شبكة النبأ: لم تكن قوة حماية المنشآت النفطية بمعزل عن
التجاذبات السياسية الحاصلة في البصرة وانعكاساتها على الحكومة في
بغداد وتدخلات هذه الاخيرة في مجرى سير الفعاليات المختلفة لهذه
المديرية الفتية ، فالصراعات على تصدير النفط والاشراف على منشآته
المختلفة، دفع بعض المسؤولين نحو تسييس الصناعة النفطية التي من
المفتروض ان تخضوع لحسابات اقتصادية بحتة بعيداً عن المحاصصات
وملابساتها والتي ربما تكون على حساب المصلحة العامة للبلد.
ولأجل التعرف على هذه الملابسات وتداعياتها أجرت (شبكة النبأ
المعلوماتية) استطلاعاً في الخطوط الامامية في محافظة البصرة،
حاولت من خلاله التعرف على خلفية الصراعات الدائرة بين بعض الاطراف
المتنازعة للسيطرة على هذا القطاع الاقتصادي الحيوي والذي يشكل
ورقة ضغط معتد بها على الحكومة المركزية.
ومن الطبيعي ان لا نذكر اسماء من حاورناهم في هذا التحقيق
لأسباب مختفلة ونزولاً عند رغباتهم ايضاً.
من المعروف ان قوة حماية المنشآت النفطية تنقسم الى جناحين :
الجناح الاول "اف بي اس" وهو مدعوم من قبل المدير العام لشركة نفط
الجنوب الاستاذ "جبار لعيبي" والجناح الثاني- بحسب الشهرة
الإعلامية - من حصة "حزب الفضيلة الاسلامي" وبعد انضمام كلا
الجناحين الى مديرية واحدة، انقطع دعم الاستاذ "لعيبي" للجناح
الاول.
وهنا ينبغي التنويه على ان من الاخطاء الشائعة اعتبار قوة حماية
المنشآت واقعة تحت الوصاية المطلقة لـ"حزب الفضيلة" بدليل انتساب
الكثير ممن لا ينتمون الى الفضيلة - ومنهم المتحدث- لهذه المديرية،
وقد اشتركت في صناعة شائعة الوصاية عدة اطراف اعلامية وسياسية كي
تستخدم كسلاحٌ اعلامي بهدف تصنيف "قوة حماية المنشآت" كمليشيات
تابعة للفضيلة تمهيداً لعزلها، وهذا ما أثبتته الوقائع اليومية،
فقبل ايام أوقفتنا احدى السيطرات العسكرية واتهمونا بصريح العبارة
باننا مليشيات واخذوا منا السيارة التي كنا نستقلها والسلاح، ولم
نخرج الا بعد "التي واللتيا".
ويستطرد عنصر الحماية بالقول، اضافة الى تلك القوة انشأت ايضاّ
في الاشهر القليلة الماضية "افواج حماية" من قبل وزارة الداخلية
لحماية الانابيب النفطية، حيث تشكلت هذه الافواج مع بداية "صولة
الفرسان" ولاقت دعماً كبيراً من قبل الوزارة ولو كان هذا الدعم
لدينا لحققنا نجاحاً باهراً.
والإشكال الرئيسي على هذه الافواج هو ان الكثير من ضباطها
عليهم علامات استفهام، فبعضهم من حزب البعث البائد بل ان بعضهم تمت
معاقبته من قبل المديرية لفساده الاداري، ومن الاشكالات الاخرى على
عناصر تلك الافواج - والتي يمكن علاجها - فقدان البعض منهم للخبرة
الكافية حتى في معرفة المواقع التي تقع تحت مسؤليتهم، اما القفزات
في المسؤوليات والرتب العسكرية فحدِّث عنها ولاحرج ، كما ان بعض
منتسبي تلك الأفواج من المراتب لا يعرفون استعمال انواع معينة من
الاسلحة لأنهم لم يدخلوا في دورات تدريبية قبل انتمائهم الى
الافواج. فكيف يمكن لهم الدفاع عن المنشآت النفطية.
ويضيع عنصر الحماية قائلا، لكن المفارقة تكمن ان الكثير من ضباط
الافواج الجديدة هم من قوة حماية المنشآت وقد ارتبطوا وظيفياً
بوزارة الداخلية، اما المراتب الاخرى فالكثير منهم باقون على
حالهم مهمشون غير تابعين لأي وزارة وارتباطهم بالمديرية مجرد عقود
لا اكثر مما يمنعهم من بعض الامتيازات كحق التقاعد، وغيرها من
امتيازات الملاك الدائم ، مع انهم معرضون يومياً لخطر القتل والعوق،
فسابقاً كانوا من ضمن وزارة النفط ، ولما ارادوا دمجهم في وزارة
الداخلية، قامت وزارة النفط بفك ارتباطاتهم معها، واما الداخلية
فلم تقبلهم لأسباب معلن عنها رسمياً، فأصبحوا بلا وزارة محددة، حتى
الرواتب فيها تمايز بين القوتين مع انهما يشتركان في حماية المنشآت
النفطية، وكذا الحوافز والمكافآت و"العيديات" فالكثير منها يصرف
رسمياً ولكن لاتصل الينا ، فقط تصل الى المنتسبين لوزارة الداخلية
من افواج الحماية.
وايضاً يوجد فارق واسع في التجهيزات بينما تجد عناصر افواج
الحماية يُجهزون بكافة التجهيزات من سيارات واسلحة وحمايات شخصية
سيما ضباطهم، تجد من جهة اخرى البعض منا، وفق المتحدث، يخرج للواجب
بسلاحه الشخصي كما كان يفعل مدير قاطع الرميلة الشمالي، الذي تعرض
لإعتداء من قبل مجموعة عصابات التهريب في اثناء تأديته للواجب
الوظيفي، مما جعله - في ظل غياب الحماية المطلوبة- يترك العمل
نهائياً.
ويستطرد المنتسب، ازاء هذه الوضع التجهيزي السيئ فاننا لايمكننا
السيطرة الكاملة والفعلية على خطوط الانابيب الممتدة لمسافات شاسعة،
ومن اهم تلك الانابيب بالنسبة للمهرِّبين هي:
1- انبوب عقدة "14" وهو الانبوب الذي يربط بين محافظة البصرة
والمناطق الوسطى، ويمر عبر الصحراء الممتدة ما بين البصرة
والناصرية والسماوة، واكثر السرقات تحصل في هذا القاطع، وذلك
لصعوبة توفير الحماية له لضآلة التجهيزات اللازمة – كما قلنا – من
عجلات واسلحة واجهزة ودعم مادي. وهذا الانبوب خاص بالمشتقات
النفطية.
2- انبوب عقدة "28" وهو الانبوب الممتد من بازركان " العمارة"
وحتى الخط الاستراتيجي، وغالباً ما تساهم المجاميع العشائرية في
السرقة من هذا الانبوب بدعم من تجار التهريب، والمسروق من هذا
الانبوب يؤخذ الى معامل الطابوق لإستعماله في الحرق.
ورغم استمرار عمليات التهريب الا اننا نستطيع القول ان القوات
الحكومية بتشكيلاتها المختلفة الجديدة قد حققت الكثير من
الانجازات في هذا الجانب لأسباب عدة منها:
1- عمليات صولة الفرسان وما تبعها من اقامة نقاط تفتيشية ثابتة
في الموانيء المستعملة لتهريب النفط، وما زرعته من هيبة للقانون في
البصرة بعد ان كانت الدولة وسلطتها موضع تندّر من قبل المجتمع
البصري.
2- ما حدث من تعاون في الفترة الاخيرة بين قوة حماية المنشآت
النفطية وشركة النفط من خلال تدريب العناصر على كيفية السيطرة
والتدقيق في مجال التسويق الداخلي للمشتقات النفطية ومتابعة عمليات
التعبئة بصورة مباشرة في المصافي ومعاقبة المخالفين الذين كانوا
يستعينون ببعض المهربين المختصين بصناعة صهاريج التهريب من حيث
التصاميم، والتي تضمن صعوبة كشفها من قبل الاجهزة المختصة.
اضافة الى اقامة سيطرات ثابتة بهذا الشان كـ"سيطرة البوابة"
والتي من مهامها محارب عمليات التهريب شبه الرسمية التي تتم عبر
التلاعب بالأوراق الخاصة بمعلومات التعبئة والتسويق "الطنجات"،
والتلاعب بـ"الذرعة" وهي تشبه عمل المسطرة "الفيتة" فكل سيارة لها
"ذرعة" خاصة بها، كذلك عن طريق التلاعب بحجم الصهريج اما بوضع
حديدة داخله فيتم التلاعب بوساطتها في احداثيات الصهريج او تغليف
الصهريج بغلاف ثانٍ، كما يحدث في منطقة "الشافي" و"الشرامخة" حيث
يوجد اناس مختصين بتغيير حجم الصهاريج بوضع الصهريج وسط صهريج اكبر
منه، وبذلك يتم الحصول على كميات اضافية من النفط.
3- زيادة نشاط القوة البحرية، وان كانت زوارقها البحرية غير
صالحة للاستخدام بسبب رداءة المواد الداخلة في صناعتها، فالمعدن
المستعمل غير صالح للاغراض العسكرية بل لاغراض نهرية محدودة، وقد
وقفتُ عليها وشاهدتها عياناً، وهي زوارق استوردت من قبل حكومة
"اياد علاوي"، وهناك حديث حول صفقات زوارق جديدة لا ادري مدى
صحتها.
4- زيادة اسعار المشتقات النفطية بعد رفع الدعم الحكومي عنها
مما جعل الفارق المادي قليل لايستحق المجازفة والتهريب، فسابقاً
كانت "المافيات" تعتمد على بيع الحكومة العراقية للنفط باسعار
مدعومة فتقوم بجمع القطوعات التي من المفترض استعمالها داخلياً بعد
توزيع القليل منها بالاتفاق مع الجهات المعنية واعادة تصدير الباقي
الى دول الجوار كتركيا - عبر شمال العراق- باسعار ارخص من الاسعار
العالمية.
ولا يقتصر سرقة النفط العراقي على مافيات التهريب الداخلية، بل
تعدت الى دول الجوار فمن جهة الكويت، تقوم الحكومة الكويتية بسرقة
النفط العراقي عن طريق حفر الآبار بصورة مائلة لسحب النفط من
الابار العراقية في البصرة يساعدها في ذلك انخفاظ مستوى الاراضي
الكويتية بالقياس الى الاراضي البصرية، هذا فضلاً عن الآبار التي
اصبحت بحوزتهم بالكامل نتيجة لتغيير الحدود بعد تحرير الكويت.
اما في حقول مجنون وبازركان فتعمد شركات النفط في ايران الى
استغلال الحقول النفطية المشتركة والتي من المفترض خضوعها الى
اتفاقيات خاصة بين العراق وايران لغرض تحديد كمية النفط المستخرجة
من قبل كلا البلدين.
ومن المشاكل الاخرى التي تعاني منها قوة حماية المنشآت هي تعاون
بعض مسؤلي شركة نفط الجنوب مع المهربين ، ومما يثبت هذا التعاون هو
استحالة معرفة اماكن انابيب عقدة "14"الممتدة عبر مناطق صحراوية
الا بالاستعانة بالخرائط التفصيلية الموجودة في شركة نفط الجنوب
حيث تتضمن هذه الخرائط المعلومات المتعلقة باماكن بدء الانبوب
ونهاياته وجميع احداثياته، وكل انبوب في تلك الخرائط له رقم خاص
به، وهي لا تخرج بسهولة الا بعد عدة موافقات رسمية، مع هذا نرى ان
عمليات التهريب في امتدادات عقدة "14" الصحراوية تتم بسهولة، وفي
اوقات تكون فيها الرؤية صعبة، كأوقات الضباب او في الليل، مما يؤكد
امتلاكهم لتلك الخرائط.
ومن الطرافة ان ننبّه على ان اغلب السرقات النفطية تتم في ايام
الخميس لأن موظفي الصيانة لايتواجدون يومي التعطيل "الجمعة
والسبت"، فيعمد السارقون الى وضع صمامات خاصة على الانابيب النفطية
بمساعدة "مهندس مختص" وباسعار رمزية، كما هو معروف عن بعض مهندسي
"الزبير"!!، وقد رأيت بعضها في مقاطع مصوّرة حيث كانت حوالي سبع
صمامات وُضعت على الانابيب الرئيسية من جهة "الرميلة الشمالية"
و"مجنون" و"نهران عمر". |