إنا لله وإنا إليه راجعون إن وفاة أستاذنا الغالي النحرير
المقدس آية الله السيد محمد رضا الشيرازي "قده" لفاجعة عظيمة
وخسارة جسيمة لعائلته الشريفة ولنا وللحوزات بل للأمة جمعاء فقد
عرفه الجميع وعرفته عن قرب ولمست في أخلاقه صفات الأولياء بل
والأئمة الأطهار عليهم السلام ولقد كان مصداقا لما جاء في دعاء
الندبة " اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك الذين
استخلصتهم لنفسك ودينك،إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم
الذي لا زوال له ولا اضمحلال، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات
هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها، فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم
الوفاء به، فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي
".
وإني لا أعدو الحقيقة إذا قلت أن من رآه فكأنه رأى شخصاً من
أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وصلوات المصلين عليهم فلقد
تكهربت حياتي بوصاياه التي كتبها لي شخصياً وقد قرأت فيها سعة أفقه
وبعد نظره ونفاذ بصيرته حقا لقد كان له الفضل على كثير ممن عرفوه
فلقد كان يشجع كلٍ بحسب توجهه ونشاطاته وطالما حفزهم وشجعهم ويعود
له الفضل في تأسيسنا لبعض المشاريع ونهوض الأخرى سواء بتوجيهاته أو
إرشاداته أو دعواته المباركة فلعمر الحق لقد خسرنا أستاذا وأباً
وأخاً وصديقاً قل نظيره، أسأل الله جل جلاله أن يربط على قلوب أهله
ومحبيه بالصبر والسلوان، وأعزي مولاي صاحب العصر والزمان والمرجع
المقدس آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله الشريف
وعائلته الطيبين الطاهرين بهذه المصيبة المفجعة ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم.
أوصانا الفقيد الغالي بوصايا متعددة منها أول وصية كتبها لنا
في أول الأيام التي تعرفنا عليه في الكويت كانت عام 1421هـ يوم
24 / شهر صفر
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ المعظم أدام الله عزه.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أسأل الله تعالى لكم ولنا ولجميع المؤمنين التوفيق وحسن العاقبة
وأن يدخلنا في كل خير أدخل فيه محمداً وآل محمد وأن يخرجنا من كل
سوء أخرج منه محمداً وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)
وبعد: ينقل في أحوال أحد العلماء (ولعله الشيخ محمد تقي المجلسي
رحمه الله تعالى) أنه رأى في عالم الرؤيا أستاذه (ولعله الشيخ
البهائي قدس سره) بعد وفاته، فقال الأستاذ للتلميذ: لماذا لا تكتب
كتاباً في شرح أحاديث أهل البيت عليهم السلام ؟ فأجاب أنت أقدر على
ذلك، لأنك الأعلم والأفضل – فقال الأستاذ: أما أنا فقد أنقضى أجلي،
فاستيقظ التلميذ وكتب كتاباً في شرح أحاديثهم عليهم السلام (ولعله
كتاب " روضة المتقين ") وذكر إن هذا الكتاب من بركات الأستاذ بعد
وفاته كما كانت له بركات عليّ في حياته.
وعلى كل حال: ففي يوم من الأيام سينقضي عمر الإنسان ويصبح عاجزاً
عن العمل فإن (اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل) فعلى
الإنسان أن يتزود من العلم والعمل الصالح قبل فوات الأوان حيث يقول:
(رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت) فيأتيه الجواب (كلا)
والإنسان مهما عمل فهو قليل في جنب الله تعالى.. فعليه أن لا
يستشعر الاكتفاء بل يستشعر التقصير الدائم.
ومن أفضل الأعمال:
1- التفقه في الدين.. وخاصة في مجال (العقائد) فإنها أصل لكل
شيء.. وعليها يبني كل شيء.. وكذلك في مجال (الأحكام الشرعية) فإن
التفقه فيها يضمن للإنسان استقامة العمل.
ويمكن للإنسان أن يخصص كل يوم مقداراً من وقته لهذه الغاية حتى
ولو كان مقداراً قليلاً جداً.
2- الاهتمام بتشكيل لجان لخدمة المجتمع، دينياً وثقافياً
وإنسانياً فإن في ذلك أجراً عظيماً إن شاء الله تعالى.
وقد قيل لأحد العلماء: ما هو أفضل عمل يعمله الإنسان في لحظاته
الأخيرة بعد تحكيم أسسه الاعتقادية - فأجاب (قضاء حوائج الأخوان)
ونجاح اللجان العاملة يعتمد.. إلى حد كبير.. على تطبيق قوله
تعالى (وأمرهم شورى بينهم)، نسأل الله تعالى لكم ولنا السداد ودوام
التوفيق وحسن العاقبة بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد رضا الشيرازي
كانت تلك أول وصية لنا عند معرفتنا به وأما آخر وصية في لقاءنا
معه في قم المقدسة والتي لا تتجاوز الأشهر.. أكد على تركيز الجهود
على العراق وقال: اربطوا مشاريعكم - يعرف سماحته أننا ندير مجموعة
من المشاريع الحوزوية والنهضوية - بمشاريع العراق واجعلوا لكم
مؤسسات هناك وفي ختام اللقاء حظينا من يده الكريمة بتربة الشفاء...
فالسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم جاور جده أبي عبد الله
الحسين "ع" ويوم يبعث حيا ورزقنا الله السير على نهجه ونهج آبائه
وأجداده الأطهار. |