الحركة الإسلامية من الثبات إلى التطوير

أحمد شهاب

في الغرب، على مستوى الدراسات والأبحاث حول العالم الإسلامي، حديث لا ينقطع عن الحركة الإسلامية (فكرها، واقعها، أثرها، نفوذها وامتدادها)، وهذا الحديث مُدعم بوسائل الكشف والبحث العلمي، والأمر لا يختلف من الناحية الشكلية في العالم الإسلامي، فالحركة ومستقبلها وفكرها كانت محلا لبحث وتحري عدد من الباحثين داخل العالم الإسلامي، لكن الفرق بين الجانبين يكمن في أمرين تحديدا، الأول: الوسائل المستخدمة في البحث، والثاني: غايات البحث.

بالنسبة إلى الفرق الأول، تتسم وسائل البحث في الغرب بالتطور والرصانة العلمية، وإن كانت تشوب بعض الدراسات الصادرة في الغرب عدم الموضوعية نتيجة المواقف العدائية المسبقة ضد الإسلام والمسلمين، بينما وسائل البحث في العالم الإسلامي هشة من الناحية العلمية وتقليدية.

أما الفرق الثاني، غايات البحث، فغاية البحث الغربي والأوروبي في شؤون الحركة الإسلامية، هو المعرفة من أجل رؤية دقيقة لأحوال العالم الإسلامي، والتنبؤ بمستقبله، والسعي للتعرف إلى طرق التعامل مع المسلمين والحركات الإسلامية بما يعزز المصالح الغربية، سواء كمكاسب أو كاستقرار مطلوب في المنطقة، بينما الغاية من بحث الإسلاميين في الغالب تبرير موقف الحركة الإسلامية، والدفاع عنها من التهم اللصيقة بها، هو إذن أقرب إلى البحث الدفاعي والتبشيري منه إلى البحث العلمي والموضوعي، لذا فإنه يميل إلى ذكر المحاسن وغض النظر عن المساوئ.

على الرغم من ذلك، فإن محاولات تجديد الفكر الحركي ظلت تمثل قلقا وهاجسا عند بعض مثقفي الحركة الإسلامية وعلمائها، ودعا العديد منهم إلى ضرورة التصدي لهذا الأمر، فلا يختلف اثنان على حاجة فكر الحركة الإسلامية إلى التجديد والتطوير المستمرين، وربما ما نلحظه من تكرار ظاهرة الانشقاق الحركي في السنوات الأخيرة خير دليل على تلك الحاجة.

لا أنكر أن جزءا من تلك الانشقاقات مردها ما أطلق عليه البعض «خلافات تنظيمية وإدارية» داخل الحركة الأم، وربما يصح قول البعض الآخر من رد بعض حالات الانشقاق إلى «الخلافات المالية وتضارب المصالح» داخل الجماعة الواحدة، ما دفع الجموع الدينية المتضررة نحو الانفلات الحركي، لكني أعتقد جازما أن تلك المشكلات وغيرها الكثير إنما هي نتيجة لضمور التجديد الفكري داخل الحركات الإسلامية بالدرجة الأولى.

استعصاء الجماعات الدينية على التغيير، وثباتها على فكر المؤسس (مفكرا أو زعيما سياسيا، أو مرشدا دينيا) واعتبار ذلك نوعا من الإخلاص والثبات على الحق، ضَيَّع من أيدي الحركيين فُرصا ذهبية، كان بإمكانهم أن يقتنصوها لصالح المجتمعات الإسلامية أولا ولصالح الحركة الإسلامية وأهدافها ثانيا، والأهم أنها تختصر زمن النصر، من خلال تَعرُّف الحركة الإسلامية في وقت مبكر على إشارة نهاية المرحلة القديمة، والبدء من جديد في ظروف أخرى ومغايرة.

حتى الآن، الحركة الإسلامية تعيش ردة الفعل، وتنتقل من زمن إلى آخر بحكم الظروف القائمة، ودون تخطيط مسبق لاستقبال ذلك التحول، والكثير من الحركات لم تنتبه إلى أنها خرجت من طور لتدخل في طور آخر، ومن زمن حركي إلى زمن جديد مختلف كليا، إلا في وقت متأخر وبعد أن تكون الأمور في العالم، أو في البلاد التي تحتضنهم تقدمت أشواطا كبيرة، ويصعب اللحاق بها.

ويعنيني هنا الإشارة مثلا إلى مقدار التأخر الزمني الذي عاشته أغلب الفصائل الحركية لاستيعاب التحولات الهائلة التي حدثت في التسعينيات من القرن المنصرم، وإلى عدم قدرتها على استثمار الانفتاح الإعلامي والثقافي والاجتماعي غير المسبوق الذي شهده العالم في تلك السنوات، ومن ضمنه العالم الإسلامي شعوبا ودولا، فكان العالم يسير في واد والحركة الإسلامية وقادتها في واد آخر، تفصل بينهم سنوات طويلة، هي مسافة وعي المستجدات في العالم.

هذا التغيير، برغم حجمه الكبير والواسع، لم يستثر الحركة الإسلامية وكوادرها في العموم نحو إعادة قراءة أفكارها من جديد، ولم يدعها إلى التدقيق في شكل وأبعاد الصراعات التي تخوضها الحركة ضد أو مع الأنظمة الحاكمة، ضد أو مع القوى السياسية الأخرى، أو إلى تحديد نوعية المشاريع والاهتمامات والأفكار التي يتطلب طرحها في هذا الزمن، ومحاولة التحلي بالجرأة للتخلي عن أفكار أخرى وطرحها جانبا، وإن كان لها ثقلها وأهميتها الحركية في وقت سابق.

نعم، لقد استجابت بعض فصائل الحركة الإسلامية في الكثير من المناطق، ومنها الحركة الإسلامية في الكويت والبحرين والسعودية والأردن ومصر ولبنان لضرورات التغيير، وتحولت في زمن قصير من الموالاة إلى المعارضة، أو من المعارضة إلى الموالاة، وغير البعض ثوبه الحركي والسياسي أكثر من مرة، لكن من المؤسف أنَّ ما جرى لم يقم اعتمادا على الدراسة والاستقصاء البحثي، ولا اعتمادا على القراءة المعمقة للأوضاع المستجدة ومتطلبات المرحلة الجديدة، وإنما اعتمادا على بعض الفتاوى الفقهية، أو استجابة لقرارات حزبية ضيقة، وهو ما يفسر لنا حجم الأخطاء التي لاتزال تقع فيها الفصائل في حراكها السياسي.

كان من المؤمل أن تكون الحركة الإسلامية مجس نبض التحولات في العالم، وتحديدا داخل العالم الإسلامي، لكن تخلفها عن تشييد مصانع فكرية معاصرة، وتجاهلها دعم الباحثين والمثقفين بالمال والإمكانات وتوجيههم نحو القضايا الحقيقية، أسهم في بقاء الحركة الإسلامية في طور العاطفة، في الوقت الذي كانت ولاتزال بأمس الحاجة إلى صوت العقل والحكمة، وهو ما جعل الحركة الإسلامية مفصولة عن الأسئلة المحيطة بها.

* كاتب كويتي

ahmed.shehab@awan.com

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء  9/تموز/2008 - 5/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م