سوريا واسرائيل: زواج بالإكراه لتحالفات جديدة

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: تحت ضغط المزاعم بامتلاكها برنامجا نوويا تبحث سوريا عقد اتفاق سلام مع إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى تحول في علاقاتها مع إيران والجماعات المناهضة للولايات المتحدة مثل حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).

فقد أكدت كل من سوريا وإسرائيل اجراء محادثات غير مباشرة بوساطة تركية بعد ثمانية أشهر فقط من شن الطائرات الاسرائيلية غارة على هدف في شرق سوريا. الذي قالت واشنطن عنه انه مفاعل نووي يجري انشاؤه بخبرة كورية شمالية.

والتزمت اسرائيل، التي أوضحت أن زعزعة استقرار سوريا ليس في مصلحتها، الصمت بشأن الغارة. ونفت سوريا الاتهامات الامريكية لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعهدت بتفقد الموقع الذي تم قصفه.

وقال دبلوماسي اوروبي في العاصمة السورية "يكره السوريون أن يكونوا على الجانب الخاطئ من القانون الدولي ويبحثون الان احتمال فرض عقوبات (عليهم) وقيام مفتشين دوليين بالتنقيب في الموقع بالجرافات."

وأضاف "لا أحد يعلم ما الذي يتحدثون الى اسرائيل بشأنه ولا يتوقع أحد التوصل الى اتفاق قريبا لكن المحادثات تمثل فرصة لسوريا لاعادة تأهيلها دوليا."بحسب رويترز.

وذكر دبلوماسي اخر أن المحادثات قد تساعد سوريا أيضا في تجنب الضغوط التي تمارس عليها بسبب دورها في لبنان. وقد يثني احياء مسار السلام مع اسرائيل الولايات المتحدة عن الضغط من أجل انشاء محكمة دولية لمحاكمة المشتبه في ضلوعهم في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري عام 2005 .

وتمثل المحكمة تحديا كبيرا بالنسبة للرئيس السوري بشار الاسد. وأشار تقرير للامم المتحدة الى تورط أقارب للاسد في الاغتيال. ونفت سوريا ضلوعها في هذا الامر.

غير أن العقبات في طريق عقد اتفاق سوري اسرائيلي تظل هائلة. ولا تتوقع سوريا توقيع اتفاق اثناء فترة ولاية الرئيس الامريكي جورج بوش - الذي لا يخفي عداءه لدمشق - والتي تنتهي في يناير كانون الثاني من العام المقبل. لكن سوريا تقول انها ملتزمة بمواصلة المحادثات مع اسرائيل من خلال تركيا.

وأبدت واشنطن تأييدا فاترا للجهود التركية. اما في اسرائيل فيعتقد الكثير من الناخبين أن رئيس الوزراء ايهود اولمرت يستغل المحادثات لتشتيت الانتباه عن المشاكل الداخلية.

ولعبت السياسة الداخلية الاسرائيلية دورا في انهيار محادثات عام 2000 حين وصل المفاوضون الاسرائيليون والسوريون الى طريق مسدود بشأن حجم الانسحاب الاسرائيلي المقترح من مرتفعات الجولان التي احتلت خلال حرب عام 1967 .

في السنوات الثماني الماضية زادت اسرائيل من مطالبها لسوريا التي ضعف وضعها الاستراتيجي. وقالت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني يوم الخميس ان ابرام اتفاق يقتضي أن تنأى دمشق بنفسها عن "العلاقات المثيرة للمشاكل" مع ايران وأن تقطع صلاتها بحزب الله وحماس.

واعترف مسؤولون بأن علاقات سوريا بجميع حلفائها ستعدل بموجب اتفاق سلام مع اسرائيل لكن مسؤولا قال ان دمشق لا تستطيع التخلي عن تحالفها مع ايران ببساطة والمستمر منذ عام 1980 حين وقفت سوريا وحدها في العالم العربي الى جانب الجمهورية الاسلامية في حربها التي استمرت ثماني سنوات ضد العراق.

لكن بوادر خلاف بين دمشق وطهران ظهرت في الاونة الاخيرة. وكانت ايران قالت في فبراير شباط انها ستشارك في تحقيق يجري في اغتيال عماد مغنية القيادي البارز في حزب الله والذي قتل في العاصمة السورية. ورفضت سوريا التصريح الايراني.

سوريا: اسرائيل قدمت ضمانات بإعادة الجولان

وقال محسن بلال وزير الاعلام السوري لقناة تلفزيون الجزيرة "نحن استلمنا التزامات ورسائل من الحكومة الاسرائيلية ومن رئيس الحكومة الاسرائيلية يضمنوا فيها عبر الأصدقاء الأتراك انهم يعلمون ماذا يريده السوريون."

واضاف "انه يعلم تماما ان الجولان كاملا سوف يُعاد الى السيادة السورية وان اسرائيل سوف تنسحب الى خطوط الرابع من حزيران 1967."

وقالت الولايات المتحدة في أول رد فعلي علني على الاتصالات الاسرائيلية السورية انها لا تعترض على المحادثات لكنها كررت انتقادها لما قالت انه "دعم الارهاب" من جانب سوريا.

وفي ترديد للتعليقات الامريكية قالت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني ان سوريا يجب ان تنأى بنفسها عن جماعات مثل حركة المقاومة الاسلامية حماس التي تستضيف دمشق بعض قادتها وأيضا عن جماعة حزب الله اللبنانية.

وقال بلال "عندما يقولون بمثل هذه المطالب هذه الشروط وموضوع السلام وعملية السلام لا تستدعي شروطا مُسبقة ... هذه الشروط سلفا مرفوضة وإصطلاح التنازل المؤلم أيضا مرفوض لان السوريين يطلبون حقهم."

وقال بلال انه لا توجد تنازلات مؤلمة فيما يتعلق باعادة اسرائيل للجولان التي هي أرض سورية.

اسرائيل تضع شروطا

وحددت اسرائيل شروطا لابرام اتفاق سلام مع سوريا متفقة مع واشنطن في مطالبة دمشق بأن تنأى بنفسها عن إيران وأن تكف عن دعم الجماعات الفلسطينية واللبنانية النشطة.

وقالت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني في تكرار لتصريحات أمريكية أن اسرائيل تريد العيش في سلام مع جيرانها لكن ينبغي على سوريا أن "تنأى بنفسها تماما" عن العلاقات "المثيرة للمشاكل" مع ايران.

وأضافت ليفني أنه يتعين على سوريا أيضا أن تكف عن "دعم الارهاب..حزب الله و (حركة المقاومة الاسلامية) حماس" وهما جماعتان تنالان الدعم أيضا من ايران. بحسب نقل رويترز.

وقال ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي الذي كان رئيسا للوزراء وشارك عام 2000 في محادثات مع سوريا استضافتها الولايات المتحدة انه على الجانبين تقديم " تنازلات مؤلمة".

وفي أول رد فعل علني للمحادثات الاسرائيلية السورية قالت الولايات المتحدة انها "لا تعارض" اجراء محادثات لكنها كررت انتقادها لسوريا بسبب "دعم الارهاب".

ويقول كثير من المحللين ان العداء الامريكي تجاه دمشق وحلفائها في ايران وحزب الله اللبناني يجعل من غير المرجح ابرام اتفاق سلام بين سوريا واسرائيل قبل أن يغادر الرئيس الامريكي جورج بوش منصبه في يناير كانون الثاني.

كما تعتبر الولايات المتحدة واسرائيل حماس منظمة ارهابية. وتعارض الحركة الاسلامية التي سيطرت على قطاع غزة في يونيو حزيران الماضي محادثات السلام التي يجريها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس الوزراء ايهود أولمرت.

وكتب الصحفي يوسي فيرتر في صحيفة هاارتس قائلا "الكل يعلم أن أولمرت يريد أن ينهي فترة حكمه بنغمة دبلوماسية لا اجرامية. السؤال هو أيهما ستأتي أولا...لائحة الاتهام أم معاهدة سلام."

واحتلت اسرائيل مرتفعات الجولان السورية في حرب عام 1967 وضمتها في عام 1981 في تحرك لم يحظ باعتراف دولي.

وقال أولمرت ان المفاوضات مع سوريا قد تتمخض عن "تنازلات صعبة" من جانب اسرائيل في اشارة على ما يبدو الى استعداد لتسليم مرتفعات الجولان.

وصرح وزير الدفاع الاسرائيلي زعيم حزب العمل وهو حزب يسار وسط بأن السلام مع سوريا لا يمكن ان يتحقق الا من موقف قوة وثقة بالنفس.

وقال باراك "الجانبان.. وأكرر.. الجانبان سيجبران على اتفاق لتقديم تنازلات مؤلمة.. والجانبان يعرف ذلك."

اكثر من ثلثي الاسرائيليين يعارضون تقديم "تنازلات"

من جهة اخرى اظهر استطلاع للراي ان اكثر من ثلثي الاسرائيليين يعارضون تقديم "تنازلات" لسوريا في ما يتعلق بالانسحاب من هضبة الجولان المحتلة منذ 1967.

وافاد الاستطلاع الذي نشرته القناة الثانية الخاصة في التلفزيون الاسرائيلي ان 70% من الاسرائيليين قالوا انهم يعارضون تقديم "تنازلات" مقابل 22% ايدوا ذلك.

وربط 57% من المستطلعين الاعلان عن استئناف المفاوضات مع سوريا بالصعوبات الداخلية التي يواجهها رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت المشتبه بتلقيه اموالا بصورة غير قانونية من رجل اعمال يهودي اميركي. بحسب فرانس برس.

وقال 58% من المستطلعين ان اولمرت ليس لديه "تفويض" للتفاوض مع سوريا. وشمل الاستطلاع عينة تمثيلية من 550 شخصا مع هامش خطأ بلغ 4,5%.

وتوقفت مفاوضات السلام بين اسرائيل وسوريا التي جرت برعاية واشنطن في العام 2000 بعد ان بلغت طريقا مسدودا في موضوع هضبة الجولان التي احتلتها اسرائيل عام 1967 وضمتها عام 1981.

المحادثات.. ووجهات نظر مختلفة

وفيما يلي تعليقات محللين من اسرائيل وسوريا بعد اعلانهما انهما تجريان محادثات سلام غير مباشرة بوساطة تركية:

زئيف بويم وزير الاسكان الاسرائيلي: "أعتقد انه يتعين علينا ان ننتظر لنرى ما سيحدث بالضبط وعندما تتأكد التفاصيل فانه عندها يمكننا ان نعبر عن افكارنا."

أقول ان أي اتفاق يجب ان يكون له ثلاثة شروط مسبقة ربما تم التعبير عنها بالفعل اثناء المفاوضات غير المباشرة .. ازالة مقر الارهاب في دمشق ووقف امدادات السلاح لحزب الله ووقف العلاقات الاستراتيجية بين سوريا وايران."

موشى ماعوز استاذ دراسات الشرق الاوسط بالجامعة العبرية في القدس: "هذه أنباء طيبة لكن تنتابني شكوك بشأن النتائج.

الرئيس الامريكي جورج بوش ضد هذه المحادثات وبالتالي يعارضها مسؤولون اخرون في الولايات المتحدة.

"أولمرت لا يتمتع بتأييد الاغلبية في البرلمان الاسرائيلي وتأييد الرأي العام له منخفض في هذا الوقت.

70 في المئة من الاسرائيليين يعارضون اعادة مرتفعات الجولان حتى مع اتفاقية سلام.

"المسألة هي ما الذي سيحدث مع اتصالات سوريا بايران وحزب الله."

"من الممكن ان يكون اولمرت اعلن عن هذه المحادثات في هذا التوقيت لانه يريد تشتيت الانتباه عن قضايا قومية أكبر بسبب تحقيقات الفساد الراهنة ضده.

"اولمرت قال بالفعل ان اسرائيل تجري اتصالات مع السوريين وان الجانبين يعلمان ما هي شروط هذه المحادثات.

"دور تركيا اساسي هنا. انهم على اتصال بالجانبين وخاصة بشأن المياه وقضايا اقليمية اخرى."

بول سالم مدير برنامج الشرق الاوسط بمعهد كارنيجي في بيروت: "احساسي العام هو ان هذا الامر جاد ومستمر منذ نحو عام. أراد الاتراك الابقاء على الهدوء لكنه خرج الى العلن وهو ربما ليس مشكلة كبيرة.

"الامريكيون لا يعرقلونه لكنهم ينتهجون اسلوب الانتظار ليروا ما سيحدث.

"ادارة بوش لا تريد ان تعطي أي شيء للسوريين اذا لم يقدموا شيئا اولا. لكن اذا حققت سوريا واسرائيل تقدما فان هذا يمكن ان يقدم الى الادارة الامريكية التالية في وقت ما عام 2009 عندما تصبح مثل هذه الاتفاقية جزءا من اتفاق أوسع قد يشمل قضايا اقليمية اخرى مثل لبنان وسوريا وايران.

"في هذه المرحلة يحتاج الامر الى مزيد من المشاركة من جانب الولايات المتحدة. في الوقت الراهن هم (السوريون والاسرائيليون) يريدون التركيز على القضايا الفنية والقضايا الثنائية بشأن الجولان.

"السوريون يصفونها بأنها مفاوضات أولية حيث يعملون في قضايا ثنائية قبل ان يجلسا معا في محادثات رسمية."

"انهم ليسوا بالضرورة مستعدين أو الولايات المتحدة مستعدة لاطلاق العملية علانية لذلك هم يعدون الملفات ويعدون اتفاقية تحسبا لان تحدث تحركات بشأن احياء العملية السورية الاسرائيلية التي ستحتاج في نهاية المطاف الى رعاية امريكية."

تسلسل العلاقات الاسرائيلية السورية

سوريا واسرائيل، من الناحية الرسمية في حالة حرب، بالرغم من صمود وقف لاطلاق النار على طول الحدود بينهما منذ عام 1974. وانهارت اخر جولة من محادثات السلام بينهما عام 2000.

وفيما يلي تسلسل عن العلاقات الاسرائيلية السورية، بحسب رويترز:

نوفمبر تشرين الثاني عام 1947: عارضت سوريا قرار تقسيم طرحته الامم المتحدة.

مايو ايار عام 1948: بعد انتهاء الانتداب البريطاني اليهود يعلنون قيام دولة اٍسرائيل. جيش سوريا وجيوش عربية أخرى تشن حربا.

يوليو تموز عام 1949 : اسرائيل وسوريا توقعان اتفاق هدنة ولكن الاشتباكات تستمر بشكل متقطع.

يونيو حزيران عام 1967: اسرائيل تشن هجوما على سوريا خلال حرب الايام الستة وتحتل هضبة الجولان.

أكتوبر تشرين الاول عام 1973 : سوريا تهاجم اٍسرائيل في حرب 1973 وتحاول استعادة هضبة الجولان ولكن تفشل.

عام 1974: بعد اشتباكات تلت الحرب في هضبة الجولان سوريا واسرائيل توقعان على اتفاق فض اشتباك.

عام 1981 : اسرائيل تضم هضبة الجولان في خطوة لم يعترف بها دوليا.

ديسمبر كانون الاول عام 1999 : اجتماع رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك ايهود باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع في محادثات على مستوى عال بين البلدين.

يناير كانون الثاني عام 2000 : انهيار محادثات اٍسرائيلية سورية بشأن اعادة معظم هضبة الجولان الى سوريا بسبب مصير بضع مئات الامتار المربعة من الارض على شواطيء بحيرة طبرية.

يونيو 2007 : اسرائيل تقول انها مستعدة لمقايضة الارض بالسلام مع سوريا اذا قطع الرئيس السوري بشار الاسد العلاقات مع ايران والجماعات النشطة المعادية لاسرائيل.

أكتوبر 2007 : اسرائيل تؤكد أن سلاحها الجوي نفذ ضربة داخل الاراضي السورية في السادس من سبتمبر أيلول. وواشنطن تزعم أن الهجوم استهدف مفاعلا نوويا كانت سوريا تقيمه بمساعدة كوريا الشمالية. قال الاسد ان المنشأة لم تكن نووية.

مايو 2008 : اسرائيل تعلن اجراء محادثات سلام غير مباشرة مع سوريا بوساطة تركية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  25 أيار/2008 - 18/جماد الاول/1429