نظم منتدى الجاحظ الذي يرفع منذ انبعاثه شعارمن أجل تنوير عربي
إسلامي يوم الأربعاء 4 جوان 2008 مناظرة بين فيلسوفين عربيين
مميزين هما المصري حسن حنفي والتونسي أبو يعرب المرزوقي وقد تمحور
الجدل حول عدة قضايا أهمها العلاقة بين الدين والفلسفة وأزمة
الفلسفة اليوم ودورها في عقلنة تعامل الهوية مع العولمة.
اللافت للنظر أن الحوار بين الفلاسفة العرب هو حوار حول
الماهيات وأن النتيجة هي لا غالب ولا مغلوب أي بعيدة عن منطق
الانتصار والهزيمة وأن الفوز الأكبر يحصل للثقافة العربية لما وقع
تحريكه وتم فتحه من إشكاليات ورهانات نحن في أمس الحاجة إليها في
عصر المثقف الاستعراضي والفكر المنمط والذوق الهابط، وهذا اللقاء
هو مواصلة لتفاعل تاريخي حول قضايا شؤون الحكم والتنوير والإصلاح
الديني ودور المرأة في المجتمع وتجديد العلوم وقد حصل بين أرض
الزيتونة وأرض الأزهر منذ ابن خلدون أين وجد خير الدين الى جانب
الطهطاوي والثعالبي الى جانب محمد عبده والطاهر الحداد الى جانب
قاسم أمين والطاهر بن عاشر الى جانب على عبد الرازق وبورقيبة الى
جانب عبد الناصر وخضر حسين الى جانب طه حسين وهاهو التفاعل يستمر
فنرى أبو يعرب المرزوقي المنتصر الى التيار الاسمي في الفلسفة
العربية ممثلا في الغزالي وابن تيمية وابن خلدون ضد التيار الواقعي
يجادل حسن حنفي صاحب مشروع التراث والتجديد والمنتصر الى التيار
العقلاني والذي يمثله المعتزلة وابن رشد والساعي الى إعادة بناء
علوم الدنيا وخاصة علم الكلام وعلم أصول الفقه وعلوم الحكمة وعلم
التصوف على ضوء متطلبات العصر والذي تقدم خطوات هامة في سبيل انجاز
مشروعه.
1*ماهي علاقة الفكر الديني والفلسفي وتحديات الراهن؟
حسن حنفي:
مصدر المعرفة الانسانية ثنائي وهما بعدان: الأول فلسفي والثاني
ديني، الفلسفي أقرب الى المنهج منه الى الموضوع يتميز بالطابع
البرهاني العقلاني ويرتكز على التأمل الذاتي وتحليل الخبرة المعيشة،
علاوة على ذلك ان الفلسفي بعيدا أن يكون إيمانيا تسليميا ولا يعتمد
على سلطة بل مرتبط بالتفكير والتساؤل والحرية والخلق وممارسة النقد
ويرى تعدد الآراء.
أما الديني من جهة ثانية فيبدأ بحقائق مسبقة ويقينيات هي
الإيمانيات ويعتقد في المفارقات والغيبيات ويؤمن بشيئية العقائد
وقدسية النصوص أي أنه يتصور العقائد على أنها أشياء ويرى أن الرأي
واحد وأن البواقي من الآراء يجب أن تحذف، كما أن الحوار داخل الفكر
الديني صعب لأن منطقه هو منطق الفرقة الناجية بينما الحوار يشترط
تواجد تنوعات وكثرة من الأشخاص والآراء جنبا الى جنب.
فماذا نفعل أمام هذه الثنائية: العقل والدين، الفلسفة والإيمان؟
وهل تستطيع المعرفة الانسانية أن توحد؟
وماذا نفعل ان فشلنا في الوصول الى وحدة بين الديني والفلسفي؟
في الواقع ليس الفكر الديني فكرا واحدا بل متعددا إذ هناك الشرع
والكلام والأصول والذوق وكلها أنماط من الخطاب وتجارب حية تدور حول
نفس التجربة الإيمانية.
ان الديني والفلسفي متفقان من حيث الجوهر والغاية ومختلفان في
أدوات التفكير ومجال الانطباق إذ أن الفيلسوف نخبوي ويتكلم الى
الخاصة والنبي جماهيري ويتكلم للعامة.
أبو يعرب المرزوقي:
يجب التكلم من منظور آخر، فلغة العنوان طبيعية عادية لا تطرح أي
إشكال في ظل غياب أية علاقة بين الفكر الديني والفلسفي من جهة
وتحديات الراهن من جهة أخرى وبالتالي ينبغي أن تتوفر عدة وسائط بين
الطرفين. اذا كان الفكر الفلسفي يتوسل وساطة العلم لمواجهة تحديات
الراهن فإن الفكر الديني يتوسل وساطة الأخلاق في نفس المهمة وهي
مواجهة تحديات الراهن.
غير أن الوسيطين العلمي والأخلاقي مفقودين عند العرب في الحالة
الحاضرة وكل من الفكر الديني والفلسفي قد تحولا الى جزء من تحديات
الواقع ويمثل كل واحد منهما تحدي للآخر، فجوهر الإشكالية التي
يعاني منها العرب تتمثل في كون الشخص العلماني يزعم أن الفكر
الديني هو عائق أمام تطور الواقع والشخص الإيماني يدعي أن الفكر
العلماني هو عائق أمام التمسك بالأخلاق.
حسن حنفي:
ان الأمر يتعلق بثلاثية هي الدين والفلسفة والواقع ويمكن أن
نلاحظ وجود تداخل بين الدين والفلسفة في علاقتهما بالواقع إذ أن
داخل العلم هناك نوع من الانشائيات وصور افتراضية وداخل الدين هناك
خطاب خبري لأن الفكر الأصولي مبني على الإخبار. هناك أخلاقيات داخل
العلم وعلم داخل الدين فالفلسفة تسعى الى الفهم بينما الدين هو
التدبير حيث يوجهك الى الطبيعة من أجل أن يساعدك عقلك البشري على
اكتشاف قوانينها.
أبو يعرب المرزوقي:
أين الخامسة في الإشكاليات الأربعة؟
المشكل أن الفيلسوف عندما يوسط العلم لمجابهة تحديات الراهن
يستثني ذاته والمتدين يفعل نفس الشيء عندما يوسط الأخلاق فهو يلغي
ذاته وبالتالي فان الحلقة الخامسة المغيبة هي الذات.
ان الذي يتم إلغائه هو الواسطة أي العلم والأخلاق واذا ما تم
إدخال الذات فان ذلك يؤدي الى تلازم بين العلم والأخلاق. هذا
الإشكال يمكن وضعه في معادلة رياضية هي التالية: كفاية العلم عند
الفيلسوف لحل إشكال الواقع وكفاية الأخلاق عند المتدين لحل إشكال
الواقع وهو ما ينتج عنه تغييب كلي للذات.
2* هل الفلسفة تعيش أزمة هيكلية؟ هل مازالت تلعب دورا مركزيا في
مرحلة ما بعد الحداثة؟ هل مازل للفيلسوف دورا في عصر العولمة؟
أبو يعرب المرزوقي:
الموضوع يطرح من جهتين: الفكر الفلسفي العالمي والفكر الفلسفي
العربي، الفكر الفلسفي العالمي يتقدم وهناك نظريات جديدة في حين أن
الفكر الفلسفي العربي يعيش أزمة وهو في حالة ركود.
سبب الأزمة التي يعاني منها الفكر الفلسفي العربي هي غياب
الوسيط لأنه لو عرفنا الفلسفة لقلنا إنها قول على قول أو قول ما
بعدي وهي تقيم بينها وبين موضوعها وساطة تارة العلم وطورا الأخلاق
واذا ما أرادت الإبداع مباشرة لقلنا أنها مطالبة بالمرور مباشرة
الى الواقع دون وساطة.
ابن خلدون مثلا أسس علم التاريخ بنقد الخبر عن الحدث والمؤرخ
هنا مطالب بنقد الوثيقة وبالتجريح والتعديل والأمانة في الإخبار
حتى يطابق عمله المعايير الموضوعية. ليس هناك عند العرب هذا الوسيط
أي علم التاريخ وماهو موجود هو فلسفة نظرية في التاريخ وحتى
الفنومنولوجيا هذا الإدراك المباشر للواقع فإنها تدخل النسبية على
الوساطة العلمية مما يقربها من جنس الأدب.
حسن حنفي:
ثمة تبادل للمواقع بيني وبين زميلي أبي يعرب فهو متعود على
التأمل النظري والمعرفة المجردة وأنا منخرط في الهم اليومي ومتعود
على الممارسة والعمل ولكن نراه اليوم يخوض في الأمور العملية ويترك
لي المسألة النظرية، ما نلاحظه بالفعل أن الفلسفة في أزمة ونحن
كلنا في أزمة وهي ليست أزمة حداثة وفشل تنوير وكبوة إصلاح بقدر
ماهي أزمة حصار الزمن حيث ينتصب سجن له ثلاثة حوائط أمامنا ويمنعنا
من التقدم:
- حائط التراث والماضي والقدامى حيث نقف أمامه موقف تقديس
وتعظيم.
- حائط الحداثة والعولمة والفكر الغربي الوافد حيث نقف أمامه
موقف انبهار وتقليد واستهلاك.
- حائط الواقع المعيش والأوضاع البائسة حيث الانقسام والحيرة
والتردد والانتظار واللامبالاة,
بينما المطلوب هو فك حصار الزمن بالتخلص من ثقل الماضي ووطأة
الحاضر وسلطة الفكر الغربي علينا لأن خلافنا معه هو خلاف حول
المرحلة التاريخية فهو ينهي ونحن نبني، هو يهبط ونحن نصعد.
الفلسفة في أزمة لأنها عند العرب محاصرة بالمنقول منذ الغزالي
وابن تيمية ولأنها عند الغرب تقوم الآن بتفكيك الأسس التي انبنت
عليها.
أبو يعرب المرزوقي:
العلم عند الغرب حصل كوسيط وتجاوز حده بينما عند العرب لم يحصل
والأزمة هي غياب الوساطة العلمية والخلقية بينما عند الغرب تتمثل
الأزمة في عدم كفاية الوساطتين العلم والأخلاق وهنا ظهرت ما يسمى
بأزمة قيم وعاش الغرب حالة ما بعد العلم وما بعد الأخلاق.
بينما الذي يجعل العلم والأخلاق يتطوران هي الحرية وهي القيمة
الوجودية الكبرى وأصل كل القيم والحرية في الإيمان هي الدين الصادق
وفي العمل هي الإخلاص والإحسان وغياب النفاق والرياء.
حسن حنفي:
البحث عند العرب ليس في ما بعد كما هو في الغرب بل متمحور حول
ما قبل أي الشروط التي تؤدي الى التأسيس ولذلك يجب الحرث وتقليب كل
شيء من أجل زرع زرعا جيدا. نحن أمام علامة استفهامية كبيرة مطروحة
هي: أين نحن نعيش؟ في أي عصر نوجد ؟
لقد تحول عندنا رجل العلم الى حافظ وعارض للأفكار والآراء ولم
يعد قادر على إقامة الإصلاح والتغيير لذلك يعاد السؤال عندنا من
جديد: من أين نبدأ من جديد؟ هل من الوحي أم من العقل؟
هل يمكن للدين أن يكون فلسفة؟ وهل الأزمة تتمثل في إقامة فلسفة
الدين؟
الوحي والعقل هما مصدرا المعرفة الانسانية والوحي قائم على
العقل والطبيعة والنظر أول الواجبات والعقل هو الأساس في التكليف
والجزاء والاستخلاف والتعمير.
أبو يعرب المرزوقي:
الما بعد هو إبداع القيم الجمالية التي تضفي المعنى على العالم
والاستخلاف هو أن يكون الانسان راعيا للكون وهنا يجب أن نتجاوز
الإبداع العلمي والأخلاقي الى معناهما أي علاقات الحب التي هي جوهر
الدين. السؤال الذي يطرح هنا هو: هل صار الدين والفلسفة شيء واحد؟
متى كانا مختلفين؟ وهل هما متنافسان على نفس الدول معالجة تحديات
الراهن أم متكاملان؟ وماذا نفعل ان كانا متناقضين؟
الأزمة هي عدم فاعلية الفهم وعطالة الفعل عند العرب لم يفهموا
العالم بل أقصواه العالم وجعلوه ضدهم وكان من الأجدى أن يفهموه
ويجعلونه معهم.
هناك تنازل عن القيم وعدم تدبر لآيات القرآن لأن آيات الأفاق
يمكن أن تساعد على قيام علوم الطبيعة وآيات الأنفس يمكن أن تساعد
على قيام علوم الانسان.
3- هل نحن مطالبون بالتأسيس أم بإعادة البناء؟
أبو يعرب المرزوقي:
لسنا مطالبين لا بالتأسيس ولا بإعادة البناء بل الاكتفاء بطرح
السؤال الفلسفي الذي ينطلق من حيرة بينما السؤال الديني ينطلق من
يقين ويطلب المعونة والتسديد من الغيب. المهم كيف أوجد وراء حيرتي
الفلسفية وكيف أوجد وراء يقيني الديني والحل هو العلاج الطبي
الديني أي الربط بين الإيمان والعمل.
ان المطلوب ليس تأسيس علوم جديدة ولا إعادة بناء علوم قديمة
تتماشى مع العصر كما يرى زميلي حنفي بل أن يكون لنا كونية العلوم
الإسلامية وكونية القيم الإسلامية.
ينبغي أن ننطلق من اللغة العربية التي تعتبر الى جانب الإغريقية
واللاتينية والانجليزية لغة كونية للعلم ويجب أن نربي الانسان
عندنا على التناصح بالحق والتواصي بالصبر.
حسن حنفي:
يجب إعادة بناء العلوم القديمة من أجل الرد على تحديات الراهن
ويجب إعطاء الأولوية للعمل على النظر لأن الكوجيتو الإسلامي هو
كوجيتو عملي والنظر تابع دائما وأبدا للتجربة التاريخية.
الدين يقوم على الحيرة وليس فقط على العلم اليقيني ويظهر ذلك في
تجربة الشك عند إبراهيم والنطق الإسلامي يقوم على قياس الغائب على
الشاهد والفرضيات وليس على الحقائق المطلقة واليقينيات.
العلم كوني ولكنه أيضا حضاري ولكل حضارة رؤيتها للعلم وموقفها
من العالم واللغات الكونية الخاصة بالعلم ليست فقط العربية
والإغريقية واللاتينية والانجليزية بل الصينية والهندية وغيرها.
من الضروري نقد الاستشراق والرد عليه بعلم الاستغراب وليس
مباركته والتسليم بالأحكام التي يصل إليها لأنه ارتبط بالتبشير
والاستعمار ويكرس التبعية والتمركز على الذات.
ملاحظة:
لقد حركت فينا جميعا هذه المناظرة الكثير من الأسئلة وحققت لنا
الاستفادة لأن تقدم الفكر العربي لن يتحقق الا بتكرار مثل هذه
المناظرات وبإجراء حوار نظري بين العلماء يقومون من خلاله بمراجعة
جذرية للمشاريع السائدة قصد نقدها وتلمس بديل حضاري متوازن وقد قمت
بالتصرف في المناظرة حسب المعنى ولم أكتف بالنقل الحرفي لما سمعته
وأتمنى أن أكون قد وفقت وأرجو من الأصدقاء أن يصححونني ان أخطأت.
* كاتب فلسفي |