إصدارات جديدة: مجلة الكلمة وقيم التعددية والحوار

عرض: باسم البحراني

شبكة النبأ: صدر مؤخراً العدد الجديد من (مجلة الكلمة) (عدد58-شتاء 2008م/ 1429هـ)، وهي مجلة فصلية تعنى بشؤون الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجدد الحضاري، وتصدر عن منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، ويرأس تحريرها الباحث الأستاذ زكي الميلاد.

وتفاعلاً مع متطلبات المرحلة الراهنة من عمر الأمة، والذي تعيش فيه أزماتٍ كبرى، وتواجه فيه منعطفاتٍ خطيرةً  تهدد حاضرها ومستقبلها "يأتي هذا العدد ليؤكد جملة من القضايا والموضوعات، التي تنتصر لقيم التعددية والحوار والإصلاح وحقوق الإنسان" فـ"لعل من الظواهر الإنسانية الثابتة، التي تتطلب قراءة عميقة لمعرفة العوامل والأسباب المفضية إليها، والطرق المناسبة، لتجاوز التأثيرات السلبية والمدمرة لهذه الظاهرة، أو التقليل من حدوثها وبروزها في الفضاء الإنساني؛ هي ظاهرة الكراهية والعداء والعداوة بين بني الإنسان. حيث تشترك عوامل عدة، موضوعية وذاتية، داخلية وخارجية، في بروز حالة العداء والعداوة بين الإنسان وأخيه الإنسان. وفي إطار سعي المجلة الحثيث لإرساء ثقافة الحوار والتسامح وحقوق الإنسان في فضائنا الاجتماعي والثقافي"، جاء هذا العدد.

ففي الكلمة الأولى جاءت دراسة مدير التحرير الأستاذ محمد محفوظ تحت عنوان (سؤال المواطنة والتعددية المذهبية) وهو سؤال طالما أرَّق الأستاذ المحفوظ فاشتغل به دراسةً وبحثاً وكتابةً، و في هذه الدراسة جاء ليؤكد على مجموعة من القيم والمبادئ التي تحفظ للمجتمع والأمة كيانها وقوتها، "فالحوار والتواصل بين المختلفين ليس حالة طارئة، أو تكتيكاً سياسياً، وإنما هو من القواعد الثابتة التي يرسي دعائمها الدين الإسلامي للتعامل بين المختلفين والمتغايرين" (ص7)، وبالتالي نحو مدعوون إلى الوقوف أمام دعوات التحريض والنيل من الآخر المختلف، في مقابل الاعتراف به في الدائرة الوطنية أو الإسلامية أو حتى الإنسانية في معناها الأوسع، بخلاف ما يقوم به البعض من نصب محاكم التفتيش عن عقائد وأفكار الآخرين لأهداف ونوايا مختلفة، ليقر الباحث المحفوظ أن التعددية المذهبية وإشاعة مفهوم المواطنة في واقعنا الإنساني أمر لا مناص منه، حيث البديل في الطرف الآخر الطائفية البغيضة والتفرق والتمزق والتشرذم، فكان لابدّ من نبذ العصبيات الجفاء والقطيعة، والسعي إلى الانفتاح على الآخر والتوصل معه، "فالاجتماع الوطني المستقر والحيوي في آن، لا يُبنى على دحر التعدديات أو محاربتها، وإنما ببناء نظام اجتماعي- ثقافي – سياسي، قادر على استيعاب كل حقائق التعددية..." (ص16).

وأما في باب (دراسات وأبحاث) فجاءت دراسة الدكتور قطب مصطفى سانو المعنونة بـ (في منهجية التوفيق بين القيد بالثوابت ومقتضيات المواطنة للمسلمين خارج الديار الإسلامية رؤية منهجية)، التي تحاول تسليط الضوء على الوجود الإسلامي خارج الديار الإسلامية وما يستدعيه ذلك من ظهور تحديات فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية، "وهذه الدراسة تأتي اليوم لتقدم منهجية متواضعةً لكيفية التعامل مع تحدٍّ من التحديات الفكرية والسياسية والاجتماعية الكبرى للوجود الإسلامي خارج الديار الإسلامية، ويتمثل ذلك التحدي في كيفية التوفيق بين الالتزام بالثوابت الدينية والقيام بمقتضيات المواطنة والإقامة والتجنس في تلك الديار" (ص19). وفي هذه الدراسة حاول الكاتب التمييز بين مصطلحي الديار الإسلامية وغير الإسلامية، كما أشار إلى الوجود الإسلامي في الديار غير الإسلامية والدور المناط بهم في مجال إيصال الرسالة الخاتمة إلى الأصقاع البعيدة التي نزحوا إليها.

كما أن الكاتب حاول أن يقدّم رؤيةً تحليلية لمصطلح الثوابت، والذي يعد من المصطلحات الشرعية التي تحظى اليوم بحضور مستمر في مناقشات أهل العلم. لينتقل بعد ذلك للحديث عن أسس منهجية التوفيق بين هذه الثوابت والالتزام بمقتضيات المواطنة؛ ليشير إلى ثلاثة أسس:

1.     المعرفة الدقيقة بالثوابت وعدم الخلط بينها وبين المتغيرات.

2.     معرفة مراتب الثوابت ومواقعها في منظومة الجهة المسؤولة عن تطبيقها وتنزيلها.

3.     مراعاة أقدار التنزيل وإمكاناتها.

ليختم الدراسة بأهم النتائج التي توصل إليه، حيث يرى الكاتب بأن "لا بد للوجود الإسلامي في تلك الديار من تغليب الانتماء إلى الإسلام العام الذي يسع كل المذاهب العقدية والفقهية والتربوية المعتبرة على الانتماء الحرفي إلى مذهب عقدي أو فقهي أو تربوي، ولا بد من توحيد الصف" (ص44).

بعد ذلك تأتي مقالة رئيس التحرير الأستاذ زكي الميلاد والتي جاءت تحت عنوان (الدفاع عن فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية في زمن المحنة) وهي عبارة ورقة مقدمة لمؤتمر التقريب بين المذاهب الذي عقد في إسطنبول ما بين الفترة 14-15 أبريل 2007م، والميلاد في هذه المقالة يدافع عن فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية ويؤكد على ضرورة هذا الخيار، حيث أشار إلى أن فكرة التقريب بين المذاهب منذ انبثقت من خلال دار التقريب بين المذاهب في القاهرة أولاً، ومن ثم في طهران، كان لها دور كبير في بعث الروح الخلاقة في الأمة، إلا أن ما يؤسف له هو أن هذه الفكرة تمر بمحنة خطيرة، حيث "الفجر الحاد والساخن الذي أخذت تظهر عليه اليوم مشكلة الطائفية في المجتمعات العربية والإسلامية" (ص48)، مما دعا بالبعض إلى التخلي عن هذه الفكرة ومحاصرتها والتضييق عليها، مما يجعلها تحت طائلة التهديد المباشر، من هنا تبع أهمية الإصرار على الدفاع عنها.

 ثم تأتي دراسة (يسري عبد الغني عبد الله) الموسومة بـ (أزمة الفكر الإسلامي المعاصر محاولة للفهم الصحيح)، فبعد تعريف بالمراد من (أزمة) و(فكر) يرى بأن الفكر إنما هو تعبير صادق عما تعيشه الأمة من واقع يعاني من الضمور والضعف. وقد حاول الكاتب التعرض لبعض العوامل والأسباب التي تمثل لب أزمة الفكر الإسلامي، فكانت -كما يراها- على النحو التالي:

·        ثنائية منابر الفكر بين المؤسسات الدينية الرسمية وبين مؤسسات منافسة أخرى ذات فكر مغاير.

·        غياب المفهوم السمح للإسلام.

·        ضعف مستوى الثقافة الدينية.

·        غياب روح العصر.

·        ثقافة الرصيف، وهي الثقافة الدينية غير الموثَّقة، والتي تتصف بالعشوائية.

·        عدم التمييز الكافي بين الفكر الإسلامي نفسه والفكر الديني.

·        السعي إلى الرأي الواحد وفرضه.

·        نظرة الغرب الخاطئة للمسلمين.

·        الانفصال عن الحياة اليومية المعاشة.

·        غياب نموذج المسلم المعاصر.

"وبالطبع فإننا لو عرفنا أسباب العلة أو بمعنى آخر نجحنا في تشخيص العلة، سيكون الدواء سهلاً ميسوراً موجوداً بين أيدينا دون الحاجة إلى استيراده" (ص57).

بعدئذٍ تأتي دراسة (بلال التليدي) تحت عنوان (الدعوي والسياسي رؤية تأصيلية) والتي يناقش فيها السياسة من منظور الفكر الحركي الإسلامي، "فالسياسة لا تمارس انطلاقاً من الوعي بضرورتها وبأولويتها في التغيير المجتمعي أو من فقه الواقع وموازين القوى السائدة فيه. السياسة في البيت الحركي الإسلامي تتأسس من داخل منطق مغاير تكون فيه من لوازم الدعوة وضروراتها المركزية. الدعوة إذن وكسبها وحاجات امتدادها تتطلب الاستنجاد بالسياسة بوصفها أداة للتواصل الجماهيري ثم بوصفها قناة للتدافع" (ص58). من هذه الرؤية ينطلق الكاتب في دراسته هذه لشرح لنا العلاقة المفترضة بين الدعوي والسياسي، مروراً بجملة من المقدمات والتي منها: (أن الدين كخطاب دعوي لجميع الناس / والسياسة من فروع الدين)، كما عمل على مقاربة بعض المفاهيم، كمفهوم الدعوة ومفهوم السياسة، ومفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هكذا ويختم الكاتب حديثه بقوله: إن السياسة "تتدخل لتمكِّن للدعوة وسائل الاشتغال. إنها تمنحها الدعم اللوجستي حتى تستطيع القيام بدورها بشكلٍ فعَّال. إنها لغة التكامل التي تكون السياسة دعوية لكن بطريقتها الخاصة" (ص66).

أما الدراسة التالية فهي للدكتور يحيى اليحياوي والتي جاءت تحت عنوان (في القابلية على التعارف على هامش أطروحة تعارف الحضارات)، والتي يناقش فيها الكاتب أطروحة (تعارف الحضارت) وهي أطروحة عُرِف بها رئيس تحرير المجلة المفكر الإسلامي الأستاذ زكي الميلاد، فهو أول من ابتدعها، مستوحيا "عناصرها من القرآن الكريم، وأراد لها أن تكون تجاوزاً على ما سبق من طروحات وأفكار" (ص74)، في مقابل أطروحات ومقولات أخرى كـ (صراع الحضارت) و(حوار الحضارات) والتي يعدها البعض ردة فعلٍ لسابقتها، من هنا تحدث الكاتب عن أطروحة (صراع الحضارات) بدءاً بمؤسسها وما كان يقصد بها، حيث تخلص إلى "أن الصراعات القادمة ستكون عند خطوط التماس، وعلى تخوم مناطق التداخل بين الحضارات، فينتج عنها (حتما) تصادم حضاري، ما لم تتدارك الحضارة الغربية ذلك، وتعمد إلى السيطرة على العالم سيطرة كاملة" (ص70). في حين يستبعد متبنو أطروحة (حوار الحضارات) بأن يشهد القرن الواحد والعشرون صداماً بين هذه الحضارات بل حواراً فيما بينها. هنا يأتي الحديث عن الأطروحة الثالثة التي يقدمها الميلاد بديلاً عن أطروحة (حوار الحضارات) لما لديه من مآخذ على هذه الأطروحة السابقة. "فهو يقدم أطروحته بالارتكاز على محدودية برزت في الأطروحتين السالفتين، فيقول: إذا اعتبرنا صِدام الحضارات بوصفها نظرية تفسيرية، وحوار الحضارات بوصفها نظرية نقدية أو علاجية، فإن تعارف الحضارات هي نظرية إنشائية، بمعنى أن القاعدة فيها هي الإنشاء وليس الإخبار، فقد جاءت لإنشاء شكل العلاقات المفترض بين الناس كافة حينما انقسموا إلى شعوب وقبائل" (ص74)، وهكذا يستعرض الكاتب رأي المفكر الميلاد حول أطروحته، ليخلص الكاتب إلى طرح تساؤله حول هذه الأطروحة، قائلاً: "لو سلَّم المرء بأن ثمة قابلية للحوار، فهل بالإمكان التسليم بالمقدرة والقابلية للتعارف؟" (ص77)، ومن ثم يحاول الإجابة على هذا التساؤل، مع ذكر المبررات والأسباب.

أما الدراسة الأخيرة في هذا الباب فهي دراسة الدكتور مصطفى محسن تحت عنوان (اللغة العربية والهوية والتحديات الحضارية في مجتمعات العالم الإسلامي: أوضاع الراهن ورهانات المستقبل) حيث يحاول الكاتب إثارة بعض الأفكار والملاحظات المتعلقة بـ"المسألة اللغوية والهوية الحضارية في العالم الإسلامي. وذلك في علاقة هذه المسألة ببعض تحديات وإكراهات ورهانات (العولمة والنظام العالمي الجديد) في أبعادها السياسية والثقافية والقيمية والاقتصادية والسوسيو حضارية الشاملة" (ص82)، ولمقاربة ذلك طرح جملة من المحاور:

        أولاً: أهمية اللغة العربية في العالم الإسلامي خلفية الوجود وعوامل الانتشار والاستمرار.

        ثانياً: وضعية اللغة العربية في المجتمعات الإسلامية.. شروط، معطيات، وآثار...

        ثالثاً: اللغة والهوية الحضارية في مجتمعات العالم الإسلامي: أفكار أولية للنقاش والتحاور.

        رابعاً: تعقيب عام: مستقبل اللغة العربية في مجتمعات العالم العربي والإسلامي.. أفكار وآفاق للنظر والحوار.

        وبعد رحلته في هذه المحاور يختم بالقول: "ولعل في الثقافة العربية الإسلامية –التي ركزنا في هذا العرض على دور اللغة العربية في تأصيلها وتجذيرها والمساهمة في نشرها في العالم أجمع- من المبادئ والمفاهيم والقيم الحضارية والخلقية والإنسانية النبيلة... ما يمكنه –ضمن (حوار الثقافات والحضارات)- أن يشكل سنداً داعماً لأنسنة العولمة، والاتجاه بالانجازات المادية والرمزية للبشر، وبأهدافهم وقيمهم ومعتقداتهم وجهودهم وإراداتهم نحو (تخليق العالم) وبناء المستقبل المشترك" (ص99)

        أما في باب (رأي ونقاش) فتأتي دراسة إدريس هاني تحت عنوان (الإصلاح الإسلامي من الفكر إلى السياسات... الإصلاح الديني: الآفاق والفاعلون) حيث يناقش مقولة الإصلاح ويعمل على تجلية المضامين الجوهرية والنوعية لهذه المقولة، وذلك من خلال الإجابة على سؤال: "في أي سياق يتعين موضعة الحديث عن الإصلاح الديني اليوم؟" ومن خلال الحديث عن النموذج المعرفي الذي تحكم حيناً في عملية الإصلاح الديني. ثم يعطف الحديث عن المتوقع والمنتظر من الإصلاح الديني اليوم، وفي السياق يطرح جملة من التساؤلات ويحاول الإجابة عليها، كـ(هل من الملائم طرح مسألة الإصلاح الديني؟- ما هي آفاق انتشار الإصلاح الديني؟- من هم الفاعلون في مجال الإصلاح الديني؟) ثم يتحدث عن (مجالات الإصلاح) خاتماً دراسته بالحديث عن (الإصلاح السياسي).

بعد ذلك تأتي مشاركات أخرى متوزعة على أبواب المجلة الثابتة.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء 14 أيار/2008 - 7/جماد الاول/1429