الإسلاميون في البرلمان.. الفرص والتحديات

أحمد شهاب

حقق الإسلاميون بجميع مدارسهم الدينية والسياسية نصرا ساحقا في الانتخابات الأخيرة، ولا أعتقد أن أكثر المتفائلين من رموز التيارات الدينية توقع وصول هذا الحجم من الإسلاميين، لكن مرة أخرى يثبت الشارع أن ميوله أقرب للإسلاميين وعموم المحافظين، لاعتقاده بأنهم الأكثر قدرة على تمثيله، وربما لأن الإسلاميين في الثقافة العامة لايزالون يمثلون الطهارة في زمن غيابها. فعلى الرغم من الخسارة الفادحة التي منيت بها الحركة الدستورية، إلا أن النتيجة في المجمل تعزز الفرص أمام الإسلاميين لتنفيذ أجندتهم السياسية والاجتماعية.

ثمة فرص عديدة أمام النواب الإسلاميين بإمكانهم أن يقتنصوها لمصلحتهم، ولمصلحة سمعة ومستقبل التيار الإسلامي بصورة عامة، وأول تلك الفرص هي تقديم الوجه الآخر من الإسلام التسامحي التعددي الذي يحمل في داخله بذور التعايش السلمي بين المختلفين في الساحة، والذي يتقدم إلى العالم بلغته الثابتة والوحيدة، وهي الحوار الإيجابي المعتمد على الدليل وتبادل وجهات النظر، والابتعاد قطعيا عن لغة الطرد والإلغاء، وعن التزمت بالرأي الذي عرف به المتدينون في سنواتهم وتجاربهم الأخيرة.

لقد بدا واضحا أن لجوء بعض الفصائل الإسلامية إلى العنف المسلح، واستسهال فكرة استخدام العنف، إنما هو نتيجة منطقية للغة التي استخدمها شيوخ الدين والسياسيون في أوقات متفرقة، سواء تلك المستخدمة في الخطاب الجماهيري العام، أم في الخطاب الداخلي والأدبيات الخاصة، وثبت بالدليل القاطع أن الكثير من المفردات المستهلكة في الإطار الديني بما فيه التقسيم المستمر للناس بين الإيمان والكفر والنفاق وغيرها من التصنيفات والمسميات، أسهمت في تشجيع عدد من الفصائل المتشددة على تبني نهج العنف.

من المؤكد أن خطابات شيوخ الدين عبر دور العبادة لها الدور الأكبر في تحريك ماكينة التحريض على الموت فداء للمبادئ والقيم التي يحددها أولئك الشيوخ، لكن رجال السياسة من الإسلاميين لعبوا أيضا دورا بارزا في مشروع التحريض، واستطاعوا من خلال مواقعهم وممارساتهم المختلفة تبرير فكرة تجاوز القيم من أجل عيون الانتصار، وأثبتوا للقواعد الشعبية أن الغاية تبرر أحيانا للإسلاميين المخلصين الوسيلة مهما بدت مُعيبة.

يبرز في هذا السياق الشبهات العديدة التي تثار حول حركة المال في المؤسسات الدينية والخيرية، وكيف تستخدم لأغراض ليست مخصصة لها، فثمة من يتحدث عن استغلال أموال التبرعات والحقوق الشرعية والهبات الوقفية لتمويل الحملات الانتخابية، وصرف بعضها لتنفيذ أجندات سياسية، أو لتسديد فواتير سياسية، مثل التعيينات المكشوفة في العديد من المؤسسات الإسلامية، أو التي يسيطر عليها الإسلاميون قبيل وقت الانتخابات، ومثل تقديم المساعدات، أو القروض المُيسّرة للأفراد لأهداف سياسية محددة.

وبعيدا عن حرمة استخدام هذا المال في أغراض ليست مخصصة له، فإن الجرأة على العبث بالحقوق الشرعية وأموال التبرعات يفسح الفرصة سانحة لاستغلال هذه الحقوق من وقت لآخر من قبل جهات أو شخصيات دينية لتمويل أعمال وأهداف سياسية مريبة تستهدف في المجمل تحقيق انتصارات سياسية أبعد من إيصال نائب لمجلس الأمة، من بينها على سبيل المثال تمويل أعمال العنف داخل البلد أو خارجه.

ويعتقد الكثير من المتابعين والمهتمين في شأن الحركات الإسلامية أن التصريحات السياسية التي يطلقها بعض المنتمين للتيار الإسلامي، مدعمة بتوفر كم هائل من الحقوق الشرعية في أيدي المتطرفين ساهمت في تحريض الأفراد على تسلل الحدود وارتكاب المجازر ضد الأبرياء في العراق وغيرها من المناطق المجاورة، وعملت على تمويل عمليات العنف المسلح في العالم.

من هنا فإن على الإسلاميين بصورة عامة، والبرلمانيون منهم في الدرجة الأولى أن يوضحوا بدقة الأعمال التي يدعمونها باعتبارها مقاومة ودفاع مشروع عن النفس عن الأخرى المصنفة كعمليات إرهابية، هذا التفريق غير واضح حتى الآن، وفي أحيان كثيرة نجد أعمال عنف وقتل وتفجير يتم مباركتها من قبل الإسلاميين ومن يمثلهم، على رغم أنها موجهة ضد الإنسانية، أقول ذلك على رغم اعترافي بأن العديد من الأطراف الإسلامية أصبحت أكثر وضوحا في هذا الشأن، وأكثر حسما تجاه أي استخدام للعنف، لكن تبقى الصورة العامة للإسلاميين حائرة، أو هكذا تبدو للمراقب، وربما تكون السلفية المتشددة من أكثر الجماعات حيرة في هذا السياق، ولذا فإنها كانت ولا تزال من أكثر الجماعات المعنية بتقديم إجاباتها الواضحة عن سؤال ماهية العنف والمقاومة، والخروج من حالة الغموض.

لقد كافح المسلمون الأوائل طويلا لإثبات أن الإسلام دين صالح لكل عصر وزمان، وانه دين الرحمة والحوار والدفع بالتي هي أحسن، وانه يرفض انشغال الإنسان المسلم بصغائر الأمور، ويدفع نحو الاهتمام بالبناء والترقي الحضاري، لكن صراعات المتدينين السياسية، ودخولهم في معارك وهمية ضد المختلفين معهم لأسباب مذهبية وفكرية أربكت كل ذلك، وأعادت عقارب الزمن الحضاري إلى الوراء، وأصبح التساؤل عن مدى قبول الإسلام للاجتهاد الفكري، أو مقدار تسامحه حيال الجهود العلمية والبحثية أمر وارد جدا، كما أصبح على المسلمين اليوم وكل يوم أن يثبتوا للغرباء أنهم أهل للحياة في الزمن المعاصر، وأنهم صالحون للتفاعل والتناغم مع فكرة التعايش السلمي والمواطنة والتعددية.

فهل نأمل بالاستماع إلى صوت إسلامي جديد، ولغة دينية مقبولة، تثبت لنا وللآخرين بأن الدين الإسلامي قادر على استيعاب جميع المسلمين بلا استثناء؟ وان هذا العدد من النواب الإسلاميين الذين وفقوا في الوصول إلى قبة البرلمان، سيكون رافد خير ونماء للبلد؟ وان كل نائب وصل منهم إلى البرلمان سيكون ممثلا عن الأمة بجميع مكوناتها، وليس ممثلا عن طائفة أو مذهب محدد؟ وإننا لن نشهد في الأيام المقبلة حملات طائفية منظمة تُدخل البلد في نفق مظلم؟ وان العنف الذي يستشري في كل جزء من الجسد العربي هو بضاعة غيرنا، والمسلمين منه براء، لأنهم مشغولون بتشريع القوانين، ومراقبة أداء السلطة، ومهمومون بتحدي البناء والتنمية وصب مختلف الجهود والإمكانات في سبيل إحراز التقدم الوطني؟

* كاتب كويتي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24 أيار/2008 - 17/جماد الاول/1429