
شبكة النبأ: الشعلة ضاحية بغدادية طالما عانى اهلها الفقراء
المعوزون من العزلة والنسيان.. ربما يعود سبب ذلك الى موقعها
الجغرافي بالنسبة للعاصمة والى قضاء الكاظمية الذي ابقاها تابعة له
بالاسم فقط..
انشئت تلك المدينة في منتصف ستينيات القرن الماضي وكان قرار
الانشاء يهدف من ضمن ما يهدف الى جمع اشتات ساكني بيوت الطين
والصرائف من الفلاحين الذين نزحوا من الريف الى المدن، والملاحظ
انه تم اختيار موقعها بشكل لا يخلو من هدف مبيت، اذ ابتعدت المدينة
عن مركز قضاء الكاظمية بمسافة لا تقل عن 7 كم وعمد المهندسون الى
حشرها في المنطقة المحصورة بين مبزل الصقلاوية او ما عرف بـ (المشروع)
من الجهة الامامية وحزام سكة القطار المتجهة الى المنطقة الغربية
من جهتها الخلفية بينما احيطت بفضاءات تم استغلالها في وقت لاحق
لانشاء مدن واحياء اخرى كان اهل الشعلة اولى بها مثل حي الضباط في
منطقة الهبنة التي عرفت ايضا بمقبرة (عويس) اضافة الى احياء
الجوادين والغزالية وبعض امتدادات احياء العدل والكفاءات وحي
الجكوك الذي هو قيد الانشاء الى الان.. ظلت الشعلة مدينة ترتدي ثوب
القرية لسنوات طوال يحلم اهلها من المسؤولين النظر اليها بعين
العطف وشملها بيد الرعاية..
لم يزرها احد حتى الطاغية صدام الذي تجول في معظم ومدن وقرى
واحياء العراق عندما كان يحشد لحروبه ويثبت اركان حكمه لم يذكر
الشعلة بشيء.. يقول بعض اهالي الشعلة ان احمد حسن البكر الذي تولى
منصب اول رئيس لجمهورية البعث كان قد زارها ساعة واحدة في بداية
عقد السبعينيات من اجل افتتاح المستشفى الوحيد الذي ظل وما زال
يقدم خدماته المتواضعة الى ساكنيها حتى اليوم!!.
يتكون معظم سكان الشعلة من مواطنين جنوبيين نزحو في اواسط
القرن الماضي من مدن البصرة والعمارة والناصرية والكوت وغيرها من
مدن الفرات الاوسط اضافة اعداد لا بأس بها من ابناء عشيرة بنو تميم
الذين سكنوا المنطقة القريبة من آثار عقرقوف ناهيك عن اعداد من
فلاحي المنطقة الغربية ممن اجبروا على الرحيل عنها ابان اشتداد
الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة حالها حال الكثير من احياء ومدن
ومحافظات العراق.
وبعد التغيير الذي شهده العراق ابان سقوط النظام السابق بقي
الوضع في الشعلة على ما هو عليه، بل ان سنين العنف الطائفي الفائتة
اضافت هموما وترديا كبيرا في الخدمات لتأتي الازمة الاخيرة بين
الحكومة وجيش المهدي وما خلفته الاشتباكات بين الطرفين خلال
الشهرين الماضيين من دمار ومآسي لتقضي على امال الشعلاويين في حياة
كريمة تتوفر فيها ابسط مقومات العيش كالماء والكهرباء وباقي
الخدمات التي فقدت تماما من هذه المدينة في الاونة الاخيرة..
فقد ناشد اهالي حي الشعلة رئيس الوزراء نوري المالكي والمسؤولين
العراقيين من وزراء وبرلمانيين وقادة امنيين الى التخفيف عن كاهلها
وفك حصارها الذي انهك اهلها واعادة التيار الكهربائي والخدمات
البلدية الاخرى.
وشكا عدد من الاهالي تصرفات بعض عناصر الجيش والقناصين الذين
يطلقون وابل رصاصاتهم بسبب ودون سبب.
وقال عدد من شيوخ العشائر والوجهاء ( نريد حل المسألة وايقاف
نزيف الدم والمعاناة اذ ليس من المعقول ان يصار الضغط على الابرياء
من اجل ان يتم اخضاع المسلحين او حملهم على الفرار من المدينة).
وركز المواطنون على مسألة التفريق بين من يحمل السلاح ويحاول
خرق القانون وبين من يسعى لكسب قوت يومه ويكد من اجل اطعام اطفاله.
وطالب المواطنون في احاديثم الى فتح منافذ المدينة الاخرى وعدم
الاقتصار على منفذ واحد يتزاحم فيه السابلة مع السيارت وشاحنات
الحمل المتجهة الى المناطق الشمالية من البلاد ويتطلب الامر ساعات
طويلة للخروج او الدخول الى المدينة.
طوابير تفتيش طويلة
وقال محمد التميمي الذي يعمل كاسبا ( انا يوميا وفي طريقي الى
عملي يتوجب علي الوقوف في طابور طويل من المشاة من اجل ان اخضع الى
عملية تفتيش روتينية تتخللها بعض الشتائم والكلمات النابية التي
يطلقها عدد من عناصر العسكر والويل الثبور لمن يعترض او يحاول
الاعتراض ويضيف التميمي ان معاناتنا لا تقتصر على الخروج من
المدينة اذ ان عملية الدخول هي الاصعب فطوابير السيارات والمشاة قد
تصل الى طول كيلومتر او يزيد حتى ان الكثيرين من العمال والصناع
والكسبة آثروا الى التوقف عن كسب رزقهم على الرغم من حاجتهم
المادية ومرارة لقمة خبزهم).
فيما يضيف على البهادلي ( سائق تاكسي) قائلا ( نحن اناس فقراء
معوزن لا دخل لنا بالشقاقات والتناحرات بين الاطراف السياسية اذ لا
يجوز ان يتم التعامل مع جميع اهالي الشعلة على اساس انهم منتمون
باجمعهم الى مليشيا جيش المهدي التي تختلف اليوم مع الحكومة في وقت
كانت هي من اشد المؤازين لها وتتفق معها بالهدف والعقيدة واختتم
البهادلي كلامه بالقول: في كل صباح ادعو الله ان ييسر امرى واجد
طريقا سهلا للخروج من المدينة وكسب رزق عيالي).
اين المسؤولين؟
غير ان ابو حسين انتقد المسؤولين الحكوميين قائلا ( لا ادري هل
ان المسؤولين على علم بما جرى ويجري في الشعلة؟ وتساءل من يعوض
الاناس الذين احترقت بيوتهم ومحالهم نتيجة للخلاف بين الحكومة
وعناصر جيش المهدي؟ كما انتقد قائد خطة فرض القانون الفريق الركن
عبود كنبر الذي صرح للاعلام بانه قد زار مدينة الشعلة على الرغم من
انه لم يصل سوى الى مدخلها فقط ولم يطلع على حال اهلها البائس كما
قدم انتقادا لاذعا الى العميد قاسم عطا المتحدث الرسمي لخطة فرض
القانون وقال ان عطا ظهر على شاشة احدى الفضائيات العراقية مقوما
العمليات العسكرية وعرض خارطة لبغداد لا تظهر فيها مدينة الشعلة
ولم يتحدث عن الواقع الامني لتلك المدينة على الرغم من انه اشار
الى جميع مدن الكرخ الاخرى).
لاماء ولا كهرباء
فيما ركز الموظف احمد جاسم على سوء الخدمات بالقول ( منذ ان
بدأت العمليات العسكرية والمواجهات المسلحة في الشعلة لم يصلنا
التيار الكهربائي مطلقا وطالت ساعات انقطاع الماء الصافي وتضاعفت
اسعار السلع الاستهلاكية والخضار والمواد الغذائية وخلص متسائلا هل
كتب علينا الشقاء طوال حياتنا؟ لقد ذقنا مر العذاب من ازلام النظام
السابق وها نحن اليوم نأكل ثمرة الزقوم المرة التي تكونت بفعل
تقاطع المصالح بين الحكومة وغيرها فهل تبقى الشعلة كأنها كيس من
رمل يتدرب ويتسلى بضربه الملاكمون الحكوميون وغير الحكوميين على مر
الازمان وتعاقب الحكومات؟)
من جانبها بينت الطالبة اسراء فاضل مسألة المصاعب الجمة التي
تواجهها وهي في طريقها لاداء الامتحان النهائي قائلة ( لقد بكيت
اول امس عندما اجبرني احد عناصر الجيش للوقوف في صف طويل انتظارا
للتفتيش وانا في طريقي الى مدرستي الواقعة في الكاظمية قلت له ان
عندي امتحان وربما اتأخر فرد علي بالقول اذا لم تقفي في الصف
سأجبرك للعودة الى البيت واضافت لقد تصارخت بعض النسوة نتيجة
للتدافع الكبير وانحشار طوابير الرجال بالنساء بكتل الكونكريتية). |