اخر معاقل القاعدة: الموصل وإستعادة لقب أم الربيعين

شبكة النبأ: الوصف الأقرب لمدينة الموصل الشمالية هو انها تحولت الى مدينة اشباح، وذلك قبيل بدء هجوم واسع على اخر معاقل القاعدة في العراق، حيث تعد هذه المسألة حاسمة بالنسبة لحكومة المالكي التي تسعى لفرض سلطة القانون على مناطق اخرى، بعد عمليات البصرة وبغداد. رغم ما يتخلل ذلك من خسائر في صفوف المدنيين العزل والبنية التحتية المتهالكة اصلاً، لكنه امر واقع مادامت العصابات وقوى الإرهاب تتخفى في الشوارع والأزقة الضيقة التي تحيط بها مساكن المواطنين..

الصحفي البريطاني المعروف باترك كوكبيرن قال في تقرير مطول كتبه من داخل مدينة الموصل، ونشرته صحيفة اندبندنت البريطانية، إن الموصل التي يسكنها 1.4 مليون شخص "عُزلت تماما عن العالم الخارجي بمئات من نقاط التفتيش التابعة للشرطة والجيش، منذ بدء الهجوم الذي اطلقته الحكومة العراقية ضد تنظيم القاعدة في الرابعة من فجر السبت الماضي." ويتابع كوكبيرن قوله ان المدينة "تبدو كأنها مدينة اموات" مضيفا ان الهجوم الذي شنته القوات الاميركية والعراقية بهدف سحق اخر معاقل القاعدة في العراق، احال الموصل الى "مدينة اشباح."

ويستطرد كوكبيرن واصفا اوضاع الموصل، أن الجنود "يطلقون النار على اية سيارة مدنية تسير في الشارع من اجل تعزيز حظر التجول." مضيفا ان "رجلين وامراة وطفل، لم يوقفوا سيارتهم، فاطلق جنود امريكيون النار عليهم فقتلوهم، وصدر بيان بعدها يقول ان الرجلين في السيارة كانا مسلحان، واحدهم (قام بحركات تهديدية)".

ويتابع كوكبير شارحا الاوضاع في المدينة، "من الصعب الان الوصول الى المدينة المحاصرة." مبينا انه "انطلق في رحلته اليها من العاصمة الكردية، اربيل، في رتل من سيارات البيك اب، التي يعتلي كل واحدة منها رشاشا ثقيلا، وجنود يتفحصون الطريق بنظراتهم، وبعضهم يضعون اقنعة سوداء على وجوههم، برفقة خسرو كوران، نائب محافظ الموصل، وهو في طريقه الى مكتبه في المدينة."

ويقول الصحفي انه حالما عبر الموكب جسر الزاب مغادرا الاراضي التي تقع تحت سيطرة الاكراد، "رأينا ارتالا من السيارات والشاحنات التي اوقفتها الشرطة، وعلى ما يبدو ان السائقين لم يسمعوا بحظر التجول،. ولدى وصولنا الى قرية برطللا المسيحية، استبدلنا سيارات البيك اب بسيارات مصفحة ذات زجاج مضاد للرصاص."

ويلاحظ كوكبيرن انه زار الموصل عبر هذا الطريق "حوالي ست مرات منذ سقوط صدام في العام 2003، وفي كل مرة تزداد الاجراءات الامنية،" التي ترافق موكبهم.

واشار الى ان محافظ الموصل، دريد كشمولة، كان قد قال ان المدينة "سيطر عليها زعماء القاعدة كنتيجة لتأخر اطلاق العملية العسكرية،" الذي خطط له اصلا في وقت مبكر من العام الجاري.

ويواصل قوله ان على الرغم من ذلك، فان المتمردين في الموصل لم يسيطروا ابدا على احياء باكملها في المدينة، كما ليس هناك قتال شوارع.

وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد وعد بهجوم الموصل في شهر كانون الثاني يناير الماضي، واصفا اياه بالمعركة الاخيرة ضد تنظيم القاعدة.

ويعلق كوكبيرن بقوله ان هذه الايام "تعد حاسمة بالنسبة لحكومة المالكي، فمنذ 25 من اذار مارس الماضي، اطلق المالكي هجومين في البصرة وبغداد، وهو يلقى دعما من الاميركيين والاكراد، لكن ليس واضحا ما اذا كان الجيش العراقي سيدير القتال من دون دعم ناري من القوات الاميركية جوا او برا." مضيفا "في يوم السبت الماضي تم التوصل الى وقف اطلاق نار مع جيش المهدي في مدينة الصدر، يمنح الحكومة سيطرة اكبر على المدينة. الا ان هذا الحال غير واضح، كما الامر في الموصل الان، الى أي مدى سينسحب خصوم الحكومة ويؤجلوا القتال الى يوم اخر."

ويتابع كوكبيرن قوله "مما لاشك فيه ان الوضع الامني في الموصل قد تدهور كثيرا في الشهور الستة الاخيرة." وينقل كوكبيرن عن كوران، وهو نائب المحافظ الذي يدير المدينة فعليا، قوله ان "90 شخصا قتلوا في الموصل في ايلول سبتمبر الماضي، مقارنة بـ 213 قتيلا في اذار الماضي، من بينهم 58 من الشرطة والجيش، وارتفعت نسبة قنابل الطريق من 175 الى 269 في المدة نفسها."

عملية "زئير الأسد" في الموصل اختبار للقوات العراقية 

وقالت صحيفة الواشنطن بوست إن هجوم الموصل الذي حمل اسم "زئير الأسد" قد يمثل اختبارا على استعداد وقدرة الجيش العراقي والشرطة في شمال العراق.

وأوضحت الصحيفة أن " الموصل التي يقسمها نهر دجلة إلى شطرين، طالما كانت معقلا للمتمردين السنة إذ بينما كانت القوات الأمريكية وقوات الأمن العراقية تقاتل بشدة جماعات المتطرفين في بغداد ومحافظات أخرى، تسربت جماعات إلى الموصل في الشهور القليلة الماضية."

ونقلت الصحيفة عن الميجور اماندا ايمينس روسي، وهو متحدث باسم القوات الأمريكية في الموصل قوله إن" هذه العملية هي عملية القوات العراقية ، فقد رسمها الجيش العراقي وهو الذي يقودها."

وتذكر الصحيفة إن مسؤولين في الجيش الأمريكي يقولون إن" من المستبعد أن يتسع هجوم الموصل كما حدث في  معركة الفلوجة في عام 2004، حيث كانت القوات الأمريكية تقاتل خلايا المتمردين المتحصنين، وحققت فيها نجاحا كبيرا ، كما أن المعركة في الموصل مختلفة كثيرا عن القتال الذي اندلع مؤخرا في بغداد والبصرة."

ونقلت الصحيفة عن الليفتنانت كولونيل كريستوفر جونسون، قائد الفوج الأول من فرقة المشاة الثانية، المنتشرة في الساحل الشرقي من الموصل، إن "هذه المدينة ليست الفلوجة ذلك أن جمع المعلومات الاستخبارية عن شبكات التمرد كان محبطا، كما أن المتمردين قلما يقاتلون قوات الأمن العراقية وجها لوجه، فهم يحددون الزمان والمكان."

وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين في الجيش الأمريكي في الموصل يقولون إن الجيش العراقي والشرطة حققا تقدما معينا في الشهور الأخيرة، إذ أن الجنود العراقيين يعملون خارج مواقعهم الصغيرة المقامة حول المدينة وبدأوا يسيرون دوريات خاصة بهم وبعض وحدات الشرطة تقوم بمهمة إرشاد القوات الأمريكية بنحو جيد."

إلا أن الصحيفة تعلق قائلة أن" سمعة القوات الأمنية مرتبكة في الموصل فسكان هذه المدينة وغالبيتهم من السنة يرون في الجيش امتدادا للبيشمركة، وهي قوة حماية  الحكومة الإقليمية الكردية، نظرا لأن غالبية أفراد القوات في المناطق الشمالية هم من الأكراد."

وفي هذا الصدد نقلت الصحيفة عن السيرجنت بيري ماينر قوله إن "الحصول على فرد من الجيش العراقي أو الشرطة (ليعمل في خارج المراكز) شيء يشبه اقتلاع ضرس" في إشارة إلى تردد القوات الأمنية في تنفيذ دوريات في شوارع الموصل.

وكان قائد عمليات محافظة نينوى اعلن السبت عن بدء العملية العسكرية في المحافظة التي أطلق عليها اسم" زئير الأسد في صولة الحق" لتعقب مسلحي تنظيم القاعدة بعد وصول قوات عسكرية وصفها بانها كبيرة من محافظة بغداد إلى نينوى.

وأضاف الفريق الركن رياض جلال توفيق في بيان تلاه على الصحفيين في مقر قيادة عمليات نينوى أن "العملية العسكرية بدأت السبت في المحافظة لملاحقة فلول تنظيم القاعدة في نينوى واستهداف المجاميع الإرهابية الضالة والخارجين عن القانون".

وطالب توفيق، خلال البيان، "الأساتذة والمثقفين وشيوخ ووجهاء العشائر وعلماء الدين في محافظة نينوى باعتبارهم الخط الثاني للقوات الأمنية للوقوف معنا في تحرير المحافظة."

حظر التجوال في الموصل هواجس ورغبات 

"أخشى أن يطول حظر التجوال المفروض على محافظة نينوى ولا نستطيع التنقل بحرية، فالمؤن بدأت تنفد والخضر والمواد الأخرى"، هذا ما قاله بمرارة شديدة المواطن أبو علي، من سكنة مدينة الموصل، التي شهدت منذ السبت الماضي عملية عسكرية لملاحقة مسلحي تنظيم القاعدة، فيما رأى آخرون أن الحظر فرصة لممارسة الأعمال المنزلية والألعاب الشعبية.

وأضاف أبو علي وهو صاحب معمل للحلان في منطقة المعارض شرقي الموصل، لوكالة أصوات العراق "لم نأخذ احتياطاتنا بهذه الاحتياجات وفوجئنا بحظر التجوال المفروض الآن على المدينة وقد سئمت من الجلوس في الدار".

وكان أعلن في محافظة نينوى بكافة أقضيتها ونواحيها الجمعة الماضية فرض حظر شامل للتجوال إلى اشعار آخر؛ بسبب بدء عملية عسكرية بعد يوم واحد من الحظر أطلق عليها أسم (زئير الأسد في صولة الحق) لملاحقة مسلحي تنظيم القاعدة في العراق.

وتمنى أبو علي بعد رفع الحظر المفروض على المحافظة أن تصبح الأمور أفضل من السابق من ناحية الأمن والاستقرار ويعود لمزاولة عمله، وقال "قمت بغلق معملي وترك عملي منذ أكثر من سنة بسبب الظرف الأمني السيء في منطقتي الساخنة جدا".

وتسبب الحظر المفروض على نينوى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونفاد المؤن وإغلاق المحال التجارية، اذ قال سعد عبد جاسم من أهالي مدينة الموصل "أنا ابحث عن محلات للخضر للتبضع منها في منطقة الدواسة وسط الموصل؛ الا ان جميع المحلات مقفلة ولم أجد سوى فرنا واحدا لبيع الصمون (رغيف الخبز) وكان مزدحما جدا".

وأضاف "منذ فترة والمدينة لم تشهد هكذا حظرا للتجوال من ناحية التشديد الأمني المفاجئ؛ ولكننا على استعداد للصبر اذا كان الأمر سيصب بمصلحة المواطن الموصلي".

أما خضر قاسم من سكنة قضاء سنجار (غرب الموصل) قال "جئت إلى مدينة الموصل يوم الجمعة الماضية للعلاج في  إحدى المستشفيات؛ لكني فوجئت بالحظر المفروض على المدينة واضطررت إلى المكوث في فندق وسط المدينة لمدة ثلاثة أيام حتى نفذت نقودي وأهلي لا يستطيعون الوصول إلي بسبب الحظر". مضيفا أن "حالتي الصحية ساءت أكثر عما كنت عليه سابقا".

ومن جانبه، قال محمد جاسم احد أفراد حماية المنشآت في بريد واتصالات نينوى في منطقة النبي شيت وسط الموصل "أذهب إلى منزلي مشيا على الأقدام في حي الزهراء (10 كم شرقي الموصل) منذ فرض حظر التجوال يوم الجمعة الماضية وكنت اطمئن على عائلتي وأخبروني أن الخضروات نفذت لديهم وباقي قليل من المواد الغذائية الأخرى".

وشاطر أبو رائد رأي محمد جاسم وقال بغضب "لقد أهلكنا حظر التجوال.. نحن الفقراء نعيش ليومنا اذا عملنا نأكل وإذا لم نعمل لا نأكل".

وأضاف "كيلوا الطماطة الواحد وصل إلى 2000 دينار بعدما كان 1000 والبصل أرتفع إلى 1000 دينار للكيلو الواحد بعدما كان 750 دينارا".

أما قيس عامر سائق سيارة حمل قال "أنا ومساعدي أبو أحمد مكثنا ثلاثة أيام داخل سيارتنا عند مفرق قضاء الحمدانية شرق الموصل بعد ان منعتنا السلطات المحلية في المدينة من الدخول بسبب حظر التجوال، الأمر الذي أجبرنا إلى دخول الموصل مشيا على الأقدام".

ولكن بعض الأسر الموصلية رأت أن حظر التجوال كان مفيدا لقضاء أعمال منزلية وممارسة الهوايات المفضلة لديهم، فقالت ابتسام محمود الموظفة في إحدى دوائر الدولة بمدينة الموصل "وجدت منع التجوال فرصة لاستثمار تواجد أفراد العائلة سوية في المنزل وبدل أن يصبح اليوم طويلا ومملا قمنا بعدة أعمال مفيدة، حيث غسلنا جميع سجاد المنزل وكذلك البطانيات والستائر".

أما صالح ذنون زوج ابتسام فأشار الى انه استغل هذا الوقت أيضا في تنظيف الحديقة وعزق الأدغال وجز العشب (الثيل)، إضافة إلى مساعدة زوجته في تنظيف مستلزمات المنزل كونها تحتاج إلى مجهود كبير في النقل وفرش السجاد وحمله بعد الغسل إلى مكان آخر في المنزل كي تجف". 

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت 17 أيار/2008 - 10/جماد الاول/1429