الاتفاقية الامنية: ضغوط سياسية لاستحقاقات الانتخابات المحلية

اعداد/صباح جاسم

 

شبكة النبأ: في مواجهة الجدل الدائر في الاوساط السياسية العراقية والذي تعززه انتخابات المجالس المحلية المقبلة في الخريف، اكد الرئيس الامريكي جورج بوش لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التزام الولايات المتحدة التوصل الى اتفاق يحترم بشكل كامل السيادة العراقية.

والاتفاق الذي جرت مفاوضات مكثفة بشأنه منذ اسابيع، يتقدم بفضل تسويات تتضمن تنازلات في سقف مطالب الولايات المتحدة التي تتضمنها المسودة، لكن خلافات ما زالت قائمة حول بعض النقاط الاساسية في النص الذي يفترض ان يحدد اطارا قانونيا للوجود العسكري الامريكي في العراق بعد انتهاء تفويض الامم المتحدة في 2008.

فبينما تخلّت بغداد عن طلب الولايات المتحدة حماية العراق من التهديدات الداخلية والخارجية مقابل تخلّي امريكا عن طلب الحصانة للشركات الامريكية المتعاقدة في العراق بقي السياسيين العراقيين يخوضون حملة خطابية تجعل من شبه المستحيل التوصل الى اتفاق هذا الصيف على خلفية صراع انتخابي تخوضه قوى هؤلاء السياسيين حيث يتسابق كل منهم "خطابيا" بالصرامة والالتزام بسيادة واستقلال العراق ويُظهر نفسه على انه الحامي الوحيد للبلد، لذا فان هذا الامر يوجب عدم اسراع الحكومة العراقية في توقيع المعاهدة وإلقاءها على عاتق القوى السياسية، التي هي أصلا ترغب في عقد الاتفاقية ولا ترفضها بتاتاً، حتى لا تتحمل هذه الحكومة المسؤولية التاريخية في هذا الوقت الحرج من عمر العراق الجديد..

وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ان واشنطن وبغداد اللتين حددتا نهاية يوليو موعدا لابرام الاتفاق، ما زالتا مختلفتين حول حصانة الجنود الامريكيين امام القضاء العراقي وهي نقطة تشكل الاساس التقليدي لاتفاقية وضع القوات (ستيتوس فورسز اغريمنت).

وما زال الجانبان على خلاف ايضا بشأن عدد القواعد للجنود الامريكيين في العراق على الامد الطويل، اذ ان واشنطن تطالب بنحو خمسين منها، وحول حرية شن عمليات وتوقيف واحتجاز عراقيين.

وقال الخبير في الشؤون العراقية في معهد واشنطن (واشنطن اينستيتيوت) نزار الجنابي ان "الحكومة تواجه خيارا صعبا: انها تريد استعادة السيادة في اسرع وقت ممكن لكنها تريد ايضا الابقاء على وجود للتحالف الى ان تتمكن القوات العراقية من تحمل مسؤولية الامن في البلاد". بحسب فرانس برس.

من جهته، صرح مايكل اوهانلن الخبير في شؤون الدفاع في مركز "بروكينغ انستيتيوت" ان العراقيين "حريصون على تأكيد سيادتهم لاسباب داخلية ويحتاجون للبرهنة لشعبهم انهم لا يركعون امام الولايات المتحدة".

ويتعرض المالكي لضغوط متزايدة من قبل التيارات الشيعية ليحد من الهيمنة الامريكية. وفرضت ايران نفسها على الجدل بالتعبير عن معارضتها لاي اتفاق أمني بين بغداد وواشنطن.

من جهة اخرى، قال ستيف سايمون من مركز العلاقات الخارجية ان هذه المناقشات "تحيي شبح هيمنة اجنبية طويلة الامد عاشها العراقيون مع البريطانيين" في النصف الاول من القرن الماضي. وحرصا على التوصل الى نتيجة، قدمت الولايات المتحدة تنازلات.

وقال زيباري انهم تخلوا عن طلب الحصانة للشركات الامريكية المتعاقدة في العراق، وهي قضية تتسم بحساسية خاصة بعد مقتل 17 مدنيا عراقيا في سبتمبر الماضي برصاص اطلقه عناصر في شركة "بلاك ووتر" الأمنية الخاصة.

اما بغداد، فتخلت عن طلب التزام الولايات المتحدة حماية العراق من التهديدات الداخلية والخارجية. لكن الخبراء يشككون في امكانية التوصل الى اتفاق في نهاية يوليو.

وقال نزار الجنابي ان "السياسيين العراقيين يخوضون حملة خطابية تجعل من شبه المستحيل التوصل الى اتفاق هذا الصيف".

وفي هذه الحالة تبدو الخيارات محدودة ولكنها قائمة على حد قول اوهانلون الذي اشار الى امكانية تمديد تفويض الامم المتحدة او ابرام اتفاق موقت. واضاف اوهانلون ان "الخيار الذي لا نملكة حتى اذا كنا نريده هو سحب كل جنودنا بحلول ديسمبر" المقبل.

بوش والمالكي..محادثات الاتفاق الأمني تمضي قدما

وقال البيت الابيض ان الرئيس الامريكي تحدث مع المالكي واتفقا في الرأي على ان المفاوضات الخاصة باتفاق أمني طويل الأجل تمضي بشكل جيد.

وقال جوردون جوندرو المتحدث باسم البيت الابيض في بيان "بحث الزعيمان المفاوضات الجارية لتطوير علاقات ثنائية طبيعية واتفقا في الرأي على ان المفاوضات تسير بشكل جيد مع طرح كل جانب لأفكار بناءة."

ويتفاوض البلدان بشأن اتفاق أمني جديد لتوفير أساس قانوني لبقاء القوات الأمريكية في العراق بعد انتهاء أجل تفويض الأمم المتحدة في 31 ديسمبر كانون الاول واتفاق منفصل طويل الأجل بشأن العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية. بحسب رويترز.

وفي الأسبوع الماضي قال المالكي ان المناقشات تعثرت وسط مخاوف بشأن سيادة العراق. وتخلت الولايات المتحدة عن مطلب منح حصانة قضائية لمتعاقدين مع شركات أمريكية خاصة تعمل في العراق.

وقال جوندرو "اكد الرئيس بوش التزام الولايات المتحدة بالتوصل الى اتفاق يحترم سيادة العراق." وتحدث الزعيمان عبر دائرة فيديو مغلقة.

وقال جوندرو "اكد رئيس الوزراء المالكي التزامه بالتوصل الى اتفاق يلبي مصالحنا المتبادلة في كل الميادين المحددة في إعلان المبادئ بما فيها التعاون الاقتصادي والدبلوماسي والأمني."

إقرار الاتفاقية بحلول يوليو المقبل

وقال بيان للحكومة العراقية ان وزير الخارجية هوشيار زيباري بحث مع ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي في واشنطن "الحاجة للانتهاء" من اتفاقية الاطار الاستراتيجي طويلة الامد.

وذكر البيان ان الطرفين اتفقا "على اهمية انجازها (الاتفاقية) قبل نهاية يوليو لتحاشي الفراغ القانوني الذي قد ينشأ بعد انتهاء تفويض مجلس الامن في نهاية هذا العام."

وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه ان ادارة بوش لم تعد تسعى للحصول على حصانة قانونية للمتعاقدين الخاصين العاملين في العراق وهو احتمال مزعج لكثير من العراقيين الذين يرون ان المتعاقدين قوة امن يعملون دون خضوعهم لمحاسبة تذكر. واضاف "سحب ذلك من على الطاولة ..لا يوجد سابق لذلك فحسب. العراقيون يعرفون ذلك."

لكن حدوث تحول بشأن احدى القضايا الشائكة في المحادثات لا يمكن حتى ان يضمن توصل الجانبين الى اتفاق بحلول اغسطس اب. بحسب رويترز.

واثارت المحادثات نقاشا حاميا في كل من العراق والولايات المتحدة حيث يخشى المشرعون الديمقراطيون من ان اي اتفاقية قد تطيل امد وجود الجيش الامريكي في العراق وتقيد ايدي الرئيس الامريكي المقبل.

كما قال الديمقراطيون ان الاتفاقية يجب ان ترسل الى المشرعين لمراجعتها ولاحتمال الموافقة عليها خاصة اذا كانت تلزم القوات الامريكية بالدفاع عن العراق ضد اي اعتداء اجنبي.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن زيباري قوله يوم الاربعاء ان المسؤولين الامريكيين والعراقيين اعادوا صياغة الالتزام الذي اقترحه البيت الابيض للدفاع عن العراق في مسعى لتجنب تقديم الاتفاقية الى الكونجرس لاقرارها.

كما نقلت الصحيفة الامريكية عن زيباري قوله ان البديل الذي يجري بحثه سيلزم القوات الامريكية "بمساعدة قوات الامن العراقية بالدفاع عن نفسها" بدلا من الدفاع عن العراق.

وفيما يقول كبار المسؤولين الامريكيين علانية انهم متلزمون بالتوصل الى اتفاق طويل الامد مع العراق فان هناك بعض الاحباط من نقص التقدم خاصة في ظل ان الوقت المتبقي امام تفويض الامم المتحدة وادارة بوش التي ستترك السلطة في يناير كانون الثاني اخذ في النفاد.

وقال ضابط بالجيش الامريكي ان اسهل حل سيكون مد تفويض الامم المتحدة لعام اخر. وقد كشفت الولايات المتحدة عن تفاصيل قليلة للمحادثات لكن المالكي قال الاسبوع الماضي ان العراق اعترض على اعطاء القوات الامريكية حرية اعتقال العراقيين او القيام بعمليات في استقلال عن السيطرة العراقية.

وقال زيباري لواشنطن بوست انه سيجري تشكيل "لجان" مشتركة للاشراف على عمليات الجيش الامريكي واعتقال المواطنين العراقيين.

ولدى الولايات المتحدة اتفاقيات مماثلة بشأن "وضع القوات" مع 80 دولة بها شروط لحماية الجنود الامريكيين من الملاحقة القضائية من جانب نظام قضائي اجنبي.

صحف امريكية كبرى تدعو لرفض المعاهدة

من جهة ثانية استحسنت افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز الموقف العراقي الرافض للاتفاقية الأمريكية – العراقية بصيغتها المطروحة ودعت الكونغرس والشعب الأمريكي الى رفضها ايضا.

وقالت الصحيفة في مقال تحت عنوان " لحظة الحقيقة في بغداد " أعربت فيه عن اعتقادها بان الشقة بين الجمهوريين والحكومة العراقية قد اتسعت "بحجم لا يمكن تجاهله ." ولذلك تقترح الصحيفة "ترك التفاوض والعلاقات مع العراق لتقديرات الادارة الاميركية القادمة."

وتتناول الصحيفة الاعتراضات العراقية"في حين تدفع الادارة باتجاه اتفاقية لتمديد الوجود العسكري الاميركي في العراق، يدفعهم العراقيون الى الخلف. وهذه علامة ايجابية." ثم تطرح السؤال "ولو صح ذلك الكلام ـ والكثير من هذه الاصوات مقبولة جدا ـ فالعراقيون على حق في رفضهم، وكذلك على الكونغرس ان يفعل والجمهور الاميركي."

وترى الصحيفة ان الاتفاقية الامنية التي يجري التفاوض بشانها ترمي لإلزام الرئيس الاميركي المقبل بمتابعة سياسة بوش الراهنة في العراق.

وتعرب الصحيفة عن دهشتها "من الغرابة ان بوش، بدفعه بهذا الاتجاه بشدة، قد يحقق ما بدا محالا: وهو توحيد الجماعات العراقية الاثنية والسياسية المتفرقة." وترى ان "اخر شيء تحتاجه الولايات المتحدة هو توحيد بلد اخر من خلال الغضب على الولايات المتحدة."

وتجد الصحيفة ان "السيناتور ماكين، كحال السيد بوش، لا يصغي بوضوح الى العراقيين كما لا يصغي الى الشعب الاميركي."

ثم تتساءل الصحيفة عن حجم الاموال التي تنفق على ادامة الجهد العسكري الاميركي في العراق قائلة ان "لاي حد سيواصل السيد ماكين دفع ملايين دولارات مضاعفة لتمويل الحرب (والسيد بوش استلف مبالغ باهضة من مستحقات اجيال قادمة) او التعامل مع تحديات امنية اخرى تواجه الولايات المتحدة، ومن بينها انبعاث القاعدة وطالبان من جديد في افغانستان."

العراق بين الاعتراف بإسرائيل و"التساهل" بتوقيع الاتفاقية

من جهة ثانية نفت وزارة الخارجية العراقية علمها بوجود ضغوط امريكية على الحكومة العراقية للاعتراف بالدولة العبرية ، فيما اكدت مصادر مطلعة لـ(صحيفة الوطن) ان احد النقاط التي ناقشها المبعوث الامريكي ساترفيلد مع مختلف القيادات السياسية التي التقى بها خلال زيارته الاخيرة لبغداد ، كانت منح المرشح الديموقراطي باراك اوباما فرصة المساومة على ابقاء القوات الامريكية في العراق مقابل وعد رسمي عراقي للاعتراف بإسرائيل، مشيرة الى ان الدبلوماسي الامريكي المتخصص بالملف العراقي اعتبر ان الحل الافضل للخروج من نقاط الاختلاف حول الاتفاقية الامنية بين البلدين.

وكان الكونغرس الامريكي قد اصدر قرارا غير ملزم للادارة الامريكية يدعوها فيه الى الضغط على الحكومة العراقية للاعتراف بإسرائيل وجاء هذا القرار برقم 1249، وحصلت "الوطن" على نصه الانكليزي،وقد تضامن مع النائب هيستنج في تقديم القرار ثلاثة من اعضاء مجلس النواب عند تقديم القرار يوم 5 يونيو الا ان عدد من قاموا برعايته، أي تأييده، بلغ 57 نائبا أمريكيا.

يذكر ان ما يسمى "بالقرار" يعتبر غير ملزم لكن يمكن استخدامه لاحقا في صياغة مشاريع قوانين لها قوة الالزام كما جرت العادة في السابق. كما تعتبر القرارات ذات اثر سياسي اكثر منها سلطة قانونية، ومنها القرار الذي دعا فيه الكونغرس الى اعتماد صيغة فيدرالية لتقسيم العراق الى 3 فيدراليات عرقية من قبل السيناتور جوزيف بايدن.

ويطالب القرار غير الملزم العراق باقامة علاقات تجارية مع الدولة العبرية بشكل معلن ورسمي باعتبار إسرائيل "بلدا رائدا في المجالات الطبية والزراعية والتكنولوجية"..

وعلل القرار ذلك بان "الشراكة التجارية بين العراق وإسرائيل سوف تشجع النمو في العراق بينما تقوم العراق باعادة بناء البلد".

وقال وكيل وزراة الخارجية محمد الحاج حمود "ان وزارة الخارجية لاعلم لها ولم تكن هناك اية اتصالات بينها وبين اية جهة اخرى تحاول ممارسة ضغوط عليها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل" على حد قوله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأثنين  23/حزيران/2008 - 19/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م