هل تستطيع اسرائيل تحمُّل ثمن مهاجمة ايران؟ 

اعداد/صباح جاسم

 

شبكة النبأ: تستمر قريحة الباحثين والخبراء الغربيين في التعامل مع الازمة النووية بين امريكا وايران لتطرح العديد من السيناريوهات المحتملة في المواجهة بين الطرفين ومنها الضربة العسكرية وكيفيتها والثمن الذي يجب دفعه فيما وراء الضربة..

وبالنسبة لإسرائيل التي لا تتمتع بأي عمق استراتيجي يقيها ردة الفعل فإنها تطرح نفسها ايضا كجزء من الحل العسكري مجازِفةً بوجودها وبمصالحها الداخلية والخارجية..

وطرح الباحث اشتون كارتر دراسة بعنوان "الأبعاد العسكرية في إستراتيجية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني"، والتي نشرها مركز أمن أمريكا الجديدة كجزء من عدة دراسات تتناول كيفية التعامل مع إيران.

وفي الجزء الثاني تركز الدراسة على الدور الإسرائيلي وعلى تكلفة مهاجمة إيران. بحسب موقع تقرير واشنطن

الخيار الإسرائيلي

يقول كارتر، في حالة قيام إسرائيل بالضربة العسكرية فإنها ستواجه العديد من الصعوبات التقنية، منها:

أولا: على إسرائيل أن تختار طريق الطيران الجوي إلي إيران، ورغم أن هناك احتمالات عديدة، فإن جميع هذه الطرق طويلة وتتضمن التحليق فوق أجواء دول لا ترغب في التورط في مثل هذا الأمر.

ثانياً: بعض الطرق تستغرق مدة تفوق كمية الوقود التي تحملها الطائرات وبالتالي إما أن تتزود الطائرات بوقود في منتصف الرحلة وبالتالي تعود مشكلة إيجاد موقع لحاملات الوقود لانتظار الطائرات، إلى جانب احتمالات الكشف والاعتراض، وإما الاستيلاء على مطار في مكان ما مدة الضربة واستخدامه لإعادة تزويد الطائرات بالوقود.

ثالثا: وبسبب هذه الصعوبات، فإن الضربة ستكون محدودة، تغطي عدة أهداف أقل من الضربة الأمريكية، وبالتالي قد تركز إسرائيل على مفاعل ناتانز.

ولكن التكلفة ستكون أصعب في التقدير، فعلى العكس من الولايات المتحدة، فإن إسرائيل غير منخرطة في أي مفاوضات متعددة الأطراف، كما أن إسرائيل ليس لديها "سمعة" عالمية أو إقليمية تحميها عندما تتعامل مع إيران، بالإضافة إلى أن إيران ستحدد ردها أو ثأرها من إسرائيل على حساب أن إسرائيل تعد نفسها لاتخاذ إجراءات إضافية للسيطرة على أي تصعيد.

أما التكلفة المحتملة للولايات المتحدة فإنها ستكون سهلة الإدراك في حالة ضربة إسرائيلية، وحتى لو كانت واشنطن غير متواطئة أو ليس لديها علم، فإن الكثيرين في الشرق الأوسط لن يصدقوا هذا، وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة أن تقنع الأوروبيين والروس والصينيين، الذين يشكلون أساسا في أي تسوية دائمة مع إيران، أنها ليس لديها ما تفعله بخصوص الضربة الإسرائيلية، وبالتالي يمكن أن تكون الآثار الناتجة عن الضربة الإسرائيلية بالنسبة للولايات المتحدة تماثل الآثار التي قد تنتج عن الضربة الأمريكية.

أهداف أخرى غير نووية

هناك العديد من الأهداف الأخرى ليست لها علاقة بالبرنامج النووي الإيراني، ورغم أن تدميرها لن يسهم مباشرة في تأخير هذا البرنامج، ولكنه من ناحية قد يحقق الجانب الإلزامي في دبلوماسية تجمع العديد من الحوافز والعقوبات big-carrot/big-stick diplomacy، ومن ناحية أخرى فإن تنفيذ التهديد بهذه الطريقة سوف يكون وسيلة تدفع إيران لإعادة التفكير بشان الخيارات المطروحة أمامها، إلى جانب أن هناك احتمالية لوجود تحريض إيراني يستدعى عمل عسكري أمريكي في المقابل.

ومن بين هذه الأهداف قوات الدفاع الجوي الإيراني، والأسطول الإيراني والقواعد الجوية وقواعد الصورايخ وبعض المواقع العسكرية الاستخباراتية التي تدعم "وكلاء" إيران في العراق ولبنان وأي مكان آخر في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى قوات الحرس الثوري والمخابرات وأهداف قيادية أخرى، فضلاً عن البنية التحتية للنفط والغاز.

خيار غزو إيران

رغم وجود خطط أمريكية لغزو إيران منذ الحرب الباردة، فإن القيام بذلك الآن كخيار يعتبر أمرا مشكوكاً فيه، لعدة أسباب منها،

أولاً: لأن احتلال دولة أخرى في الشرق الأوسط أكبر حجما وأكثر تعقيدا سوف يبدو لأي فرد في واشنطن أو في العواصم الحليفة أمراً غير مقبول، فعدد سكان إيران ثلاثة أضعاف عدد سكان العراق، ومساحة إيران أربعة أضعاف مساحة العراق.

ثانيا: أن القوات الأمريكية المطلوبة (المشاة) غير متوفرة، فالولايات المتحدة بالكاد توفر قوات للعراق وأفغانستان، وهذا الأمر من المتوقع أن يستمر لبعض الوقت، وبينما تفتقد الولايات المتحدة إلى قوات المشاة فإنها لا تفتقد إلى القوات الجوية والبحرية والتي يمكن استخدامها ضد إيران كجزء من برنامج شامل للمعاقبة والإضعاف، من خلال هجوم جوي يضم الفئات المستهدفة التي تم ذكرها من قبل، ويستمر لعدة أسابيع أو أشهر.

وبديل للضغط العسكري الشامل سوف يكون هناك بديل آخر وهو فرض حصار جوي وبحري شامل على إيران، مع مناطق حظر طيران داخلية، وبينما قد يحقق الحصار بعض الأهداف، فإنه قد يفرض منفردا من قبل الولايات المتحدة.

الأبعاد العسكرية لإستراتيجية الاحتواء

قد يعتبر العمل العسكري جزءاًً من إستراتيجية الاحتواء تجاه إيران، حيث يحقق عدة أهداف، فمن ناحية يتم إحداث دمار هائل لإيران قبل أن تنمو أسلحتها النووية، وتصل إلى درجة تمكنها من ردع مثل هذا الهجوم، ومن ناحية ثانية يستخدم لمعاقبة إيران على تحدى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فضلا عن إضعاف قواتها التقليدية.

وتتضمن إستراتيجية الاحتواء على عناصر عسكرية أخرى من خلال ردع إيران عن شن هجوم على الولايات المتحدة أو حلفاءها عن طريق القوات الإستراتيجية الأمريكية-الصواريخ الباليستية عابرة القارات، الصواريخ الباليستية المطلقة بواسطة الغواصات، وقاذفات القنابل-. إلا أن إستراتيجية الاحتواء، ورغم أنها تردع إيران عن استخدام الأسلحة النووية، فان "امتلاك" إيران لهذه الأسلحة وإمكانية نقلها إلى دول أخرى تعتبر مشكلات لا تتعرض لها إستراتيجية الاحتواء، فامتلاك إيران لأسلحة نووية سوف "يرعب" جيرانها، ويسمح لها بالقيام بأعمال لم تكن لتقوم بها بدون امتلاك القنبلة النووية، إلى جانب أنه سيفتح الباب أمام موجة من الانتشار النووي في الشرق الأوسط، فالدول المجاورة لإيران مثل مصر والسعودية وتركيا سوف تسعى لامتلاك سلاح نووي، إما لأسباب تختص بالمكانة الإقليمية أو لاعتبارات الأمن القومي.

وأخيرا امتلاك السلاح النووي قد يؤدي إلى نقله، فإيران قد تبيع القنابل أو التكنولوجيا إلى دول أخرى من قبل عناصر فاسدة أو مارقة دون علم القيادة العليا، كما أن التحكم في هذه الأسلحة قد يضعف أو يتلاشى نتيجة انهيار النظام أو لأي سبب أخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس  12/حزيران/2008 - 8/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م