الاستبداد والدكتاتورية التي يتبعها العديد من زعماء العالم،
وبخاصة الدول التي يطلق عليها تسمية (دول العالم الثالث) لا يمكن
لها أن تنتهي إلا بإحدى الطريقتين:
الأولى: الانقلاب العسكري الذي يمارسه قادة الجيش في الكثير من
الأحيان والذي يطيح بالسلطة (الشرعية) بحجة فسادها أو ارتباطها
بالأجنبي أو استبدادها في الرأي، وقد يأتي الانقلاب في كثير من
الأحيان بسلطة أكثر سوءً من التي أطِيحَ بها.
الثانية: الثورة التي يتزعمها حزب واحد أو عدد من الأشخاص
والتي تأخذ طابع الشعبية، وتعبر عن مدى استياء الأوساط الشعبية من
السلطة الحاكمة بحيث يساند الشعب قادة الثورة ظناً منه أن من يأتي
بعد التغيير هو أفضل حالاً من سابقه، وقد يكون ظنهم في محله، أو في
غير محله من خلال انحراف القائمين على الثورة عن المبادئ التي تم
على أساسها القيام بالتغيير، وما أن يتبادر إلى الذهن مفردة "ثورة"
حتى يقودنا هذا المعنى بدون مقدمات إلى التمرد- العنف- القتل- وإلى
اللجوء إلى العنف بجميع أنواعه، وبالخصوص استخدام السلاح لتغيير
الواقع أو لتحقيق أهداف تلك الثورة بحسب طغيان هذا الأسلوب على
غيره من الأساليب، والتي تقود جميعها إلى مركز التقاء واحد وهو أن
الإنسان هو الخاسر الأكبر من هكذا أسلوب من الثورة، وذلك بغض النظر
فيم إذا كانت أهداف تلك الثورة نبيلة وسامية، كالتخلص من الظلم أو
التحرر من العبودية أو الحصول على الاستقلال ودحر العدوان أو
الانتصار لمفهوم أو معتقد قد تكون سياسية أو دينية.
فإذا تمعنا وتأملنا بشكل جلي في معظم الثورات والتي قامت منذ
نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي كان الوجه
العنفي الأسلوب المتبع للوصول الى غاياتها والتي ترافقت مع إدخال
البارود في صنع الأسلحة التدميرية، حتى بدأ الإنسان فيها أداة
ووقود لتلك الثورات حيث كان الخاسر الأعظم من كل ثورة.
وفي كلا الحالتين يتم إراقة الدماء واستخدام الرصاص للقتل
وإزهاق الأنفس من دون أية مساءلة قانونية، وبعيداً عن سلطة القضاء،
ومن يزعم أن هناك ثورة بيضاء فهو يجافي جانب كبير من الصحة،
فالرصاص هو السبيل الوحيد للتغير ولتداول السلطة في أغلب البلدان
التي تنتهج النهج الدكتاتوري، والبعيدة عن جميع أنواع الديمقراطية
والتعددية الحزبية أو التي لا تؤمن بالرأي الآخر أو المشاركة في
صنع القرار، وتعتمد في بسط نفوذها وحكمها لشعوبها على استخدام
القوة كي تبقى على سدة الحكم أطول فترة ممكنة.
أما في الطرف الآخر - الدول المتحضرة- التي تعتمد النهج
التعددي وحرية ممارسة العمل الديمقراطي والإيمان بتداول السلطة
بصورة سلمية عن طريق الانتخابات، نجد أن التغيير يحصل عن طريق ثورة
التصويت في داخل صناديق الانتخابات، وبذلك استطاعت الدول التي
تتبنى هذا النهج كأساس للعمل السياسي ضمن منافسة خالية من جميع
أنواع العنف والإكراه في اختيار القادة السياسيين، أن توفر لدولها
ولشعوبها ولحياتها السياسية استقراراً أكبر من تلك التي تعتمد على
أسلوب الانقلاب أو الثورة، وبالنتيجة سوف ينعكس الاستقرار السياسي
على جميع جوانب الحياة وأهمها الجانب الاقتصادي متمثلاً في استثمار
رأس المال الذي يهرب من الدول غير المستقرة سياسياً ويطلب اللجوء
إلى الأكثر أمناً واستقراراً.
وبالتسليم بالنتائج المتقدمة من أن التغيير الذي يبنى على
أساس الإطاحة بالنظام واستبداله بآخر لا يؤمن بالتعدية السياسية
وبالعمل الديمقراطي، نجد أنه لا بد من وجود ضحايا لذلك التغيير،
أما بالنسبة لـ(الثورة البيضاء) التي يتحدث عنها البعض فلا وجود
لها ضمن هذا النطاق، فمن يريد أن يجسد مفهومها ويبتعد عن استخدام
العنف وإراقة الدماء فعليه أن يتوجه إلى ساحة الانقلاب والتغيير
التي تمثلها صناديق الاقتراع ضمن الدائرة الانتخابية الخاصة به
ويوجه صوته الانتخابي بدقة كبيرة نحو الهدف الذي خرج من أجله بقصد
الإصلاح والتغيير بالوسائل السلمية التي كفلت له القوانين والأنظمة
ممارستها وأن لا يترك ساحة المعركة لمن يريد الانفراد بها، كما
وعليه القبول بالنتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع، فيكون قد أدى
ما عليه من واجب تجاه نفسه ووطنه كونه من يتحمل مسؤولية الموقف،
وإذا تم الوصول إلى الأهداف المرسومة من قبل الناخبين بالحصول على
النتائج المرجوة من عملية الانتخابات يكون قد أحدث الناخبون ثورة
كبيرة للوصول نحو الأفضل بأقل الخسائر ودونما حاجة لإراقة قطرة دم
واحدة، وهكذا تكون ورقة الاقتراع هي الرصاصة ولونها الأبيض صفة
للثورة.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |