ارتفاع أسعار النفط والخدمات والسلع في العراق في عيون خبراء الاقتصاد

علي الطالقاني*

شبكة النبأ: تعد ظاهرة أرتفاع أسعار السلع والخدمات والغذاء والوقود من الظواهر التي لاقت اهتماما فائق النظير من قبل المؤسسات وخبراء الاقتصاد في العالم مؤخرا، فضلا عن تأثيرها في الواقع السياسي وعناية السياسيين لهذا الجانب لاعتبارات عدة منها أن هذه الظاهرة أخذت تتنامى وبالتالي تسببت بزيادة المعاناة الاقتصادية للشعوب وزيادة حالات الفقر في انحاء العالم.

ويعد العراق واحدا من بين البلدان التي تعاني من هذه الأزمة، وقد كشف تقرير في هذا الشأن صادر عن الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات عن التصاعد الحاد في اسعار السوق العراقية.. إذ أشّر الرقم القياسي لاسعار المستهلك هذه الظاهرة واتضح من خلال المقارنة بين أسعار عام 2005، 2006 ان مؤشر التضخم السنوي قد ارتفع للمدة من آذار 2006 عن آذار عام 2005 بنسبة 53,4 %  حيث شمل هذا الارتفاع جميع المجاميع السوقية (المواد الغذائية وغيرها)، وخلص التقرير الى ان صعودا في الخط البياني للاسعار اتسمت به تلك الفترة، ولأجل تسليط الاضواء على الاسباب التي أدت الى هذا الوضع قال الخبير الاقتصادي هلال هاشم الطعّان: ان من أهم الاسباب التي أدت الى زيادة الاسعار وخاصة اسعار المواد الغذائية، هو الخلل الحاصل في استيراد المواد الغذائية من قبل وزارة التجارة، الذي ادى الى شحة بعض المواد الغذائية وتأخر توزيعها ضمن مفردات (البطاقة التموينية) وبالتالي ازدياد اسعارها في السوق المحلية العراقية ومن تلك المواد (الرز، السكر، الزيت السائل) والعامل الآخر يتمثل في صعوبة انسيابية البضائع الى المناطق المختلفة من البلد والسبب يعود الى الظروف الامنية القاسية، وقد كان لارتفاع اسعار الوقود آثار مباشرة وسريعة في زيادة الاسعار حيث انعكست تلك الزيادة على تكاليف نقل البضائع سواء القادمة عبر الحدود من دول الجوار  أو تلك التي يتم توزيعها الى مختلف محافظات البلاد. بحسب جريدة الصباح العراقية.

الطعّان اضاف.. ان سياسة الانفتاح الاقتصادي ادت كذلك الى تقارب اسعار السلع مع نظيراتها في الدول المجاورة علما بأن السوق العراقية تعد من ارخص الاسواق لذلك لابدّ من وضع معالجة اقتصادية تهدف الى خفض اسعار (السلع والخدمات) وتأخذ تلك المعالجة مسألة توفير السلع والخدمات بشكل منتظم ضمن مفردات (البطاقة التموينية) مع تأمين خزين ستراتيجي من المواد الغذائية في مخازن وزارة التجارة لمواجهة الطلب المتزايد في السوق المحلية العراقية، والقضاء على ظاهرة تهريب المواد الغذائية الى دول الجوار من خلال السيطرة على المنافذ الحدودية، والعمل على تشكيل لجان مراقبة مشتركة من قبل وزارة التجارة والداخلية للقضاء على ظاهرة تكديس (السلع والبضائع) في المخازن الخاصة لكي تكون هناك شحة مفتعلة تؤدي الى صعود واضح في الاسعار.

واستطرد قائلا.. لابدّ من تفعيل القرار الاقتصادي وان لا يظل هذا القرار حبيس المقولة المشهورة التي تقول (ان الاقتصادي ينفذ قراره من خلال نافذة السياسي) لان هذه الصورة تعكس الدور المهمش للاقتصادي العراقي، الذي لا يرتقي الى مستوى القرار الفاعل، بل هو في احسن حالاته يأخذ دور الاستشارة فقط، وفي المنحى نفسه اكدت خبيرة اقتصادية، ان ارتفاع اسعار السلع والخدمات ناتج عن اختلال بنسبة الناتج القومي، وضعف مساهمة القطاعات السلعية لتوليد الناتج لصالح الاستيرادات ما ادى الى خلل واضح بين العرض والطلب الكلي حيث كان الاخير يتسم بالزيادة بفعل الزيادات الحاصلة في الاجور والرواتب بالرغم من وجود (حالة الركود الاقتصادي) التي يعيشها الاقتصاد العراقي واضافت.. ومن أجل معالجة هذا الارتفاع في الاسعار يجب تفعيل المكون المحلي للعرض بحيث يكون مرتفعاً ويكون مسؤولاً عن تغطية الطلب الكلي، لكن الملاحظ ان (المحتوى الاستيرادي للعرض الكلي) هو المسؤول عن تغطية الطلب الكلي مما يفسر حالات الارتفاع، ولولا السياسة النقدية المتبعة الآن في العراق لكانت هناك زيادات اكبر في مستوى الاسعار، وهناك جانب مهم يجب التذكير به وهو ان زيادة (الانفاق على الخدمات) بالرغم من اهميتها لا يسهم في معالجة الاختلالات في بنية الناتج القومي ولذلك لابدّ من ان تحظى المبالغ المخصصة للاستثمار بحصة اكبر من موازنة الدولة من اجل تفعيل دور القطاعات السلعية من خلال تنشيط القطاع الحقيقي المتثمل بالزراعة والصناعة وغير ذلك.

عواقب ارتفاع اسعار النفط

اما ظاهرة ارتفاع أسعار المواد الوقودية هي الأخرى لا تختلف من حيث الاهتمام  عن نظيرتها في الجانب الغذائي فقد حذر خبراء اقتصاديون، من ان ارتفاع اسعار النفط الخام العالمية سيكون له مردودات سلبية على الاقتصاد العراقي مع استمرار الإنفاق الحكومي في مجالات غير استثمارية وتواصل الاعتماد على السلع والخدمات المستوردة.

واتفق الخبراء على ان ازدياد عوائد النفط بسبب ارتفاع اسعاره من شأنه ان يفاقم التضخم ويؤثر سلبا على الميزان التجاري العراقي لو ازدادت مدفوعات الاستيراد لانها ستقود الى تآكل مردودات التصدير وكساد السوق.

واعتبر الدكتور عبد الستار عبد الجبار التدريسي في قسم الاقتصاد بالجامعة المستنصرية ان ايجابيات ارتفاع اسعار الخام على الامد القصير تتركز في "تحسن وضع ميزان المدفوعات العراقي بسبب زيادة الرصيد من العملات الاجنبية الناجم عن تحسن وضع الميزان التجاري ما يتيح للحكومة تلبية متطلبات المجتمع مثل بناء الجيش وتأهيل البنى التحتية وبناء مصافي نفط جديدة وتحسين الخدمات العامة.

لكنه في الامد الطويل لابد ان يحمل، برأي التدريسي، تاثيرات سلبية اذا لم تستثمر الايرادات النفطية باسلوب رشيد، كالتاثير السلبي في وضع الميزان التجاري وازدياد مدفوعات الاستيراد بسبب اعتماد العراق على السلع الاستهلاكية المستوردة ما يؤدي الى تآكل مردودات تصدير النفط وفقدان القدرة على الانفاق الحكومي الذي لا بد منه خاصة في مجال البنى الاساسية وقضايا الضمان الاجتماعي.

واعتبر عبد الجبار ان هذه الظروف تسهم في اضعاف القوة الشرائية للمستهلك والمستثمر العراقيين وتقلل من حجم الطلب الكلي الفعال وتنهي الحافز للاستثمار وتوفر عوامل لطرد راس المال العراقي والاجنبي. بحسب وكالة أصوات العراق.

واعرب الخبير الاقتصادي عن تخوفه من ان ارتفاع اسعار السلع المستوردة سيسبب ارتفاع المستوى العام للاسعار فتنخفض الدخول الحقيقية للافراد ما يؤدي الى زيادة التكاليف وانخفاض حجم الارباح واضعاف القدرة التنافسية للسلع الصناعية المصدرة وتوقف الصناعات الوطنية.

لكنه في الوقت نفسه، حذر من ان هناك امكانية لحدوث هزة في الاقتصاد العراقي لو حدث انخفاض حاد في اسعار النفط الخام الذي يشكل 95% من واردات الدولة و 65% من الميزانية العامة، لأن ارتفاع اسعار النفط لن يدوم طويلا، إذ إن المستوردين سيبحثون عن بدائل ارخص.

ويؤيد هذا التحليل الباحث الاقتصاي الدكتور هلال الطعان معتبرا أن الاثار الايجابية لزيادة اسعار النفط العالمية على الاقتصاد العراقي تتركز في "زيادة ايرادات الموازنة العامة للعراق، والتحسن في سعر صرف الدينار العراقي في سوق العملات العالمي بسبب زيادة الغطاء النقدي للعملة العراقية من العملات الاجنبية".

لكنه يّذكر بأن "اعتماد العراق على استيراد 90% من المواد والسلع التي يحتاجها سيؤدي الى زيادة عجز الميزان التجاري العراقي وبالتالي زيادة العجز في ميزان المدفوعات العراقي".

وأشار الطعان الى ان "الحكومة العراقية لم تستفد لحد الآن من زيادة اسعار النفط الخام ولم يتم استثمار هذا المورد بالشكل الامثل بسبب الفساد الاداري والمالي في العراق بشكل كبير جدا".

ويوافق الباحث الاقتصادي الدكتور عبد الجبار الحلفي على ان الآثار المترتبة على ارتفاع اسعار النفط الخام هي مالية بحتة.

وقال "سوف تكون هناك تدفقات مالية جديدة عند ارتفاع سعر النفط ما يعني ان النمو بالناتج الاجمالي المحلي سيرتكز على قطاع النفط فقط وهذا نمو مالي وليس تنموي".

بيد ان رئيس قسم الاقتصاد بالجامعة المستنصرية الدكتور احمد الوزان يعتقد أن "ارتفاع اسعار النفط الخام سيسبب في ارتفاع اسعار السلع والخدمات المنتجة بشكل عام، وبالتالي ازدياد التضخم وحصول ركود اقتصادي ينتقل من مستواه المحلي عند مستهلكي النفط الى مستوى الاقتصاد العالمي."

ويرى الوزان ان آثار ارتفاع اسعارالنفط الخام على اقتصاديات الدول المصدرة للنفط ومنها العراق، يعتمد على سياساتها المتعلقة بالتصرف بالعوائد النفطية.

وحسب الاقتصادي فان الدول التي ستستثمر تلك العوائد في رفع المستوى المعاشي لمواطنيها، بتفادي الاستيراد المتطرف، ودعم الاستثمار في مشاريع اقتصادية تخلق دخلا بديلا للنفط الخام، ستستفيد اكثر من الدول التي ستعجز عن التصرف الاقتصادي بالعوائد النفطية التي ستعاني من التضخم.

واضاف الوزان ان ايجابيات زيادة اسعار النفط العالمية ستقتصر على الامد القصير في التخفيف من وطأة الاجراءات التقشفية التي ترتبت على الفرد العراقي كمستهلك او كمنتج مثل تقليل الانفاق الحكومي العام ورفع الدعم بشكل تدريجي على بعض السلع الحيوية كالمشتقات النفطية والبطاقة التموينية بسبب التزام الحكومة العراقية تنفيذ اجراءات برامج التكييف الهيكلي استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير.

.........................................................................................

*المركز الوثائقي والمعلوماتي:  مركز يقدم الخدمات الوثائقية التي تتضمن موضوعات مختلفة  من دراسات وبحوث وملفات متخصصة.

للاشتراك والاتصال: www.annabaa.org /// [email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين  26 أيار/2008 - 19/جماد الاول/1429