ثقافة حواجز الكونكريت تجذِر الحواجز النفسية بين العراقيين

شبكة النبأ: عانى العراقيون خلال فترة مابعد الحرب على العراق في العام 2003، أزمة أمنية كبيرة لتترتب عليها فيما بعد أزمات كثيرة منها وضع حواجز نفسية بسبب الاقتتال الداخلي بين طوائف البلد الواحد بعد أن عجزت الحكومة عن ردع هذا الاقتتال أو تلافيه فعمدت على بناء الحواجز الكونكريتية لتفصل بين مدينة سنية وأخرى شيعية عسى أن تكون هذه الحواجز عاملا يساهم في استتباب الأمن.

 ومن هنا أقرّ العديد من الخبراء من سكان بغداد والمتابعين للأوضاع الأمنية في العراق أن العاصمة التي كانت مضطربة بشدة لأعوام طويلة تعيش اليوم في هدوء لم تعرفه منذ زمن، وذلك بفضل سياسة الأسوار الأمنية التي وزّعتها القوات الأمريكية لتحول دون تدفق المسلحين والقناصة والسيارات المفخخة.

إلا أن هذا الواقع لا يعجب الكثير من "البغداديين" الذين تابعوا تحول مدينتهم إلى سجن كبير محاط بأسوار يفوق ارتفاع بعضها ستة أمتار، إلى جانب ما ينتج عن هذا الواقع من ازدياد في الاختناقات المرورية وأسعار الشقق والطعام.

وتحيط الأسوار بالمساجد والكنائس والمستشفيات والجامعات، وأحياناً بأحياء كاملة، ترى السلطات أنها قد تكون هدفاً لهجمات محتملة، الأمر الذي يقطّع أوصال هذه المدينة التي شهدت قتالاً عنيفاً خلال الأعوام الماضية بين السنّة والشيعة.

ويقول كريم مصطفى، أحد سكان مدينة الصدر، الذي يقطن على بعد خمسة دقائق من سور يطوّق شارعه: ربما سيقومون بإزالة هذه الجدران.. لا أعلم متى، لكنني لا أعتقد أن ذلك سيحصل في القريب العاجل. حسب CNN.

وبالفعل، فإن عمليات بناء الجدران والأسوار لم تنتهي في العاصمة العراقية، إذ ترتفع الآن ورشة بناء ماثلة حول حي الحرية الذي شهد ومقتل وتهجير الآلاف من السنة، ويرى البعض أن الخطوة ستساهم في تثبيت الأمن الهش، إلا أنها ستثبّت أيضاً الحدود الفاصلة بين المذاهب.

وتحمل بعض الجدران إعلانات دعائية، بينما يحمل بعضها الآخر رسوماً زاهية، في حين تنتشر الصور والشعارات السياسية على قسم ثالث منها، لكن معظمها يظل رمادياً وباهتاً، في إشارة إلى الخطر الذي يقبع خلفه، وفقاً لأسوشيتد برس.

وينطبق هذا الأمر على حي الدورة، الذي كان يعتبر أحد أخطر أحياء بغداد، ومعقلاً أساسياً للمسلحين السنّة، إذ حولته الأسوار إلى ما يشبه المتاهة، ويقول سليم أحمد، 29 عاماً، وهو أحد سكان المنطقة، إن الجدران منعت المسلحين من دخول الحي، غير أنها جعلته في عزلة عن سائر أرجاء بغداد.

وتصرّ القوات الأمريكية على أن الخطة نجحت في عرقلة تحركّ وتموين المسلحين السنّة المتصلين بتنظيم القاعدة، والعناصر الشيعية التي تنشط ضمن ما يعرف بـ"المجموعات الخاصة،" رافضة الإشارة إلى دورها في رفع أسعار المأكولات والمنازل بسبب عرقلة الحركة.

ويقول الرائد فرانك غارسيا، أحد الناطقين باسم الجيش الأمريكي في بغداد إن مشروع بناء سور حول حي الحرية: "يهدف إلى جعل المنطقة آمنة، مع أسواق يمكن للناس ارتيادها وشوارع يمكن السير فيها دون خوف.

وللتدليل على صحة ما يذهب إليه، ذكّر غارسيا بتجربة بناء سور حول منطقة الأعظمية السنيّة شمالي بغداد، حيث كان للجدران العازلة دور كبير في استتباب الأمن واختفاء عناصر "القاعدة" الذين سيطروا لأعوام على الشوارع.

برنامج حراس الأحياء لتأمين بغداد

وعن مجاميع الحراسات فأن تشكل مجموعة صغيرة من الرجال من ذوي الشعر الاشعث كانوا يجمعون بنادق كلاشنيكوف عند نقطة تفتيش في حي مدينة الصدر ببغداد جزءا من خطة لتعزيز سيطرة العراق على أحد معاقل مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة.

الرجال الذين يرتدون زيا أسود وقبعات كالتي يرتديها لاعبو البيسبول مطبوع عليها كلمة "سميرنوف" على نحو يتعذر قراءته ينتمون لاحدى المجموعات الاولى من حراس الاحياء الجدد الذين يخرجون للشوارع في الحي المترامي الاطراف في اطار برنامج تموله الولايات المتحدة.

وانتشرت وحدات دورية الاحياء المدعومة من الولايات المتحدة والتي تسمى أحيانا "ابناء العراق" في المناطق التي تسكنها أغلبية من العرب السنة في العراق لتعزيز الامن ومحاربة مسلحي القاعدة.

ويقول الجيش الامريكي ان هذه الجماعات ساعدت على تقليص العنف في العراق في مايو ايار الماضي الى أدنى مستوياته منذ أربعة أعوام.

وحراس الاحياء في حي مدينة الصدر هو المحاولة الاولى لتشكيل قوة كهذه في معقل ميليشيا جيش المهدي الموالية للصدر في العاصمة العراقية. وكان الحي الفقير الواقع في شرق بغداد الذي يسكنه مليونان لسنوات خارج سيطرة الحكومة الى حد كبير.

وتدفع القوات الامريكية لسكان محليين 300 دولار شهريا لحراسة منطقتهم وتفتيش السيارات بحثا عن أسلحة أو متفجرات. بحسب رويترز.

قال قيس علي الموسوي (32 عاما) وهو واحد من أحدث مجموعة جرى تجنيدها لاجتياز برنامج تدريب أمريكي مدته ثلاثة أيام يشرف عليه جنود عراقيون في قاعدة أمريكية بالقرب من بغداد "أنا هنا لحماية الحي الذي أعيش فيه وحماية عائلتي وحماية بلادي."

وقتل مئات في معارك في مدينة الصدر بين القوات الامريكية والعراقية وجيش المهدي في مارس اذار وأبريل نيسان الماضيين. وأنهت هدنة تم التوصل اليها في العاشر من مايو ايار القتال وبعد عشرة أيام دخل نحو عشرة الاف جندي عراقي المنطقة دون مقاومة.

وحراس الحي الجدد جزء من جهود أمريكية وعراقية لتعزيز سيطرة الحكومة على حي مدينة الصدر والحيلولة دون استعادة الميليشيا لسطوتها. وفقدت الميليشيا التأييد الشعبي وسط غالبية السكان في مدينة الصدر بسبب العنف والابتزاز.

ولم يشر مدربو الجيش العراقي في حفل التخرج الى جيش المهدي تحديدا كخصوم لحراس الاحياء وانما لا توجد أي شكوك لدى المجندين الجدد في أنهم قد يصبحون أهدافا لانهم يساعدون القوات العراقية والامريكية.

قال عباس كاظم موسى (41 عاما) وهو مشرف على نقطة تفتيش في جنوب مدينة الصدر "تلقينا تهديدا من جيش المهدي... لكنا لا نبالي."وأضاف "اذا كانت لديهم الشجاعة فليأتوا لملاقاتنا."

ويأمل الجيش الامريكي من خلال دفع سكان محليين لحراسة الشوارع أن يعطي دفعة اقتصادية لمنطقة تعاني من معدل مرتفع للبطالة وأن يقدموا للشبان بديلا أكثر جاذبية من الانضمام لجيش المهدي.

قال السارجنت فردريك ديوك وهو جندي أمريكي يعمل مع جنود عراقيين في تدريب حراس الأحياء "اعتقد أن الجزء الاكبر (البرنامج) منه هو أن تتيح للسكان المحليين أن تكون لهم مساهمة فيما يجري في أحيائهم."

وقال ديوك ان المرتب أكثر مما يتقاضاه السكان المحليون "في السوق المفتوحة مقابل زراعة عبوة ناسفة" في اشارة الى القنابل التي تزرع على الطرق وهي أكبر سبب لمقتل جنود أمريكيين في العراق.

كما تعمل القوات الامريكية على تحسين الجزء الجنوبي من مدينة الصدر بتقديم منح صغيرة لاصحاب الاعمال المحليين وتركيب مولدات لتوصيل كهرباء للبيوت وتنظيف المنطقة المحيطة بسوق الجميلة وهو واحد من أسواق الجملة الرئيسية في بغداد.

وقال المقدم يحي رسول وهو قائد في الجيش العراقي في الحي ان الجيش الامريكي كان يعثر على مخابئ للاسلحة يوميا في مدينة الصدر كما يتخذ اجراءات صارمة ضد الحصول على اتاوات من تجار سوق الجميلة وهو مصدر رئيسي لتمويل الميليشيا. وقال رسول لرويترز ان كثيرا من أفراد ميليشيا جيش المهدي اما أنهم فروا أو اعتقلوا وانه لا يزال هناك بعض من أفراد الميليشيا ولكن معنوياتهم محطمة أو أنهم هم أنفسهم محطمون.

وقال الميجر مايك همفريس وهو متحدث باسم الفريق القتالي باللواء الثالث الامريكي انه من بين 1300 هم اجمالي الحراس المقرر تجنيدهم جرى الى الان تدريب نحو 500 من الحراس الجدد.

ويتم تدريب المجندين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 عاما ومنتصف العمر على استخدام بنادق الكلاشنيكوف وتفتيش السيارات واحتجاز المشتبه بهم. ويعطي الجيش الامريكي لكل حارس بندقية والذخيرة التي تتم مصادرتها من مخابئ الأسلحة.

ويقول المجندون الجدد الذين كانوا عاطلين عن العمل أو عملوا في الاعمال الشاقة أو كسائقي سيارات أجرة ان المرتب جيد وأن كثيرا من أصدقائهم يرغبون في الالتحاق. ويقول ضباط أمريكيون انه يجري فحص المجندين لاستبعاد من لديه سجل جنائي.

وقال محمد محمود وهو سارجنت في الجيش العراقي ساعد في تدريب 300 مجند خلال الشهر الماضي ان بعض المجندين كانوا في جيش المهدي لكنهم انتقلوا لحراس الاحياء عندما وجدوا أن المرتب أفضل.

هل يستمر هدوء بغداد؟

من جانب آخر كتب "ابيغيل هاوسلونهر" موضوعا في التايم يتحدث فيه عن الحركة الشعبية في بغداد قائلا مع مغيب الشمس عن جسر الجادرية وسط بغداد تتدافع مجموعات من الشباب عبره بنشاط ومرح بعد أن اوقفوا سياراتهم بجانب الرصيف من بداية الجسر الممتد عبر نهر دجلة وحتى نهايته.

وأضاف "هاوسلونهر" لاشك ان مثل هذا المشهد غير متوقع في بلد هو الآن في عامه الخامس من الحرب، إلا أن الأغرب منه بالتأكيد هو الجعة (بيرة) التي كان يشربها هؤلاء الشبان، فمثل هذا النوع من السلوك العلني لم يحدث في بغداد برأي السكان المحليين منذ السنة الاولى للحرب.

وتطرق الى منطقة القادسية المجاورة يقول تمثل طاولات الرجال المتقدمين بالسن، الذين يدخنون النرجيلة (الشيشة) ويتبادلون احاديث اجتماعية رصيف المقهى المحاذي للشارع.

وعن منطقة الحارثية في بغداد قال أيضا تمت ازالة الاسلاك الشائكة التي كانت تحيط بمساحة كبيرة من العشب الاخضر، واخذت مجموعة من اطفال المدارس تمارس فيها لعبة كرة القدم المحببة الى قلوبهم، كما تعج منطقة الكرادة بالنشاط والحيوية اثناء النهار بعد ان عادت واجهات محلاتها الزجاجية الكبيرة التي حطمتها الانفجارات مرة أخرى لتعرض من بين اشياء اخرى احدث انواع الثريات الكهربائية المصنوعة من الكريستال الخالص.

والآن، يقول تقرير جديد صادر عن وزارة الدفاع الامريكية ان العنف في العراق وصل لأدنى مستوى له منذ اربع سنوات، وان هذا البلد حقق تقدماً ملموساً في توفير السلام والاستقرار، لكن هل يدوم هذا الاستقرار ام يتفق الموضع على الارض اكثر مع تقرير مكتب المحاسبة الامريكي الذي يفيد ان فترة الهدوء الراهنة ما هي الا لحظة آنية سوف تتبدد مثلما حدث في فترات اخرى سابقة؟.

وأضاف "ابيغيل هاوسلونهر" فقبل اسبوع انفجرت سيارة في الحارثية في نفس الحي الذي كان يلعب فيه الاطفال كرة القدم قبل ايام قليلة، كما تعرض الشبان الذين كانوا يشربون الجعة على جسر الجادرية لاعتداء من جانب متدينين متطرفين عام 2004 وعلى الرغم من عودة هؤلاء الشبان لتناول هذا المشروب في نفس المكان، الا ان وجودهم فيه ليس مؤشراً على تحسن الوضع الامني بل هو تعبير عن مواقف تتسم بالايمان بالقضاء والقدر باتت سائدة بين شباب العراق اليوم.

وزاد أيضا لقد امتدحت الحكومة العراقية والقيادة العسكرية الامريكية آخر مبادرة عسكرية لرئيس الحكومة نوري المالكي في مدينة العمارة باعتبارها تمت بأقل قدر من الخسائر الا ان السلام فيها لايزال يبدو هشاً مقلقاً فالغضب يملأ قلوب رجال مقتدى الصدر ـمنافسي المالكيـ بسبب ما يعتبرونه اعتقالات غير قانونية لانصارهم خلال الحملة.

حول هذا، يقول الكاتب السياسي طلال احمد سعيد الذي يعمل في بغداد: لا اعتقد ان الوضع لايزال هشاً، وهناك احتمال لوقوع انفجار في اية لحظة، وارى ان ما حدث في العمارة كان شيئاً زائفاً، فقد اعلنوا عن الحملة قبل اسبوع من بدئها مما سمح لكل رجال الصدر المتطرفين بمغادرة المدينة الا انهم سوف يعودون اليها بعد حوالي شهر وسيحدث نفس هذا الأمر في الموصل والبصرة.

واختتم" هاوسلونهر " موضوعة قائلا على أي حال، ليس ثمة شك في ان القاء نظرة سريعة على بغداد في بعض الايام تكشف لك ان البلد يسير نحو السلام بل يتفق معظم الناس على ان المدينة أصبحت اليوم اهدأ مما كانت عليه في ذروة العنف الطائفي عام 2006 لكن مع هشاشة مكاسب الأمن بين يوم واخر من الصعب القول ان التقدم الذي تحقق حتى الان سوف يستمر فمن المرجح ان تكون الفترة الراهنة مجرد هبوط اخر يتماثل في انحداره الحاد مع ما يحدث عادة في قطار تتحرك عجلاته على سكة حديد افعوانية الشكل معلقة بالهواء .

شبكة النبأ المعلوماتية- االاثنين  30/حزيران/2008 - 26/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م