التقاطعات الإيرانية الامريكية تتواصل اقتصاديا عبر التبغ

شبكة النبأ: في الوقت الذي تعتقد فيه الولايات المتحدة ان خططها بإنشاء سد وحاجز عالمي ما بين إيران وبين العالم أجمع، يتدخل الإقتصاد ومتطلبات السوق ليكسر كل قيد من شأنه أن يكون سياسيا فقط. ولايعود بمنفعة تذكر على أصحاب رؤوس الأموال والشركات والتجار، ولاحتى المستهلك البسيط الذي لايرى إلا حاجاته الخاصة.

(شبكة النبأ) في هذا التقرير الخاص تسلط الضوء على شركات التبغ الامريكية والسوق الإيرانية، والحاجات الفعلية لمقتضيات السوق والإستهلاك، ومدى علاقتهم بالنشاط السياسي أو مدى خضوعهم له:

تجارة التبغ والعلاقات الأمريكية الإيرانية

أعلن الرئيس الأمريكي "جورج بوش" في خطاب حالة الاتحاد عام 2002، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، للعالم أن إيران، وكوريا الشمالية والعراق يُمثلون دول محور الشر، وأنهم يُسلحون أنفسهم في تحدي للإرادة الدولية، وأن قدراتهم التسلحية تُمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وكأنه كان يريد أن يقول، أنه في حال غض الطرف عن تسلح تلك الدول فإنهم قد يستهدفون حلفاء الولايات المتحدة في كافة أنحاء العالم، أو تُمكنهم قدراتهم التسلحية من ابتزاز واشنطن.

وتتجاهل خطابات الرئيس الأمريكي "بوش" المهاجمة والمنتقدة للنظام الإيراني حقيقة أن هناك ـ وما زالت هناك ـ علاقات تجارة قوية بين واشنطن وطهران تصب في مصلحة العديد من الشركات الأمريكية لاسيما قطاع صناعة التبغ الأمريكي الذي يُعد أكبر القطاعات المستفيدة من العلاقات التجارية بين البلدين، وقد صدر لإيران ما يزيد على 20 مليون دولار كمنتجات خلال عام 2006. بحسب تقرير واشنطن.

الرابط الاقتصادي بين الولايات المتحدة وإيران

ورغم اتساع ظاهرة تهريب السجائر إلى إيران، فما يُقدر بثلاثة أرباع المعروض داخل السوق الإيرانية من السوق السوداء، فإن تأثير منتجات التبغ الأمريكي داخل إيران لم تنال قدر الاهتمام، وعلى وجه الخصوص داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

فالكثير من الأمريكيين على دراية وعلم بسياسات الحظر والعقوبات التي تفرضها حكومتهم على العديد من الدول كـ (كوبا، كوريا الشمالية، ليبيا وإيران)، ولكن الكثير منهم ليسوا على علم ومعرفة بتأثير قانون إصلاح العقوبات التجارية وتعزيز التصدير، الذي سُن في 28 أكتوبر 2000، وهو من التشريعات القانونية القليلة المعروفة التي تسمح للولايات المتحدة تصدير سلع زراعية وطبية للدول المفروض عليها عقوبات أحادية الجانب. واستناداً على هذا التشريع صدرت الولايات المتحدة الكثير من السلع مثل الذرة والسمك والخضار والخشب والمعدات الطبية إلى العديد من الدول المفروض عليها عقوبات أحادية الجانب.

وبشكل مثير للانتباه، صنف قانون إصلاح العقوبات التجارية وتعزيز التصدير، منتجات التبغ كمنتجات زراعية، ولذا أصبحت منتجات التبغ ممكن تصديرها إلى الدول المفروض عليها عقوبات أحادية الجانب بما فيها إيران.

وقد ازداد تصدير منتجات التبغ من الولايات المتحدة إلى إيران بصورة تدريجية ومستمرة ما بين عامي 2002 و2005. وقد بلغت ذروتها في عام 2005 لتصل إلى ما يقرب من (50,317,000) دولار. وهذه الأرقام تُثير الدهشة في فترة توتر العلاقات بين البلدين خلال تلك الفترة. ففي عام 2002 وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن النظام الإيراني بأنه جزءاً من دول محور الشر (Axis of Evil)، وفي هذه السنة صدرت الولايات المتحدة ما يُقدر من (17,840,000) دولار من منتجات التبغ إلى إيران. وهو ما يثير داخل واشنطن مقولة مفادها: مع أعداء مثل هؤلاء، من يحتاج أصدقاء؟

شركات التبغ الأمريكية والسوق الإيراني الخصبة

وعلى الرغم من هذا فليس هناك دليل أو شاهد على وجود تنظيم للوبي التبغ للتأثير على مرور قانون (TSRA)، فليس هناك شك من أن تلك السياسة أفادت وأربحت صناعة التبغ بالولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة لحالة مقاضاة أحد شركات التبغ داخل الولايات المتحدة في عام 1998، أضحي الكثير من الوثائق الداخلية لشركات التبغ واستراتيجيات البحث عامة ومعروفة لقطاع جماهيري كبير، مما جعل بحث أساليب وتكتيكات عملها من الأمور السهلة.

وكان الولوج إلى السوق الإيراني هدفاً لشركات التبغ داخل الولايات المتحدة، لذا أضحي هذا السوق على قائمة أولويات تلك الشركات عند صياغة استراتجياتها للسوق العالمي. ولهذا أكدت مذكرة شركة التبغ "آر. جْي رينولدز على أهمية تركيز جهودها على السوق الإيراني. وفي عام 2004 قالت منظمة الصحة العالمية أن الأهمية الإستراتيجية لإيران التي أكدت عليها مذكرة شركة التبغ أر. جي رينولدز، ترجع إلى الموقع الجغرافي المثالي لإيران بين أكبر الأسواق في منطقة الشرق الأوسط ودول الاتحاد السوفيتي السابق. ولذا يدفع المنطق والعقل إلى ضرورة التركيز على إيران والذي يمثل الخطوة الأولي للسيطرة على السوق في الدول المجاورة لإيران.

وتقول منظمة الصحة العالمية أن شركات التبغ تولي أهمية لإيران نظراً لارتفاع عدد سكانها وارتفاع مستويات المعيشة هناك، والذي يزيد من الاستهلاك وجعلها سوقاً جاذبة لتصدير منتجات التبغ الأمريكية، وقد ساعد من ذلك تخفيف القيود التي جاء بها قانون (TSRA) الذي جعل طموح شركات التبغ الأمريكية من زيادة تصديرها لإيران أمراً واقعاً.

ارتفاع نسبة المدخنين في ايران

وفي الوقت الذي يُقلع فيه العديد من الأمريكيون عن التدخين أكثر من أي وقت مضي، أو عدم اللجوء الي التدخين على عكس ما هو شائع في العديد من الدول الأخرى التي يتزايد فيها نسبة المدخنين، ركزت شركات التبغ الأمريكية جهودها على السوق الخارجي الذي ترتفع فيه نسبة المدخنين، وعلى الأسواق الجديدة ومن تلك الأسواق كانت إيران .

يُعد الإيرانيين أكبر مستهلك للسجائر بالمنطقة بما يقدر بـ 50 مليون مدخن في السنة. وهذا التزايد في الاستهلاك له على الجانب الأخر عواقبه. فيصل عدد من يتوفون لأسباب تتعلق بتدخين السجائر سنوياً الي 50 ألف إيراني. وتشير تصريحات العديد من الخبراء الي أن تلك النسبة في تزايد إذا لم يتم تغيير العديد من أساليب حياتهم، وأن لا يصبح التدخين من روتين الحياة اليومية للمواطن الإيراني.

ولهذا تقول منظمة الصحة العالمية WHO أن شركات التبغ تقتل نسبة عالية من المواطنين بإنتاجها الذي هو في تزايد مستمر، وحرمان الأسر من عائلها الأساسي، وتدمير صحة القوي العاملة في المجتمع، وتلك الآثار السلبية للتدخين ممكن أن تحدث في أي مجتمع، ولكن إيران تُعد من أكثر الدول تعرضاً لتلك الآثار السلبية؛ لارتفاع نسبة المدخنين بها.

شركات التبغ الرابح الوحيد

وبالنظر إلي التكلفة الاقتصادية والصحية المرتبطة بتدخين السجائر يتضح أن الفائز الوحيد في تلك المعادلة هي شركات التبغ كشركة التبغ الأمريكية ـ البريطانية التي تصدر ما يُقدر بمليون دولار من السجائر الي إيران خلال عام 2006.

على الرغم من انخفاض مبيعات منتجات التبغ داخل الولايات المتحدة، إلا أن شركات التبغ تُحقق أرباحاً طائلة من تزايد التصدير والاستهلاك في السوق الخارجية، الذي هو في تزايد مستمر وتدريجي، وفي مؤتمر لخبراء صناعة التبغ المنعقد في باريس خلال عام 2007 توقع ايريك بلومكويست مستقبل باهر لصناعة التبغ، فقال: عموماً نعتقد أن التوقعات بشأن صناعة التبغ عالمياً سوف تكون أفضل من الخمس أو عشر سنوات المنصرمة.

ومثل باقي البضائع التجارية الأخرى عندما يتزايد الطلب يتزايد المعروض، ولكن في واقع الأمر منتجات التبغ (السجائر) يترتب عليها خسائر فادحة بالنسبة للدولة والمجتمع والفرد أيضاً.

وفي النهاية، يُثار تساؤل رئيسي حول إمكانية أن تكسر تجارة التبغ بين واشنطن وطهران حالة الجمود في العلاقات بينهما، فالخبرة التاريخية تشير إلى أن العلاقات التجارية الدولية يكون لها كبير الأثر في تحسين وتقوية العلاقات بين الدول، وبينما العلاقات التجارية بين واشنطن وطهران منخفضة بالمقارنة بمعدل العلاقات مع الدول الأخرى، فإن المنتجات الزراعية والطبية يمكن أن تتدفق من الولايات المتحدة الي إيران بناءاً على قانون (TSRA) والذي سوف يكون بادرة لتحسين العلاقات بين البلدين والخروج بعلاقاتهما من حالة الجمود والتصادم. فعلى الرغم من الأضرار الصحية لمنتجات التبغ، إلا أنه يمكن التعويل عليها في بث روح جديدة في العلاقات بين البلدين خلال الأشهر أو السنوات القادمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء  11/حزيران/2008 - 7/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م