
شبكة النبأ: دورية عالم الفكر الكويتية ضمت في اخر اعدادها
مجموعة من البحوث والدراسات المتنوعة...
للدكتور طيب تيزيني نقرأ( مفهوم التراث العالمي.. مدخل باتجاه
التأسيس)
يعود (التراث العالمي) إلى عهود موغلة في التاريخ، وقد بدأ في
التوضُّع مع توضع المجتمعات البشرية عموماً، ويُشار إلى أن المصطلح
المذكور كان يجد تجسده، حتى حين كانت التصورات الجيوكونية الضيقة
سائدة في بقع متعددة مثل مصر، فههنا كان يعتقد أن الكون (الحقيقي)
متماهٍ مع مصر، فهي (أم الدنيا)، وههنا يمكن وضع يدنا على ضرورة
التمييز بين (التراث) ومصطلح أو مفهوم التراث، وواضح أن الأول كان
– في الوجود – سابقاً على الاثنين المذكورين.
ونتابع القول إن التراث كان سابقاً، كذلك، على مشكلة التراث،
كما على قراءة التراث، وهذا يضع أمامنا حزمة من المصطلحات
والمفاهيم هي تلك التي ينبغي ضبطها، كما ينبغي كشف ما يربطها من
مصطلحات ومفاهيم، تتحدر من حقل (التاريخ) و(المجتمع)، مما يشير إلى
أننا هنا أمام ثلاث مرجعيات معرفية، هي علم الاجتماع وعلم التاريخ
وعلم أو نظرية التراث.
ضمن العلاقة القائمة بين المصطلحات والمفاهيم المذكورة، نضع
يدنا على ما يوحد بينها، وهو (الحدث الاجتماعي)، فهذا الأخير تنضوي
تحته كل مظاهر الحياة المجتمعية في حال تموضعها، أي حيث يُشار
إليها من حيث هي، ومن ثم حيث لا تكون قد دخلت بعد مجرى الزمن
التالي عليها، وهي بصفتها هذه تمثل (المادة المعرفية الاجتماعية)
للبحث الاجتماعي. من طرف آخر، نلاحظ أن (الحدث الاجتماعي) المذكور
إذ يدخل مجرى الزمن التالي عليه، فإنه يكتسب بعداً تاريخياً ذا
سياق تاريخي مفتوح عبر تصيُّره. ومن هنا، فإنه بذلك – أي الحدث
الاجتماعي – يصبح (حدثاً تاريخياً) من شأن علم التاريخ أن يضبطه،
وحيث يكون الأمر كذلك فإن هذا الحدث التاريخي يفصح عن نفسه بوصفه
جُماع القول في مفهومي الماضي والتطور، أي في الماضي متطوراً
ونزاعاً إلى تجاوز نفسه، بقدر أو بآخر.
وكتب الدكتور محمد سلام شكري( المجتمع المدني بين الواقع
والايديولوجيا)
تعاظم الاهتمام نظرية وممارسة بالمجتمع المدني، كما تناسلت
مستويات الحاجة إلى توظيفه داخل حقل الخطابات الأكاديمية، السياسية
والإعلامية، أو الاستعانة به كبديل عن الدولة أو عن تنظيمات
ومؤسسات أخرى. إنها حاجة مزدوجة نظرية وعملية تزايدت في العقدين
الأخيرين، في نهاية القرن العشرين، والعقد الراهن من بداية القرن
الواحد والعشرين.
غير أن هذه الحاجة إلى المجتمع المدني – كواقع أو كمطلب أو
كشعار – تتباين مجالات تلمسها وفق الرهانات الموضوعية والتمثلات
الأيديولوجية وأيضاً المصالح الفئوية – الذاتية لموظفي الخطاب حول
المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعيين الميدانيين العاملين على
تأسيس مجتمع مدني وتطويره وتمتين أنسجته وخلاياه في حالة وجوده.
من باب التكرار الممل وإعادة إنتاج الطوطولوجيا العقيمة التفكير
في مجتمع مدني في مجالنا العربي بإسقاطات تحيل إلى مرجعية الغرب
للمقاربة بين تجربتنا وتجربة (هم)، بين (مجتمعنا المدني) إن كان
موجوداً، وبين المجتمع المدني في المجال الغربي، كما تحقق عبر
سيرورة من التراكمات التاريخية، والرهانات السياسية والصراعات
الاجتماعية، حيث التعالق قائم وضروري بين المجتمع المدني
والديموقراطية منذ القرن السابع عشر، فترة تدشين التفكير والعمل في
(العقد الاجتماعي) بين الحاكم والشعب. إلا أن المجتمع المدني في
تشكله، بل في توظيفه كمفهوم أيضاً، عرف رحلة سفر متنوعة المحطات
والمنعطفات بتنوع تلك التراكمات، والرهانات والصراعات، ولذلك فهو
مجتمع لا يرعف بلغة واحدة، وإن كانت للمرجعية الهيجلية سطوتها
وامتدادها داخل متن مرجعيات نظرية لاحقة عليها. إن تلازم المجتمع
المدني والديموقراطية يدفعنا إلى تعريفها بصيغة التعدد ما دامت
الديموقراطية تتأسس على التعدد، وما دام المجتمع المدني هو حقل
تدبير الاختلافات وتأكيد الهويات والمطالب المتنوعة. إذا كان هذا
هو ما يسم المجتمع المدني في المجال والتجربة الغربيين، فما بالنا
نحن كعرب أثقلنا إرث التأخر التاريخي؟ هل تنفصل الرهانات والخطابات
المتداولة حول المجتمع المدني في المجال العربي عن أسئلة النهضة
والتقدم التي صاغها رواد الإصلاح في نهاية القرن التاسع عشر؟ هل
الحاجة المزدوجة إلى المجتمع المدني كحاجة نظرية وعملية تعبر
بالنسبة إلينا عن تطور موضوعي في سيرورة التدافع التاريخي بين
القوى الاجتماعية والحركات السياسية، أم هي حاجة ظرفية عابرة تتصل
بالشعار الأيديولوجي الذي سيختفي في الغد القريب (الموضة)، كما
اختفت شعارات الثورة، الأممية البروليتارية، القومية... الخ؟
تقتضي الضرورة المنهجية تفكيك عناصر الموضوع، واستنطاق الخفي في
ما تعلنه ظاهرا الأسئلة المطروحة عبر تناول مسترسل للمفاصل
الموضوعاتية التالية:
1- الغرب: المجتمع المدني في الأنساق النظرية.
2- المجال العربي: المجتمع المدني بين الواقع والأيديولوجيا.
3- المجتمع المدني والدولة بين التضاد والتكامل.
4- مجتمع مدني ومجتمعات مدنية.
ونقرأ للدكتور احمد محمد وهبان ( تحليل ادارة الصراع الدولي..
دراسة مسحية للادبيات المعاصرة)
تمثل ظاهرة الصراع واحدة من أبرز ظواهر عالم السياسة الدولي،
وبالتالي فقد ظلت دوماً تستقطب اهتمام المعنيين بدراسة العلاقات
الدولية، وتحتل مكاناً مرموقاً في مؤلفاتهم، بل راحوا يفردون لها
عشرات من الدراسات البحثية بغية استجلاء طبيعتها، والإحاطة بشتى
جوانبها وتداعياتها.
ثم ما برح فريق من الباحثين أن راح يصب اهتمامه على مسألة إدارة
الصراع الدولي فظهر بذلك حقل معرفي جديد في هذا الصدد.
ففي رحاب أجواء دولية مفعمة بالتوتر بين القطبين الأمريكي
والسوفيتي، وفي ظل امتلاك العديد من القوى الكبرى أسلحة دمار شامل،
تنامت المخاوف من انفجار الصراعات الدولية، وبالتالي تزايدت الحاجة
– كما يقول Brown – إلى إيجاد الوسائل الكفيلة بالسيطرة على هذه
الصراعات ومنع انفجارها، لأنه كان من شأن مثل هذا الانفجار أن يأتي
بعواقب عظيمة الخطر في ظل أجواء دولية كهذه، وإجمالاً يمكن القول
إن مفهوم إدارة الصراع الدولي ظهر كحقل معرفي جديد في ظل أجواء
الحرب الباردة، وتحديداً خلال سنوات النصف الثاني من خمسينيات
القرن الماضي. إذ ظهرت في عام 1957 أول دورية علمية متخصصة في مجال
إدارة الصراع الدولي، ألا وهي مجلة (حل الصراع) كما أنشأت جامعة
ميتشغان – في عام 1959 – أول مركز بحثي متخصص في موضوع حل الصراع
الدولي، ثم كان أن شهد عقد الستينيات تزايداً واضحاً في الاهتمام
بذلك الموضوع، فظهر العديد من المراكز البحثية وورش العمل أسسها
باحثون أمريكيون حال كل من Kelman و Jon Burton و Leonard Doob
وHerbert وStenelo وYoung وغيرهم.
وعلى هذا النحو ومع إطراد التنامي في الاهتمام بموضوع إدارة
الصراع الدولي خلال العقود المنصرمة اكتسب هذا الموضوع ذاتية
متميزة، وبانت معالمه كحقل معرفي جديد من حقول نظرية العلاقات
الدولية.
وكتب الدكتور احمد تهامي عبد الحي ( دراسة الاجيال السياسية في
العلوم الاجتماعية)
اهتم كثير من علماء السياسة والاجتماع السياسي بدراسة الوعي
السياسي لدى الجماعات المختلفة، خصوصاً الوعي الطبقي والوعي القومي،
لكنهم لم يعيروا كثير انتباه للوعي الجيلي، وحتى وقت قريب لم
يستخدم علماء السياسة مفهوم الجيل السياسي إلا كأداة لدراسة النظم
التوتاليتارية.
ثم أخذ الاهتمام بالتحليل الجيلي يحظى باهتمام علماء السياسة في
الغرب في العقود الثلاثة الماضية، وقد استخدم العديد من علماء
السياسة والاجتماع اقتراب الجيل لدراسة قضايا المشاركة السياسية،
والتغير والاستمرارية في الحركات السياسية والاجتماعية، إذ همشوا
الأبعاد الأيديولوجية والفلسفية التي تلقي بظلالها الكثيفة على
دراسة الأجيال، وأولوا جل اهتمامهم للجوانب الإجرائية للمفهوم
ومؤشراته الأساسية من قبيل الآثار الجيلية، والعمليات الجيلية
وتأثيرهما في الحركات السياسية والاجتماعية.
وقد ارتبط استخدام التحليل الجيلي في العلوم الاجتماعية
والسياسية بعدد من الاستخدامات المختلفة، من أبرزها تفسير المشاركة
السياسية وفقاً لمتغير العمر – الجيل، واستخدام مفهوم الآثار
الجيلية لفهم وتفسير الحركات الطلابية، وتوظيف العمليات الجيلية في
فهم تفسير الاستمرارية والتغير في الحركات السياسية والاجتماعية.
ونقرأ للدكتور محمد عبد المنعم شلبي( العولمة والبنى الطبقية
متعدية الجنسية)
يعمل كل نمط إنتاج محدد على خلق بنيته الطبقية المتوائمة معه،
والمحققة لأهدافه ومصالحه في الوجود والاستمرارية والفاعلية، وهي
العملية التي تحدث بوتائر متفاوتة في سرعتها، ومتباينة في مدى
عمقها، كماً وكيفاً.
وفي هذا الصدد، نجد أن العولمة (الرأسمالية) قد عمدت – من منطلق
الأيديولوجيا الليبرالية الجديدة – إلى خلق شرائح وفئات طبقية
رأسمالية وأخرى وسطى (معولمة) متعدية الجنسية، ذات أنشطة ومصالح
تقع على أرضية مشتركة، في حين قلصت من دور وفاعلية شرائح وفئات
وسطى تقليدية ذات طابع محلي، إلى جانب تفتيتها لكيان الطبقة
العاملة (التقليدية)، التي قد تزداد كما في الراهن، في حين تتضاءل
كيفاً، على المستويات كافة.
البنية الطبقية في كليتها – إذن – هي في حالة تواصل مع عملية
العولمة بفواعلها كافة، وبدرجات ومستويات تتفاوت في درجة التأثير
والتأثر، فما توافق من شرائحها وفئاتها وجماعاتها الطبقية مع نمط
الانتاج الراسمالي المعولم في الراهن تتبلور مقومات وجوده ووعيه،
وتزداد فرص التحاقه بالبنية الطبقية المعولمة (متعدية الجنسية)،
وما تناقض من هذه التكوينات الطبقية مع هذا النمط الإنتاج المهيمن
تعرض للانحدار والتدهور والإضعاف.
هذا ومن خلال متابعة الأدبيات التي رصدت وحللت البنية الطبقية
متعدية الجنسية، نجد أن الطبقة الرأسمالية قد حظيت بمعظم الاهتمام
والمتابعة، في حين تضاءلت الدراسات والبحوث التي ركزت على الشرائح
الطبقية الوسطى، وندر ما تعلق منها بالطبقة العاملة، بمختلف فئاتها
وقطاعاتها.
ونركز في هذه الدراسة على مناقشة التحولات التي طرأت على البنية
الطبقية متعدية الجنسية بفعل عملية العولمة، فنرصد في ذلك التحول
الذي طرأ على مفهوم الطبقة ذاته، ومروره من طور الدولة القومية إلى
طور الممارسات متعدية الجنسية. ثم ننتقل إلى مناقشة فواعل التحول
إلى العولمة الطبقية، بالتركيز على الدور الذي تلعبه الشركات
متعدية الجنسية في هذا الصدد على المستويين الاقتصادي والسياسي،
ونتلو ذلك باستعراض الطبقتين: الرأسمالية والوسطى، بوصفهما الأكثر
حضوراً في الأدبيات من ناحية، والأكثر تأثيراً في العولمة
الرأسمالية من ناحية أخرى.
وكتب الدكتور الراضي رشيد ( السفسطات في المنطقيات المعاصرة...
التوجه التداولي الجدلي نموذجا)
لا يخفي على الناظر في حقل الدراسات اللغوية والتواصلية الأهمية
المتزايدة التي أصبح يوليها الدارسون لموضوع الحجاج، خصوصاً بعدما
أضحى لهذا النشاط حضور مكثف في الحياة الإنسانية المعاصرة التي صار
التواصل من أهم سماتها، ومعلوم أن التواصل الإنساني في أغلبه – إن
لم يكن كله – تواصل إقناعي يسعى فيه كل طرف إلى جعل الطرف الآخر
يتقلد رأياً محدداً، ويصير من المدافعين عنه إن أمكن.
تلك هي حال المناضل في الحزب السياسي، والخطيب على المنبر
الديني، والأستاذ في قاعة الدرس، والقائد في ساحة الحرب، والكاتب
في الصحيفة، والمسؤول في الإدارة، والمغني والشاعر والفيلسوف
والتاجر... حتى صح أن نقول أن عالمنا سوق كبيرة بضاعتها الدعاوى
والحجج بشتى ألوانها وأصنافها، إن الحجة أصبحت عصب الحياة المعاصرة
تسري في عروق حضارتنا الجديدة بها يتبوأ الرؤساء مقامات الرئاسة،
وتنتصر الجماعات في معارك السياسة، وبها تقاد الجيوش الجرارة،
وتساس الأموال الدوارة، والحجة حَكَم في العقائد، فبها يتقلب الناس
بين الملل والنحل، والحجة حَكَم في الأسواق، فخلق كل سلعة حجة،
وكساد السلعة ليس إلا كساداً في الحجة، والحجة معتمد الإنسان في
معركة الحياة الهادرة فكم من حق ضاع لضعف حجته، وكم من باطل ذاع
لقوة حجته.
ويكتب الدكتور عمر الزعفوري ( التهميش والمهمشون في المدينة
العربية المعاصرة: رؤية تحليلية من منظور بنيوي)
من المفاهيم التي تحتمل العديد من التأويلات والتفسيرات مفهوم
(الهامشية) فهو عند البعض مرتبط بظاهرة الفقر، وعند البعض الآخر
مقترن بانعدام الفاعلية وغياب الدور.
وقد غدا لكثرة جريانه على الألسن واستعماله باستمرار، من قبل
رجال السياسة، كأنه واضح بداهة ولا يحتاج إلى تفسير؛ فكثيراً ما
يرد في الخطابات الرسمية أن برامج التنمية في بلد ما تهدف بالأساس
إلى (محاربة الإقصاء والتهميش وتسعى إلى إعطاء مزيد من الفرص
للفئات (المحرومة) كي تتمكن من كسر طوق التهميش، وتسهم بفاعلية في
عملية التنمية كأن مجرد تطوير نظرة أخلاقية تجاه هذه الفئات كفيل
بأن يجعلها تتجاوز وضعية التهميش التي تردت فيها).
التناول العلمي لهذا المفهوم يقتضي منا، إذا أردنا كشف المستور،
أن ننزله في سياقات تاريخية مختلفة، لأن علم الاجتماع الكلاسيكي،
على سبيل المثال، أدرجه ضمن باب المسكوت عنه، كأن المجتمعات التي
تناولها علماء الاجتماع الكلاسيكيون بالتحليل لم تعرف ظواهر
التهميش، في حين شكلت الهامشية حقل بحث ثري وغني بالدلالات في علم
الاجتماع المعاصر، فعلى تعدد البراديغمات السوسيولوجية واختلاف
التصور الاجتماعي من براديغم إلى آخر اعتبر الهامشيون مكونا أساسيا
من مكونات المجتمع، خصوصاً في المجتمع الحضري، على اعتبار أن
المدينة، في علم الاجتماع المعاصر، تختزل كل تناقضات المجتمعات
العصرية. هي موطن الحركات الاجتماعية التي يشهد تشكلها عالمنا
المعاصر في مناخ وجدت فيه الذوات المقموعة والمغيبة الفرصة
المواتية للتعبير عن هويتها والمطالبة بحقها في الوجود. عودة
الهامشي تزامنت مع بروز خطابات تشرع ذاك الحق كالديموقراطية
والحرية والمواطنة، بغض النظر عن المعنى الذي يحصل لتلك الذوات
المهمشة من هذه المفاهيم، وعن طريقة توظيف السياسات القائمة لها
بتحويلها إلى مادة استهلاكية في متناول الجميع. الكل يتحدث اليوم
عن الحرية والديموقراطية والمواطنة ويعبر عن تعلقه بها، ولكن لا
أحد يتساءل عن ماهيتها. (ثورات) النساء على الرجال في المدن
العصرية، حيث الكثافة السكانية العالية واحتدام الفوارق الاجتماعية
وانسداد آفاق الرقي الاجتماعي أمام فئات عريضة من المجتمع، يضعف
النسيج الاجتماعي وتجد الدولة نفسها عاجزة عن ضبط المجتمع الحضري
ومراقبته؛ مما يخلق الأرضية الملائمة لنشأة تلك الحركات وظهور بعض
التنظيمات الثقافية والسياسية التي تتخذ من تلك الخطابات مادة
استهلاكية لها.
فكيف كان الهامشيون هم الغائب – الحاضر في خطابات الكلاسيكيين؟
وما علاقة التهميش بالتحضر في علم الاجتماع المعاصر إذا رمنا ربط
الظاهرة بواقع المدينة؟ ثم أين تكمن أوجه الاختلاف بين البراديغمات
المعاصرة في تناول مسألة الهامشية والهامشيين؟ وختاماً، ما هي
المنطلقات النظرية التي انبنت عليها تلك البراديغمات فأفرزت ذاك
الاختلاف في التصورات؟
واخيرا يكتب الدكتور اراق سعيد ( مدارات المنفتح والمنغلق في
التشكلات الدلالية والتاريخية لمفهوم الهوية )
إن الوجود الإنساني ليس مجرد مساحة زمنية مفرغة من الفعل التي
تتحقق به الحياة، بل هو اكتمال التحقق بالفعل والتحقق بالقوة، إنه
(فرصة لاختبار الذات)، على حد تعبير سقراط، وهو الالتحام الأبدي
بين الفعل ورد الفعل، بين الذات والموضوع، بين الكائن الأنطولوجي
والكائن الكوسمولوجي، بين اللوغس والكوسموس، وبين الفعل (Praxis)
والتأمل (theoria).
وفي صلب هذه التقاطعات التي تؤسس شبكة الملامح المحددة للوضع
الاعتباري والوجودي للإنسان، يحضر الوعي باعتباره العامل الحاسم في
تجلية أبعاد الظواهر الوجودية وإدراكها من حيث هي موضوع للتجربة
الإنسانية وموضوع للوعي بهذه التجربة في الوقت نفسه، فالوعي
بالوجود هو شرط الوجود نفسه، والإنسان لا يكرس منطق وجوده المادي
والرمزي إلا عبر ترتيب حدود وأبعاد الظاهرة الإنسانية، ضمن أفق
عقلاني قادر على قراءة واستقراء ملامح وقسمات وصيرورة هذه الظاهرة
في سياقاتها الذاتية أو الموضوعية والقائمة أو المفترضة. إن قدر
الإنسان هو أن يمعن في التفكير والتأمل بحثاً عن فهم تاريخي
وإبيستمولوجي أعمق لنفسه ولمحيطه ولقضاياه، وتطلعا إلى بناء وعي أو
وعي مضاد، بإشكالياته الأساسية وانشغالاته المصيرية، حتى لو كلفه
هذا السعي الدائب من أجل الفهم، مغبة الاكتواء الموجع بما يمكن أن
يجره عليه فضوله المعرفي من تبعات، وربما لهذا السبب قال نيتشه:
(هناك درجة معينة من الأرق، من الحس التاريخي الذي يصيب كل شيء حي،
وفي النهاية يدمره، سواء كان إنساناً أو شعباً أو حضارة)، لكن
ينبغي الاعتراف بأن الذي يدمر أكثر هو الكسل المعرفي الذي يعطل
ملكة الفكر ومنطق التأمل، ولا يشجع على تشغيل التفكير وطرح الأسئلة
واتخاذ المواقف، وعلى هذا الأساس، يمكن القول أن جدلية الصيرورة
التاريخية نفسها، هي جدلية معانقة ومقارعة الفكر للواقع، من منطلق
الوعي به وتفعيله وتغييره والدفع به نحو آفاق التجاوز ومدارات
الارتقاء وسبل التطور. لذلك لا بد من التأكد أن وظيفة التفكير هي
وظيفة اجتهادية بالأساس، وكلما تنصل الفكر من هذه الوظيفة، أصبح
مغترباً عن هويته ومقصياً خارج شرطه الجوهري وفعله التنويري،
وعاجزاً بالتالي عن التقاط دلالة المعطيات البادية أو المتسترة في
مرآة الواقع والتاريخ والحياة. |