بين الحين والحين، أجد نفسي مضطرا، للتذكير بشهداء وضحايا
النظام البائد، ذلك، عندما تُغلق الأبواب في وجه ذويهم، وتٌفتح على
مصراعيها أمام آخرين، أقل ما يقال عنهم، إنهم لم يكونوا من ضحايا
النظام القمعي، فكيف بمن كان من أنصاره وحواريه؟
سؤال ما فتأت أطرحه مع الآخرين، وهو كم كان عدد الذين سقطوا من
الأبرياء، فترة حكم النظام البائد؟ كم كان عدد الرجال؟ وكم كان عدد
النساء؟ وكم كان عدد الأطفال ؟ وكم كان عدد الشيوخ ؟ وكم كان عدد
المعاقين؟ وكم عدد السجناء والمعتقلين الذين فقدوا حريتهم، أو
بالأحرى فقدوا كرامتهم تحت أقدام الطغاة؟ وكم كان عدد الذين لجئوا
إلى بلاد أخرى خوفا من الظالمين؟
كم أم ثُكلت بولدها؟ وكم ابن لم ير وجه والده؟ وكم عدد الذين
مازالوا يشتاقون إلى رؤية آبائهم أو أبنائهم، ليقولوا لهم كلمة،
ربما ظلت حبيسة صدورهم طوال سنوات المحنة، مثل الطفلة صابرين التي
كانت في بطن أمها عندما اقتادوا والدها إلى مصيره المجهول ؟ كم عدد
الآمال والأماني التي دفنت تحت التراب مع نفوس شامخة أبت إلا العزة
والكرامة؟
عضو مجلس رعاية الشهداء في مؤسسة الشهداء الأستاذ عامر عبد
الكريم قال لي إنه يتوقع، في غضون الأشهر القادمة، أن يصل عدد
الشهداء المصادق عليهم، إلى حوالي مليون شهيد، مليون شهيد في زمن
النظام البعثي، فقد!!
كما تتوقع مؤسسة السجناء، أن يصل عدد السجناء المسجل لديها
تباعا، حوالي "600000" سجين ومعتقل بسبب إبداء الرأي، أو انتمائه
لحزب، أو انتماء أحد أقربائه لجهة معارضة. كما تقدر وزارة الهجرة
والمهجرين عدد الذين هُجروا أو هاجروا، إبان حكم النظام السابق، ما
بين 3 ملاين إلى 4 ملايين مواطن عراقي.
وبالتالي، فإذا ترجمنا هذه التوقعات إلى وقائع ومعطيات
وأرقام، فان المعروض أمام الدولة العراقية قضية مليون مواطن قُتل
ظلما؛ أي مليون جريمة قتل متعمد بحاجة إلى تحقيق وحكم، بينهم
قرابة "500" ألف شهيد لم يتم العثور على جثثهم من شهداء المقابر
الجماعية.
وحوالي أربعة ملايين عائلة، فقدت معيلها أو احد أبنائهم-
إذا قدرنا معدل متوسط العائلة العراقية أربعة أفراد- بحاجة إلى
رعاية مركزة وسريعة من لدن الدولة، أي أربعة ملايين مواطن مازالوا
يشعرون بالظلم والغبن والحيف بعد خمس سنوات على سقوط الطاغية.
والمعروض أمام الدولة قضية " 600000" مواطن عراقي قضوا
أعمارهم في أقبية النظام وزنازينه، وهم بحاجة إلى إغاثة سريعة
لعلها تطيب ما تبقى من أعمارهم، وتنسيهم التعذيب والشتم والاهانات
التي تعرضوا لها أثناء مراحل اعتقالهم. مضافا إلى العشرات من
المعاقين جراء استخدام سموم الخردل والثاليوم مازالوا يصارعون
الموت طمعا في الحصول على حياة أفضل مما كان.
والمعروض أمام أنظار الدولة، معانات والآلام، وغربة وعذابات،
مئات الآلاف من الذين فقدوا الوطن، وعاشوا في أذيال الأوطان
الأخرى، مازال بعضهم يجد صعوبة في العودة إلى العراق. والذين عادوا
مشردون على حافات الاهوار وصحارى المدن في بيوت من قصب وتنك وخيم ،
ناهك عن الأمراض النفسية والعصبية التي أصابت أفراد هذه الشرائح
المضطهدة.
ملفات كبيرة وصعبة ورثتها الدولة العراقية ملزمة، ولا يحق
لأي مسئول في الدولة، كبيرا كان أو صغيرا، في الحكومة الاتحادية
كان أو في الحكومات المحلية، أن يقدم عذرا، ليبرر تقصير أو قصور
أجهزة الحكومة في تقديم الحد الأدنى من الرعاية الإنسانية لهذه
الفئات الاجتماعية المهضومة، لان الحكومة تتحمل هذه التركة
الثقيلة، شاءت أم أبت، لاعتبارات إنسانية وأخلاقية وسياسية جمة.
ربما يقال إن الدولة وفرت لذوي الشهداء، والسجناء، والمهجرين
والمهاجرين، مؤسسات حكومية، تعنى بهم ، كمؤسسة الشهداء، ومؤسسة
السجناء، ووزارة الهجرة والمهجرين، وشرعت بعض القوانين، كقانون
حماية المقابر الجماعية، وقانون إعادة المفصولين السياسيين،
واستطاعت هذه المؤسسات الحكومية أن تقدم خدمات عديدة منها: توزيع
بعض المبالغ النقدية، لاسيما منحة السيد رئيس الوزراء، وإعادة
المفصولين السياسيين إلى وظائفهم، واحتساب مدة الفصل خدمة فعلية،
وتوزيع قطع الأراضي على عوائل الشهداء، وعلى السجناء، والمهجرين
والمهاجرين.
لا نريد أن ننكر همة وحرص وسعي بعض أعضاء مجلس النواب
العراقي، ولا تفاني بعض المسئولين الحكوميين في البحث عن الوسائل
الممكنة واللازمة لتقديم الخدمات الإنسانية الملحة لذوي الشهداء
والسجناء والمهاجرين، فهناك مسئولون يحق للمستضعفين أن يفتخروا
بوجودهم في هرم السلطة العراقية، طالما كانوا حريصين على خدمة
المواطنين الأكثر ضررا..
مع ذلك كله، يجب أن نؤشر بالقلم الأحمر، ونضع النقاط على
الحروف، ونقوم مسيرة خمس سنوات مضت، كان من المفترض أن تشهد نقلة
وتطورا نوعيا واستثنائيا في حياة عراقيين كان لهم الفضل، كل الفضل
بدمائهم، وتضحياتهم، وأموالهم، وأحزانهم، وغربتهم، في وضع لبنات
عراق ما بعد صدام، وفي وجود المسئولين في مجلس النواب، ورئاسة
الجمهورية، ورئاسة الوزراء والوزارات.
علينا أن نعيد النظر مجددا بكل الإجراءات الحكومية التي
تتعلق بالشهداء وأسرهم، وبالسجناء، والمهاجرين والمهجرين، ونرى هل
بالفعل قدمنا لهذه الفئات المستضعفة الحد الأدنى المطلوب من
الخدمات؟ هل كنا منصفين في قوانيننا وإجراءاتنا وحركتنا؟
لا أدري، هل يقرأ المسئولون ما نكتبه؟ هل يأخذون بالجد ما
نقوله؟ ومع ذلك أقول إن عوائل شهداء وضحايا النظام البائد لم تنصف
بعد، وأن عدد ذوي الشهداء والمضحين في الوزارات ومؤسسات الدولة
بنسبة 1 إلى 100 من عدد البعثيين أو المحسوبين على النظام البائد،
والعجيب أن هؤلاء يشغلون مرا كزا حساسة وخطيرة وهم يمارسون مختلف
أنواع الضغوط ويضعون العراقيل أمام تنفيذ القوانين الخاصة بمؤسسة
الشهداء ومؤسسة السجناء، وأخشى إن لم يبادر السيد رئيس الوزراء
نوري المالكي، خلال هذه السنة إلى اتخاذ إجراءات رادعة بحق
المسئولين والموظفين الذين يعرقلون مسيرة تكريم الشهداء وذويهم أن
تتحول مراسيم التكريم هذه، إلى شعارات، تقتل أصحابها في الآجل
القريب! |