فتيان العراق بين قضبان الاحتلال واحلام الطفولة

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: تحت عنوان "مقاتلين اعداء" تحتجز القوات الامريكية في العراق وافغانستان مئات القاصرين من الصبية والفتيان المُغرر بهم، فضلا عن عدم تطبيق اي سياسة لحماية حقوقهم كأطفال في ظل اجواء التعسف والضغوط النفسية التي يعيشها هؤلاء خلف القضبان الامريكية. فقد اورد تقرير رُفع الى الامم المتحدة ونشرته المنظمة الاميركية للحريات المدنية ان الجيش الاميركي يحتجز حاليا في العراق نحو 500 قاصر اضافة الى نحو عشرة قاصرين في افغانستان.

وجاء في التقرير الموجه الى لجنة حقوق الطفل في الامم المتحدة انه "منذ 2002 احتجزت الولايات المتحدة نحو 2500 شخص كانت تقل اعمارهم عن 18 عاما عند القبض عليهم".

واكد المتحدث باسم وزارة الدفاع جيفري غوردن هذه الارقام مشددا على ان "الوزارة تقر بالحاجات الخاصة لهؤلاء المحتجزين".

واضاف التقرير "في نيسان/ابريل 2008 كانت القوات المسلحة الاميركية تحتجز نحو 500 قاصر" في العراق يعتبرون "تهديدا لامن" البلاد وارتفع عددهم الى 800 في صيف 2007. كذلك تحتجز الولايات المتحدة راهنا "نحو عشرة قاصرين" يعتبرون "مقاتلين اعداء" في سجن بغرام في افغانستان.

في المقابل اكدت الولايات المتحدة انها لا تحتجز حاليا "اي قاصر في قاعدة غوانتانامو" الاميركية في كوبا.

وتابع التقرير انه "من اصل ثمانية قاصرين سجنوا في غوانتانامو لا يزال اثنان منهم فقط هناك تراوح اعمارهما بين 21 و23 عاما وستتم محاكمتهما امام لجنة عسكرية". بحسب فرانس برس.

وأحد هذين المعتقلين هو الكندي عمر خضر (21 عاما) والذي كان في الخامسة عشرة يوم اعتقل في افغانستان. ورفض قاض في محكمة عسكرية استثنائية اخيرا طلب الغاء الملاحقات بحقه فيما طالبت جهة الدفاع بالتعامل معه كجندي طفل. ووفق الولايات المتحدة فان "متوسط مدة اعتقال القاصرين لا تتجاوز 12 شهرا".

وقالت واشنطن في تقريرها "اذا لم تكن السن عاملا حاسما في احتجاز فرد وفق قواعد النزاع المسلح او عدمه نجهد لتلبية الحاجات الخاصة للقاصرين حين يكونون سجناء".

واضاف غوردن ان "القاصرين الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة تم القبض عليهم فيما كانوا يمارسون انشطة ضد التحالف مثل نصب عبوات ناسفة يدوية الصنع او خوض معارك ضد القوات الاميركية وقوات التحالف".

وتابع "طبقنا اليات لتقويم الوضع الصحي للمحتجزين وتحديد سنهم والتعامل معهم على هذا الاساس. ويتم بذل كل الجهود المطلوبة لنوفر لهم بيئة سليمة بمعزل عن المعتقلين الاكبر سنا ولنتيح لهم تلقي العناية النفسية والجسدية التي يحتاجون اليها".

وعلق جميل داكوار مدير برنامج حقوق الانسان في المنظمة الاميركية للحقوق المدنية في بيان "يصدمنا ان نعلم ان الولايات المتحدة تحتجز مئات القاصرين في العراق وافغانستان فضلا عن عدم تطبيق اي سياسة لحماية حقوقهم كاطفال". وشككت المنظمة في احتجاز ثمانية قاصرين فقط في سجن غوانتانامو لافتة الى "هذا العدد يناهز 23".

هيومان رايتس تنتقد احتجاز مئات الأطفال بالعراق

ووجهت منظمة هيومان رايتس ووتش انتقادات حادة إلى الجيش الأمريكي بالعراق، بعدما أقر بوجود ما يزيد على 500 طفل قيد الاعتقال، بزعم أنهم "مقاتلون أعداء"، قبل قليل من عقد اجتماع مرتقب للجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، في مدينة جنيف بسويسرا، لمراجعة التزام الولايات المتحدة بالاتفاقية الدولية لحظر استخدام الأطفال كجنود في النزاعات المسلحة.

وقالت منظمة HRW المعنية بمراقبة حقوق الإنسان حول العالم، إنه ينبغي على القوات الأمريكية في العراق أن تعمل على مراعاة معاملة الأطفال الخاضعين للاحتجاز على النحو المتفق مع وضعهم كأطفال، وإحالتهم للمراجعة القضائية الفورية وتمكين المراقبين المستقلين من مقابلتهم.

وكان الجيش الأمريكي، الذي يقود القوات متعددة الجنسيات في العراق، قد أقر بأنه، وحتى 12 مايو/ أيار الجاري، يحتجز 513 طفلاً، باعتبارهم "تهديداً للأمن"، وقال إنه قام بنقل عدد "غير معروف" من الأطفال الآخرين إلى الاحتجاز لدى السلطات العراقية. بحسب CNN.

وطبقاً لتقرير صدر مؤخراً عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، فإن "الأطفال رهن الاحتجاز لدى السلطات العراقية يتعرضون لخطر الإساءات البدنية"، حسبما ذكرت هيومان رايتس ووتش.

وقالت كلاريسا بينكومو، باحثة حقوق الطفل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنطمة: "كانت الولايات المتحدة صاحبة دور قيادي في مساعدة الجنود الأطفال على العودة إلى المجتمع، وهذا في النزاعات التي ليست طرفاً مباشراً فيها."

ولكن بينكومو، أضافت في بيان صدر عن المنظمة، قائلة: "لكن للأسف، لا يتم الاضطلاع بهذا الدور القيادي (للولايات المتحدة) في العراق."

ومن المقرر أن تبدأ لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل في مراجعة التزام الولايات المتحدة بـ"البروتوكول الاختياري"، بشأن الأطفال المتورطين في النزاعات المسلحة، والذي صادقت عليه واشنطن عام 2002.

وتحظر الاتفاقية تجنيد واستخدام الأطفال تحت سن 18 عاماً في النزاعات المسلحة، من جانب أي من الأطراف في النزاع، وتطالب الدول بتوفير "كل المساعدة الممكنة"، من أجل تعافي هؤلاء الأطفال، التابعين للدول الأطراف أو الواقعين ضمن نطاق سلطتها، بدنياً ونفسياً وإعادة دمجهم في المجتمع.

وأشار تقرير هيومان رايتس إلى أن القوات الأمريكية قامت منذ عام 2003، باحتجاز ما يزيد على 2400 طفل في العراق، من بينهم أطفال لم تتجاوز أعمارهم العشرة أعوام.

وقد تزايدت معدلات احتجاز الأطفال إلى حد كبير خلال عام 2007، بحسب المنظمة، لتصل إلى مائة طفل شهرياً في المتوسط، فيما كان معدل اعتقال الأطفال في العام السابق 2006، لا يزيد على 25 طفلاً في الشهر.

وتحتجز الولايات المتحدة معظم هؤلاء الأطفال في معسكر "كروبر" بالعاصمة العراقية بغداد، فيما تحتجز بعض الأطفال في مركز الاحتجاز الرئيسي، بمعسكر "بوكا" القريب من البصرة في جنوب العراق.

وكان مسؤولون أمريكيون قد أبلغوا المنظمة، التي يوجد مقرها الرئيسي بمدينة نيويورك، في وقت سابق من العام الجاري، بأنهم يفصلون بين الأطفال والمحتجزين البالغين في مراكز الاحتجاز، لكن لا يفصلون بين الأطفال من ذوي الأعمار الأقل، أو الأطفال المعرضين للضرر بشكل خاص، وبين الأطفال المحتجزين الآخرين.

وكانت تقارير سابقة قد ذكرت في مطلع عام 2007، أن صبياً يبلغ من العمر 17 عاماً، قد قُتل خنقاً، على يد طفل آخر محتجز في معسكر "كروبر"، وفقاً للمنظمة الحقوقية الدولية.

وذكر التقرير أن الأطفال المحتجزين قد يتعرضون للاستجواب على مدار أيام أو أسابيع، كما هو الأمر بالنسبة للبالغين، على يد الوحدات العسكرية الميدانية، قبل نقلهم إلى مراكز الاحتجاز الأساسية، مشيراً إلى أنهم لا يحظون بفرصة حقيقية للطعن في احتجازهم.

وفي وقت سابق من العام الجاري، قال مسؤولون أمريكيون إن الأطفال لا يقابلون محامين، أو يحضرون جلسات مراجعة أسبوعية أو شهرية لاحتجازهم بعد نقلهم إلى معسكر "كروبر"، فضلاً عن أن اتصال الأطفال بأسرهم "محدود."

كما أشار التقرير إلى تزايد فترات احتجاز الأطفال، موضحاً أنه حتى فبراير/ شباط 2008 كان متوسط فترة احتجاز الأطفال هو 130 يوماً، وأضاف أن بعض الأطفال يتم احتجازهم لأكثر من عام دون إخلاء سبيلهم، أو مثولهم أمام المحكمة، في انتهاك لـ"مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة الخاصة بالإجراءات الجنائية."

وقد ورد في الجزء بعنوان "إجراءات احتجاز المحتجزين الأمنيين" من تلك المذكرة: "أي شخص دون الثامنة عشرة، يحتجز في أي وقت، يجب الإفراج عنه في كل الحالات، في فترة لا تتعدى 12 شهراً من تاريخ إدخاله مركز الاعتقال."

ووفقاً لتقرير HRW، فإن الجيش الأمريكي لم يُصدر حتى الآن أية إحصاءات عن أعداد الأطفال الذين قام بنقلهم إلى الاحتجاز لدى الطرف العراقي، لغرض المُحاكمة، فيما ذكر تقرير "يونامي" أن نحو 89 طفلاً قد تم نقلهم إلى السجون العراقية، حتى ديسمبر/ كانون الأول 2007.

وكحال البالغين، فإن الأطفال الذين يتم نقلهم إلى الاحتجاز لدى القوات العراقية، يتعرضون لـ"خطر الإساءات، وسوء الأوضاع الخاصة بالاحتجاز."

وفي أغسطس/ آب 2007، فتحت الولايات المتحدة "دار الحكمة" في معسكر "كروبر"، بهدف توفير خدمات تعليمية لنحو 600 مُحتجز، تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً، حتى إخلاء سبيلهم أو نقلهم للاحتجاز لدى السلطات العراقية.

إلا أنه في مايو/ أيار 2008، قال مسؤولون عسكريون أمريكيون في بغداد للمنظمة، إن ما بين 200 إلى 300 طفل فقط من الأطفال المحتجزين البالغ عددهم 513 طفلاً، قد التحقوا بصفوف دراسية في دار الحكمة. وفي الوقت الراهن فإن الأطفال المُستبعدين من البرنامج لا يتلقون أي تعليم.

ألعاب الأطفال تعود العاباً بعد ان كانت تحاكي واقع العنف

وأدى الاستقرار النسبي للأوضاع الأمنية في العديد من مناطق العاصمة بغداد إلى قلة الطلب على ألعاب الأطفال التي تتشبه بالأسلحة، مثل الرشاشات والمسدسات البلاستيكية التي كثر استعمالها عقب سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003.

فألعاب كرة القدم والسيارات الصغيرة والألعاب الفكرية أصبحت هي الألعاب المفضلة لدى الأطفال، اليوم، وخصوصاً في المناطق التي تشهد إستقراراً أمنياً، بعد طرد المسلحين منها حيث كانت أفعالهم تشجع الأطفال على إقتناء الألعاب الشبيهة بأسلحتهم. بحسب نيوزماتيك.

وترى الناشطة في حقوق الإنسان والمرأة والطفل، آلاء الجبوري 37 سنة، أن "هذا التحول نحو الألعاب غير العنفية هو دليل على فقدان التأثير النفسي والمجتمعي للمليشيات على المناطق، كما أنها تعكس ملل المجتمع العراقي، ومن ضمنه الأطفال، من كل أعمال العنف، والتمسك بالحياة التي حاولت المليشيات والمجاميع المسلحة تضييقها على العراقيين".

وتضيف الجبوري في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "الألعاب التي تبتعد عن التشبيه بالأسلحة، تجعل طموح الأطفال فكرياً وسلمياً"، وتضيف الجبوري "أتذكر الألعاب التي كنا نمارسها في فترة ما قبل الحرب العراقية الإيرانية، عبارة عن سيارات متحركة وألعاب فكرية جميلة تبرز ذكاء الطفل العراقي".

وتلفت الجبوري إلى أن "الجيل الحالي من الأطفال بالرغم من تعرضه لتأثير كبير من قبل المليشيات داخل المناطق التي تحكم على خلفيتها العقائدية، إلا أن الوقت مازال مبكراً لمعالجة هذا الأمر وجعل الطفل العراقي في الطريق الصحيح".

الجبوري دعت الحكومة العراقية إلى "التوجه نحو الأطفال بعدة قوانين تساعدهم على النهوض من كبوتهم، وإستغلال الفترة الحالية التي تشهد إستقراراً أمنياً لدفعهم بإتجاه مجالات تخلق منهم شباباً صالحين غير ميالين إلى العنف".

ويلاحظ متابعون في العراق أن ازدياد الإقبال على الألعاب مثل كرة القدم، وغيرها من الألعاب غير العنفية يأتي ضمن توجهات جديدة للمجتمع العراقي عقب إنتهاء الصراع الطائفي الذي إستمر خلال العاميين الماضيين، وبعد تحجيم دور المليشيات الدينية في الشارع بشكل كبير.

فالمحلل السياسي الدكتور نجاح العطية يرى أن "التغيرات الأخيرة التي حدثت في المجتمع العراقي، المتمثلة بتحجيم دور المليشيات في مناطق العاصمة بغداد،التي كانت تؤثر من ناحيتين دينية وتنشر العنف أدت إلى عودة الطلب المتزايد على الألعاب التي لا توحي بالعنف لأن الناس لا يريدون تذكر تلك الأيام التي كانوا يفقدون فيها أعزاء بواسطة السلاح الحقيقي المشابه لسلاح الأطفال البلاستيكي".

ويرى العطية في حديث لـ"نيوزماتيك" أن "خروج العائلة العراقية من القمقم الذي وضعتها فيه المليشيات بعدما حددت العائلة بإجراءات متطرفة، وزرع الرعب داخلها، أدى إلى تركها لكل هذه الأمور والعودة إلى طبيعتها التي عرفت بها قبل شيوع أعمال العنف، بسرعة كبيرة، وجاءت لعب الأطفال كمثل بسيط على هذا التحول".

ويضيف العطية أن" ازدياد الطلب على ألعاب الأطفال جاء نتيجة نوعين من الحرمان؛ الأول الحرمان الذي مارسه نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ضد الأطفال الذي أصبحوا شباباً الآن، و أباءَ، ولم ينعموا بالألعاب المسلية، والثاني حرمان المليشيات للأطفال خلال الفترة الماضية التي تلت سقوط نظام صدام حسين".

أصحاب محال ألعاب الأطفال في العاصمة بغداد أكدوا إزدياد نسبة الطلب على الكرات والبالونات والدمى وإنخفاض الطلب على الألعاب النارية والمفرقعات والمسدسات البلاستيكية.

محمد ناهي، 39 سنة، صاحب محل لبيع لعب الأطفال في منطقة الكرادة قال لـ"نيوزماتيك" أن "الطلب إزداد على ألعاب السيارات والكرات والدمى وخصوصا الحيوانات مثل الدببة".

ويضيف ناهي أن "الفترة الماضية كانت تشهد إقبالا على العاب المسدسات والمفرقعات النارية لأن الأطفال كانوا يتباهون بها تقليداً لما يرونه من حمل السلاح بيد المسلحين في مناطقهم بل إن بعض الأطفال كان يتمنى أن يعمل ضمنها عندما يكبر".

ويقول ناهي "إنني، كصاحب محل، بدأت أُقلل من إستيراد الألعاب النارية لأنها بدت اقل رواجاًُ وطلباً من قبل الأطفال وعائلاتهم، لكن المشكلة أن بعض العوائل تتجه نحو شراء ألعاب الكترونية يوجد فيها معارك وقتل يلعب فيها الطفل، وهذا أخطر من ألعاب المسدسات البلاستيكية لأنها تعلمه خططاً للعنف وكيفية تطبيقها من خلال الشاشة التي يجلس خلفها لوحده".

63% من أطفال الشوارع في اربيل يرغبون في الدراسة

أجبرتهم الظروف على التوقف عن اللعب، فتخلوا عن طفولتهم سعياً وراء لقمة العيش, مارسوا أعمال الكبار، حتى أصبحوا بحق أطفال شقاء وحرمان، فلم يعرفوا شيئاً عن طفولتهم المدللة، وغابت أحلامهم في غد أفضل، وتحت ظروف أسرية صعبة تركوا المدارس، وانطلقوا نحو الشوارع.

في اربيل، 350 كم شمال بغداد، ترى مشاهد هؤلاء الأطفال يتجولون في شوارعها، ويحملون علب العلكة، والحلويات أو المناديل الورقية، وأشياء أخرى لبيعها للمارة، وأصحاب السيارات في إشارات المرور.

المشهد دائم لا يختفي، تراهم يرتدون معاطف تقيهم مطر الشتاء، ويضعون قبعات على رؤوسهم صيفاً للوقاية من أشعة الشمس. بحسب نيوزماتيك.

برزت تلك المشاهد في إقليم كردستان العراق، بشكل ملحوظ بعد حرب1991، عندما تدهورت الأوضاع المعيشية للأسر، وأخذ الأطفال يعملون لتأمين بعض الموارد المالية لأسرهم.

وتشير دراسة ميدانية أجرتها مؤسسة رعاية الأطفال باربيل العام الماضي، 2007، إلى وجود 8246 طفلا، معدل أعمارهم بين 13-14 عام يعملون في اربيل، و4067 آخرين في مدينة السليمانية، و2565 طفلا في دهوك.

التعاطي مع عمالة الأطفال يختلف من مجتمع لآخر، ومن أسرة إلى غيرها، فهناك بعض العوائل الميسورة التي تفضل أن تزج بأبنائها في سن مبكرة إلى سوق العمل، ليتعلموا بعض المهارات، دون أن يكون الدافع المادي هو الهدف، فيما عوائل أخرى تدفع بأطفالها لسوق العمل لتأمين احتياجاتها.

ويمكن تقسيم الحالة الأخيرة، العمل بدافع الكسب المادي إلى أكثر من نوع، فهناك الأطفال الذين يقومون مقام رب الأسرة، ويتولون إعالة أسرهم لغياب المعيل أو عدم قدرته على العمل.

كما هو حال الطفل مصطفى محمد، 11 سنة، الذي يبيع العلكة، والحلويات في شوارع مدينة اربيل، ويتولى مع شقيقاه مهمة العمل، بدلاً عن والدهم المسن.

ويقول محمد، لـ"نيوزماتيك"، "عددنا عشرة أفراد، والدي لا يعمل منذ سنوات، لأنه مسن، ولا يتقاضى أي راتب، وأعمل مع إثنان من أشقائي الأكبر سناً، لنؤمن احتياجات العائلة".

نوع آخر، يتمثل في رغبة بعض أولياء الأمور في التخلص من مسؤولية أبنائهم في جوانب عدة، خاصة التعليم، فيدفعوهم إلى العمل أياً كان، وهمهم الأساسي أن يأتي الطفل آخر النهار ببعض المال. 

في هذه الحالة، تلعب ثقافة المجتمع دوراً، حيث الإعتقاد السائد هو أن عمل الأطفال ليس انتهاكاً لحقوقهم أو للشرائع الدولية، بل من المسائل الضرورية التي تساعدهم حتى يصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم بعد ذلك.

الطفل نوزاد رزكار 8 سنوات، يسكن منطقة كسنزان 10 كم شرق اربيل، من تلك النوعية. يقول، إن "والده يعمل بشكل متقطع كعامل بناء، يذهب أياما قليلة للعمل، لذا الدخل لا يكفيهم، ويطالبه بالذهاب للعمل في السوق".

وأضاف رزكار، في حديث لـ"نيوزماتيك"، "مضى عام علي، وأنا آتي في الصباح الباكر إلى مركز المدينة، وأتنقل بين شوارعها لبيع بعض الأشياء البسيطة، وأعود عصراً للمنزل لأقدم ما حصلت عليه من نقود لعائلتي".

وعن عدم تلقيه التعليم هو وأشقاءه الخمسة قال، إن "والده يردد دائماً أن إلحاق الأطفال بالمدارس بحاجة إلى أموال لشراء الملابس، واحتياجات الدراسة، وهو لا يستطيع توفير ذلك لهم".

تأثيرات سلبية عديدة تنجم عن انخراط الأطفال في العمل خارج المنزل، يحصرها الباحث هيوا محمد في تسعة تأثيرات، ويقول في كتاب له صدر هذا العام 2008، عن وزارة حقوق الإنسان، إن "الانحراف المؤقت، والدائم أحد هذه التأثيرات السلبية"، ويوضح أن "التدخين نوع من الانحراف المؤقت في سلوك الأطفال الذين يعملون في السوق، بالإضافة إلى جنوح الطفل نحو العنف".

ويحصي الكاتب، آثاراً أخرى على الصعيد النفسي والصحي، "تنجم عن اختلاط الأطفال بأناس يمكن أن يؤثروا عليهم بسلوكهم السلبي، ومن الناحية الصحية، يقول "يؤثر العمل الشاق بالسلب على صحة الطفل، من ناحية نموه مقارنة بغيره من الأطفال الذين لا يعملون".

وتشير دراسة ميدانية لمؤسسة رعاية الأطفال، إلى أن 22% من الأطفال الذين يعملون في اربيل تعرضوا لإصابات عمل مختلفة.

عوامل سلبية أخرى لعمالة الأطفال،  يراها الباحث، في "تراجع قيم التربية الأسرية عندهم، لتراجع تأثير الأسرة على الطفل الذي بات يعتقد بأنه أصبح كبيراً، ولم يعد في حاجة إلى الآخرين".

ويضيف محمد، أن من سلبيات عمل الأطفال، "تأثر المجتمع بصورة عامة، نتيجة وجود أعداد كبيرة من مواطنيه، يقعون تحت تأثير عوامل سلبية".

وأظهرت الدراسة الميدانية التي أجرتها مؤسسة رعاية الأطفال في اربيل، بالتعاون مع منظمة حماية الطفولة البريطانية، أن 63,4% من هؤلاء الأطفال الذين يعملون في اربيل، يرغبون لو تتاح لهم الفرصة، في مواصلة الدراسة، والحصول على مؤهل علمي يمنحهم فرصة عمل دائم، ودخل ثابت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء  28 أيار/2008 - 21/جماد الاول/1429