شبكة النبأ: اختلفت المصادر التاريخية في تحديد نشأة المسبحة
اليدوية وبدايتها، فقد ذكرت بعض هذه المصادر ان الهنود هم اول من
استخدم هذا النوع وابدع به. والبعض الاخر أرجعها الى اقدم من ذلك
وقد ربطهما بعلاقة وطيدة مع كل الديانات القديمة.. وقد استخدمها
كَهَنة تلك العصور في اداء بعض طقوسهم وعباداتهم لأجل التقرب
للألهة التي كانوا يعبدونها.. كما وقد استخدمها البعض في ممارسة
السحر والشعوذة..
وكانت تصنع في ذلك الوقت من مواد مختلفة منها الصخور واحجار
الجبال وعظام الموتى وأسنانهم وكذلك جذور الاشجار بالاضافة الى
المعادن والكائنات البحرية مثل القواقع والاصداف...
وأشار اخرون الى ان العرب عرفوا هذا النوع من المسابح بعد
الفتوحات الاسلامية التي قاموا بها ابان انتشار الدولة الاسلامية..
وقد خالف البعض هذه الاقوال ونسبها الى اصل عربي وأرجع ولادتها
وظهورها الى الاسلام، وكانت تصنع في بدايتها من الطين المجففف لغرض
التسبيح والاستغفار.
وبين اختلاف الآراء والطرق إلا ان المسبحة قد فرضت وجودها عبر
حقب التاريخ المتلاحقة، فما زال هذا الكنز القديم الجديد متداولاً
بين ايدي الملايين من البشر وبخلاف اجناسهم وألوانهم وتفاوت
اعمارهم.
فما بين هاو وزاهد وثري وفقير تنوعت واختلفت احجامها واطوالها
وألوانها، وما بين مسابح الذهب والفضة وحبات الاحجار الكريمة
والزجاج اختلفت اسعارها بحسب رغبة مقتنيها، فمنهم من فضلها للتباهي
واخر قد اقتناها للتسلية.
وما بين هذا وذاك ارتأت شبكة النبأ المعلوماتية ان تدخل عالم
المسبحة اليدوية لتتعرف على بعض تفاصيلها واسرارها التي قد تكون
خافية على الكثير منا... وقد التقت ( النبأ ) السيد ميثم الحاج
علوان ال ياسين صاحب محلات نور المنتظر المتخصص ببيع المسابح
والاحجار الكريمة، والاخ ابو نور مارس المهنة منذ اكثر من عشرين
عاماً فقد ورثها من اسلافه الذين امتهنوها لأكثر من قرن من الزمن
على حد قوله، واصبح من المتخصصين القلائل الذين يشار اليهم في هذا
المجال بشهادة اصحاب الاختصاص الذين ألتقيناهم..
وكان مدار حديثنا معه عن المسبحة اليدوية القيمة والاسماء
الشهيرة المتدوالة في الاسواق وبين ألسن المعجبين والهواة... وقد
سئلناه اولاً عن سبب تسميتها بـ (المِسبَحة) وهل لهذه التسمية
علاقة خاصة بما نقوم به كمسلمين من أوراد وأذكار؟، فأجاب:
اعتقد ان هذه التسمية اشتقت او اخذت من بعض الاوراد والاذكار
التي يقوم بها المسلمون مثل التسبيح لله تعالى.. فهي وسيلة من
وسائل تسهيل العبادة، نستخدمها للإستغفار والصلوات والتسبيح
للإقرار بوحدانية الخالق تعالى.
- ما هي المواد التي تصنع منها المسبحة
الجيدة؟
تختلف المواد المستخدمة في تصنيع المسبحة فمنها ما يستخرج من
الاشجار والنباتات ومنها الحيواني وهناك ما يصنع من نبتات أو
حيوانات بحرية بالاضافة الى وجود مسابح تصنع من الاحجار الكريمة
والمعادن.
- في هذه الحالة تحتاج المسبحة لتدخل خاص
لأظهار بمظهر جميل كيف يتم ذلك...؟
بعد الحصول على المواد المطلوبة الداخلة في صناعة ( المسبحة )
تأخذ بأشكالها الاولية الى (( الجراخ)) الذي يقوم بأعدادها
وتقطيعها الى الاشكال الهندسية المطلوبة المضبوطة بالوزن والحجم
حتى لا يؤثر ذلك على مضهرها الجمالي.
وهذه العملية تحتاج الى مهارة عالية ودقة في العمل فحجم حبة
المسبحة يحب ان يتساوى بدقة وكذلك عملية ثقب ( الحبة ) واعدادها
لأمرار الخيط من خلالها فيجب ضبط هذه الخطوات لأخراج المسبحة
بشكلها الجميل والرائع..
- اين تقع اشهر المناطق المتخصصة
بالجراخة والتقطيع..؟
اشهر المناطق عالمياً بهذا المجال وبالرتبة الاولى هي (ألمانيا)
وتأتي بعدها ( تركيا ) ومن ثم محافظة (الموصل) العراقية فيها اناس
مهرة واساتذة في هذا المجال.
- من كم حبة تتكون المسبحة وهل لها اعداد
خاصة وثابتة؟
هناك نوعين شائعين من المسبحات بعدد الحبات..
الاولى يستخدم فيه (99) حبة وقسم فيه المسبحة الى ثلاث اقسام
متساوية كل قسم أو جزء يحوي على (33) حبة تفصل بينها ( حبتين
صغيرتين) مختلفين من حيث الحجم تعرفان بـ ( الشواهيد) أو ( الدرك)
وكذلك تحتوي هذه المسبحة على ( الشاهد الكبير) الذي يكون في مقدمة
المسبحة، وتستخدم هذه المسبحة بشكل خاص في الصلاة، حيث يقوم المصلي
بضبط عدد التسبيحات من خلال هذه الحبات..
اما النوع الاخر فيكون مجموع حبات المسبحة فيه ( 33) حبة فقط
مقسم الى ثلاث اجزاء ايضاً كل جزء يحتوي على ( 11) حبة تفصل بينها
حبتين كسابقتهما يعرفان ( بالشواهيد ) وتكون حبات هذه المسبحة
مختلفة الاحجام وحسب الرغبة ويستخدمها الكثير لأغراض المتعة
والتسلية.
- ماهي ارقى انواع ( السِبح ) اليدوية
المتداولة والمعروفة؟
هناك انواع عديدة ومتنوعة من اهمها( الكهرب والعاج واليسر
والباي زهر والنارجيل والسندلوس وغيرها..).
- لنبدأ بالكهرب ما هي المواد المستخدمة
في هذا النوع ومن اين تحصلون عليها؟
الكهرب مسبحة مختلفة الانواع واصلها مواد صمغية تفرزها بعض
الاشجار الخاصة القريبة من سواحل البحر، فبعد فرز هذه المادة التي
تسيل من الاشجار بأتجاه مياه البحر حيث تتجمع بشكل عشوائي وبأشكال
هندسية غير منتظمة، تأخذ بعد ذلك الى( الجراخ ) من اجل اعدادها
وتنظيفها وهي بألوان مختلفة ومنشأ هذه الانواع مختلف وافضلها (
الالماني ) و( البولوني ) و الكهرب ( الروسي).
- ماذا عن الاسعار؟
تختلف الاسعار بحسب النوع والقدم فكلما كانت المسبحة قديمة كان
سعرها اغلى، وتباع الكهرب بالوزن المستخدم وهو الغرام، فسعر
الالماني القديم يتراوح ما بين ( 10 $ ، 45$ دولار للغرام الواحد)
و ( البولوني ) سعر الغرام يتراوح ما بين ( 4$ - 12$ دولار) أما
الروسي فسعر الغرام منه يتراوح ما بين( 1500- 8000 دينار عراقي)..
وأضاف ابو نور لـ شبكة النبأ، هناك اعتقاد سائد عن الكَهرَب
وهو ان لونها واحد فقط ويعرفونه باللون الاصفر وهذا الاعتقاد خاطئ
فالكهرب يوجد بعدة ألوان منها (( الاسود، والاخضر، والبنّي،
والجبني)..
وهناك نوعية فريدة ومميزة وغالية الثمن وهي نادرة لا توجد إلا
في اوربا تسمى بـ ( الكهرب الحشري).. فعند نزول المواد الصمغية من
الاشجار تعلق بها بعض الحشرات المختلفة والتي تبقى محفوظة داخلها
لمأت والإف السنين.
وتعطي هذه الحشرات شكل جمالي لهذا النوع الفريد والنادر...
- حدثنا عن باقي الانواع الاخرى...؟
اليسر: وهو نوع اخر من ( السِبَح ) اليدوية يصنع من نباتات
بحرية واشهر انواعها ( الحجازي) ويكون لون المسبحة بهذا النوع (
اسود ممزوج بلون بني قليل ). وغالباًُ ما يرصع هذا النوع ( بالفضة
) التي تضيف اليه جمالية خاصة، وتختلف اسعارها ايضاً بحسب قدمها،
فمِسبحة (101) القديمة والمستخدمة في الصلاة تترواح اسعارها ما بين
( 100 _ 250 الف دينار عراقي) أما المسبحة الـ ( 33 ) حبة فالمصري
والتونسي الجديد يترواح سعره ما بين ( 25 _ 100 )الف دينار وحسب
الحجم.
هناك ايضا مسبحة ( الباي زهر) وتكون على نوعين ( نباتي وحيواني
) والنوع الحيواني هو الافضل ويكون نادراً ويستخرج من ( الإبل)
وأفضل انواعه هو ذو اللون ( الاصفر المائل إلى الخضرة قليلاً)
ومنشأ هذا النوع هو( الصين وبلاد الأفغان) والأفغاني يكون أفضل
نوعية وهي ذات اللون اصفر صافية وخالية من الشوائب، سعر المسبحة
منه ( 250 إلف دينار فأكثر ) وتكون عدد حباته ( 101 ) ونادراً ما
يستخدم بـ ( 33 ) حبة.
النوع الاخر هو النارجيل: وتصنع هذه المسبحة من قشور نبات جوز
الهند ويتراوح سعر الجديد منها ما بين ( 15 _ 25 الف دينار ) اما
القديم فيتراوح سعره ما بين ( 100 $ - 500 $ دولار وحسب النظافة..
هناك ايضا العاج: وهذا النوع من السِبَح يصنع من انياب الفيَلة
حيث تقطع هذه الأنياب إلى إشكال وإحجام خاصة، ويمتاز هذا النوع
بارتفاع أسعاره حيث يبدأ بـ ( 150 $ دولار صعوداً).
السندلوس: وهذا النوع من المسبح يدخل الإنسان بصناعته بعض
المواد الكيماوية والالوان وأفضلها المسبحة التي تتكون من أكثر من
لونين.
وهذا النوع لا يصنع في الوقت الحاضر بسبب ارتفاع أسعار المواد
الأساسية الداخلة في صناعة هذا النوع من السبح.
وأسعارها تختلف من نوع إلى أخر. فالشفاف ذو اللون الواحد يتراوح
سعره بين ( 250 _ 500 إلف دينار) ويرتفع سعره مع وجود لون اخر
وكلما كان اللون غامقاً ( كالأزرق والأخضر) وفيه شوائب لألوان أخرى
كان سعره أكثر وقد يصل إلى ( 150 إلف دينار وأكثر).
- هل تختلف هذه التسميات بين البلدان..؟
وهل هناك إسرار خاصة في بعض هذه( السِبَح ) تميزها عن باقي الأنواع..؟
نعم هناك بعض الميزات تتصف بها بعض السِبح وتميزها عن باقي
الأنواع، كما وتوجد فيها اسرار طبية وأخرى جمالية.
فـ( اليسر) و( الباي زهر) تمتازان بميزة طبية فعند استخدامها
المستمر تساعد على تدفق الدم!!
اما الكهرب فيفيد بشفاء مرض التهاب الكبد الفيروسي أو ما يعرف
عندنا بـ أبو صفار كما يحتوي على عطر خاص يميزه أيضا.
والألماني يمتاز بأن له عطر كعطر( الكافور أو عطر العنبر) أما
الكهرب الروسي فله رائحة تشبه رائحة ( نومي البصرة).
- ماهي المصاعب التي تواجهونها في مهنتكم..؟
ما نعاني منه هو الغش باستخدام البدائل للأحجار الأصلية، والذي
يسبب تضاربا بالأسعار فبعض الأنواع تكون متشابهة مثل الكهرب
الألماني واليوناني، بالإضافة إلى استخدام البعض لسِبَح تصنع من
بقايا التصنيع، ومنها ما يعرف بـ ( تراب الكهرب) وهي تحمل نفس
مواصفات الكهرب وعطره.
- كيف تتأكدون من هذه النوعيات هل لديكم
طرق خاصة للفحص..؟
من المعروف انه لا يوجد أجهزة خاصة أو أدوات معينة لمعرفة هذه
الأنواع لذلك نعتمد على خبرتنا الطويلة في تحديد هذه الأنواع، فما
كسبناه جعلنا مؤهلين لمعرفة إي نوع.
وأضاف ابو نور لـ شبكة النبأ، ان المسابح تزين أيضا بـ الكر
كوشة وقد تكون من الذهب أو الفضة وهذا حسب الطلب ونوعية المسبحة
المقتناة.
إلى هنا انتهى حديثي مع الأخ أبو نور فودعته متجهاً لأخذ آراء
بعض من شغفه حب ممارسة ( التسبيح ) واقتناء المسبحة، لعلي احضى
بمعرفة بعض الأشياء والخفايا عن سر إدمان البعض لها..
فكانت بدايتي مع الحاج أبو سعيد، والذي تجاوز العقد السبعين من
عمره ولا زال يهوى اقتناء وشراء المسبحة، وقد اخبرني انه عشق هذه
الهواية منذ صباه فقد اعتاد على ممارسة التسبيح بقصد التسلية،
ويعرج بالقول ان اقتناء المسبحة في زمانه كانت من ضروريات اكتمال
الرجولة او مظهرها، كما يعتقد أبناء جيله هذا بالإضافة إلى التدخين
أيضا!!
ويذكر ان حبه ازداد للمسبحة بعد ان كانت سبباً في إنقاذه من
ضائقة مالية مر بها قديماً حيث لجأ إلى بيع مسبحته التي لم يتوقع
أنها سوف تصل إلى هذا السعر فقد كانت قد وقعت بيد من يخاف الله ولا
يبخس اشياء الناس... ومنذ ذلك الوقت اشتد ولعي بـ ( السِبَح )
وامتهنت بيعها بقصد الربح والتجارة لكن تركتها في الوقت الحاضر
لكبر سني وما زلت ارتاد السوق لغرض شراء بعضها بقصد اقتنائه واحتفظ
بالكثير من ( السِبح ) الرائعة فهي كنز بالنسبة لي!!
رجلان آخران يتدخلان في الحديث عن المسبحة، الأول اخبرنا انه
يقتني المسبحة لغرض التسلية والمتعة وقد اعتاد عليها وأدمنها في
يده ولا يستطيع تركها حتى في أوقات النوم..
اما الأخر فقال ان ممارسة التسبيح ليست مجرد تسلية فقط بل ان
فيها فوائد رياضية، فقد اخبره الأطباء ان الممارسة المستمرة تقوي
أصابع ومفاصل اليد فهي بحركة دائمة ومختلفة تساعد على تجدد الدورة
الدموية في شرايين الأصابع.
وأضاف لـ شبكة النبأ، انه مولع جداً بـ( السِبح ) وانه هاوِ من
نوع فريد قد يضحي بمصروف البيت من اجل اقتناء مسبحة تعجبه فبحسب ما
يراه ان مصروف البيت يمكن تعويضه اما فرصة الحصول على مسبحة فريدة
قد تكون فرصة لايمكن ان تعود لذا يجب استغلالها بعقل!!.
ومن الملفت لنظر ما قاله احد الإخوة حيث أكد انه يقتني المسبحة
غالية الثمن والفريدة لقصد التباهي أمام الآخرين مع العلم انه ليس
من أصحاب الأملاك أو التجارة وحالته المادية ضعيفة وقد يلجأ إلى
الاستدانة من الآخرين لغرض شراء المسبحة التي تعجبه! هذا ما قاله
وأكده ويفسر ذلك بالحب الجنوني الغريب المسيطر عليه.
ومع هذا العاشق المجنون انتهت رحلتنا مع المسبحة وعالمها
الغريب لكنها لم تنتهي مع الذكر والتسبيح لله تعالى.. ونأمل إننا
قدمنا شيئاً جديداً يستفيد منه القارئ العزيز كمعلومة إضافية
يختزنها عن هذا الإرث الخالد الغريب..
|