عمق الرؤية في العلاقة بين الأدب والفلسفة

الموصل/وليد مال الله 

(يبدأ الأديب بالتفلسف حين لايكتفي بالنظر الى الأشياء وإنما يبحث في ماهيتها وأصولها وعلاقتها ببعضها البعض)

 

شبكة النبأ:  على امل عودة الامن والامان الى الموصل الحدباء، بدأت في الظهور خطوات ثقافية واعدة بإتجاه الإبداع والفكر الخلاق، فقد استضاف اتحاد أدباء وكتاب نينوى عضو الاتحاد الاديب الدكتور أحمد جارالله ياسين، التدريسي في كلية الآداب بجامعة الموصل، للحديث عن موضوع (العلاقة بين الادب والفلسفة) بحضور عدد كبير من أعضاء الاتحاد والمهتمين بشؤون الثقافة في المدينة.

أدار الجلسة الشاعر عمر عناز، واستهل الدكتور جارالله محاضرته بتعريف كل من الادب والفلسفة اذ قال ان (الادب هو تشكيل لغوي فني جميل لتجربة ما، في حين عرّف الفلسفة بانها السعي وراء المعرفة بخصوص مسائل جوهرية في حياة الانسان ومنها الموت والحياة والواقع والمعاني والحقيقة). ثم عرج الى الحديث عن اقتراب الادب من الفلسفة قائلاً ان التقارب بينهما يزداد (كلما تعمق الادب في استبطان الأفكار من التجارب البشرية في حين تقترب الفلسفة من الادب كلما اهتمت بالأساليب اللغوية الأدبية لتشكيل الأفكار التي تريد التعبير عنها).

وعن الادب أضاف قائلاً (الأدب هو احد الأشكال التعبيرية عن الأفكار الفلسفية، والفلسفة تستخدم اللغة لتوصيل أفكارها وكذلك يفعل الادب، لكن الادب يستخدم اللغة باسلوب فني، أما الشعر وهو واحد من أجناس الادب يوظف الاستعارة والتشبيه والكناية والرموز)، وهذه كلها حسب قوله (أدوات فنية لصياغة التجارب والافكار التي يريد الاديب توصيلها بشكل جمالي غير مباشر وأيحائي يؤثر في المتلقي)، كما أشار الى ان (الادب والشعر خاصة يستلهم الفلسفة في ادراكاتها الشاملة ونفاذها العميق الى جوهر الأشياء والعلاقات فيما بينهما، بحيث هو يستلهم آفاق الفلسفة لا تقنياتها ومناهجها، ويستلهم قضاياها وهمومها وأبعادها لا براهينها وأدلتها المنطقية العقلية).

العمق في الرؤية عند الأديب والفيلسوف

وعن الالتقاء بين الاديب والفيلسوف أوضح ان (الأديب يلتقي مع الفيلسوف حين ينظر بعمق نحو أشياء العالم والتجارب التي يمر بها، وسر هذه النظرة العميقة الأبداعية واحد عند الاديب والفيلسوف، وان مايثير خيال الاديب وعبقريته هو احساسه العميق بالاشياء وانفعاله بها).

وعن العمق والشمول في النظرة الى الاشياء قال جارالله (ان العمق والشمول والقوة التي يتمتع بها احساس الشاعر انما تعتمد في قدرته على المقارنة والاستقراء والتجريد والتعميم والنفاذ الى قلب الاشياء من أجل استخراج مدلولاتها ومعانيها الغامضة وهي جميعها ملكات عقلية تحيلنا الى نقاط جديدة بين الادب والفيلسوف تتمثل بهذه الرغبة عند الاثنين في التعمق بمعرفة العالم وأشيائه وظواهره) مبيناً ان (الاديب سيزداد تشبعه بالروح الفلسفية التي تتجاوز الواقع وتسمو عليه وتطرح على نفسها المسائل الخالدة التي تتناول جوهر الاشياء).

وعن تفلسف الاديب أوضح جارالله ان(الأديب يبدأ بالتفلسف حين لا يكتفي بالنظر الى الأشياء وإنما يبحث في ماهية الأشياء وأصولها وعلاقة بعضها ببعض في إطار إحساس مزيج من الدهشة والتعجب، فالدهشة كما يرى أفلاطون والتعجب كما يرى أرسطو هما ما يحملان الانسان على التفلسف اذ يدفعانه الى المعرفة والتساؤل).

وفيما يخص الاختلاف الحاصل بين الاديب والفيلسوف استطرد جارالله قائلاً (قد يختلف الأديب عن الفيلسوف في كون الاديب يعتمد على العاطفة في ادراكه للعالم وأشيائه وعلاقاتها أكثر من اعتماده على العقل في حين يعتمد الفيلسوف على العقل، لكن الأديب ليس عاطفة واحساساً فحسب، وكذلك الفيلسوف ليس عقلا فحسب فلا تخلو نصوص الأديب من البعد العقلي وكذلك نصوص الفيلسوف لا تخلو من البعد العاطفي لان كلاهما بشر يحمل الاثنين العاطفة والعقل معاً)، وبرر ذلك بان ( الاديب ينقل تجربة ذاتية فيها مشاعر لكنها لاتخلو ايضا من مدركات وثقافة وتجارب واقعية وأفكار ففي تجربة الاديب عقل مدرك ايضا وفيها خيال مبدع وعاطفة جياشة، والفيلسوف انما هو انسان له عواطف ومشاعر ايضا الى جانب مدركاته العقلية والفكرية).

كيف تدخل الفلسفة الى الادب

ومضى جارالله موضحاً (ان النصوص التي يقدمها الادب تتحول الى مادة ومصدر رئيس لتاسيس تفسير فلسفي أو نظرية فلسفية ويمكن كذلك الدخول الى عالم فلسفة ما من خلال أدبها اذا ماتوفر ذلك)، مضيفاً (فالادب الوجودي مثلا المتصف بمضامين التمزق النفسي والخوف والدوار والغثيان واللاحقيقية والغربة الدائمة هو في الحقيقة خلفية الفلسفة الوجودية).

وعن فوائد الفلسفة للأدب أشار جارالله الى ان (الادب يكتسب من خلال البعد الفلسفي خلفية فكرية أكثر عمقاً وخلوداً).

وبعد بيان نقاط الالتقاء والاختلاف بين الادب والفلسفة استطاع جارالله على تعريف الادب الفلسفي بانه هو(الادب الذي يستلهم القضايا الفلسفية بعمق من مضامينه ويعبر عنها باساليبه الفنية الجميلة التي تتنوع بتنوع أجناسه الادبية من شعر وقصة ورواية وملحمة وخاطرة ومسرحية)، مضيفاً ان (الادب الفلسفي ليس جنساً أدبياً جديداً وانما هو سمة موجودة في بعض النصوص الادبية القديمة والحديثة.

وبين جارالله في نهاية محاضرته قائلاً(تدخل الفلسفة الى الادب من خلال المضمون بنحو عام كما نرى في ملحمة كلكامش أو عن طريق دخول بعض الافكار الفلسفية بشكل جزئي مثلما في شعر أبي العلاء المعري أو عن طريق تضمين العمل الادبي شخصيات متفلسفة، او ذات ملامح فلسفية أو عن طريق تضمن العمل الادبي أثرا من آثار بعض الفلسفات المعاصرة مثل الوجودية كما قد نجد فلسفة في أعمال بعض الادباء مثل نجيب محفوظ، وفي اطار دراستنا للادب الفلسفي يجب ان نؤكد على ان الادب لا يضحي باساليبه الفنية وجمالياتها من اجل المضمون الفلسفي لان ما يميز الادب في الحقيقة هو تلك الاساليب او مايسمى بالشكل) واستطرد قائلا (يبقى النص الادبي يبقى متميزاً عن النصوص الاخرى، العلمية، التاريخية، والفلسفية، باساليبه الفنية في تشكيل اللغة وليس بمضامينه، فالموت مثلا كموضوع يمكن ان يعبر عن مضامينه كل من الاديب والفيلسوف لكن الاديب يعبر عن الموت باسلوب أدبي فني وبلغة اخرى غير لغة الفيلسوف واسلوبه المنطقي الجاف) ومع هذا كما قال جارالله (ان جمالية الاسلوب-الشكل لن تكتمل قيمتها الادبية في النص الادبي من دون ارتباطها بالموضوع أو المضمون الذي تعبر عنه). ولم تخل الجلسة من نقاشات حادة حول الموضوع الذي أثار الكثير من الاسئلة لدى الحضور.  

 

شبكة النبأ المعلوماتية- االخميس  3/تموز/2008 - 29/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م