سيدي محمد رضا الشيرازي
كيف أغريت الجنة بك؟ كيف جعلتها تشتاقك أكثر مما تشتاقها؟ كيف
جعلتها تفكر في اختطافك؟ كيف أعدت ترتيب المواسم كما تشتهي حتى
اشتهت الجنة قطافك إذ رأتك مونعا قبل موسم الحصاد؟ كيف صيرت ذاتك
جنة تحن إليها الجنة؟
كنا نقرأ قول النبي: إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى
الجنة، وإن الجنة لأعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة. وكنا نفكر كيف
وصل سلمان إلى هذه المرتبة، فلما شهدناك راحلا إلى الملكوت الأعلى
ولسان حالك يقول ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ اقتربنا
أكثر من فهم قوله .
سيدي محمد رضا الشيرازي
كلما أنصتت قلوبنا إلى أحاديثك هطل عليها غيثك فاهتزت وربت
وأنبتت من كل زوج بهيج.
وكلما أشرق علينا وجهك ذكَرتنا الله رؤيته، وغمرتنا إفاضاته،
واستولت علينا مدياته.
لقد كنت على نور من ربك، فجعل لك نورا تمشي به في الناس، بل
جعلك نورا يهدي الله به من يشاء.
روي أن النبي قرأ ﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ
لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ فقال إن النور
إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح، قالوا: يا رسول الله فهل لذلك
علامة يعرف بها؟ قال: التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار
الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت.
هذه العلامات انطبقت عليك تمام الانطباق وتجسدت في سيرتك
الناصعة أيما تجسد. فكنت مقتديا بجدك أمير المؤمنين حين طلق
الدنيا ثلاثا طلاقا بائنا لا رجعة فيه، فلم تملك من حطام الدنيا
شيء، ولم يملكك منها شيء، لقد كنت طليقا تحلق في الملأ الأعلى وكان
من يظنون أنهم يملكون الدنيا أسارى لها ورهن إشارتها وطوع يديها.
أما أنت فقد هزئت بها إذ علمت هوانها على الله وأنها لا تساوي عنده
جناح بعوضة، وكنت من المنيبين إلى الله المتعلقة أرواحهم بالآخرة
لها يعملون، ورضا الله يبتغون، وفي الليل والنهار يرددون ﴿ إِنَّا
نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ ، كانت
الخشية من الله شعارك ودثارك، ولذلك ردد عمك الصادق الشيرازي في
صلاته عليك: اللهم إنه كان يخافك ويخاف فيك فآمن روعته.
لقد كنت مصداقا لمن حصر الله خشيته بهم حين قال تعالى ﴿
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ يقول الإمام الصادق في تفسير هذه
الآية: يعني بالعلماء من صدق فعله قوله.
نعم لقد صدَق فعلك قولك، فكنت ربانيا بكل ما تحمل هذه الكلمة من
دلالات.
أما استعدادك للموت فلا يحتاج لحديث، إذ لا يكاد يخلو حديث لك
من ذكر الموت، فهنيئا لك ما قدمت، كأني بك تقول واثقا: ﴿ هَاؤُمُ
اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ • إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ
﴾..
هنيئا لك هذا التشيع المهيب. هنئيا لك جوار جدك الحسين .
والسلام عليك سيدي يوم ولدت ويوم انتقلت إلى جوار ربك ويوم تبعث
حيا. |