شبكة النبأ: تعمل النحلة من اجل جمع رحيق الازهار وهو غذائها
الذي تعيش عليه لكن في يوم ما جاء الجراد ( آفة ) وقضى على جميع
الأزهار ولم تبقى أية زهرة، ماذا ستفعل النحلة هل ستستسلم ام تبحث
عن عمل آخر كي تستطيع ان تعتاش منه؟ مع العلم ان النحلة من الصعب
ان تعيش دون عمل لأن شعارها في الحياة من جد وجد ومن...
الجواب طبعا ستبحث عن عمل اخر. هذا الامر ينطبق الى حد كبير مع
ما يتعرض له الشباب في العراق حيث اعقب غزو الولايات المتحدة للبلد
وإسقاط النظام البائد العديد من المشاكل التي واجهت ولا تزال شريحة
الشباب، فالعديد منهم انجرف بتيارات منحرفة او بقي تحت ظل الاحباط
والملل، لكن هناك قسم كبير اخر من الشباب ظل مصراً على القيام
بدوره الفعال في بناء الوطن والمجتمع رغم الصعوبات والمخاطر الجمة
التي تعترضهم.
شبكة النبأ المعلوماتية قامت بهذا التحقيق لتبيان مواقف وآراء
الشباب وكيفية مواجهتهم للصعوبات الحياتية الحالية.
غزوان جليل، شاب من كربلاء، خريج كلية الهندسة سنة 2004، لم يجد
وظيفة لا في مجال دراسته ولا حتى في مجال اخر ويروي لي موقف مر به
وقد اتخذه درسا في حياته، وهو أنه في يوم من الأيام وبحرارة الصيف
كان غزوان واقفا مع جماعة من الشباب ليقدم في مديرية البلدية في
محافظة كربلاء بوظيفة مراقب عمّال، وإذا به تقع عيناه على شاب في
منتصف عمره قد اخرج من جيبه دفتر صغير وقلم وكتب كلمات باللغة
الانكليزية وبعد ذلك أرجعهما من حيث ما أخرجهما ودخل هذا الشاب
الى المديرية وبعد فترة وجيزة واذا به يخرج بملابس عامل التنظيف.
يقول غزوان، أدهشني المنظر ولم اجد أي تفسير ودفعني الفضول وحب
الاستطلاع وتقدمت نحوه تاركا الطابور الطويل وعرفته بنفسي فأجابني
بوجه بشوش قائلا، اهلا انا (ع. س) طالب ماجستير وخريج كلية القانون
سنة 2001، وانا اعمل حاليا عامل تنظيف (كنّاس) في شوارع المحافظة.
استغربت كثيرا يقول غزوان، ولكن الشاب لاحظ هذا الاندهاش على ملامح
وجهي واخرج من جيبه هوية نقابة المحامين، وقدمها لي كي يثبت بأن
كلامه صحيح، فتبسمت وقلت له ان صورتك في الهوية أجمل من الحقيقة،
ورجعت الى طابور التقديم من جديد منتظرا الفرج مع جماعة الشباب،
ويضيف غزوان ان هذا الموقف قد تعلمت منه الكثير حيث لا أستنكف أبدا
من العمل ولو كان عمل تنظيف، فيجب ان أعمل حتى أعيش.
كلام غزوان وموقف هذا الشاب هي صور من صور التحدي الذي يشهدها
الشاب العراقي ولكن من غير اللائق ان يعمل رجل قانون كنّاسا في
شوارع المحافظة في العراق الجديد والكنّاسين الأصليين أصبح بعضهم
من أصحاب المقامات العالية!
أم هبة هي ام لأربع أطفال، من البصرة، زوجها خريج كلية العلوم
قسم الحاسبات وقد تخرج من زمن النظام المقبور ولم يتعين في أي
وظيفة حكومية وذلك بسبب ان ابن عمه كان من حزب معادي للنظام،
ويعتبر خائنا للنظام، لذلك لم يجد الوظيفة في دوائر الدولة لأن ابو
هبة كل ذنبه ان ابن عمه كان من حزب معارض، علما ان النظام المقبور
قد اعدم أولاد عمّه الأربعة وكذلك عمّه وطلب منهم ألتبرّي من هذه
العائلة، ولم يشبع نظام صدام بكل ما فعله بالعائلة بل بقي يعاديهم
حتى في كسب رزقهم، والان يعمل ابو هبة في محل لمواسير الماء
(لولجي) وهو خريج علوم حاسبات!.
شبكة النبأ سألت ام هبة عن ان كان زوجها قد قدّم اوراقه لأجل
التعيين بعد سقوط النظام فأجابت نعم قّدم وفي أكثر من مكان وبدون
جدوى حيث يتم تفضيل الخريجين الجدد على الخريجين من سنوات قديمة.
وكان لرأي ام هبة صوت معارض وهو رأي فتاة خريجة معهد إعداد
المعلمات في بغداد قسم علوم رياضيات تخرجت سنة 2004 صباحي، واسمها
رويده عامر 22 سنة، وهي قدمت في أكثر من مكان في مديرية تربية
الرصافة الأولى والرصافة الثانية وحتى الثالثة ولكن من دون جدوى.
الى أن عجزت من كثرة التقديم والمراجعة في مديريات التربية وتقول
في احد المرات كنت واقفة مع والدتي اقرأ قوائم الأسماء وكنت يائسة
تماما واعلم من ان اسمي غير موجود في القوائم مع العلم كان هناك
الكثير من اسمي رويدة ولكن لم اجد اسم والدي عامر في القائمة؟
واذا برجل سألني عن أي من الوجبات التي قدمت فيها طلب
التعيين في هذه المديرية فأجبته وشرحت له الحالة ومساوئها وما مر
علي من الظروف الصعبة فقال أنا لدي الحل! واستطيع ان أعيّنك ولكن
(مقابل مال) تدفعينه وبدون أي تردد وافقت والدتي، وحتى لم تنتظر
الإجابة مني وسألته عن المبلغ فأجاب، (خمسة أوراق) يقصد اوراق فئة
مئة دولار، اثنان قبل التقديم وثلاثة بعد التقديم وحصلت الموافقة
ما بين والدتي وذلك الرجل الذي لا اعلم حتى ما إسمه، وكانت والدتي
فرحة جدا معتبرة ان هذا الرجل هو المارد الذي سيجد الوظيفة لأبنتها
في أقل من أسبوع.
وفي اليوم التالي ذهبت والدتي مع والدي ودفع المقدم وقدره 200
دولار، و300 دولار بعد صدور الأمر الإداري وكان هذا الكلام منذ سنة
2005 والى حد ألان لا المبلغ ولا التعيين فالإثنان ذهبا مع الريح!؟
وان الرجل المارد قد دخل الى قارورته ولم يعُد...
الباحث الاجتماعي الأستاذ سعيد رشيد زميزم، مؤلف الكثير من
الكتب القيمة، سألناه عن تأثير البطالة على الشباب ومدى أبعادها
الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة فقال لـشبكة النبأ، ان البطالة هي
بالفعل آفة تقتل روح الشباب وطاقاتهم حيث نرى الكثير منهم ألان
لايعمل وذلك لعدة أسباب منها ان العراق يمر الان بظروف اقتصادية
صعبة وكذلك اجتماعية وسياسية اصبحت حائلا دون تقدم الشاب للعمل في
كثير من الأماكن التي لربما تعرضه للخطر في ظل التدهور الامني الذي
يشهده العراق، لذا نرى من هذه الظاهرة انها انعكست سلبيا على
المجتمع وعلى الشاب أيضا، لأنه سيعتبر من نفسه عالة اجتماعية ولا
يستطيع ان يقدم أي شيء وبهذا الإحساس قد ينخرط الشاب إلى طريق غير
صحيح وينحرف بسبب الفراغ الذي أبتُلي به، ولكن ما من مشكلة وليس
لها حل فإن تشجيع عمل القطاع الخاص وتقديم القروض المالية الميسرة
للشباب وبناء مؤسسات شبابية، ستساعد بشكل او بآخر في الحد من هذه
المشكلة وحتى تنمي لدى الشباب الكثير من طاقاتهم الإبداعية
والتنموية.
ان لرأي الأستاذ زميزم تفاؤل وحث على مواجهة الحياة وان أغلب
شبابنا العراقي متفائل وإن لم يجد ضوءا في نهاية النفق حتى ان
الكلمة المشهورة (الله كريم ) أصبحت تتردد على أفواه الأطفال
والشباب معا.
ان لعمل منظمات المجتمع المدني دور كبير في بلدنا وإن كان اسلوب
عملها غير منظم الى حد ما، لكن ثمارها جيدة وتقطف بشكل منتظم، عدي
حافظ الحاج، مسؤل العلاقات العامة في مؤسسة الشباب العراقي، في
كربلاء، كلمنا عن دور مؤسسته وما قدمته الى الشباب قائلا لـ شبكة
النبأ، ان مؤسسة الشباب العراقي تواصل تقديم الأنشطة والفعاليات
الثقافية التي ترعى الشباب بصورة عامة والعاطلين عن العمل بصورة
خاصة، ولذلك تم تأهيل الكثير من الشباب العاطل عن العمل من خلال
فتح دورات متنوعة في الحاسوب واللغة الانكليزية والإعلام وفي مهنة
الحلاقة والنجارة والميكانيك وصيانة أجهزة الحاسوب والموبايلن ومن
ثم زجّهم بالمجتمع، وان الكثير من هؤلاء الشباب حصلوا على أعمال
وعملوا بها من خلال هذه الدورات.
سحر محمد، طالبة من بغداد، منتمية الى احدى منظمات المجتمع
المدني، تقول، رغم صغر سنّي فإنني تعلمت الخياطة والرسم والزخرفة
وألان أتعلم لأكون حلّاقة جيدة وكل هذا يعود فضله الى منظمات
المجتمع المدني، وسأتخرج عن قريب من كلية التربية ولربما مثل غيري
من الشباب العاطلين أفكر في ان اعمل خياطة لأني أحب هذه المهنة
كثيرا ولن انتظر التعيين ولا حتى معاناة التعيين لتقديم في مديريات
التربية.
اذكر انا كاتبة التحقيق وبالتحديد في سنة 1998 أي في زمن النظام
المقبور كان هناك شاب حاصل على شهادة الدكتوراه في مادة معينة
ولعلها كانت مادة الهندسة المدنية، كان عارضاً شهادته على (بسطيّة
سكائر) وكل من يأتي اليه يقف يرى الشهادة ولا يعير أي اهتمام
للسكائر حتى ذاع أمره في ذلك الشارع، وبعد أيام معدودة جاءت جلاوزة
صدام وأخذوا الشاب مع الشهادة والسكائر، واعتُبر انه مزعج للسلطات
الحكومية ومثير للرأي العام، ولم اسمع بعد ذلك أي شيء عنه وأكيد
انه ذهب مع الكثير من الشباب في غياهب السجون الصداميّة، أما الان
فإن السلطات لا تسمح بهذا الفعل الاجرامي لصدام حسين (المقبور)
لكنها تسمح وتشجع الخريج لأن يعمل كناس،مقدم رشوة، ومصلّح
مواسير!!... وغيرها من الاعمال الحرة الشريفة التي يعمل بها الشاب
من اجل ان يعيش وليس ان يتنصب على كرسي. |