضت قيوداً جمركية تعوق حرية التجارة. وأسهمت هذه السياسات في تزييف أسعار الغذاء في الأسواق العالمية، وفي تراجع الاهتمام بالزراعة في البلدان الفقيرة.

ويضيف فيفين وآلت مع وفرة السلع الغذائية، خفّضت البلدان الغربية حجم المساعدات الزراعية المخصصة لإنشاء بنية تحتية زراعية وسدود في البلدان النامية. وانخفضت حصة القطاع الزراعي في هذه البلدان من المساعدات الدولية من 18.7 في المئة في 1979، الى 5.2 في المئة في 2006، بحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وفي العام الماضي، منح الغرب صغار المزارعين في أفريقيا 400 مليون دولار.

وبحسب مسؤولين في البنك الدولي، لا يتجاوز هذا المبلغ قيمة المساعدات الدولية التي كانت تصرف، سنوياً، قبل 30 عاماً. وأخل معظم قادة الاتحاد الأفريقي بتعهدهم انفاق 10 في المئة من موازنة حكوماتهم في دعم الزراعة. ويواجه سكان القارة الأفريقية صعوبات كبيرة. فهم يشعرون، أن قدراتهم الشرائية تتراجع، يوماً بعد يوم. فارتفاع الأسعار لم يقتصر على المواد الغذائية، بل تعداها الى أسعار المحروقات والفحم وزيت القلي والطهو والكاز. ومع تراجع قدرة النيروبيين الشرائية، تكدست السلع الغذائية في المتاجر، وكسدت، ولم تلق من يشتريها. ويخشى أصحاب هذه المتاجر تلف السلع على الرفوف. ويحول ارتفاع أسعار النفط دون استخدام المزارعين الجرار الزراعي في حقولهم. وفي العام الماضي، زاد سعر السماد الزراعي في اوغندا ضعفين، واضطر المزارعون الى زراعة حقولهم من دون الاستعانة بالسماد الزراعي.

حزمة مقترحات اوربية لمواجهة الأزمة

من جانب آخر أكدت المفوضة الأوروبية المكلفة شؤون الزراعة مريان فيشر بول، بأن المفوضية سوف تعرض يوم الثلاثاء القادم حزمة إجراءات جديدة للمساعدة على مواجهة الأزمة الغذائية العالمية، و ستكون هذه الإجراءات ذات أبعاد داخلية وخارجية .

جاء هذا الإعلان في مؤتمر صحافي مشترك عقدته المفوضة الأوروبية بالإشتراك مع المفوض الأوروبي المكلف شؤون التنمية والمساعدات الانسانية لوي ميشيل، وميشيل بارنيه، وزير الزراعة الفرنسي، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للإتحاد الأوروبي بمناسبة انعقاد مؤتمر حول أزمة الغذاء العالمية في البرلمان الأوروبي اليوم في بروكسل.حسب وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء

وأكدت فيشر بول بأن هذه الحزمة من الإجراءات تتضمن إعداد نظام على مدى قصير من أجل تأمين مساعدات غذائية للفقراء في أوروبا، حيث ستستفيد الشرائح الأكثر فقراً من عدة برامج لمساعدتهم على تجاوز الصعوبات الحالية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية.

أما البعد الخارجي لهذه الحزمة، حسب كلام المسؤولة الأوروبية، فيتوجه إلى البلدان النامية، حيث سيتم منح هذه الدول مساعدات غذائية وأموال موجهة للاستثمار في المناطق الزراعية بحيث يتم تخفيض الهجرة من الريف إلى المدن.

ولم تكشف المفوضة النقاب عن تكلفة هذه الحزمة الجديدة، معربة عن قناعتها بأن المزارعين في أوروبا مثلهم مثل مزارعي الدول النامية يواجهون نفس المشاكل ونفس التحديات.

ومن جهته، أكد المفوض الأوروبي المكلف شؤون التنمية والمساعدات الإنسانية لوي ميشيل ، بأنه من الخطأ الاعتقاد بأن أوروبا قادرة وحدها على إيجاد حلول للأزمة الغذائية والاقتصادية العالمية، داعياً الدول النامية إلى تحمل حصتها من المسؤولية خاصة لجهة حسن الإدارة وإتخاذ القرارات السيادية المناسبة، مثل قرار تنوع الزراعات ومشاريع الري والبنى التحتية.

وعارض المفوض ميشيل فكرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلق آليات جديدة لتسهيل ضخ المساعدات من أجل الزارعية، " فكرة تسهيل المساعدات الزراعية جيدة ولكن لا أرى واقعياً خلق صناديق وهيئات جديدة، الهيئات الحالية تكفي".

ومن جهته، وصف ميشيل بارنيه بـ " المهمة" مبادرة المفوضية الأوروبية تقديم حزمة جديدة من الإجراءات للمساعدة في حل الأزمة الغذائية، " إنها بادرة جديدة بالدراسة وأعد أن يأخذها مجلس وزراء الزراعة الأوروبي، الذي تقوده فرنسا الرئيس الحالي للإتحاد، بكل جدية".

وأكد بارنيه بأن المجلس لم يتلق حتى الآن أي وثيقة رسمية في قبل المفوضية، واعداً ببذل الجهد المطلوب وإعطاءها حقها في المناقشات المؤسساتية القادمة.

....................................................................................

- مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام مركز يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية للاشتراك والاتصال www.annabaa.org///[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- االاثنين  21/تموز/2008 - 17/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م