ثمة هوى حداثي يسعى للعناية بالبيئة، يدغدغ شغاف كل القلوب،
وشاع كمفهوم شامل متعدد المناح والممارسات،تدفق في لجة البحث عن
رتق الخيوط المتقطعة بين التراث والحداثة، كونها تكتسي أهمية
بالنسبة للجميع، وامست ثيمة واقعية لفهم التراث أو جسر رصين لربط
الخيوط المتقطعة بين تراث مفعم بالروح المرهف وحداثة منفلته ومثقلة
بسطوة المادة.
البيئة هي مجموعة العوامل الطبيعية والمستحدثة التي يعيش فيها
الإنسان وتترك أثرا في نفسه وصحته ومعاشه و إنتاجه، وتستهدف
مشروعات تحسين البيئة تطوير المجتمع في مجالات حماية الأفراد
والجماعات من أضرار وأخطارها الخاصة والعامة وتطويرها يوفر السلامة
والأمن والراحة ويساعد على نمو شخصية الأفراد وتحسين صحتهم وزيادة
إمكانياتهم الإنتاجية، وذلك من خلال إستخدام العلوم ووسائل الهندسة
والتقانة التي تهيئ مقومات البيئة الصالحة وتحافظ على مستوياتها من
التدهور (1).
والاهتمام بالبيئة المحيطة قديم قدم الإنسان نفسه وجاء من ضمن
سياقات فلسفية متعلقة بثلاثية (الدين والكون والإنسان) ووردت في
نصوص عراقية كثيرة. أما اصطلاح "علم البيئة" ecology في الأزمنة
الحديثة فقد ظهر منذ العام 1866 على يد عالم الحيوان الألماني (إرنست
هايكل). وأشتق له من مصدر الكلمة اليونانية oikos التي تعني الموطن،
وقد استخدمه (هايكل) للإشارة إلى (البحث في مجموع علاقات الحيوان
ببيئته العضوية وغير العضوية). ومنذ أوائل القرن العشرين عُرّف
بكونه (فرعًا من فروع البيولوجيا (الأحياء) يبحث في علاقة الكائنات
الحية ببيئتها). ولكنه أخذ يتحول إلى اصطلاح سياسي، خصوصا منذ
ستينيات القرن العشرين حيث استخدمته حركات (الخضر) المتصاعدة، و
مافتئت تثير تلك الأفكار الجديدة قدرًا كبيرًا من الجدل.
وأكبر مشكلة بيئية تواجه العالم اليوم هي تآكل طبقة
الاوزون،التي تحجب أو تقي تركيز الأشعة فوق البنفسجية الضارة
بالإنسان وخرابها يتداعى إلى انتشار أمراض خطيرة مثل سرطان الجلد.
وكذلك مشكلة تزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون، وتدهور البيئة الحيوية
والتصحر، و تلوث البحار والمحيطات، وجرف التربة وغيرها من المشكلات
البيئية.
لقد شاع اليوم مفهوم(العمارة البيئية) أو العمارة المستدامة
(Sustainable architecture) الذي يهتم بالمحيط الطبيعي المادي
للبيئة حصرا، ويوصي باستعمال مواد طبيعية غير مصنعة أو نصف
مصنعة،لا تضر البيئة أو تقلل من الآثار البيئية الناجمة عن الأنشطة
البشرية المختلفة وتدعوا الى خفض المخلفات والملوثات والحفاظ على
قاعدة الموارد الطبيعية للمستقبل.وهكذا فسرها دعاة "الإستدامة" على
أنها (تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون الإضرار بقدرة الأجيال
القادمة على تلبية احتياجاتها). وهكــذا فإن بواعث تبني مفهـــوم
الاستدامة في القطــاع العمراني لا تختلف عن البواعث التي أدت إلى
ظهور وتبني مفهوم التنمية
المستدامة(SustainableDevelopment)بأبعادها البيئية والاقتصادية
والاجتماعية المتداخلة. ويتعدى الأمر تداول الخامات البنائية
والعوازل أوالتوجيه الأمثل للمبنى بما يخص التشميس والتهوية، إلى
استغلال طاقات الطبيعة كالشمس والريح و العناية بنظم التخطيط
وتفاصيل البناء، وتطبيق نتائج البحوث العضوية ودورتها، لخدمة قاطني
البناء.
و الإنشاءات المستدامة أو البناء الأخضر طرق وأسلوب جديد
للتصميم، تستحضر من خلالها التحديات البيئية والاقتصادية التي ألقت
بظلالها على مختلف القطاعات في هذا العصر، فالمباني الجديدة يتم
تصميمها وتنفيذها وتشغيلها بأساليب وتقنيات متطورة متماهية بيئيا،
وفي نفس الوقت منخفضة التكاليف وعلى وجــه الخصــوص تكــاليف
التشغيل والصيانة (Running Costs)، كما الإسهام في توفير بيئــة
عمرانية آمنة ومريحــة.
و ثمة توازن بيئي موروث ومسترسل ما بين الإنسان والتربة والماء
والجو أستمر حتى قرنين مضت.ليشيع الإنسان بعدها جشعا، باكورتها
تجسدت في إنفلات عقال الثورة الصناعية البيئي، وبداية تلويث البيئة
و ارتفاع نسبة الغازات السامة، بحيث اختفت خلال تلك الحقبة من
تاريخ البشر أنواع حية كثيرة من النباتات والحيوانات، و أكدت
البحوث اختفاء أو انقراض 100 نوع من الحيوانات والنباتات كل يوم.
وجاء في دراسة لاكاديمية العلوم الاميركية ان الارض لم تشهد
ارتفاعا مماثلا للحرارة منذ 400 عام على الاقل، وربما منذ 1000 عام،
بسبب حجم التطورات التي طرأت على النشاط الانساني لاسيما في المجال
الصناعي (2).
التراث والبيئة
لقد وهب الفقه الإسلامي أهمية للجانب البيئي من ضمن اهتمامه
بالعمارة وميزان المقاصد الشرعية ؛ ولهذا الغرض خٌصصت وفُصلت
الأحكام الشرعية تقييدًا لسلطة الإنسان وحركته بإطار الخلافة لله
وأمانة الإصلاح في الأرض وعمارتها، وهكذا دخلت علاقة الإنسان
بالبيئة في مراتب الضروريات والحاجيات والتحسينات في مقاصد الشرع
من حفظ للدين والنفس والعقل والمال والعرض (3).
ووردت تعاليم صريحة في القرآن الكريم ترتب العلاقة بين الثلاثي
( الكون والطبيعة والإنسان)، وقد دعا إلى النظر والتدبر في الكون
وصولا إلى الحق المطلق كمعادلة وغاية مرتجاة، كما في قوله تعالى: (وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (4).وبحسب ذلك المفهوم
فأن علاقة الإنسان مع الطبيعة تتناسب طردياً مع ازدهار العدالة في
علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان. أي أن مجتمع العدل والسلام الخالي
من روح المنافسة وسطوة الغرائز الإستحواذية هو الذي يفجر طاقات
البيئة ويتعامل معها بشكل لا يؤدي إلى سوء استغلالها، بما فيها من
موارد وقوى مادية تسخر للإنسان.وهذا المفهوم (عرفاني Gnostic)
تبناه الإسلام من ضمن سياقات روحانية أسترسلت من نتاج الشرق القديم،
وورد من ضمن مفاهيم فلسفية سابقة، تبناها النصارى والمانويون
والأحناف، وغيرهم حتى وطأ بعضها الصوفية والاعتزال والتشيع وبعض
الفرق الإسلامية الوسطية (5).
وهكذا طفحت المعادلة البيئية المدعوة إسلاميا بـ (الإفساد)،
بحسب قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلآ
تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) (6). والأمثلة السابقة تداعت
من ذلك الإفساد و أنعكس وبالا على الأرض وقاطنيها،كما في قوله
تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ((7))أو في قوله (وَمَا أَصَابَكُمْ
مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ
كَثِيرٍ )( 8).
وعلى نفس المبادئ المعادلة بين الغيبيات والأخلاقيات، نشأت دعوة
مبكرة إلى الإنبات والتشجير و الارتقاء بالبيئة الخضراء المحيطة.
حيث نقل عن أبي قتادة، قال رسول الله (ص): (إن قامت الساعة وفي يد
أحدكم فسيلة , فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها) (9).
وورد في حديث أخر (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه
طير أو إنسان إلا وكان له به صدقة) (10). وقد حدد المنهج الأخلاقي
للإسلام ماهية التعامل مع العلم ومنهجيته وإنشغالات البحث العلمي
التي لا تمس ما لا طاقة للبيئة به بحجة التنمية والتوق إلى التقدم
كما نلمسه في حضارة اليوم، وبذلك اختارت من العلم ما يناسب ونبذت
الباقي.
وبذلك أمست علاقة الإنسان مع البيئة ذات محتوى واقعي وليس غيبي،
و شكلت سنة من سنن الله.وأصبح يقينا أن مجتمع الظلم الممزق يعمل
على تدمير البيئة، وسوء استغلالها.وما يحصل الآن وحصل بالأمس هو
تدمير البيئة تحقيقاً لمصالح اقتصادية أو أغراض عدوانية. فحمى بناء
المفاعلات النووية وإنتاج الأسلحة الفتاكة واستعمال اليورانيوم من
جانب، ومن جانب آخر قطع الغابات أو إحراقها في إندونيسيا والأمازون
وأفريقيا،، واستعمال طرق مص ضرع البيئة بشكل جشع أدى إلى
إماتتها،بما سيقضي على حياة الإنسان من حولها.
شجون العمارة والبيئة
أن احترام البيئة جاء ضمن الممارسة الأخلاقية في عمارة الإسلام،
كونها مصدر مواد البناء التي تجسد العناصر المعمارية، وهي التي
تشارك في خلق فضاءات معمارية موائمة للعيش وأجواء صميمة تراعي فيها
الراحة الجسمية والنفسية.
و البيئة الإسلامية على العموم تتميز بالجفاف وانخفاض معدل
الأمطار وارتفاع شدة الإشعاع الشمسي وارتفاع معدل الفاقد الإشعاعي
ليلا، وبثبات نسبي في أنواع الرياح اليومية والموسمية. وفي تبني خط
إنساني يكرس شعور بالراحه للساكن، يكون مصدرا من مصادر بناء حالته
النفسية المستقرة، ومن ثم يتداعى في الممارسة الأخلاقية إزاء
مجتمعه التي تعتبر وسيلة وغاية. وبذلك توصلوا الى تلك المعادلة
التعليلية، و تبنوا أسلوبا في البناء متناغما مع تلك المعطيات
المناخية ومستفيدة منها، وعلى العموم تتكرس المناحي البيئوية
لعمارة المسلمين بالصيغ التالية :
1. قللوا الأسطح الظاهرة من المباني وكذلك معدل الانتقال
الحراري وذلك بمراصفة البناءات في مجموعات وكتل.
2. استفادوا من التراوح في درجات الحرارة باستعمال الطين أو
الطوب في بناء حيطان سميكة مع تقليل عدد الفتحات ، وبذلك حدوا من
تبادل الطاقة مع الهواء الخارجي والحد من تسرب وتجمع الغبار.
3. عملوا صهاريج عميقة في الأرض لحفظ المياه.
4. حدوا من معدلات اكتساب الحرارة الشمسي، وذلك ببناء أفنية
عميقة تحيط بها الغرف ويتم تشجيرها. وكذلك الاحتفاظ بهواء الصباح
البارد عدة ساعات والتقليل من تأثير الرياح المحملة بالأتربة
وباستعمال الأسوار العالية والتي توفر قدرا من الضلال المرغوب بها.
5. استعلوا (الملاقف أو البادكيرات) أو (البقدش ) في الخليج.
6. استعملوا السراديب التحت أرضية، التي ما أحوج العمارة اليها
اليوم لتعدد وظائفها.
7. استعملوا السقوف المقببة من اجل الزيادة من معامل الانتقال
الحراري ومسطحة،بما يحتم شفطا للهواء الساخن في أعلى القبة.وتستعمل
في المناطق التي تسودها الرياح فتحات التهوية الطبيعية بدلا من
البادكيرات.
8. استعملوا الطاقة الشمسية في الغرف المصممة للأشغال الشتوي
وخزنوا الطاقة في الحيطان والسقوف،وجعلت التدفئة في الشتاء تتم في
الحجرات المستعملة للسكن والنوم فقط من اجل الاقتصاد في الطاقة.
لقد روعي في تصميم العمائر الإسلامية إحترام الموروث في كل بيئة
طبيعية بما يناسبها. واحترام الأعراف البنائية المناسبة
للبيئات(الثابت). وجاء التكريس من خلال أشادة الحيطان من مواد
محلية وبسمك يضمن صمودها وتحملها وزر أحمال البناء المحمول،
ومقاومتها للحرارة والرطوبة.
وهنا نذكر بأن الإسلام لم يمانع بالإسترسال في القيم الأخلاقية
للشعوب بما يتناسب مع مراميه الأخلاقية، ولاسيما في العمارة،على
مبدا الرسول الكريم (إنما جئت لأتمم لكم مكارم الأخلاق). وهكذا أقر
الخليفة عمر (رض) أن يبني العراقيون بالقصب مدائن الكوفة
والبصرة،كونها زاهدة وفعالة وتتماشى مع البيئة المحلية. ونذكر هنا
مثالا بأن المسلمين ورثوا من المصريين مبدأ قطع الحجر من المقالع
وإستخدامها في نفس الإتجاه التوجيهي، من ضمن مداميك الحيطان، بحيث
تحافظ على ديمومتها. وقد تجسد في حيطان مدرسة السلطان حسن، وها هي
الأحجار ترتع بأمان،ولم تتآكل كما أحجار مسجد الرفاعي الذي يقع
أمامه، وقد أقيم في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، لكنه لم
يصمد بسبب عدم إحترام مبدأ توجيه الحجر الفرعوني الذي أمسى إسلامي.
وعلى هذا المبدأ لم يكن الانقلاب الاجتماعي الذي أحدثه الإسلام
قد أثر في تصميم البيوت، فقد راعى المعمار في كل بيئة طبيعية بما
يناسبها من ميراثها. وعلى العموم فقد بقيت الفناءات (الأحواش)
نافذة التطبيق ومتعددة الإستخدامات والشيوع في البيئات الإسلامية،و
استعملت السقائف للتضلل وعني بغرس الأشجار في الحديقة التي تقع
عادة شمال المبنى لتلعب صفة المصفي ضد الأتربة وتنظيم عملية البخر
التي تضطلع بها الفسقية التي يبث خريرها وندى هوائها أجواء صميمة.
والفناء أو الحوش أو الباحة أو سط الدار ويسمى في عمارة شرق
أفريقيا (كيواندا)، وهو من العناصر المميزة للعمائر الإسلامية التي
ألغتها الحداثة المعمارية،واستبدلتها بالنوع المتضام الوارد من
بيئات المناطق الباردة. والفناء في اللغة هو السعة أمام العقار
سواء كان بيتا أو غرفة من الدار أو الدار نفسها،ويقول أبن منظور
(ت:711هـ-1311م): (هي الساحات على أبواب الدور، وفناء الدار ما
أمتد من جوانبها) (11).
و الفناء تقليد معماري وارد من الميراث المحلي في الشرق القديم
وأقدمها وجد في العراق،ولاسيما في مدينة أور. ومكثت جدوى هذا
العنصر التخطيطي مناخية ثم اجتماعية ونفسية. والحوش ساحة وسطية
سماوية تفتح عليها حجرات المنزل وليس على الخارج أو حتى على ممرات
تحيط بالجنان كما في قصر الحمراء على النظام المسمى(أتريوم).
ويعتبر الفناء قلب الدار وجزءا أساسيا في ظاهرة (التدرج الفضائي)
من الفضاء العام الذي هو الزقاق، والفضاء شبه العام هو بهو الدخول
/المجاز أو السقيفة، و الفناء يمثل الفضاء شبه الخاص، والغرف هي
الفضاء الخاص ). وهذا التدرج نفتقده في الدور الحداثية، حيث يلاحظ
اتصال فضاء المعيشة مباشرة، مع الباب الرئيسية،وهو مدعاة في عدم
الشعور بالراحه والخصوصية، التي جبلت عليها العقلية المسلمة.
والفناء المفتوح هو أفضل تعبير عن الفضاء المتعدد الاستعمالات،
و يمثل فضاء الفعاليات الاجتماعية المختلفة (الأفراح والاتراح )،
كما أنه فضاء المعيشة اليومية و لعب الأطفال والتنظيف والطهي
والاستحمام صيفا. و يساهم استعمال الماء، و سقي الأشجار في الفناء
في رفع نسبة الرطوبة في الفضاء، فتؤدي الى تلطيف الجو ولاسيما في
المناطق الجافة. ويوفر تسقيف الفناء (كما في الصحراء الكبرى)
إمكانية الحفاظ على البرودة المكتسبة ليلا،ومن الممكن تسقيف معظم
الفناء أو بعضه، حماية من العواصف الرملية والحرارة الشديدة. و
يبلط الفناء عادة بمواد بارده كالآجر المربع (يسمى في العراق
الفرشى).
ويلعب الآجر، أيضا، دورا هاما، بعد ترطيبه، في زيادة نسبة
الرطوبة وتكريس الشعور بالراحة. وعلى تناقض مع التراث فأن الحداثة
أوجدت البلاط الأسمنتي الذي لم يعد مناسب في تبليط الفناء، وأدى
الأمر الى نتائج سلبية، فالأسمنت مادة بناء تخزن الحرارة نهارا
وتشعها ليلا وببطئ. وبذلك تكون مولدة للحرارة بدلا من أن تكون
ممتصة لها كما المواد الطبيعية.ويكتسي الفنـــاء مهام بيئية في
الدرجة الأولى أهمها :
1. تلطيف الجو في المناطق الحاره حيث أن وجود الأشجار والماء
يجعل الفناء مظلل والهواء الموجود فيه بارداً وبما أن الهواء
البارد موجود بالفناء فأنه ينتقل الى الغرف المجاورة حيث النوافذ
تكون سفليه وإذا دخل الغرفة وصار حارً فأن كثافته الهواء الحار أقل
من الهواء البارد لذا يصعد الهواء في أعلى الغرف ليجد النوافذ
العلويه الخارجية ليخرج منها وهكذا يتجدد الهواء في دوره مستمره
لتبريد المنزل.
2. الخصوصية لساكني المبنى بما يحققه من ستر لتجمعاته ومتعة في
خضرته، وكذلك يشكل مصدر أمان للأطفال وهم يلعبون بالقرب من أمهم
دون ملل أو كبت.
3. الخضرة في الأفنية تقوم بلتطيف الجو الداخلي و تكون بمجموعها
في النسيج الحضري رئة للمدينة الإسلامية بينما في العمارة الحديثة
كل الأشجار في الطرقات والميادين والحدائق العامة لا تشكل نفس
النسبة في المدينة الإسلامية،ولا تحظى بالاهتمام الذاتي التي توليه
البيوت لأفنيتها.
4. الاتصال بالسماء حيث أن المسلمين لهم علاقة روحية بالسماء
فترى صحن المسجد مفتوحاً للنظر الى السماء والنجوم والظواهر
الطبيعية بما يرتقى بروح كل مؤمن إلى التدبر وتزرع فيه الرحمة
والراحة النفسية.
ويحدد حجم الفناء حجم الدار وموقعه بالنسبة الى اتجاه حركة
الشمس. ومن المتعارف عليه في المناطق الحاره - الجافة، أن يكون
ارتفاع جدار الفناء اكبر من طول أي من أضلاع قاعدته، أي أن يكون
عميق، ليوفر أكبر مساحة من الظل. وفي المناطق الحارة - الرطبة يفضل
أن يكون ارتفاع الفناء اصغر من أضلاع قاعدته لخلق تيارات هوائية.
والفناء المفتوح يسود المناطق الحارة. مع تغيرات بسيطة، مثل وجود
أروقه أو أعمده في بعض جوانبه كما ورد مقتبسا في العمارة الرومانية
باسم (أتريوم). ومن الممكن تسقيف معظم الفناء أو بعضه، حماية من
العواصف الرملية والحرارة الشديدة. ويوفر تسقيف الفناء (كما في
الصحراء الكبرى) إمكانية الحفاظ على البرودة المكتسبة ليلا.
وقد أختلف في تحديد مقاسات الفناء فهناك أراء تقول بأن طوله
بطول الجدار الملاصق للعقار بناحية الباب. وهنالك أراء فقهية كما
جاء لدى الشيخ أبن تيمية، تقول أن الفناء لا يختص بناحية الباب بل
جميع الجوانب.وقد اختلف طوله تبعا لظروف الأحياء والبناء.أما عرض
الفناء فيقول ابن الرامي( بأنه يتحدد بعرض مصب ميزابه، ومصب
الميزاب فيه أربعة أشبار إلى ستة بقدر سعة الطريق).وبذلك فان
الطريق الذي يحتوي على ميازيب طويلة فان الطريق كله يصبح
فناءا.وبذلك فأن مساحته تحددها الأعراف المحلية.
ومن العناصر المعمارية التي وجدت قبل وبعد الإسلام (السرداب)
وهي القبوات المطمورة كليا أو جزئيا في الأرض وهو فضاء متعدد
الوظائف كالخزن والنوم والجلوس في القيض. ويتداخل ذلك الفضاء مع
عنصر الملقف أو البادكير. وقد ورد ذكره في التراث الإسلامي حيث
يذكر المؤرخون أنه كانت هناك سراديب تصل القصور بعضها ببعض، وقال
ناصر خسرو أن قصور الفاطميين كانت مؤلفة من بيوت كبرى وصغرى تصل
بينها سراديب تحت الأرض. ووصف المقدسي سراديب قصر عضد الدولة
بشيراز. ويستغل السرداب للقيلولة ولحفظ الفو اكه والمربيات
والمخللات. لكنه يهمل شتاء، بسبب الرطوبة وارتفاع منسوب المياه
الجوفية.
والبادكير : وسمى الملقف في مصر أو الباركيل في الخليج والجزيرة
(وهو يقابل wind catcher بالأنكليزية)، وهو متلقف الهواء، ومنه
وردت (بادكير) الفارسية المركبة من مقطعين : باد - هواء، وكير -
جالب، أى جالب الهواء. والملقف أحد أهم عناصر التهوية الطبيعية
المساهمة في خفض درجة الحرارة داخل الدار الى أقل من 30 درجة مئويه
صيفا في حين تكون الحرارة في الخارج أكثر من 50درجه.و الملقف مجرى
هوائي، وظيفته تشبه وظيفة مدخنة مفتوحة نحو الرياح الشمالية
الغربيه (تسمى الغربي). فتتجه كافة الملاقف نحو اتجاه واحد، بغض
النظر عن موقعه أو حجمه. وتساهم جدران الملقف في العزل الحراري
للهواء النافذ. ولكل أقليم ملقفه الخاص.
يمر الهواء الى الملقف المواجه لفتحته. وثمة سبب أخر يحرك
الهواء يكمن في خاصية الإشعاع الحرارى، فيفقد السطح الحراره ليلا
فى الصيف، مما يؤدي الى انخفاض الضغط الملامس للسطح، فيحل هواء
الرياح السائدة الأكثر رطوبة، بدل الهو اء الحار، فيمر قريبا من
السطح نحو الملقف ليهبط خلاله نحو الأسفل. وخلال مروره يفقد جزءآ
من حرارته وتزداد رطوبته. يواجه الهواء الداخل، جرار الماء المبتلة،
فتنخفض حرارته وتزداد رطوبته. يمر جزء من الهواء النافذ الى
السرداب فى مجرى هوائى خاص تحت أرضيته. ليخرج من خلال تغطى بمشبك
خشبي توضع عليه الفواكه وجرار الماء لتبريدها، تسمى الفتحة (الزنبور).
و للسرداب فتحات إضاءه على الفناء، تسمح بمرور الهواء البارد
الى الفناء ليزيح الهواء الساخن والخفيف نحو الفضاء وفي ذلك نؤمن
استمرارية التهوية الطبيعية. ونلتقي فى مدن الخليج كدبي والبحرين
ملاقف ضخمة ذات فتحات كبيره بكل الاتجاهات. وذلك لطبيعة المناخ
الحار - الرطب، الذي يستدعي تهوية مستمرة وكبيره. ففي الصيف، يكون
الهواء حارا ومشبعآ بالرطوبة. وللتخلص من "ثقل " الهواء الرطب،
لابد من تيارات هواء مستمرة. ثم إن كبر حجم الملقف تقتضيه ظاهرة
نسيم البر والبحر. إن إلغاء الملقف اليوم (أو تسقيف الفناء وتحويله
الى حجرة وسطية )، يعنى ببساطة ايقاف التهوية الطبيعية، وبالتالى
إلغاء الموائمة البيئية.
وهناك عنصر التختة بوش وسمى مايحاكية بالديوانية أو (الآرشي)
بالتركية الواقعة بين شناشيل الزقاق وإطلالة الفناء. وهي فضاء/
شرفة، تكون أرضيتها من الخشب، ومنها جاعت التسمية. تقع فوق
السرداب، لتستفيد من انخفاض حرارة السرداب. يتألف مدخلها من إطار
خشبى مع شبكه معدنيه، و تستغل التخته بوش لحفظ الأدوات المنزلية
الموسمية وكفضاء لقيلوله كبار السن، ممن تزعجهم رطوبة السرداب.
ومن العناصر الصميمة في العمارة الإسلامية عنصر المشربية أو
الشناشيل أو الرواشين، التي تعددت تسمياتها وتوحدت صفاتها،وتعّد
إحدى الردود الحاذقة على مقتضيات بيئية وإجتماعية ونفسية أوجبت
إنتشاره في عمائر المسلمين. وكلمة شناشيل ترد من الأكدية العراقية
بصيغة (شمش-أيل) أي الشمسية(شمس الرب). أما المشربية (والأصح
مشرفيه) أي التي تشرف على الطريق وفسرها البعض من وضيفتها في
اكتنافها لقلة الماء. أما كلمة رواشين فهي واردة من فعل رشن التي
تعني "تطفل" أو ترد بمعنى طريف فحواه "الكلب عندما يدخل رأسه في
الطعام" وهي تدل على وضيفتها كحاجز لمنع المتطفلين من النظر الى
داخل الحجرات.
والمشربية نافذة بارزة من الخشب، المتشابك أو المتقاطع او
المتصالب تقام باشكال هندسية مربعة أو مثلثة أو معينية وبعناصر
زخرفية ونقوش وتقع على واجهة الطابق الأول المطلة على الزقاق بشكل
طنف يخرج على خوابير خشبية أوكوابيل كما في قصبة مدينة الجزائرأو
حارات مدينة دمشق أو حتى طنف ممتد من الجسور الخشبية الرئيسية في
أكثر الاحيان كما في وبغداد، ويسمى الجزء البارز من الشناشيل في
العراق (الكرصون ) وتسمى الشبكة الحاجبة الخشبية (قيم ) وقد توسع
استعمالها في البيئات التي لاتتوفر على الخشب بكثرة كما في العراق
أو الحجازأو مصر، واستعمل في إنشائها ومعالجاتها الجمالية الخشب
كعنصر أساس. ويجدر دراسة قدم تداولها في العراق، فالأعمال الخشبية
في وادى الرافدين قليلة، وتوظف عادة في المهام التالية:
1. نثر الضوء الطبيعي داخل الغرفة بحيث لا يحدث السطوع في
الداخل
2. لحجب ما بداخل الدار بحيث يتسنى لهم رؤية ما بخارجها ولا
يسمح العكس.
3. لتبريد جرات الماء صيفا وذلك بوضعها ضمن فتحة دائرية في
اسفلها فيعمل تيار الهواء على التبريد.
4. وتستعمل كتشبيكات في الواجهات الصماء تسمح بمرور تيارات
الهواء التي تحتاجها المناطق الحارة الرطبة كما هو الحال في الحارة
الجافة.
ومن أهم الميزات البيئية في المباني الإسلامية هي عملية انتقال
المعيشة صيفا وشتاء. فمن المتعارف عليه في تصميم مسكن اليوم، وضوح
فضاءات المعيشة والطعام والنوم. حيث سعى المصممون الى خلق فضاءات
متعددة الاستعمال. والدار الإسلامية لا تتميز بفضاءات متعددة
الاستعمال فحسب، بل إن العائلة كلها تنتقل من فضاء الى آخر بشكل
موسمي. في الصيف تستغل العائلة الطابق الأرضى، وخصوصا (الليوان )
أو الطارمة أو السقيفة أو التختبوش المسقفة المحميه من الشمس،
والواقعة فوق السرداب البارد. وهكذا أنتفت الحاجة الى أجهزة
التبريد التي لولاها ولولا التيار الكهربي لأصبح المكوث في البيوت
الحديثة من ضرب المحال.
و يعتبر السطح، بعد الفناء، من أهم فضاءات المعيشة. فهو، في
الصيف، فضاء النوم والعشاء وأفضل فضاء لتجفيف الملابس وقضاء شؤون
البيت نهارا. أما فى الشتاء فالسطح هو فضاء لعب الأطفال، وطارمة
الطابق الأول تكون فضاء العائلة نهارا، لقربها من أشعه الشمس ولأن
الليوان يكون باردآ ورطبأ. وهكذا يمكن القول، ان فضاء العائلة صيفا
هو السطح، الطابق الأرضي والسرداب. أما في الشتاء فهو الطابق
الأرضى والطابق الأول.وقد أثر هذا الخطاب البيئوي للعمارة
الإسلامية في المدن الاسلامية في المناطق المعتدلة مثل جنوب أوربا
(اسطنبول، سراييفو و مدن الأندلس ). بالرغم من إعتدال حرارة الصيف
نسبيا، وبرودة الشتاء لديهم. وقد وأئمت تلك البيئات عمائرها في
انتقال العائلة على عكس ما ذكرناه في المناطق الحارة، حيث يتم
استغلال الطابق الأرضي شتاء الذي يبنى عادة من خامة الحجر وبسمك
مناسب للعزل والمقاومة،وكذلك للحماية من تيارات الهواء البارد أو
العواصف الثلجية. أما الطابق الأول فيستغل صيفآ، ونادرأ ما يستغل
السطح.
وقد جاءت الدار الحداثية المتضامة في الأقطار الإسلامية على
خلاف ما ترتضيها سجيتها البيئية في تحفيز حركة الهواء بين الفضاءات
المشمسة والمضللة التي تكون أحيانا عكس تيارات الهواء السائدة.
وبذلك فقدت تلك العمائر موائمتها مع البيئات المحلية ناهيك عن
المؤثرات الوخيمة في البنية النفسية للفرد والأخلاقية للمجتمع
المسلم الذي يحتاج الى إعادة النظر بها، وإلا أمست نتائجها وخيمة.
الآثار السلبية للحداثة
لقد صدم البشر، بكم الآثار السلبية التي تركتها الحداثة المادية
غير المنضبطة. وتداعت غضاضة الحداثة في تكريس الكآبة والتقوقع
والأنانية المفرطة. و أصول الأمر تعود الى أزمة الطاقة في
السبعينات، فقد بدأ المعماريون آنذاك يفكرون ويتساءلون عن الحكمة
من وجود مباني صندوقية محاطة بالزجاج والفولاذ وتتطلب تدفئة هائلة
وأنظمة تبريد مكلفة. وكرد فعل طبيعي، طفق الناس يتحمسون للعمارة
الخضراء والمباني المستدامة ومن هناك صعد تيار يطالب في ترشيد
الطاقة وتقنين إستهلاكها،و تعالت أصوات المعماريين الذين طالبوا
بعمارة أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة ومنهم: وليام ماكدونو، بروس
فول وروبرت فوكس من الولايات المتحدة، وتوماس هيرزوج من ألمانيا،
ونورمان فوستر وريتشارد روجرز من بريطانيا.
وبدأ هذا الرعيل باكتشاف وبلورة التصاميم المعمارية التي ركزت
على التأثير البيئي طويل المدى أثناء تشغيل وصيانة المباني، وكانوا
ينظرون لما هو أبعد من هم "التكاليف الأولية" (Initial Costs)
للبناء. هذه النظرة ومنذ ذلك الحين تأصلت في بعض أنظمة تقييم
المباني مثل معيار (BREEAM) الذي تم تطبيقه في بريطانيا في العام
1990م. ومعايير رئاسة الطاقة والتصميم البيئي (LEED) في الولايات
المتحدة الأمريكية وهي اختصار لـ (Leadership in Energy and
Environmental Design)، وهذه المعيار الأخير تم تطويره بواسطة
المجلس الأمريكي للبناء الأخضر (USGBC)، وتم البدء بتطبيقه في
العام 2000م. والآن يتم منح شهادة (LEED) للمشاريع المتميزة في
تطبيقات العمارة المستدامة الخضراء في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن معايير (LEED) تهدف إلى إنتاج بيئة مشيدة أكثر خضرة، ومباني
ذات أداء اقتصادي أفضل، وهذه المعايير التي يتم تزويد المعماريين
والمهندسين والمطورين والمستثمرين بها تتكون من قائمة بسيطة من
المعايير المستخدمة في الحكم على مدى التزام المبنى بالضوابط
الخضراء، ووفقاً لهذه المعايير يتم منح نقاط للمبنى في جوانب
مختلفة، فكفاءة استهلاك الطاقة في المبنى تمنح في حدود (17 نقطة)،
وكفاءة استخدام المياه تمنح في حدود (5 نقاط)، في حين تصل نقاط
جودة وسلامة البيئة الداخلية في المبنى إلى حدود (15 نقطة)، أما
النقاط الإضافية فيمكن اكتسابها عند إضافة مزايا محددة للمبنى مثل:
مولدات الطاقة المتجددة، أو أنظمة مراقبة غاز ثاني أكسيد الكربون.
وبعد تقدير النقاط لكل جانب من قبل اللجنة المعنية يتم حساب مجموع
النقاط الذي يعكس تقدير (LEED) وتصنيفها للمبنى المقصود، فالمبنى
الذي يحقق مجموع نقاط يبلغ (39 نقطة) يحصل على تصنيف (ذهبي)، وهذا
التصنيف يعني أن المبنى يخفض التأثيرات على البيئة بنسبة (50%) على
الأقل مقارنة بمبنى تقليدي مماثل له، أما المبنى الذي يحقق مجموع
نقاط يبلغ (52 نقطة) فيحوز على تصنيف (بلاتيني)، وهذا التصنيف يعني
أن المبنى يحقق خفض في التأثيرات البيئية بنسبة (70%) على الأقل
مقارنة بمبنى تقليدي مماثل.
إن تقييم المباني بمثل هذه الطريقة يمكن أن يكشف لنا عدد
المباني التقليدية التي لا تتمتع بالكفاءة (Inefficient Buildings)
وبالتالي نتعرف على أسباب ذلك في ثنايا الأساليب المتبعة في
تصميمها وتشييدها وتشغيلها. يقول فيليب بيرنشتاين (Phillip
Bernstein) وهو معماري وأستاذ في جامعة (Yale) متحدثاً عن مشكلة
المباني التي تفتقر إلى الكفاءة: ).. هي ليست فقط استخدام الطاقة،
ولكنها استخدام المواد، وهدر المياه، والإستراتيجيات غير الكفوئة
التي نتبعها لاختيار الأنظمة الفرعية لمبانينا.. إنها لشيء مخيف(.
وقد أرجع المعماري يرنشتاين عدم الكفاءة في المباني إلى ما أسماه (التمزق
أو التجزيء) في أعمال البناء، حيث يرى بأن المعماريين والمهندسين
والمطورين ومقاولي البناء كل منهم يتبنى قرارات تخدم مصالحه الخاصة
فقط، وبالتالي يحدث عجز ضخم وانعدام كلي للجودة والكفاءة في المبنى
بشكل عام (12).
قد تبدو المجتمعات الإسلامية تأن من الكثير من المشاكل التي
تكافئ ما فاق إليه الغرب،دون أن تدخل عالم التصنيع والتنمية
الشاملة. لكن يبدوا أنها بدأ تصحوا وتلتفت للجانب البيئي بعد الذي
تناسته من ضمن الكثير من سياقات الأهم والمهم في توجهاتها السياسية
والاقتصادية، والبعد عن مبادئ موروثة من التراث. بالرغم من أننا
نقر أن الجانب البيئي اليوم يعتبر ترف، فمن يجوع لا يهمه أن يقطع
شجرة ليبيعها،فسد الرمق أهم حتما.
أن الرؤية البيئية صعبة التحقيق لو استقام الناس عليها؛ لأنها
تتضمن تضحيات لا يريد الكثيرون تقديمها ويفضلون المصالح العاجلة
ويبدو أن القيود التي تكبل الدول النامية قد سلبتها فرصة اللحاق
بركب الغرب، حيث تطورت الدول الغربية بالصناعات الكبيرة وباستنزاف
الموارد المحدودة والتلوث... إلخ وجرت ورائها شعوب ما يسمى(العالم
الثالث) وجلهم من المسلمين. وهم يسعون اليوم إلى إنكار تلك
الممارسات على الدول الساعية للتقدم. والغرب الصناعي مثله مثل
العالم النامي غير مهيأ لأخذ الأولويات البيئية في الاعتبار، حيث
يعني الأمر لهم التخلي عن الرخاء الذي ينعمون به بوصفه أكبر مستهلك
للطاقة والموارد الخام.
لقد أساء نزق السلطات للبيئة ولنأخذ الحقبة الشمولية في الاتحاد
السوفيتي مثالا، حينما تعاملت بعنجهية مع (بحيرة آرال) أكبر بحيرات
العالم العذبة،بحجة استثمار مياهها في زراعة القطن، بما أدى إلى
انحسارها و يباسها. ونجد أن السلطة البعثية في العراق جففت الأهوار
(الأجمة أو البطائح) دون وازع أو رادع أو حتى داع، فأمست أرضها
حماد ينعق فيها البوم. وأبيدت غابات الشمال العراقي بالأسلحة
الكيمياويه والحرق،في خضم مغامرات السلطات ومآرب المتصارعين معهم
الملتوية، وجرفت بساتين النخيل للقرى التي عارضت السلطة كما في
منطقة الدجيل،و استخدمت بساتين نخيل البصرة كجبهات لحروبهم
العبثية،فأجتث، بعدما كانت تشكل سلة غذاء كبرى وغطاء نباتي فريد
وأمست بساتين أحياء المدن مواقع لأخفاء الأسلحة الثقيلة، وبالنتيجة
هدف سهل لقصف كل من حارب العراق وما أكثرهم.، وتداعى الأمر أن تصبح
أرض العراق خراب، ومن أكثر البيئات تلوثا،وأمسى الإنسان العراقي
يموت بأمراض لم تعرف أو تشخص.
وتبدو التوقعات بخصوص المذهب البيئي للقرن الحادي والعشرين
شديدة الارتباط بحالة الأزمة البيئية ؛ فمن المتوقع أن يزيد البحث
عن بديل للتقدم الصناعي المولع بالنمو، وإحدى المشاكل التي تواجه
الأحزاب الخضراء أن منافسيهم قد اتخذوا مواقف "صديقة للبيئة" كانت
قبل ذلك حكرًا على الخضر (مثلما اتخذت الرأسمالية بعد نقد الشيوعية
لها سياسات دولة الرفاهة والحقوق الاجتماعية)؛ إذ لن يكون للجنس
البشري بدٌّ في القرن الحادي والعشرين من قلب السياسات والممارسات
التي كادت أن تدمر كل من الجنس البشري والعالم الطبيعي. لقد أفاق
أهل العراق بعد حروب البعث العبثية، بأنهم محرومون من الكهرباء في
بيوت "حداثية" متضامة، فأصابهم الندم على بيوت التراث التي عاشت
بها أجيال العراقيين منذ الحضارة الأولى،وبنفس البيئة، دون مكيف
ولا مروحة، كان فيها السرداب والبادكير والحوش كافي لدرء قسوة
القيظ. كل ذلك سيجبر الجميع إتخاذ المقاييس البيئية المناسبة في
مشروع إعادة بناء العراق المنتظرة.
........................
(1) د.حيدر كمونه- مقال: دور المعالجات البنائية
في تحسين البيئة السكنية-جريدة المدى-بغداد.
(2) نشر التقرير في مجلة (نيتشر Nature) لشهر
حزيران-يونيو 2006.
(3) رانيا نبيل زهران- هبة رءوف عزت -مقال:
البيئة- من مركزية الإنسان والطبيعة.. إلى الاستخلاف - موقع إسلام
أون لاين.
(4) سورة الاعراف - الآية 96
(5) أجد لذلك المفهوم الكثير من التطبيقات
العملية والتداعيات في بلد السويد مثلا.
(6) سورة البقرة -الآية 60.
(7) سورة الروم - الآية41
(8) سورة الشورى - الآية 30
(9) روى هذا الحديث الشريف احمد ومسلم.
(10) رواه أحمد عن أبي الدرداء.
(11) إبن منظور- لسان العرب
(12) المصدر: موقع المهندس- الرابط:
http://www.almuhands.org/forum/showthread.php?t=71017 |