مصطلحات فلسفية:الوجودية

Existentialism

الوجودية: Existentialism

شبكة النبأ: مذهب فلسفي يضفي الامتياز على الوقائع الإنسانية، العيانية والفردية (الوجودات)، بالقياس على معاني مجرّدة، مفاهيم كلية (الماهيات) منقطعة عن الواقع.

الوجودية، تفكّر عياني في الوضع الإنساني، هي رفض أول الأمر: رفض الفلسفة العقلانية المنهجية التي تسهب في قولها عن "الكينونة". وفي منشأ هذه الحركة، التي انبعثت نحو نهاية الحرب العالمية الثانية، يوجد سورين كيركوغار (1770 – 1855) الذي جعل دراما الإنسان الوجودية، وذاتيته، وتناقضاته، وآلامه، وحصر الخطيئة، ودوار الحرية، تقابل المذهب الموضوعي الكلي لدى ج. و. ف. هيغل (1813 – 1831). فالرومانسية المعارضة للفكرانية والعقلانية تظهر مجدداً مع الأولية التي تمنح المعيش، واللقاء والحضور، واللاعقلاني، والاختبار، والحصر، والعبث – وبكلمة واحدة الوجود. وهذه المعارضة للفكرانية والنزعة العلمية تعززها مؤلفات و.ديلته وهنري برغسون، ولاسيما معارضة إ. هوسرل، الفينومينولوجي الأول. وفي هذا التيار من الفكر، الذي انضم إليه، على وجه الخصوص، مارتان هيديغر، كارل ياسبرز، موريس مرلو – بونتي، نميز وجودية مسيحية، يمثلها في فرنسة غابريل مارسل (باريس 1889 – باريس 1973)، ووجودية كافرة، مناصروها الرئيسون ألبير كاموس (مونوفية، الجزائر، 1913 قرب فيليبلفان 1960) وجان بول سارتر. ويؤكد جان بول سارتر أن الإنسان، غير ذي التحديد المسبق على الإطلاق، في صيرورة دائمة، إنه يخلق قدره الخاص، بصورة حرة، وهو يكتشف شروط توازنه ويختار أسلوبه في الوجود والتصرّف، ذلك هو ما تعبر عنه صيغته: (الوجود يسبق الماهية) وعلى هذا النحو أيضاً إنما ينبغي أن يُفهم إيعاز ف. نيتشه (أصبح ما أنت عليه). وأدخل علماء نفس وأطباء نفسيون كبنسونجر، فكتور إميل فون غيباستيل (1883 – 1976)، إروين و. ستروس (1891 – 1979)، فكتورا إ. فرانكل (المولود عام 1905)، مذهب الوجودية في علم النفس والعلاج النفسي، إذ أنابوا مناب نظرية الحاجات والدوافع كالتحليل النفسي بحثاً في معنى الوجود والقيم الإنسانية.

المعحم الموسوعي في علم النفس

نوربير سيلامي

وجودية(1)

الوجودية هي تيار فلسفي يعلي من قيمة الانسان ويؤكد على تفرده، وأنه صاحب تفكير وحرية وارادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. و هي حركه فلسفيه تقترح بان الانسان كفرد يقوم بتكوين جوهر و معنى لحياته. ظهرت كحركه ادبيه و فلسفيه في القرن العشرين, على الرغم من وجود من كتب عنها في حقب سابقه. الوجوديه توضح ان غياب التاثير المباشر لقوه خارجيه ( الاله ) يعني بان الفرد حر بالكامل و لهذا السبب هو مسؤول عن افعاله الحره. والانسان هو من يختار و يقوم بتكوين معتقداته و المسؤوليه الفرديه خارجاً عن اي نظام مسبق. و هذه الطريقه الفرديه للتعبير عن الوجود هي الطريقه الوحيده للنهوض فوق الحاله المفتقره للمعنى المقنع ( المعاناه و الموت و فناء الفرد).

1 التأسيس وأبرز الشخصيات

2 الأفكار

3 أقسام الوجودية

4 الوجود والماهية

5 فهم حقائق الأشياء

6 مقاييس الكون

7 من المآخذ على الوجودية

7.1 الجذور الفكرية والعقائدية

 التأسيس وأبرز الشخصيات

يرى رجال الفكر الغربي أن "سورين كيركجورد" (1813 - 1855م) هو مؤسس المدرسة الوجودية. من خلال كتابه "رهبة واضطراب". أشهر زعمائها المعاصرين هم:

جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي.

القس جبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والمسيحية.

كارل جاسبرز: فيلسوف ألماني.

بسكال بليز: مفكر فرنسي.

بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف في روسيا.

الأفكار

يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة.

يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته.

يعتقدون بأن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان.

يقولون إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.

يقولون بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.

يقولون إن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.

لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.

 أقسام الوجودية

الوجودية تنقسم إلى قسمين: (وجودية) ملحدة، و(وجودية مسيحية).

أما الوجودية الملحدة فمن أبطالها في عصرنا الحاضر: (جان بول سار تر) وقد ولد عام (1905م) ومارس التدريس في (الهافر) ثم في المعهد الفرنسي بـ (برلين)، واعتقل عام (1940) ولبث سنة كاملة في السجن، ثم تخلى عن مهنة التدريس وقد تأثر في فلسفته بمؤلفات (هوسرل)(1) و(هيجدر)… وقد كان شيوعياً في ابتداء أمره، ثم عدل عن ذلك إلى (الوجودية) التي تزعمها، وصار على طرفي نقيض مع الشيوعية، ولذا كل من الفريقين يحارب الآخر ويهاجمه أشد مهاجمة، لكنه بعد يعتقد بأن المستقبل للاشتراكية، لأن ظروفها باقية، ولسارتر مكان خاص في (باريس) يرتاده مريدوه، ولهم أشكال غريبة وهيئات خاصة من حيث الملبس وما إليه، لكن (سارتر) بمبدئه (الوجودي) عاجز عن الإدارة التي تتطلبها الظروف الراهنة، ولذا يتنبأ المراقبون السياسيون للتيارات: أن مبدأه مكتوب عليه بالفشل..ولسارتر آراء خاصة حول (الكون) و(الإنسان) و(النظام) و(الأخلاق) وما اليها، وكثيراً ما يميل إلى صب آرائه في القوالب القصصية، مما يجعل فهم آرائه أصعب، والوجودية ليست مبدءاً اخترعها هو بل كانت من ذي قبل وإنما نفخ فيها وجعل لها قوالب جديدة.

أما الوجودية المسيحية فمن أبطالها: (غابريل مارسال).

وهاتان الوجوديتان، وإن كان بينهما نقاط من التفاهم، إلا أن بينهما نقاطا أكثر من التخالف… كالاختلاف الكثير بين اتجاهات رجال كل تيار من (الملحدة) و(المسيحية) فالوجودية فرق ومذاهب، وان جمعت الكل خطوط رئيسية..

 الوجود والماهية

هنا (ذهن) و(خارج).

فما يتصور في الذهن، يسمى (ذهنياً)، وما يكون في الخارج يسمى (خارجياً).

مثلاً: إذا تصورت (إنساناً ذا رأسين) أو تصورت (زيداً) أو تصورت (جبلاً من ياقوت) سمي كل ذلك (ذهنياً) لأن موطنه عالم الذهن.

أما (زيد) و (البرتقال الموجود على الشجرة) و(الجسر المعلق في بغداد) فكل ذلك خارجي، لوجودها في العالم (خارجاً عن الذهن).

ثم .. إن هذه الأمور الخارجية، كل واحد منها له جزءان (المهية) و(الوجود).

و(المهية) هي الأمر الخاص بكل فئة من الأشياء، و(الوجود) هو الأمر العام الشامل لجميع الأشياء. مثلاً: (الإنسان) و(الفرس) و(النخل) و(الماء) و(الذهب) كلها مشتركة في أن الجميع (موجودة) ولذا يحمل الموجود عليها، فتقول: (الإنسان موجود) (الفرس موجود) وهكذا.

وذلك بخلاف (المهية) فان حقيقة الإنسان ومهيته، غير حقيقة الفرس ومهيته، وكذلك بالنسبة إلى سائر الموجودات.

وان شئت وضوح ذلك مثلت الوجود بـ (الضياء) الذي يغمر الأشياء، فكل ما في الغرفة يشع عليه ضياء المصباح، بينما لكل واحد مما في الغرفة حقيقة خاصة بها.

وإنما تسمى (المهية) بهذا الاسم اشتقاقاً من (ما هي).

ثم إن (الوجود) و(المهية) إنما يتصور فيهما الاثنينية عقلا، أما خارجاً، فلا يعقل الانفكاك بينهما إذ (الوجود) البحت بلا مهية غير معقول (في الممكنات)، كما انه لا يمكن أن يكون في الخارج (مهية) مجردة بلا وجود.

وكيف كان.. فالكلام حول الوجود والمهية طويل جداً.. وإنما ذكرنا هذا القدر لتعرف اجمال المطلب ثم تنظر إلى انه كيف يرتطم هؤلاء الفلاسفة الجدد، الذين اتسموا بسمة الفلسفة، في متاهات، ونكتفي بأمثلة قليلة.

فالوجودي الكاثوليكي، ج. مارسيل(9)، يقول:

«لقد طالما شغلتني مشكلة اسبقية الماهية بالنسبة إلى الوجود» وهو يفهم من كلمة (ماهية) «ما لا يتعدى المدرك» أي الأفكار العامة التي نستخدمها في التفكير ـ كما يفسره بول فلكييه ـ: وهو يرى أيضاً كل إنسان هو الذي سيحدد ما يكون وهو الذي يختار ماهيته الفردية «فنحن لسنا في الواقع إلا ما نصيّره».

أرأيت كيف خبط (مارسيل) الفلسفة بالأوهام، فأي ربط بين (المهية) وبين (ما لا يتعدى المدرك)، فانك لا تجد كتاباً من كتب الفلسفة الناضجة، إلا تراه يبين أن (المهية) ما لها موطن في كل من عالمي (الذهن) و(الخارج).

ثم.. ما معنى (المهية الفردية) إلا اصطلاحاً غير ناضج. فالفرد له مقومات تكوينية، كما أن له تفكيراً يمكن به من تغيير بعض أنحاء سلوكه، وكلا الأمرين لا يرتبطان بالمهية بالمعنى الفلسفي.

أما (سارتر) الوجودي الملحد، فله فلسفة نيّة مدهشة في عدم النضج، لا حول موضوع (الوجود) و (المهية) فحسب، بل حول كل مفهوم فلسفي، وأراني اضطر إلى نقل جملة من كلامه.

ففي كتاب (وجودية ووجوديين) ص52 نقلاً عن مجلة (العمل) 27 كانون الأول 1944 ما نصه:

«التعابير الفلسفية ما يدل على أن لكل شيء من الأشياء ماهية ووجوداً، فالماهية هي مجموعة ثابتة من الخصائص، والوجود هو نوع من الحضور الفعلي في العالم… يعتقد كثير من الناس أن المهية تأتي أولاً ثم يتبعها الوجود، إن أطول هذه الفكرة موجودة في التفكير الديني: بدليل أن من يريد بناء بيت يحسب أن يعرف بدقة صورة هذا البيت وهيئته وهنا تسبق الماهية، وكذلك شأن من يؤمنون بأن الله هو خالق الناس انهم يعتقدون أن خلق الله قد تمّ بعد أن استعان بفكرته عنهم، وهي ماهيتهم، أما الذين لم يحتفظوا بإيمانهم بالله فقد احتفظوا بهذه الفكرة التقليدية القديمة بان الشيء لايتحقق وجوده ما لم يكن منسجماً مع ماهيته، وقد رأى القرن الثامن عشر كله، أن هناك ماهية مشتركة عامة، لكل الرجال دعيت بالطبيعة البشرية، وخلافاً لهؤلاء جميعاً تؤكد الوجودية: أن الوجود يسبق المهية عند الإنسان فقط والإنسان وحده، يعنى هذا ببساطة كلية: أن الإنسان يكون أولا، أي يتحقق وجوده ثم يصبح بعد ذلك هذا أو ذاك».

إن هذا الكلام الفج ليتعجب منه الإنسان ايما تعجب.

فأولا.. أي ربط بين القول بأصالة المهية أو أصالة الوجود، وبين الإيمان بالله وعدم الإيمان به؟

وثانياً.. أي ربط بين المهية، وبين التصور؟

وثالثاً.. ما معنى الانسجام بين الماهية والوجود؟

ورابعاً.. ما معنى كون المهية مجموعة ثابتة من الخصائص، والوجود هو نوع من الحضور الفعلي؟

وخامساً.. لا معنى إطلاقاً لان الوجود يسبق المهية عند الإنسان فقط، دون ما سواه.

وسادساً.. من الذي كان يزعم أن خلق الله قد تم بعد أن استعان بفكرته عليهم؟

1 أن مسألة أصالة الوجود أو المهية، كما قررها الفلاسفة شيء يرتبط بالآثار ، لا بالإيمان إطلاقاً .. فالقائل بأصالة المهية يقول: بأن الآثار لها، والقائل بأصالة الوجود يقول بأن الآثار له، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مؤمناً كما يمكن أن يكون كل واحد منهما ملحداً، أو أحدهما مؤمناً، والآخر ملحداً ـ هذا مؤمن وذلك ملحد أو بالعكس ـ .

2 والمهية لا ربط لها بالتصور، فهي بمعنى الحقيقة التي تأتي في الذهن كما تأتي في الخارج.

3 والمراد بانسجام المهية مع الوجود ـ الذي قاله الفلاسفة ـ إن من المهيات ما لا يعقل وجودها كشريك الباري وأعظمية الجزء من الكل، وما أشبه.. كما أن من المهيات ما يعقل وجودها، وهذا القسم تارة توجد ـ كالإنسان ـ وتارة لا توجد ـ كجبل فضة ـ وهذا كما تراه لا ربط له بكلام (سارتر) إطلاقاً.

4 والمهية والوجود قد عرفت تعريفهما ـ إجمالا ـ في أول هذا الفصل، ولا ربط لما ذكره (سارتر) بما تقدم.

5 ولم يدع أحد من الفلاسفة أسبقية الوجود على المهية خارجاً أو بالعكس، وإنما كلامهم في مقام التصور، كما أن العقل يتصور تقدم حركة اليد على حركة المفتاح، وإن كانا مقارنين في الوجود.

6 والله سبحانه لا يفكر إطلاقاً، فالتفكير من صفات الممكن لاالواجب ـ ولم يقل بتفكيره أحد من الفلاسفة ـ .

 فهم حقائق الأشياء

إذا دخلت (صيدلية) ورأيت فيها (قناني) عديدة، ثم علمت أن كل واحدة منها تنفع لمرض خاص أو عرفت حجوم القناني وألوانها، ومقادير السائلات التي فيها، وما أشبه.. فهناك يبقى سؤال آخر وهو: ما حقائق هذه السوائل..؟

ويجاب: بأن السائل في هذه القنينة مركب من كذا وكذا، والسائل في القنينة الثانية مؤلف من كذا وكذا..إلى غير ذلك.

ولكن هل ينتهي الأمر إلى هذا الحد؟

كلا!

إذ يبقى سؤال يتفطن إليه الأذكياء، وهو أن (الماء) الموجود في هذه السوائل ـ مثلاً ـ عماذا يتركب؟

وإذا أجيب عن هذا السؤال بأنه مركب من (الهيدروجين والأوكسجين) يبقى سؤال: (ما هي حقيقة الأوكسجين ـ مثلاً ـ )؟

إلى هذا الحد ينتهي العلم، أو يخطو خطوة أخرى إلى الأمام، ثم يقف، وعلامة الاستفهام بادية على شفته (؟).

إن فهم حقائق الأشياء، من أشكل الأمور، ولذا قال (السيد الشريف): «إن معرفة حقائق الأشياء مشكلة».

وقال (الفيلسوف السبزواري) في باب (الوجود):

«مفهومه من أعرف الأشياء وكنهه في غاية الخفــاء»

وهذا هو الذي سبب التجاء (أفلاطون) إلى (مُثله) حيث قال في تمثيله (بالكهف) في الكتاب السابع من الجمهورية: �

فلنتصوّر كهفاً عميقاً فيه مساجين أسرى، مقيدون منذ ولادتهم، يولون وجوههم شطر الجدار القائم، في منتهى أعماق الكهف، وعليه يلقى ضياء الشمس ظلال الأشخاص والأشياء التي تمر في الخارج قرب المدخل، وإذا كان الأسرى المساكين لا يعرفون إلا هذه الظلال على الجدران، فانهم يعتدون انها هي الحقيقة، ولا حقيقة سواها، ولو جر هؤلاء إلى خارج الكهف ليروا ضياء الشمس، أو الأشياء التي كانوا ينعمون النظر في ظلالها لغشيت أبصارهم وانبهرت فلا ترى شيئاً، وهكذا يحتاج هؤلاء إلى تدرب طويل ليستطيعوا تثبيت أنظارهم في هذه الأشياء، ورؤية الواقع كما هو، وعندئذ يعلمون أن مشاهد الكهف لم تكن غير أوهام وظلال».

ولعله إلى هذا أشير في الحديث الشريف: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) إذا كان معناه: كما يستحيل معرفته كنه الرب يستحيل معرفته كنه النفس..

وقد ذكروا في سبب جهالة الإنسان بالحقائق، أن العلم احاطة من العالم بالمعلوم، والمتساويان لا يحيط أحدهما بالآخر، كما لايحيط احدهما بنفسه، للزوم الأوسعية والمغايرة بين المحيط والمحاط، فكيف يمكن احاطة الإنسان بحقيقة نفسه، أو حقيقة ما يساويه في المهية الامكانية؟

لكن هل عدم درك حقائق الأشياء يسبب أن يوجد في الإنسان شعوراً حاداً وضجراً وسأماً؟

كلا! بل العكس، فان محيط قدرة الإنسان ليس ضيقاً جداً من جميع الجهات، فعلى الإنسان العاقل أن يعمل فيما يقدر ولا يضجر عما لا يقدر، وفي المثل: (ايقاد شمعة تشق الظلمة خير من البكاء على فراق الشمس طول الليل).

أما الوجوديون فهم بالعكس.. فان عدم فهم الحقائق يوجد فيهم الشعور الحاد، ثم الضجر والكسل والترهل.

يقول (بول فلكييه):

«لكن الإنسان لا يفهم الكون، ولا يفهم ذاته… وبسبب عدم خضوع الواقع للمعقول يحمل الوجودي شعوراً حاداً كثيراً ما يصبح معذباً مؤلماً ــ إلى أن يقول: ــ إذا فالإنسان يتقدم في طريق الحياة وسط ليل أليل، لا نجوم فيه، وعلى طريق محفوفة بالمزالق والهاويات، وقد يقول قائل فلينتظر الصباح! فنجيب هذا مستحيل لأن الصباح لن ينبلج أبداً».

ولعل هذا هو السبب لما ظهر عند الوجوديين من الكسل والبطالة، كما يقول (رمضان لاوند) في كتابه (وجودية ووجوديون):

«فبدت لأول مرة في أزياء فريق الشبان والشابات أشكال غريبة، وبدت هذه الغرابة نفسها في السلوك والأندية التي فيها يجتمعون، والابهاء التي فيها يتواعدون، كما ظهرت عندهم ميول شديدة نحو اللامبالاة، والرغبة في اقتناص الفرص، والاستمتاع بأكبر قدر ممكن من الملذات والمسرات، يقابل هذا كله بذل الأقل الممكن من الجهد في العمل المتعب، والانتاج الايجابي، والتأنق في الملبس والمطعم والمشرب، وتصفيف الشعر والنظافة، بحيث أصبح الوجوديون في نظر المراقب اللبناني: موطناً للكسل والخمول، والوسخ والبوهيمية البلهاء، واللامبالاة بكل قيمة، وبكل عمل ايجابي ــ ثم يقول: ــ وأتاحت لي مجاورتي لأبناء الحي اللاتيني أن اتصل بالوجوديين الذين كانوا يجتمعون في أندية في مشارب شارع سان ـ جرمان ـ دي ـ بري، فكانت صورتهم هناك ـ أي في باريس ـ شبيهة بصورتهم في بعض زوايا بيروت ومشاربها.

 مقاييس الكون

للكون مقاييس لا يحيد عنها، كمقاييس الليل والنهار، والفصول الأربعة، والمد والجزر، واختلاف أحوال القمر، وكذلك مقاييس خلقة النبات والحيوان… إلى غيرها.

ولولا هذه المقاييس لم يهتد الإنسان إلى شيء ما إطلاقاً، فان مكتشف الكهرباء ـ مثلاً ـ وجد المقاييس التي تبين أن تشكيلات خاصة في أجهزة معينة تولد الطاقة الكهربائية، أما المقاييس فهي باقية مستمرة سواء بقي المكتشف أم مات؟ وهكذا بالنسبة إلى سائر المقاييس.

وكذلك الإنسان يولد، ويموت، ويعيش حسب مقاييس خاصة ـ علمنا بعضها، ولم نعلم البعض الآخر ـ وعلماء النفس والاجتماع والطب وما اليها، كل محاولاتهم فهم تلك المقاييس وتحقيقها.

بقي شيء، وهو أن قسماً من السلوك البشري خاضع لإرادة الإنسان ذاته، فالإنسان يتمكن أن يتعلم كما يتمكن أن يبقى جاهلاً، ويتمكن أن يزاول مهنة التجارة كما يتمكن أن يزاول مهنة المحاماة وهكذا...

أما في السلوك فكل من الصدق والأمانة وحسن المعاشرة والغيرة والإقدام وأضدادها باختياره.

وقد حددت الأديان ـ والإسلام بصورة خاصة ـ السلوك تحديداً وفق الحكمة والمصلحة، كما حددت الفلاسفة السلوك أيضاً تحديداً يتفق في بعض بنوده مع الأديان، ويختلف في بعض بنوده مع الأديان.

وكل تحديد وضع بمنتهى الدقة ـ خصوصاً في الإسلام ـ حتى أن الحيد عن ذلك التحديد يورث خبالاً وفسادا… ويكون المثل في ذلك مثل سيارة حدد سيرها المتوسط بمائة كيلو في الساعة، فالمائة والخمسون خطر، والخمسون ضياع وقت.

وأقل نظرة إلى كتب الفقه وكتب الأخلاق، كاف في إدراك هذه الحقيقة.. كما أن الالمام بشيء من أساليب الحياة، والتعمق في الأعمال والأحوال، يكفي لإدراك طرف من المصلحة في كل مقياس وضع لهذه الغاية.

أما الوجودي فانه لا يؤمن بذلك، ولذا تراه يتخبط خبط عشواء، فانه ليس من اليسير تقليب القوانين، وإنما يتلقى الذي يريد التقليب ألف صدمة وصدمة، وأخيراً تكفهر الحياة، حتى تكون كلها ليلا قاتماً.

يقول (بول فلكييه) في كتابه (هذه هي الوجودية):

«ولكي نفهم تماماً، إلى أي حد تبلغ مأساة الحياة قوة في نظر الوجودي المنسجم مع مبادئه، ليس علينا إلا أن نذكر الأخلاقية الماهوية، وسواء نظرنا إلى كبار فلاسفة اليونان، أو المفكرين المسيحيين أو ملاحدة القرن الثامن عشر، أو نسبي القرن التاسع عشر، رأيناهم جميعاً يؤمنون بوجود نموذج انساني، أو مثال ينظرون إليه انه المثل الأعلى، ويرون انه يجمل بالانسان إن لم نقل يتحتم عليه أن يطمح إلى بلوغه.

وعلى العكس نرى (الوجودي) المنسجم مع مبادئه لا يعترف بأي مقياس، على كل إنسان أن يصنع مقاييسه بنفسه وما يجب أن يكونه ليس مكتوباً في أي مكان، بل عليه أن يبتكره، ولاشك في أن بوسعه اللجوء إلى موجه ينصح له ويهديه فيتخلى عن توجيه حياته ويترك زمامها لسواه ممن يثق بهم، ولكن اختيار هذا الموجّه أو هذا القائد، يتطلب معرفة ببعض مبادئ الحياة، وهذا يصعب كثيراً في بعض الأحيان».

ثم يقول:

«وباطراح كل عالم مثالي، واعتباره تصورات خيالية مجردة، يصل الوجوديون إلى هذا التناقض المؤلم، وهو أن عليهم الاختيار دون أن يكون لديهم أي مبدأ للاختيار، أو أي مقياس يشير عليهم انهم أحسنوا صنعا باختيارهم، أو أساؤوا».

وغير خفي على الإنسان الواعي الخطر الذي يكمن في مثل هذا الفكر: (لا مقياس، فافعل ما شئت) ولذا نرى ما ينجم عن هذا الرأي سبب أكبر قدر من الأضرار على العالم.

واليك مثلا، نذكره من مجلة حضارة الإسلام، ذو الحجة 1384 ص136:

أما بالنسبة لمجال القيم والمثل والأفكار، فان الانسانية قد استقرت خلال تجاربها المتلاحقة، عبر المدى الطويل، على قيم محدودة في مجال الفرد والجماعة، وقد مهرت هذه القيم العالي من عرقها ودموعها ودمائها، لذلك فان أي تغيير تخبطي عشوائي، لمجرد التغيير سيؤدي إلى مزيد من الضلال والتيه والتمزّق والألم، ولن يتم هذا التغيير العشوائي، إلا على حساب سعادة الإنسان.

إن سببا أساسياً من أسباب الاضطراب والقلق في العصر الحديث هو التغيير المستمر للقيم، هذا التغيير السريع الذي يفوق حدّ التصور، فلو أخذنا قيمة من قيم العصر الحديث، (كالحرية) مثلاً، ورسمنا لتغيرها خطاً بيانياً خلال فترة القرن التاسع عشر والقرن العشرين (م) لوصلنا إلى خط رجراج متذبذب، أقصى درجات التذبذب، فمفهوم الحرية بعد الثورة الفرنسية،كان يعني إعطاء الإنسان بعض حرياته الشخصية، ثم تغير مفهوم الحــــرية فأصبح يعني عند الرأسمالي حرية جمع الثروات الطائلة واحتكار الأرزاق واســــتغلال البشر، ثم تغير المفهوم، فأصبح يعني عند الشيوعي إقامة دكتاتورية وحشية تنحر دماء الناس وتزهق أرواحهم، وأخيراً أصبح مفهوم الحرية يعنى عند الفاشستي، تسلط شخصي على مقدرات أمة كاملة.

إن الاختلاف في مفهوم الحرية من مجتمع إلى آخر يبلغ حد التناقض الكامل، وما هذا الاختلاف والتباين في المفهوم إلا لأن أشخاصاً ألّهوا أنفسهم، ووجهوا قطاعات بشرية كاملة، فرسموا خطوط سيرها حسب أهوائهم واجتهاداتهم القاصرة، كان في الماضي منهم ماركس واليوم… سارتر وغدا غيرهم».

ويبقى هنا سؤال يفرض نفسه، وهو انه إذا كان من الضروري اتباع المقاييس الواقعية، فماذا ـ يا ترى ـ المنهج الذي يلزم على الإنسان أن يتبعه للحصول على تلك المقاييس، بينما نرى الاختلاف الكبير في المقاييس.

والاجابة عن ذلك:

أ إما بطريقة الايمان… أن يتبع الإنسان (الفطرة الأصلية المودعة في الإنسان) مما بينها الأنبياء المرسلون (عليهم السلام) .

ب وأما بطريقة الفحص والاجتهاد، فكما قال (ديكارت) ــ كما في كتاب (المدخل إلى فلسفة ديكارت) ـــ:

«أن أرفض مطلق شيء على انه حق، ما لم يتبين بالبداهة لي انه مثل ذلك، أعنى أن أتجنب التسرع والتشبث بآراء سابقة، لا اخذ من أحكامي إلا ما يتمثله عقلي بوضوح تام، وتمييز كامل بحيث لا يعود لدي مجال للشك فيه.

 من المآخذ على الوجودية

ننقل هنا بعض الفصل السادس من كتاب (رمضان لاوند) (وجودية ووجوديون) للاطلاع على بعض المآخذ التي أخذت على (سارتر) وان حاول ردها في كتاب (الوجودية مذهب انساني) لكن الحقيقة أن نقول: مطالعة كتاب سارتر تعطي اعترافه ـ ولو بعض الاعتراف بهذه المآخذ ـ والأستاذ (لاوند) وان ذكر في نفس هذا الفصل مقتطفات من ردود (سارتر) لكن المطالعة المستوعبة لكتب سارتر تعطي دليلاً على صحة جملة من الإيرادات…

كما أن كثيراً من الوجوديين في (باريس) و(بيروت) وغيرهما أعطوا أدلة حية على صدق المآخذ.

واليك ما ذكره (لاوند) في الفصل المذكور:

1 دعوة الوجودية إلى الخمول، ودفعها إلى اليأس.

2 تقوية الروح الفردية الحالمة، التي تبتعد عن المجتمع ومشاكله الراهنة.

3 استحالة تحقيق أي انتاج ذي طابع اجتماعي عام.

4 اكتفاء الوجودية بتصوير مظاهر الحياة الحقيرة:من جبن وفسق وضعف وميوعة، ونسيانها مظاهر الحياة الآملة القوية التي تؤمن بمستقبل عظيم

5 الوجودية لا تؤمن بالتعاون الاجتماعي.

6 تنكر الوجودية لفكرة الله، وتنكرها للقيم الالهية، وخلوها من مواقف جدية انسانية في الحياة.

7 الوجودية أداة للتفسخ الاجتماعي لأنها تحول دون أن يصدر أي من الناس حكماً على تصرفات الآخرين، بحيث يكون كل فرد عالماً قائماً بذاته في مجتمع يحتاج إلى التعاون، والانضواء الجماعي والمسؤولية المشتركة المتبادلة.

 الجذور الفكرية والعقائدية

إن الوجودية جاءت ردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين.

تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.

تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك".

تأثروا بالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس.

الوجودية(2)

 الوجودية فلسفة من الفلسفات وليست دينـاً من الأديان ، يقول عنها الدكتور منصور عيـد في كتـابه ( كلمات من الحضارة ):

( الوجودية من أحدث المذاهب الفلسفية وأكثرها سيادة في الفكر المعاصر ، والوجودية بمعناها العـام هي إبراز قيمة الوجود الفردي للإنسان ، وقد ظهرت الوجودية نتيجة لحالة القلق التي سيطرت على أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى واتسعت مع الحرب العالمية الثانية ، وسبب هذا القلق هو الفناء الشامل الذي حصـل نتيجة الحرب ) ص 248 .

             وفي معجم ألفاظ العقيدة (تصنيف عامر عبد الله) ، عرّف الوجودية بأنها : ( مذهب فلسفي يقوم على دعوة خادعة وهي أن يجد الإنسان نفسه ، ومعنى ذلك عندهم أن يتحلل من القيم وينطلق لتحقيق رغبـاته وشهواته بلا قيد ، ويقولون أن الوجود مقدم على الماهية ، وهذا اصطـلاح فلسفي معناه أن الوجود الحقيقي هو وجود الأفـراد ، أما النوع فهو اسم لا وجود له في الخارج ، فمثلاً زيد وخالد وابراهيم وهؤلاء موجودون حقيقيون لا شك في وجودهم ولكن الإنسان أو ا لنوع الإنساني كلمة لا حقيقية لها في الخـارج كما يزعمون ) ص 439.

             وهي عند الدكتور عبد الرحمـن بدوي ، في دراسته عن " الفلسفة الوجودية " : ( إحدى المذاهب الفلسفية ، وفي الوقت نفسه هي من أقدمها ، أحدثهـا لأن لها مركز الصـدارة والسيادة في الفكر المعاصر .... والوجودية أيضـاً من أقدم المذاهب الفلسفية لأن العصب الرئيسي للوجودية هو أنها فلسفة تحـيا الوجود ، وليست مجرد تفكير في الوجود ، والأولى يحياها صاحبها في تجاربه الحية وما يعانيه في صراعه مع الوجود في العـالم ، أما الثانية فنظر مجرد إلى الحيـاة من خارجها وإلى الوجود في موضوعه ) ص19،20.

             وإذن فهي - الوجودية - فلسفة ، ولكنها فلسفة من نوع جديد يختلف مفهومها عن مفاهيم الفلسفة التي استقرت من قبل وبلغت أوج بنيـانهـا عند هيجل ( توفي سنة 1831) فقد شيد بنـاءاً فلسفياً عقلياً كله ينبني على تصورات عقلية مجردة يربط بينها منطق الديالكتيك الذي يقتضي التعارض والتضاد ويتأسس على الجدل ، وفي هذا البناء الفلسفي الذي نقصته الوجودية نلاحظ أنه قد استقر عند الفلاسفـة أن كل ما هو موجود هو عقلي وكل ما هو عقلي هو موجود .

            هذا البناء الفلسفي لم ترض عنه الوجودية فثارت ثائرتها في وجهه ، قال سيرن كيركجور - الأب الحقيقي للوجوديه ومؤسسها - توفي سنة 1855م : ( الفلسفة ليست أقوالاً خيالية لموجودات خياليـة ، بل الخطاب فيها موجه إلى كائنات موجودة )

    ولتوضيح الفارق بين الفلسفتين يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في دراسته التي أشرنا إليها :

( فمثلاً : الموت ليس مشكلة فلسفية ، بل المشكلة هي ( أني أموت ) وفارق هائل بين أن أبحث في الموت بوصفه معنى عاماً مجرداً وبين أن أبحث في ( أنى الموت ) فيجب إذن ردّ المسائل إلى الموجودات ، والنظر إليها بوصفها موضوعات يعانيهـا الموجود نفسه ، وإذن فالذات الموجودة أو الذات الوجودية لا العقل المجرد - عند الوجوديين - هي التي يجب أن تكون العامل في إيجاد الفلسفة ) ص21.

والوجودية في أحسن وجوهها - عند مؤيديها - تعني :

1. الدعوة إلى الإشادة بالفردية ، وتقويم الشخصية الإنسانية ، وإحترام القيم الإنسانية الخالصة .

2. العناية بتحليل المعاني الأساسية في الوجود الإنساني من قلق وخوف وخطيئة ، ويأس وفناء وفردية وحرية.

3. تمجيد الوجدان والانفعال إلى جانب العقل بل فوق العقل .

4. اتخاذ التجارب الحية موضوعات للتفسير والتفلسف ، وعدم الاقتصار على التصورات العقلية المجردة .

5. معاناة المشاكل من الداخل بدلاً من معالجتها من الظاهر . والناس عند الوجوديين ثلاثة ، رجل’ جمـال ، ورجل’ أخلاق ، ورجل دين :

أ. رجل الجمال : هو الذي يعيش للمتعة واللذة ويسرف فيها ، وشعاره ( تمتع بيومك ) ( أحب ما لن تراه مرتين ) ولا زواج عند هذا الرجل ولا صداقة ، والمرأة عنده أداة للغزو وليست غاية .

ب. رجل الأخلاق : وهو الذي يعيش تحت لواء المسؤولية والواجب نحو المجتمـع والدولة والإنسـانية ، ولذلك فهو يؤمن بالزواج ولكن لا علاقة له بدين أو غيره .

جـ. رجل الدين : وهو عندهم لا يحيا في الزمان ، فلا صبح ولا مساء، ( ليس عند ربكم صباح ومساء ) ولهذا فهو متجرد عن الدنيا ، وأحواله في الجملة هي تلك الأحوال المعروفة عند الصوفية .

 وقد تقع هذه الأنواع والصنوف لرجل واحد فيتدرج من المرحلة الجمالية إلى المرحلة الساخرة ، وهذه تؤدي إلى مرحلة الأخلاق التي تسلمه بدورها إلى العبث ومن العبث يبلغ المرحلة الدينية ، وهذا يدل على محاولات الوجودية الفلسفية للجمع الدياليكتيكي بين المتناقضات .

    ومن هذا حديث الوجوديين عن الوجود والزمـان ومحاولة الجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل ، فالوجود الإنساني مهموم بتحقيق إمكانيـاته في الوجود ، والزمانية هي الوحدة الأصلية لتركيب الهـم ، والخلاصة - عندهم - أن الماضي يوجد في ذاته المستقبل ، والمستقبل هو خارج الماضي ، وفي نفس الوقت ينطوي في ذاته على الماضي ، ونفس الشيء يقال عن الحـاضر في علاقته مع الماضي ومع المستقبل معـاً ، فالعلاقة بين هذه اللحظات الثلاث إذن علاقة اندراج واستبعاد معاً .

    هذا هو مفهوم الوجوديين للوجودية جامعة المتناقضات فتألمها سار ، وحبها كاره ، وقلقها مطمئن ، وخطرها آمن ، وطفرتها متصلة ، وتعاليها متهابط !! قد حمل لواءها من بعد كيركجور ، جان بول سارتر ، وحبرئيل مارسيل وهيدجر وغيرهم .

    أما الوجودية من وجهة النظر الإسلامية التي بحثت في أصولها وأفكارها وأدبياتها ( كما جـاء في الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة ) فهي فلسفة تقوم على :

1. الكفر بالله وكتبه ورسله وبكل الغيبيات والأديان التي تعوق الإنسان عن تحقيق ذاته ومستقبله .

2. أن الإنسان ينبغي أن يطرح الماضي وينكر كل القيود الدينية والاجتماعية .

3. الإلحاد وهدم القيم والعقائد والأديان .    

   وعلى ذلك تكون الوجودية فلسفة إلحادية لا تهتم بالبناء ولا يعنيها أصلاً ولا علاقة لهـا بادين أو عقيدة من العقائد إلا تلك التي تدعو إلى الكفر وتروج للفساد .

الوجودية(3)

التعريف :

·  الوجودية مذهب فلسفي أدبي ملحد ، وهو أشهر مذهب استقر في الآداب الغربية في القرن العشرين .

·  ويرتكز المذهب على الوجود الإنساني الذي هو الحقيقة اليقينية الوحيدة في رأيه ، ولا يوجد شيء سابق عليها ، ولا بعدها ، وتصف الوجودية الإنسان بأنه يستطيع أن يصنع ذاته وكيانه بإرادته ويتولى خلق أعماله وتحديد صفاته وماهيته باختياره الحر دون ارتباط بخالق أو بقيم خارجة عن إرادته ، وعليه أن يختار القيم التي تنظم حياته .

التأسيس وأبرز الشخصيات :

·  دخل المذهب الوجودي مجال الأدب على يد فلاسفة فرنسيين : هم جبرييل مارسيل المولود عام 1889م . وقد أوجد ما أسماه الوجودية المسيحية ، ثم جان بول سارتر الفيلسوف والأديب الذي ولد 1905م . ويعد رأس الوجوديين الملحدين والذي يقول : إن الله خرافة ضارة . وهو بهذا فاق الملحدين السابقين الذين كانوا يقولون إن الله خرافة نافعة ..- تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً - ومن قصصه ومسرحياته . الغثيان ، الذباب ،الباب المغلق .

·  ومن الشخصيات البارزة في الوجودية : سيمون دي بوفوار وهي عشيقة سارتر . التي قضت حياتها كلها معه دون عقد زواج تطبيقاً عملياً لمبادئ الوجودية التي تدعو إلى التحرر من كل القيود المتوارثة والقيم الأخلاقية .

الأفكار والمعتقدات :

·  الوجود اليقيني للإنسان يكمن في تفكيره الذاتي ، ولا يوجد شيء خارج هذا الوجود ولا سابقاً عليه ، وبالتالي لا يوجد إله ولا توجد مثل ولا قيم أخلاقية متوارثة لها صفة اليقين ، ولكي يحقق الإنسان وجوده بشكل حر فإن عليه أن يتخلص من كل الموروثات العقيدية والأخلاقية .

·  إن هدف الإنسان يتمثل في تحقيق الوجود ذاته ، ويتم ذلك بممارسة الحياة بحرية مطلقة .

·  الالتزام في موقف ما - نتيجة للحرية المطلقة في الوجود - من مبادىء الأدب الوجودي الرئيسة .. حتى سميت الوجودية : أدب الالتزام أو أدب المواقف .. أي الأدب الذي يتخذ له هدفاً أساسياً أصحابه هم الذين يختارونه . وبذلك جعلوا القيمة الجمالية والفنية للأدب بعد القيمة الاجتماعية الملتزمة .

·  ولقد نتج عن الحرية والالتزام في الوجودية ، القلق والهجران واليأس :

-    القلق نتيجة للإلحاد وعدم الإيمان بالقضاء والقدر .. ونبذ القيم الأخلاقية والسلوكية .

-    والهجران الذي هو إحساس الفرد بأنه وحيد لا عون له إلا نفسه .

-    واليأس الذي هو نتيجة طبيعية للقلق والهجران ، وقد حاول سارتر معالجة اليأس بالعمل ، وجعل العمل غاية في ذاته لا وسيلة لغرض آخر ، وحسب الوجودي أن يعيش من أجل العمل وأن يجد جزاءه الكامل في العمل ذاته وفي لذة ذلك العمل .

الجذورالفكرية :

·  ترجع بذور مذهب الوجودية إلى الكاتب الدانمركي كيركا جورد 1813-1855م وقد نمى آراءه وتعمق فيها الفيلسوفان الألمانيان مارتن هيدجر الذي ولد عام 1889م ، وكارك يسبرز المولود عام 1883م .

·  وقد أكد هؤلاء الفلاسفة أن فلسفتهم ليست تجريدية عقلية ، بل هي دراسة ظواهر الوجود المتحقق في الموجودات .

·  والفكر الوجودي لدى كيركاجورد عميق التدين ، ولكنه تحول إلى ملحد إلحاداً صريحاً لدى سارتر .

-    ومهما حاول بعض الوجوديين العرب ، وغيرهم ، تزيين صورة الوجودية ، إلا أنها ستبقى مذهباً هداماً للأديان والعقائد والقيم الأخلاقية .

أماكن الانتشار :

·  انتشرت الوجودية الملحدة في فرنسا بشكل خاص ، وكانت قصص ومسرحيات سارتر من أقوى العوامل التي ساعدت على انتشارها .

ويتضح مما سبق :

أن الوجودية مذهب فلسفي أدبي ملحد ، وهو أشهر المذاهب الأدبية التي استقرت في الآداب الغربية في القرن العشرين ويرى أن الوجود الإنساني هو الحقيقة اليقينية الوحيدة عند الوجوديين ، بحيث إنه لا يوجد شيء سابق على الوجود الإنساني كما أنه لا يوجد شيء لا حق له ، ولذا فإن هدف الإنسان يتمثل في تحقيق الوجود ذاته ، ويتم ذلك بممارسة الحياة بحرية مطلقة . وقد أفرز هذا المذهب أموراً عديدة منها القلق واليأس نتيجة للإلحاد وعدم الإيمان وهما من ركائز هذا المذهب . لذا يجب أن يعي الشباب المسلم حقيقة هذا المذهب وهو يتعامل مع إفرازاته .

ولا شك أن الإسلام يرفض الوجودية بجميع أشكالها ويرى فيها تجسيداً للإلحاد . أو أن قضايا الحرية والمسؤولية والالتزام التي تدعو إليها الوجودية غير مقيدة بأخلاق أو معتقدات دينية . وهي تنادي بأن الإنسان لا يدري من أين جاء ولا لماذا يعيش وهذه جميعها أمور محسومة في الإسلام وواضحة كل الوضوح في عقل وضمير كل مسلم آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نبياً وقدوة وإماماً .

مذاهب فكرية وفلسفية : الوجودية(4)

تيار فلسفي يعلي الإنسان إلى مكانةٍ تناسبه ويؤكد على تفرُّد الإنسان وتفكيره وحريته وعدم احتياجه إلى موجّه، وهو جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة وليس نظرية واضحة المعالم.

التأسس:

سورين كير كجورد 1813 م ـ 1855 م وهو مؤلف كتاب رهبة واضطراب ومن أشهر زعمائها المعاصرين الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر وهو ملحد مناصر للصهيونية وله عدة كتب تبين مذهبه منها:

الوجودية مذهب انساني.

الوجود والعدم.

الغثيان والباب المغلق.

ومن رجالها القس كبرييل مارسيل وكارل جاسبرز وبسكال بليز وبيرد يائيف.

الأفكار:

1 ـ يكفرون بالله والأديان ويعتبرونها عوائق.

2 ـ قدم الإنسان.

3 ـ حرية الإنسان المطلقة.

4 ـ هما مدرستان: مدرسة مؤمنة؛ يقول أصحابها: إن الدين محله الضمير ولا وجود له في الممارسة. ومدرسة ملحدة؛ لا تقبل بفكرة دين أو عقيدة قلبية، وهذه المدرسة هي المسيطرة الآن.

5 ـ هدم القيم وشيوع الفوضوية الأخلاقية.

ولهذا التيار جذور فكرية تتمثل في:

ـ التأثر بسقراط القائل أعرف نفسك بنفسك.

ـ التأثر بالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس.

ـ ردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإنسان.

ملاحظة:

ظهر هذا التيار في ألمانيا ثم انتشر في فرنسا وإيطاليا والسويد والنمسا وأمريكا وبريطانيا. 

الفلسفة الوجودية(5)

تعريف بالوجودية:

نمت الأفكار الرئيسية التي دارت حولها الفلسفة الوجودية من التأزم العميق الذي عاشه الإنسان بكل وجدانه نظراً لوجوده في عالم مهموم، عالم لا مخرج له مما هو فيه، عالم منغلق. لكنها ولدت من الثورة على هذا الانغلاق، ومن توكيد قدرة الإنسان التي لا تقهر على مقاومة العدم، وإعطائه معنى وتجاوزه.

وقد عبر سارتر عن الفكرة الجوهرية في هذا الشأن بقوله: ( كان لابد أن يشعر جيلان بوجود أزمة في الأيمان وأزمة في ميدان العلم، لكي يصنع الأنسان يده على تلك الحرية الخلاقة التي كان ديكارت قد أودعها بين يدي الله وحده، ومن أجل أن يطمئن الناس أخيرا إلى تلك الحقيقة التي تعد الأساس الرئيسي في كل نزعه إنسانية وهي: أن الأنسان هو الوجود الذي يتوقف وجود العالم على ظهوره).

أن الفلسفة الوجودية حينما قامت إنما جاءت مناقصة صريحة وعاملة في اتجاه مضاد لتلك الحركات الجماعية وتلك الفلسفات التي تدعو إلى صب الناس في قوالب معينة من ناحية الاعتقاد والتفكير وأسلوب الحياة ونوع السلوك. فهي فلسفة في وضع مقابل لكل حركة تقيميه، ولكل مشروع جماعي ولكل طائفة تتخذ ضروباً معينة لا تتعداها من القواعد والآراء. يقول ياسبرز: (يكفي للفرد أن يوجد، فبهذه الواقعة نفسها نتجاوز الموضوعية. وهذا هو مبدأ كل فلسفة للوجود. ولا أهمية لها إلا في نظر الأشخاص الذين ارتضوا أن يكونوا أنفسهم، واختاروا الوجود الحقيقي الأصل، لا الوجود الزائف المبتذل. وهذا الوجود يبدأ من الصمت، وينتهي بالصمت، وغايته الوحيدة هي التعبير عن الوجود والوصول إلى الوجود ).

وأهم خاصية تميز هذا النمط من التفلسف هي أنه يبدأ من الإنسان ولا يبدأ من الطبيعة. إنه فلسفة للذات Subject، أكثر منه فلسفة للموضوع Object فالذات هي التي توجد أولاً… والذات التي يهتم بها الوجوديون ليست هي الذات المفكرة، بل هي الذات الفاعلة، الذات التي تكون مركز للشعور… الذات التي تدرك مباشرة وعينياً في فعل الوجود المشخص.

يرى مارسيل أنه حينما يشعر الإنسان بالاغتراب وما يصاحبه من يأس وقلق، يشعر في قرارة نفسه بالحاجة إلى الوجود الحق، ويتولد لدى الإنسان الإحساس بأن هذا العالم ليس إلا حيز من واقع مستور محجوب عنه. حينها يكون بمواجهة سر من الأسرار، ولا حل له، لأنه ليس مشكلة، وهو حاضر حضوراً دائماً، ونحن نشارك في هذا السر دون أن نمتلكه، ونتعرف عليه ونشعر به وبدون أن نحيط بمعرفته أو نسبر غوره تماماً.

فلذلك تتميز الفلسفة الوجودية بميلها إلى الوجود، فهي لا تبالي بماهيات الأشياء وجواهرها، كما لا تبالي بما يسمى بالوجود الممكن والصور الذهنية المجردة. إن غرضها الأساسي هو كل موجود، أو بتعبير آخر هو كل ما هو موجود في الواقع والحقيقة.

الأسلوب الوجودي في التفلسف:

إن أول ما تهتم به الوجودية هو العودة إلى الواقع الحقيقي. يقول مارسيل (أرى أنني أميل، فيما يختص بي إلى نفي القيمة الفلسفية المحض عن كل أثر لا أستطيع أن أتميز فيه ما أسميه عضة الواقع ). ويقول كيركجارد: ( فيما يجهد الفكر المجرد ليفهم المحسوس فهماً تجريدياً، نجد الفكر الذاتي أو الوجودي، يجهد على العكس ليفهم المجرد فهماً محسوساً). والوجوديون عموماً، سواء المؤمنين أو الملحدين يؤمنون جميعاً إن الوجود سابق على الماهية أو أن الذاتية تبدأ أولاً. ويقول سارتر : (لو تناولنا أياً من الأشياء المصنوعة، مثلاً هذا الكتاب أو سكينة من السكاكين، نجد إن السكينة قد صنعها حرفي، وأن هذا الحرفي قد صاغها طبقاً لفكرة لديه عن السكاكين، وطبقاُ لتجربة سابقة في صنع السكاكين، وأن هذه التجربة أكتسبته معرفة هي جزء لايتجزأ من الفكرة المسبقة التي لديه عن السكاكيي، والتي لديه عن السكينة التي يصنعها. وأن الصانع كان يعرف لأي شئ ستستخدم السكين وأنه صنعها طبقاً للغاية المرجوة منها. وأذن فماهية السكين، مجموعة صفاتها وشكلها وتركيبها والصفات الداخلة في تركيبها وتعريفها، كلها سبقت وجودها، وبذلك يكون لهذا النوع من السكاكين وجوداً معيناً خاصاً بها، وأنه وجود تكنيكي، بمعنى أن السكين بالنسبة لي هي مجموعة من التركيبات والفوائد، ونظرتي لكل الأشياء بهذه الطريقة تكون نظرة تكنيكية يسبق فيها الإنتاج على وجود الشيء وجوداً محققاً، أي أنه قبل أن يوجد الشيء لابد أن يمر على مراحل عدة في الإنتاج.

ونحن عندما نفكر في الله كخالق، نفكر فيه طوال الوقت على أنه صانع أعظم، ومهما كان اعتقادنا، سواء كنا من أشياع (ديكارت) أو من أنصار ( ليبنتز ) فأننا لابد أن نؤمن بأن إرادة الله تولد أساساً، أو على الأقل تسير جنباً إلى جنب مع عملية الخلق، بمعنى أنه عندما يخلق فهو يعرف تمام المعرفة ما يخلقه، فإذا فكر في خلق الإنسان، فأن فكرة الإنسان تترسب لدى الله، كما تترسب فكرة السكين في عقل الصانع الذي يصنعها، بحيث يأتي خلقها طبقاً لمواصفات خاصة وشكل معين. وهكذا الله فأنه يخلق كل فرد طبقاً لفكرة مسبقة عن هذا الفرد ).

ويضيف سارتر على ذلك: (أن النظريات الإلحادية في القرن الثامن عشر قضت على فكرة الله فلسفياً، ولم تقض على فكرة أن الماهية تسبق الوجود، فنجدها مسيطرة عند ديدرو وعند فولتير وحتى عند كانت فالإنسان له طبيعة بشرية، وهذه الطبيعة البشرية هي ما يصاغ عليها الإنسان، وهي ما يتسم به كل إنسان، أو يشترك في صفاتها مع غيره من البشر، وبذلك تكون الإنسانية، كلها أو أفرادها، قد خلقوا طبعاً لفكرة عامة، أو مفهوم عام أو نموذج عام يجب أن يكون عليه البشر. والفيلسوف كانت قد وصف هذه الطبيعة العامة للبشرية، بحيث يساوي بين الإنسان الذي يعيش في الغابة والإنسان المدني، والبرجوازي ويجعل الثلاثة يشتركون في صفات عامة. وهكذا نجد فكرة الإنسان في التاريخ أسبق على حقيقته… أي إن الماهية تسبق الوجود مرة أخرى. لكن الوجودية الملحدة، التي أنا أمثلها، تعلن في وضوح وجلاء تامين، إنه إذا لم يكن الله موجوداً، فأنه يوجد مخلوق واحد على الأقل قد تواجد قبل أن تتحدد معالمه وتبيّن. وهذا المخلوق هو الإنسان أو أنه كما يسميه هيدجر الإنساني، بمعنى أن وجوده كان سابقاً على ماهيته.

…أن الإنسان يوجد ثم يريد أن يكون، ويكون ما يريد أن يكونه بعد القفزة التي يقفزها إلى الوجود، والإنسان ليس سوى ما يصنعه هو بنفسه ).

ويعتقد الوجوديون أن الهرب من الطريق الوجودي في البحث يعزلنا عن فهم ذواتنا فهماً صحيحاً ويجعلنا لا نواجه المشكلات الحقيقية التي تعتمد وجودنا الفردي المشخص. لأن الوجودية ترى إن الموقف الإنساني ممتلئ بالتناقضات والتوترات التي لا يمكن حلها بواسطة الفكر المضبوط والنقي. إن هذه التناقضات لا ترجع ببساطة إلى الحدود الحاضرة لمعرفتنا أو إلى ما نحصل عليه من تقدم علمي، أو إلى تفسيرات فلسفية… إنها ترجع إلى أن الإنسان حر، وهو مسؤول عن حريته، كما أنه يشعر بالندم والذنب إزاء ما يقترفه من أفعال.

ويقول هيدجر: ( الموجود كله في الوجود. مثل هذا القول يرن في أسماعنا كأنه قول مبتذل، إن لم يكن مهيناً، لأنه ما من أحد بحاجة إلى أن يهتم بأن الموجود يرجع إلى الوجود، فالعالم كله يعلم جيداً أن الموجود هو ما هو، فأي شيء آخر يبقى للموجود سوى أن يكون؟ ومع ذلك فهذه الحقيقة التي تقول بأن الموجود يبقى مجمعاً في الوجود، وإن الموجود يظهر في ضوء الوجود، هي التي أوقعت اليونانيين في الاندهاش. الموجود في الوجود: هذه هي الحقيقة التي أصبحت بالنسبة لليونانيين أكثر الأشياء إثارة للدهشة ).

ربما حكمت الأجيال القادمة بأن أعظم إسهامات الفلسفة الوجودية تألقاً وأكثرها دواماً إنما يوجد في دراستها لموضوع آخر لا يزال يتكرر وجوده في كتابات أصحابها وهو : الحياة العاطفية للإنسان، وهو موضوع أهمله الفلاسفة، وأسلموه إلى علم النفس فكلما سيطرت على الفلسفة الأنماط الضيقة من العقلانية.. اعتبرت العواطف المتقلبة، والأمزجة والمشاعر التي تظهر في الذهن البشري، شيئاً لا يناسب مهام الفيلسوف، بل حتى بدت عقبة في طريق المثل الأعلى للمعرفة الموضوعية. غير أن الوجوديين يذهبون إلى أن هذه هي بعينها الموضوعات التي تجعلنا نندمج بكياننا كله في العالم وتتيح لنا أن نتعلم عنه أشياء يتعذر علينا تعلمها عن طريق الملاحظة الموضوعية وحدها، ولقد زودنا الوجوديون من كيركجارد إلى هيدجر و سارتر. بتحليلات مشوقة لحالات وجدانية: كالقلق، والملل، والغثيان، وحاولوا أن يبينوا إن مثل هذه الحالات ليست غير مغزى فلسفي.

بعد انقضاء الحرب العالمية أصبحت الوجودية حديث الساعة في كثير من البلدان، ولقد حظيّ مؤلف ( الوجود والعدم ) جان بول سارتر بنجاح كبير، وهو مُؤَلفْ بالغ الصعوبة ينم عن إلمام عميق بتاريخ الفلسفة إذ أن التحليلات الفلسفية التي تضمنها هي من الصيغة الاصطلاحية ومن التجريد بحيث يعسر فهمها على غير المتخصصين من ذوي الثقافات الراسخة.

إن الوجودية هي فلسفة تتصدى لمعالجة تلك المشاكل الوجودية، وهي مشاكل إنسانية تتناول مدلولات الحياة والموت والمعانات والألم إلى جانب قضايا أخرى، بيد أن الوجودية ليست هي التي ابتدعت هذه المشاكل، فهي مشاكل تقليدية عرفها الفكر الفلسفي وبحثها في جميع العصور. فلقد تناولها من قبل كثير من المفكرين من أمثال القديس أوغسطين وباسكال والناقد الأسباني ميجوويل دي أونامونو والروائي الروسي دوستويفسكي والشاعر والألماني ريزماريا ريلكه، فأن جميع هؤلاء الكتاب والشعراء قد عالجوا في مؤلفاتهم مختلف القضايا الإنسانية وعرضوها في قالب بليغ، ومع ذلك فأننا نخطئ حين نضمهم إلى فلاسفة الوجود.

وقد عبر سارتر قائلاً ( في حوالي عام 1880 عندما حاول بعض المدرسين الفرنسيين أن ينشئوا أخلاقاً علمانية كانوا يقولون شيئاً من هذا الكلام: القول بوجود الله فرض لا غنى فيه ومبهظ، ولهذا فأننا نلغيه من حسابنا، ولكن من أجل أن تقوم ويقوم مجتمع ويشيد عالم يخضع للنظام أن تؤخذ بعض القيم مأخذ الجد، ولا بد أن ننظر أليها أنها ذات وجود أولي،… على العكس من ذلك تماماً، فأن الوجودية ترى أن افتراض عدم وجود الله سيؤدي إلى عاقبة وخيمة… وذلك لأن كل القيم التي كان من الممكن أن يقول بوجودها كمقولات مفارقة ستختفي معه… ). وكان دوستويفسكي قد كتب يقول ( إذا لم يكن الله موجوداً، فسيصبح كل شئ مباحاً ).

كانت هذه هي نقطة البداية في الوجودية.

يتمرد الوجوديون، عادةً على الوضع القائم في مجالات كثيرة، في اللاهوت والسياسة والأخلاق والأدب، ويناضلون ضد السلطات التي يقبلها الناس وضد الشرائع التقليدية. حتى الوجوديون المسيحيون نادراً ما يكونوا معتدلين، فقد توج كيركجارد حياته بهجوم مرير على الوضع الكنسي القائم في الدنيمارك، ويعتقد معظم الباحثين أن هذه المرحلة الأخيرة من علمه لم تكن انحرافاً في تفكيره وإنما هي نتيجة منطقية لتفكيره المبكر. أما الوجوديون غير المتدينين فأنهم يسيرون بالتمرد إلى آفاق أبعد من ذلك بكثير، حتى لقد أطلق على هيدجر وسارتر وكامو، في بعض الأحيان أسم العدميين.

فكرة الوجود :

الوجود والماهية :

إن الوجودي لا يهتم بوجود الوجود وحده، بتجريده مما هو، لتركيز تفكيره على عملية وجوده بل أن هدف الوجودي، كما يقول مارسيل (هو إبراز وحدة الوجود والموجود، تلك الوحدة التي لا انفصام لها). ويقول أيضاً (هذا الوجود الذي يتخذ جسداً مشتركاً مع الموجود ).

أن التمييز بين الوجود والماهية من أقدم المسائل التي درستها الفلسفة وقد طبق هذا التمييز على أوسع نطاق، كانت له نتائج غاية في الفائدة، فالقول بأن شيئاً ما موجود يشير ببساطة إلى واقعة وجوده هنا أو هناك، فالوجود يتسم بالعينة والجزئية وبأنه معطى محض كذلك. فالعملة الفضية الموضوعة على المائدة موجودة بوصفها أحد أشياء العالم، ووجودها ماثل أمامي بوصفه واقعة ينبغي قبولها. وليس في استطاعتي أن أرغب في وجود هذه العملة أو في حذفها من الوجود، على الرغم من أنني أستطيع أن أغير من الشكل الذي توجد عليه. ولكن ما أن نتحدث عن الشكل الذي توجد عليه، حتى نكون قد بدأنا بالفعل في الانتقال من الوجود إلى الماهية. وإذا كان وجود الشيء يرتبط بواقعة أنه موجود فأن ماهيته تعتمد على واقعة (ما هو) فماهية موضوع ما تتألف من تلك السمات الأساسية التي تجعله موضوعاً معيناً، وليس موضوعاً آخر.

فالاشتقاق اللغوي: أن الفعل يوجد مشتق من الفعل اللاتيني (كان). يعني أصلاً (يبرز) أو ينبثق ومن المرجح إذن أن هذا الفعل كان يعطي إيحاء أكثر إيجابية مما هو عليه الآن. بمعنى أن يوجد الشيء هو أن يبرز أو أن ينبثق خلفية معينة بوصفة شيئاً موجوداً هناك وجوداً حقيقياً. ولو وضعنا هذه الفكرة في صيغة فلسفية أكثر لقينا إن معنى أن يوجد الشيء هو أن ينبثق من العدم. غير أن فكرة الوجود قد أصبحت في وقتنا الراهن أكثر سلبية بكثير، إذ أصبح المعنى الذي نفهم به كلمة يوجد أقرب بكثير إلى ملقى به حولنا في مكان ما بدلاً من يبرز مكان ما.

فالقول بأن شيئاً ما موجود يعني أننا سوف نلتقي به مصادفة في مكان ما من العالم ولو قال أن، وحيد القرن موجود، فأنه يعني بذلك أنك في مكان ما من العالم سوف تلتقي بوحيد القرن إذا ما بحثت عنه بحثاً طويلا وشاقاً بقدر كاف. وبتعبير أدق في مكان ما من العالم الذي استخدمناه مرتين في هذه الفقرة لا يأتي عرضاً فيما يبدو، إذ أمن كلمة يوجد تدل على أن للشيء مكاناً وزماناً في العالم الفعلي… لكن هنالك مشكلة أخرى يثيرها تعبير وجود الله فما الذي نعنيه بقولنا أن الله موجود…؟ أن الله أياً كان تصورنا له، ليس موضوعاً يوجد داخل العالم على نحو ما توجد الأشياء، حتى لو قلنا أنه محايث، وكامن في العالم بقدرٍ ما، فهو بالتأكيد ليس أحد أشياء هذا العالم. فالقول بأن الله موجود لا يمكن أن يعني أن هناك احتمالاً للالتقاء به مصادفة في العالم على نحو ما يلتقي المرء مصادفة بوحيد القرن. فأن ما تتميز به طريقة الوجوديين في استخدامهم لكلمة الوجود هو أنهم يحصرونه في ذلك النوع الذي ينتمي إلى الإنسان.

إن فلسفات الوجود انطلقت من تأملات كيركجارد الدينية في جوهرها وكيركجارد هو هذا الفرد الذي يشعر عن طريق خطأه أنه أمام الله. وأن شعور المرء بخطئه، هو شعوره أنه أمام الله أصلاً، وأن فكرة ( الوجود أمام الله ) هي مقولة أساسية في نظر كيركجارد. إن الفرد هو الوجود، والله هو العلو. فما تحت أبصارهم، أن هو إلا الوجود في علاقته مع العلو. أن الفكر في نظره، يشعر في أعلى درجاته بصعوباته، دون أن يحاول الحيدة عنها. أن فكرنا أمام الأخر المطلق في حالة من التناقض والتمزق بالضرورة. أن العالي الآخر على وجه الإطلاق. أي الله إنما هو بمعنى الاشتقاقي للكلمة. بيد أن لي من ناحية أخرى، علاقة بهذا المطلق بل أن هذه العلاقة القوية بالمطلق بالذات، هي التي تجعلني موجوداً. وفي كثير مما كتبه كيركجارد، نرى أن الموجود يعتقد أيضاً، أن المنطق لا يوجد إلا بهذه العلاقة التي يرتبط الموجود بها معه. فإذا ما فصلت فكرة الله عن توجهي نحو الله، فلن يعود هنالك وجود لفكرة الله في الواقع. وفي هذا يكمن الافتراق الأساسي: أنني في علاقة، بل في علاقة مجهدة قوية، بشيء من الأشياء لا علاقة لـه، وهذا الافتراق ذاتـه هو الذي يحدد الوجود، بقدر مـا يمكن له أن يتحدد. لقد كتب كيركجارد: ( لا يمكن لامرئ أن يؤكد على الوجود بقوة أكبر مما فعلت ). ويقول أيضاً ( أن المسيح لا يعلم، بل لا يعلم أنه موجود ). ويضيف من ناحية أخرى: ( أن الوجود يوافق الفرد، الذي هو في تعليم أرسطو، كل ما يبقى خارج دائرة المفاهيم ).

ويقول ياسبرس: (أن كلمة وجود هي أحد مرادفات كلمة واقع، بيد إنها قد اتخذت وجهاً جديداً، بفضل التوكيد الذي أكده عليها كيركجارد فأصبحت تدل على ما أنا إياه بصورة أساسية ذاتي). ويقول أيضاً: (إن الواقع قد دخل في تاريخ طويل أبتدأ من بداية غامضة في نتاج كيركجارد). وأيضاً: (ليست كلمة وجود إلا إشارة غايتها أن توجهني نحو هذا اليقين، الذي ليس يقيناً ولا معرفة موضوعية، بل نحو هذا الوجود الذي لا يمكن لأي شخص أن يؤكده لذاته بالذات ولا لذوات الآخرين. ) وكما تبيين من قبل: كان عند كيركجارد كلمة الوجود تعني أساساً للوجود العيني الفريد لشخصية الموجود البشري الفرد. فالموجود أذن هو الجزئي العارض الذي لا يندرج ضمن مذهب أو نسق يبينه الفكر العقلي. أما المذهب الماهوي كما عرّفه كيركجارد في الهيجلية فيحاول أن يسلك الناس والأشياء جميعاً في بنية عضوية يتم فيها تجاوز المتناقضات … فالإنسان يرتبط بداخله، على نحو ينطوي على مفارقة بين المتناهي واللامتناهي بين الزماني والأبدي، والفكر يعجز عن أن يجد في هذا شيئاً ذا معنى أو عن الجمع بين هذين الجانبين، من كينونة الإنسان في كل متكامل، أن الوجود ليس فكرة ولا ماهية يمكن تناولها عقلياً. والحق أن الإنسان يتحول إلى ما هو أدنى من الوجود البشري أن هو سمح لنفسه ولكينونته بأن تستوعب في تخطيط عضوي للوجود، أو في نسق فكري عقلي، بل أن هو سمح لنفسه ولكينونته على وجه الدقة بأن يوجد وجوداً بشرياً وبأن يظهر على أنه شخص فريد على نحو ما هو عليه، وبأن يرفض بإصرار وعناد، أن يستوعبه مذهب ما.

ويقول جابريل مارسيل ( لا يمكن للمرء أن يقول، أن لي بدناً، والبدن ليس أداة، وعلى العلاقة القائمة بين الروح والبدن، والتي لا يمكن تحديدها لأمر من الأمور إنما أنشئت العلاقات الأخرى ما بيننا وبين الموضوعات الخارجية، أنه لا ينبغي لنا أن نفهم العلاقة القائمة بين الروح والبدن، على نمط هذه العلاقات الأخرى، التي هي مشتقة منها خلافاً لذلك. ويرى مارسيل أيضاً ( أنه ما من ماهية عقلية لذواتنا، وإنما هناك ماهية وجدانية، وهي عبارة عن حضور ذاتي لذاتي، ونوع من الماهية المقنعة، كما أن كل قيمة هي ماهية مقنعة ).

ولقد أستخدم هيدجر مصطلحات ثلاثة في محاولة لتجنب الخلط حول كلمة الوجود.

المصطلح الأول فهو يدعوه الوجود المتعين ( الوجود هنا أو هناك ) وهو مصطلح يستخدم عادةً للدلالة على أنواع مختلفة من الوجود ولكن هيدجر يقصر استخدامه على الوجود المتمثل في حالة الإنسان.

والمصطلح الثاني مصطلحاً يقترحه هيدجر هو ( الحضور المباشر أو الحضور في متناول اليد )، يعني أنه شيء يمكن أن يلتقي به المرء في العالم مصادفة.

المصطلح الثالث الذي أستخدمه هيدجر هو (الوجود البشري) وهو تحديد للكينونة، ويخصص للوجود المتعين وحده ويضيف هيدجر فيقول: (أن ماهية المتعين تكمن في وجوده ). أي أنه يعني ماهية الوجود المتعين لا تتألف من خصائصه بل من الطرق الممكنة لوجوده ).

ويعّرف سارتر الوجود على أنه: ( الوجود الفردي العيني هنا والآن ). ومصطلح سارتر ( الوجود لأجل ذاته يعرف من خلال فكرتيّ السلب والحرية، فما هو لأجل ذاته، يظهر في الوجود أو ينبثق، بأن يفصل نفسه عما هو في ذاته وما وجود بذاته وهو وجود ماهوي. أما ما هو لأجل ذاته فهو حر في اختيار ماهيته، لأن وجوده هو حريته ).

ويصور لنا جان بول سارتر في روايته الغثيان، من خلال بطل قصته (روكنتان)، الذي اكتفى حتى ذلك العهد، بأن يراقب الأشياء وكيف هي أو اكتفى، بتعبير أبسط باستخدام الأشياء وهنا هو يكتشف الوجود فجأةً. ( إذن، كنت جالساً في تلك الساعة، على مقعد من مقاعد الحديقة العامة. وكانت جذور شجرة الكستناء تغوص في الأرض، تماماً تحت مقعدي، وكنت قد نسيت أن تلك جذور. وتلاشت الكلمات ومعها معاني الأشياء ووجوه استخدامها، والمرتكزات الضعيفة التي خطها الناس على سطحها. إذن كنت أجلس، منحني الظهر قليلاً منكس الرأس، وحيداً في مواجهة هذه الكتلة السوداء المعقدة، وهي جامدة تماماً تبث الذعر في قلبي ثم ألّم بي فجأةً هذا الإلهام: وكأن هذه الرؤيا قطعت أنفاسي. وقبل هذه الأيام الأخيرة، لم أحس قط بما تعني كلمة وجود، إحساسي بها الآن. غذ كنت كالآخرين، الذين يتنزهون على شاطئ البحر في ثيابهم الربيعية، وكنت أقول مثلهم : البحر لونه أزرق، وهذه النقطة هي بيضاء وهذه هي قبرة تحلق في الفضاء، ولكنني ما كنت أحس بأن هذه الأشياء توجد، بأن القبرة هي قبرة موجودة. أن الوجود يتخفى عادةً ويخبئ نفسه، فهو هنا حولنا وفينا، وهو نحن، ولا نستطيع لفظ كلمتين دون أن نتحدث عنه، وفي النهاية لا نستطيع لمسه، وإذا كنت أظن أنني أفكر فيه، تبين لي أنني لم أكن أفكر في شئ فقد كان رأسي خالياً، أو كان فيه واحدة هي كلمة الكينونة، أو كنت أفكر… ماذا أقول؟ وحتى حين كنت أنظر إلى الأشياء كنت بعيداً جداً عن التفكير في أنها موجودة : إذ كانت تلوح لي وكأنها إطار أو زينة فآخذها في يدي وأستعملها أدوات. وقد أتصور مقاومتها، ولكن هذا كله كان يحدث على سطح الأشياء وفي قشرتها الخارجية دون أن يغير شيئاً من طبيعتها، ثم إليك ما حدث : رأيت فجأةً كل شئ. وكان ذلك جلياً كالنهار. لقد كشف الوجود النقاب عن وجهه فجأة وتخلى عن صيرورته اللامبالية. بوصفه صنفاً أو نوعاً مجرداً. وأضحى لحمة الأشياء نفسها، وهذه الجذور أضحت مغرقة بالوجود.

وقد عبر ياسبرز عن الوجود إضافةً لما ذكرت سابقاً بقوله ( أننا نجد الوجود بوصفه التجربة غير المبنية على تفكير لحياتنا في العالم، إنها تجربة مباشرة وبغير تساؤل : وهي الواقع الحقيقي الذي لابد أن يدخل فيه كل شئ ليصبح واقعياً بالنسبة لنا … إننا لا نتغلب قط على الرهبة التي نشعر بها في عبارة أنا أوجد …

ويشير ياسبرز إلى ثلاث نقاط بخصوص مصطلح الوجود :

1- الوجود ليس لوناً من الوجود بالفعل وإنما هو وجود بالقوة. بمعنى أنني ينبغي إلا أقول أنني موجود بل ممكن. فأنا لا أمتلك ذاتي الآن، وإنما أصبح ذاتي فيما بعد.

2- الوجود هو الحرية … لا الحرية التي تصنع نفسها ويمكن إلا تظهر، وإنما الوجود هو الحرية من حيث هي فقط هبة العلو التي تعرف واهبها. فليس هناك وجود بغير علو.

ج- الوجود هو الذات الفردية التي تظل دائماً فردية والتي لا يمكن الاستعاضة عنها أو استبدالها أبداً.

الصفات الأساسية المشتركة بين الفلسفات الوجودية :

1- تشترك جميع الفلسفات الوجودية، وهي أي هذه الفلسفات على اختلاف أنواعها تنبع من تجربة حياتية يطلق عليها أسم التجربة الوجودية. وأنها تتخذ طابعاً خاصاً عند كل واحد من هؤلاء الفلاسفة. فهي تعني عند ياسبرز الإحساس إحساساً مرهفاً بمدى ميوعة وهشاشة الوجود الإنساني. وتعني عند هيدجر المعنى نحو الموت، وعند سارتر الإحساس بالغثيان والتقزز.

2- هم يجعلون من الوجود المركز الأساسي الذي تدور حوله أبحاثهم. ولأن الإنسان هو وحده الذي يحتوي على الوجود، وأنه هو عين وجوده. وإذا كان للإنسان من ماهية، فأن ماهيته هي وجوده أو هي حصيلة وجوده.

3- لا يمكن إدراك الوجود إلا من حيث أنه وجود آني صائر. والوجود يمر بكينونة متواصلة، فهو لا يسكن أبداً بل إنه في صيرورة دائبة تبدع نفسها عن طريق الحرية، فهو مشروع خلاّق.

4- إن الوجوديين يعتبرون الإنسان ذاتية محضة، وتتخذ الذاتية عند الوجوديين دلالة إبداعية، فالإنسان هو وحده الذي يخلق ذاته بمطلق حريته، لأنه لا فرق عندهم بين الإنسان وحريته.

5- والإنسان عند الوجوديين ليس كائناً انفرادياً، منغلقاً على نفسه كما قد يعتقد البعض، إنه شديد الصلة بالعالم وبالآخرين. وذلك من حيث إنه ماهية ناقصة في حاجة إلى الانفتاح على الغير. فالوجوديون جميعهم يفترضون قيام صلة مزدوجة بين الأنا والغير ويقولون بوجود ارتباط بين الأفراد لأن الارتباط بالآخرين هو الوعاء الذي يضم الوجود الفردي. فنجد إن هيدجر قد أسماه الوجود مع الآخرين. وياسبرز أسماه الاتصال، ومارسيل أسماه اقتحام وجود الأنت.

6- وهم جميعاً يرفضون تمييز التقليدي بين الموضوع والمحمول والذي قالت به الفلسفة العقلانية. فالوجوديون من أشد أعداء المعرفة العقلانية، لأن العقل في رأيهم لا يوصل إلى معرفة حقيقية، فالمعرفة لا تأتي إلا عن طريق ممارسة الواقع أي ممارسته لتجربة القلق، فالقلق هو الموقف الذي يدرك فيه الإنسان قمة تلاشي ماهيته الإنسانية كما يدرك من خلاله مدى ضآلته وضياع موقفه في العالم. ويرى هيدجر إن الإنسان ما ألقيَّ في العالم، إلا ليبدأ مسيرته نحو الموت.

الوجودية المؤمنة والملحدة :

يوجد في الوجودية فوارق عميقة تميز بين فلاسفتها، فيما يتعلق بموقفهم الفكري تجاه الدين. حيث نجد إن كلاً من كيركجارد ومارسيل، يمثلان الوجودية المؤمنة. إن الفكرة الرئيسية في فلسفة مارسيل هي إن الإيمان ليس حالة، من حالات الفكر بوجه عام، وهو لا ينتسب إلى العقل بأي حال من الأحوال، وإنما هو واقعة من وقائع الذات الفردية المتجسدة، ولا يمكن أن يُرَد إلى الأنا التجريبية.

يقول مارسيل : ( إن الحياة الخاصة بالفرد هي وحدها التي تمثل المرآة التي ينعكس عليها وجود اللامتناهي. والعلاقات الشخصية وحدها التي ترشدنا إلى وجود شخص آخر له وجود يتعدى نطاق نظراتنا اليومية. إنه بالإمكان قيام الاتصال بين الأنا والأنت يمكن أن يتصاعد فيصبح تواصلاً مع الأنت المطلق الذي هو الله. والوفاء الحقيقي للغير هو الذي يصعد بنا إلى الله، لأن الله هو الأنت الذي يبادلنا الوفاء دائماً، ولا يتخلى أبداً عن الإنسان، ولا يمكن أن يغدر به. وما الوفاء إلا نداء إلى الله لكي يشهد على وفائنا، ولكي يكون له ضامناً وحافظاً. والوفاء يكون دائماً مطلقاً وبلا أية تحفظات أو شروط، لأن الوفاء المكبّل بالشروط والقيود ليس وفاءً، بل ارتياباً وشكاً، وبالتالي فأن هذا الوفاء المطلق، يرغمني بواسطة طبيعته نفسها على الصعود شيئاً فشئ حتى أصل إلى المطلق الإلهي. وهذه الصلة بيني وبين الله، الذي هو أقرب من نفسي إلى نفسي، هي صلة بين شخصين، وهي بالنسبة لي مبدأ الإبداع الحقيقي، لأنني بالصلاة والدعاء أشارك في منبع وجودي، وفي الحب الذي جعلني موجوداً في اتحاد لا يبلغ مداه التعبير).

بينما نجد الفلاسفة الذين يمثلون الوجودية الملحدة مثل هيدجر التي تعتبر فلسفته ذات طابع إلحادي معروف وأن هو رفض أن يصف فلسفته بأنها فلسفة إلحادية.أما سارتر فهو صاحب مذهب إلحادي صريح. وكذلك نيتشه الذي ارتبطت فلسفته منذ البداية وحتى لحظة جنونه بمشكلة الله. وقد كان أشد الفلاسفة نقداً للمسيحية. ويبدأ نيتشه هجومه على الدين ببحثه في نشأة فكرة الألوهية من الوجهة التاريخية. فيقارن بين تصور الله في مختلف الأديان، وينتهي إلى وجود اختلاف أساسي بين هذه التصورات بما يقضي عليها كلها معاً. وهو يحمل بوجه خاص على تصور الألوهية في المسيحية واليهودية، فهذا التصور مرتبط برغبة الإنسان في معاقبة نفسه، ومرتبط بشعوره بالذنب، وهذه الرغبة والشعور هي التي تتجسم في فكرة الله ذاتها، فتصوره على نحو مضاد للإنسان تماماً، وتنسب إليه من الأوامر ما يقف في وجه الطبيعة البشرية ويعوق سيرها التلقائي. ويعيب نيتشه على الأخلاق المسيحية إنها حطمت كل فكرة عن تجاوز الإنسان لذاته، بأن وضعته في راحة داخلية، ورضى عن نفسه كلها تعد بالنسبة للعظمة الإنسانية أسوأ أنواع تنازل الإنسان عن حقوقه. إذ لا وجود للعظمة إلا في الحرية التي يبني بها الإنسان لنفسه مصيراً جديراً به. لأن الحياة هي الخير الأسمى، وكل ما يدعو إلى الزهد فيها، والقضاء عليها شر وخيم. الحياة نفسها قيمة في ذاتها وهي قادرة على أن تجعل من نفسها غرضاً وغاية….

سورين كيركجارد :

حياته :

ولد سورين كيركجارد في الخامس من أيار 1813 في كوبنهاكن في الدنيمارك. وكان آخر أبناء والدين تقدمت بهما السن، فقد كان أبوه في السادسة والخمسين من العمر، وأمه في الرابعة والأربعين، عندما ابصر النور. وقد كان الفيلسوف في شبابه شديد التأثر بأبيه، وكان أبوه شخصية غنية ومضطربة معاً. وكان أبوه يدعى مايكل بدرسن كيركجارد وقد عمل في بداية حياته راعياً صغيراً في كوتلاند وكان غاضباً ومتمرداً على قسوة الحياة عليه، وأنعكس ذلك بثورة عصيان على الله في مشهد جدير بأسفار العهد القديم. وبعد أن لعن الله ذهب ينشد الثروة في العاصمة وقد أصاب بعض النجاح من جراء عمله بالبقالة. وحين بلغ الأربعين أعتزل العمل، وتفرغ بقية حياته طلباً للثقافة العامة. وقد أنتابه شعور بتأنيب الضمير، بسبب لعنته وتمرده على الله. وبعدما تزوج من خادمته بعد وفاة زوجته الأولى. قد زاده شغفاً بطلب الحقيقة الدينية.

وكان أبنه سورين يرجح صحبة أبيه الذي كان يكشف له عن مسيحية مليئة بالقلق على الحياة مع أمه وأخوته. وكان أبوه يلاعبه بما يهيج خياله بإسراف. لقد كان طالباً متحرراً جداً وذا مال كاف، عاش بين 1830 – 1838 حياة سطحية مضطربة. لقد كان شغوفاً بالمسرح وقرأ لكثير من الشعراء. ولكنه تأثر بالإبداع الفلسفي لدى فخته وشيلنج وخصوصاً هيجل.

لقد أحب فتاة وخطبها تدعى ريجينا أولسن ابنة مستشار المحكمة. لكنه سرعان ما تخلى عنها وفسخ خطوبته، عندما وجدها عائقاً في طريق رسالته التي كان يقول أنه يحملها. وأن هي تركت أثراً كبيراً في نفسه وفلسفته، ونجد صورة ريجينا تسود كل مؤلفاته. وقد ألف العديد من الكتب، التي ساد فيها الجانب الوجداني والذاتي، في رؤيته ومعالجته للحياة. وفي آخر حياته وقع فريسة للمرض نقل على أثرها إلى المستشفى، وقد مات بعد شهر من العذاب وكان في11 تشرين الثاني1855.

منابع الوجودية الكيركجاردية :

من المؤكد إن مؤثرات كثيرة خارجية وعارضة قد أثرت على فكر كيركجارد. أن فكرة تشكّل بتمّثل عناصر غريبة عنه أقل مما تشكّل بالغوص المستمر الدائب في أعماق شخصيته الخاصة وبالتنبه الذي لم يزل يزداد اتساعاً وإلحاحاً. لا بأحوال الوجود بوجه عام لأحوال وجوده الخاص. كان هناك رد فعل من جانب مزاجه، وفرديته كما تحققت في ذاتها إزاء المؤثرات التي كان ينؤ بها فكره، بل إن فلسفته هي ذاته تماماً، ذاته على نحو ما إرادي يجري على نسق. لدرجة أنه يجعل من الفرد كفرد ومن الإدراك الواعي لهذا الوجود الفردي، الشرط المطلق، للفلسفة بل الفلسفة في جملتها.

لقد كان كيركجارد يردد منذ بداية حياته الفكرية حتى نهايتها، بما يكتب في يومياته قائلاً : إن مسألة المسائل هي ( أن أجد حقيقة… حقيقة… ولكن بالنسبة إلي، أن أجد الفكرة التي من أجلها أريد أن أحيا وأموت ). ولم يكن كيركجارد يستطيع أن يتصور حقيقة تظل خارجة عنه، حقيقة لا تكون إلا مشاهدة لروحه. ( الحقيقة هي ذات الحياة التي تعبر عنها : هي الحياة في حالة الفعل ). بهذا المعنى نستطيع، أن ندرك قيمة النصوص العديدة التي يعلن فيها كيركجارد أن مؤلفاته كلها ليست سوى تعبير عن حياته الخاصة. وهو يقول ( أن مؤلفاتي كلها تدور حول نفسي… حول نفسي وحدها ولا شئ سواها. ويضيف قائلاً : ( إن إنتاجي كله ليس سوى تربيتي لنفسي ).

ويقول كيركجارد أيضاً ( أنا أفكر، أذن فأنا غير موجود وذلك في مقابل النزعة العقلية الديكارتية. فالحقيقة هي الوجود نفسه، في واقعية الفريد الذي لا سبيل إلى التعبير عنه أو التنبه للوجود حين يتحد الوعي بالوجود نفسه. والجهد الذي يبذله الآخرون لنسيان أنفسهم، يبذلونه هم لمعرفة ذواتهم معتقدين أنهم بمعرفتهم أنفسهم معرفة لا تزال تزداد عمقاً. سيعرفون كل ما يبقى بعد ذلك عن معنى الإنسان والعالم والله على السواء). وعند كيركجارد أن شغله الشاغل هو الإنصات إلى همسات أفكاره، وملابسات إيقاع حياته الباطنية. وفي رسالة بعث بها إلى بيترلند يصف ميزة هجر أصدقائه له بعض الشيء حيث يقول: ( أن صمتهم ملائم لمصلحتي، من حيث أنه يساعدني أن أسدد نظري إلى نفسي، ويحفزني إلى إدراك ذاتي… تلك الذات التي هي لي، وأن أحافظ على ثباتي وسط تغير الحياة بنظرة فيها الحياة خارج ذاتي… ويضيف قائلاً: أن هذا الصمت يعجبني، إذ أرى نفسي قادراً على بذل هذا الجهد، واشعر بأنني كفأ للإمساك بتلك المرأة، أياً كان ما تطلعني عليه، سواء أنه مثلي الأعلى أم صورتي الهزلية).

ويرى أن الفلسفة تتلخص في إدراك المطالب الحتمية التي يقتضيها الموجود الصحيح لا الزائفة إدراكاً بواسطة الغوص في أعماق وجوده الخاص. وهكذا تصبح الذاتية معيار الموضوعية.

مراحل الوجود :

1- المرحلة الجمالية :

يتسم الواقع الإنساني ويقصد به أن تكون حياة الإنسان خاضعة للّذة والشهوة والتمتع بكل ما هو حسي. وهذا المستوى من مستويات الحياة الجمالية وبإرضاء الجوانب الحسية، ومثاله صفات السيبياد بطل المتعة الفورية، والرغبة التي تمنح دون جوان قوة هواه ومبدأ إغرائه، من الطاعة الشهوية. ينبغي لدى كل امرأة هو الأنوثة الكاملة. ونجاحه يرجع لهذا الإضفاء المثالي الذي يسقطه على ضحيته. لكن يأخذ المستوى الجمالي بالتآكل تدريجياً حيث تكون الرغبة بوصفها مطلقاً متوحشاً، وخواء المتأنق على الصعيد العاطفي، ودافع العناء الغرامي. وينتهي بالباحث إلى أن يتساءل في نهاية التحليل أليس أسعد هؤلاء الأفراد المشغوفين بطلب اللذة الذي يعتبر أشقاهم: إنه المعتزل الذي لم يعش حقاً، اقتصرت حياته على إسقاط هذه الإمكانات المختلفة.

2- المرحلة الأخلاقية :

ويقصد به أن تكون حياة الإنسان مستهدفة لتحقيق الخير وقواعد الأخلاق، وأن يكون قادراً على اتخاذ القرار، وعلى أن يختار أما هذا أو ذلك، بعد أن يكون قد تحرر من عبودية الجسد والمادة التي تميز الحياة في المرحلة الجمالية.

لأن الحب الأول المتفتح في الزواج هو حقيقة الإنسان السوي الأخلاقية، إنه تركيب الحرية والضرورة: إن أحد العاشقين يشعر بأنه منجذب للآخر بقوة قاهرة، ولكنه بوجه الدقة يمنح وعي حريته من هذه الحال أن هذا الحب تركيب العام والخاص، وهو يحتويهما كليهما حتى تخوم الصدفة. وبهذا الاعتبار فأن الحب الأول حب دقيق وأكثر سلامة وأوفر حظاً بأن يكون أول حب صحيح. الحب الأول ينطوي إذن على ثقة مباشرة. ولكن الأفراد الذين يشعران به يلقيان فوق ذلك نمواً دينياً. عندما يحمل حب بائس الأفراد على اللجوء إلى الله وعلى طلب الطمأنينة في الزواج. إن الحب الأول هو حب يشوه طبيعته، ومن البين إن العاشقين قد ألفا ترك كل شيء لله. إن الحب الأول يعوزه المثل الأعلى الثاني، المثل الأعلى التاريخي: أنه لا يتضمن قانون الحركة إذا كان الإيمان بالحياة الشخصية أن يكون إيماناً مباشراً، فأن الإيمان الذي يقابل الحب الأول قد يحسب، من جراء الوعد، بأنه قادر على رفع الجبال، وتحقيق المعجزات. أن الحب الزوجي يملك هذه الحركة لأن عزمه يتجه شطر الداخل. ويدع في المجال الديني، يريد بعزمه التعاون مع الله. وأن يناضل من أجل ذاته، ,إن يغزو ذاته بذاته مع زمان الصبر.

3- المرحلة الدينية :

هو الذي نخاطر فيه بالقفز في المجهول، والذي يقضي على اليأس والقلق الذي يكون فينا بفضل الإيمان بالله. ( إن المرحلتين الحسي والأخلاقي يقودان الإنسان المشخص إلى الحقيقة المتعالية المتسامية عن الطبيعة أي إلى الله الذي نتعلق به خلال المرحلة الدينية).

إن أعمق واقع ليس الذاتية الزائفة للنزوات الجمالية، ولا الموضوعية الزائفة للتأمل الهيجلي، بل الذاتية المأساوية للمستوى الديني. لقد تعذر البرهان نظرياً على وجود الله. أليس مسعى البرهان على وجود نابليون بالانطلاق من أعمال. لكن أعمال لا نستطيع البرهان على وجوده، اللهم إلا إذا طرحنا وجوده في ضمير الغائب الذي يعود عليه. فليس بين نابليون وبين أفعال علاقة مطلقة تتيح القول بأن أي فرد آخر لم يكن في وسعه أن ينهض بتلك الأعمال: إذا نسيت هذه الأفعال لنابليون يكون البرهان ناقلاً مادمت أسميته. ولكنني إذا كنت أجهل فاعلها فكيف أبرهن أن فاعلها نابليون ؟ وكل ما أستطيع أن أؤكده أن مثل هذه الأفعال لابد إنها من صنع قائد عظيم. وبالمقابل توجد بين الله وبين أفعاله علاقة مطلقة، لأن الله ليس اسماً، بل مفهوم. ومن هذا تتضمن ذاته وجوده.

ومن الضروري البرهان على إله شخصي عن طريق الإيمان. وليس الدين، كذلك عاطفة، بل هو تعبير صحيح عن المرضي الجمالي: وأن احترام هدف مطلق يتجلى فيه، بتحول الوجود تحولاً تاماً. ولكن هذا التحول الذي يتناول الوجود بالمرضي الديني إنما هو تحول داخلي كله. الخطيئة نظام واقع ينظم من تلقاء ذاته. واليأس الفضيحة وجدل الإيمان، إنه جدل الخلاص الحقيقي هو الألم أمام الله.

جان بول سارتر :

حياته :

ولد سارتر في 21 كانون الثاني عام 1905 وكان والده بحاراً توفى في الهند الصينية وهو صغير. فتولى جده لأمه تربيته. وكان مدرساً للغة الألمانية في مدرسة هنري الرابع الثانوية في باريس. وتعلم سارتر بمدرسة سان روشيل ثم في المدرسة الثانوية التي كان جده مدرساً فيها. والتحق عام 1924 بمدرسة المعلمين العليا ثم حصل على الأجريجاسيون في الفلسفة عام 1939. وعمل مدرساً في كل من ليون والهافر. وقد طلب في التعبئة العسكرية عام 1939. حيث أرسل إلى خط ماجينو المشهور في الحرب العالمية الثانية. وخدم كجندي في الوحدة الطبية، ووقع في الأسر وبقي فيه مدة تقارب السنة وبعدها أفرج عنه.

وقد لاح في أعين كثير من القراء أنه أقل الكتّاب الفرنسيين المحدثين ارتباطاً بفرنسا فالإنسان مدفوع إلى القول بأنه ألماني من المتزمتين، والحق أنه من منطقة الإلزاس. وكان سارتر قصير القامة ربعة، ومعتاد على التدخين بالغليون، وملابسه مهملة، وهو قبيح، ولكنه ذو تأثير كبير للغاية بسبب حضوره المتوتر الرجولي القوي الدافع، أنه رجل يلوح إنه يحترق بالتوتر العقلي والأخلاقي. وقد توفى عام 1980.

لقد كانت رواية الغثيان الرواية الأولى لسارتر نقطة البداية في فلسفة النفي والعبث. وكانت موجهة ضد الفلسفة التقليدية، فلسفة الإثبات والقيمة. والمحور الفكري لهذه الرواية التي تمثل منشوراً فلسفياً حقيقياً يدور حول القول بأن العالم لا معنى له من حيث أنني كإنسان ليس لي من هدف أسعى وراءه فيه.

والتجربة الأثيرة عند سارتر تلك التي قدم لنا تحليلاً لها في الغثيان، تكشف لنا عن عالم قريب جداً من عالم هيدجر. فهيدجر في كتابه ما هي الميتافيزيقا؟ كتب يقول: ( أن الجزع العميق الذي ينكشف لنا كلما امتددنا بجذورنا في أعماق الوجود كما لو كان ضباباً صامتاً من شأنه أن يغلف الأشياء والآخرين بصورة غريبة ويغلفنا نحن أنفسنا بلامبالاة شاملة. وهذا الجزع هو الذي يكشف لنا عن الوجود في طابعه الشمولي ).

يرى سارتر أن تجربة الغثيان قيمة ميتافيزيقية، فهي تكشف لنا عن صميم الوجود وهي من هذا الوجه تتيح لنا رؤية جديدة لعالم الأشياء والإنسان. ولقد قدم هيدجر في مؤلفاته الإطار العام لميتافيزيقا الوجود هذه، وعاد سارتر في كتابه الوجود والعدم، إلى تناول الموضوعات الجوهرية التي عالجها هيدجر، مع مناقشتها وتصحيح بعض عناصرها.

ولدى سارتر نوعين من الشخصيات يتخذ كل نوع منها موقفاً مختلفاً إزاء القلق. فثمة نوع يقاوم انطباعات أو ميولا أو دوافع يرى الناس الذين نسميهم أسوياء أنهم مجبرون على كبتها، وهم يلومون أنفسهم في الوقت نفسه على أنهم لم يفعلون، وهناك نوع آخر يستسلم لها كلية، لا عن سلبية خالصة، بل عن تصميم راسخ على أمل الوصول بذلك إلى حقيقة لا يستطيع الرجل السوي أن يبلغها. ويتفق سارتر مع هيدجر في أن الحرية تتكشف للإنسان بواسطة القلق، فالقلق هو كيفية وجود الحرية باعتبارها شعوراً بالوجود، وفي القلق تكون الحرية في وجودها،فالأنا التي أكونها الآن تعتمد، في نفسها على الأنا التي لم تتحقق بعد، كما إن الأنا التي لم تتحقق بعد تعتمد على الأنا التي أكونها الآن لأن مصيري أو مستقبلي الخاص، أو ماهيتي التي تتكون وفقاً لأفعالي الحالية والمستقبلية. لكن الإنسان يسعى دائماً إلى الهرب من القلق الذي يفرض عليه هذه الضرورة الدائمة من اللحاق بما وراء ذاته، نحو مستقبل هو نفسه في حالة هروب مستمر. وهذا الهروب هو ما يدعوه سارتر بسوء الطوية الذي يمكن أن نقارنه بفكرة السقوط أو الابتذال أو الوجود الزائف عند هيدجر.

وليس الغثيان سوى هذا الشعور بالاختناق الذي يسببه ذلك الكشف للوجود كأنه شيء يأخذك من كل جوانبك بغتة، شيء يتوقف من أجلك، ويثقل على قلبك كأنه حيوان ضخم لا يتحرك. إن القلق يكشفني لذاتي باعتبارها شعوراً، وبهذا يقنعني بأن ثمة لعباً في الوجود، وأن العدم يطارد كينونة الوجود.

هذا الكشف هو الذي حاصر بطل رواية الغثيان: أنطوان روكنتان فقد تسائل يوماً عن مبررات حياته، وسأل نفسه عن كينونته وعن ماهية الكون الذي يحيط به فكان هذا كافياً لأن يصبح نهباً لشعور من الحصر النفسي والانغلاق والغثيان.

والغثيان هو الشعور الذي نحس به أمام الواقع عندما نصل إلى معرفة إنه يفتقر إلى مبررات وجوده، وإنه منغلق. وابتداءً من اللحظة التي أحس فيها روكنتان أن حياته لا هدف من ورائها وإنه يسعى فيها إلى غير غاية، وإنها فقدت معناها عرف إنه أصبح موجوداً كما يوجد الشيء أو الموضوع. لأن الأشياء والموضوعات والعالم قد فقدت كلها في نفس الوقت معناها. ( لقد تلاشت الكلمات وتلاشت معها دلالة الأشياء، وتلاشت معها طرق استعمالنا لها ).

وانقطعت الأشياء، والأوصال بين الأشياء والعقل. لم يعد لشيء مغزى، وبدأت كل هذه الأشياء التي فقدت مسمياتها تترنح بلا مبرر: ( كل شيء وجوده مجاني، هذه الحديقة، هذه المدينة أنا نفسي. وعندما نأخذ هذا في اعتبارنا، سيصيبنا دوار الرأس، ويبدأ كل شيء في أن يطفو ذلك هو الغثيان. وهذا هو ما يحاول القذرون أن يخفوا الحقيقة اعتماداً على فكرة القانون أو الواجب، مع إن وجودهم مجاني تماماً كوجود الآخرين، إلا أنهم لا يحنون أن يشعروا بأنهم زائدون عن الحاجة ).

الحرية :

إن الحرية تعتبر من أهم القضايا التي تبحثها الفلسفة الوجودية، وتهتم بها. وهي عند الوجوديين عامةً تعتبر الوجود الإنساني نفسه. وهي ضرورة، لكي يحقق الإنسان وجوده. وهي من أهم المرتكزات عند سارتر، فهو يرى إن الإنسان حر، وأن له الحق، أن يكون (هوهو). وأن الحرية الإنسانية التي يتحدث عنها سارتر تأتي إلى المرء من الشعور بأنه غريب عن العالم اللامعقول هذا. الذي يحس فيه بأن مظاهره وحواسه متعارضة مع رغبته الحادة المالية إلى الإيضاح، والتي لا تزال دعوتها تجلجل في قلبه بصورة لا تغالب. ومن ثم فهو يشعر بنفسه في هذا العالم كأنه منفي. وتبرز هذه الفكرة في وضوح عند أحد أبطال رواياته (دروب الحرية) ماتيو، حين يفكر في الانتحار فيقول ( أني لست شيئاً وليس لدي شيء. وأني غير قابل للانفصال عن العالم كالنور، إذ أي منفي مثله حين ينزلق على سطح الماء والحجر دون أن يعلق به شيء… أنني خارج الماضي، خارج نفسي إن الحرية هي المنفي، وأنني مقضيّ علي بأن أكون حراً).

ويترتب على هذا حقيقتان هامتان أولاهما: أن الإنسان بما هو إنسان لا طبيعة له وليست له ماهية محددة بل أن ماهية هي الحرية نفسها أي إنها هي اللايقين. وثانيتهما: إن المتواجد لا يسبق الماهية فقط، بل إن ماهية الوجود، لذاته هي وجوده.

وتكشف الحرية عن نفسها خلال القلق، فالقلق هو وعي الإنسان لوجوده المحض الذي يخلق نفسه من حيث إنه عدم، أي إن وجود الإنسان يخلق نفسه من الحرية، فهو يهرب من القلق، وهو بهروبه هذا يحاول أن يفلت لا من حريته فحسب، أي أنه لا يتلهف فقط على بلوغ المستقبل، بل أنه يحاول أن يفلت من ماضيه أيضاً. ذلك لأن الإنسان يتمنى لو أنه في استطاعته إدراك هذا الماضي باعتباره مبدأ لحريته، في حين إن هذا الماضي قد سبق له وانتهى تماماً، وصار جامداً وغريباً عن صاحبه. غير إنه يستحيل على الإنسان الخلاص من القلق، لأن الإنسان يعتبر نفساً قلقة. ويقول سارتر ( إنني أجد نفسي مضطراً في نفس الوقت الذي أريد فيه حرية الآخرين، إلى أن أريد حريتي ).

إن على الإنسان أن يفعل، وأن يفعل دائماً فبغير الفعل لن يكون ثمة وجود. ( فالآنية ليست أولاً لأجل الفعل، ولكن الوجود بالنسبة إليها هو الفعل، والتوقف عن الفعل هو توقف عن الوجود ). والاختيار يقتضي بدوره الحرية، فلا اختيار حيث لا حرية. فوجود الإنسان لا يتحقق إلا بالفعل والإنسان لا يستطيع أن يفعل إلا إذا أختار، فالموجود الحر فقط هو الذي يختار وبدون هذه الحرية ينعدم معنى الاختيار. ويرى ( إن الشرط الأساسي الذي لا غنى عنه لكل فعل هو حرية الموجود الفاعل، والفعل هو التعبير عن الحرية ).

ويضيف سارتر ( إن الحرية ليست صفة مضافة أو خاصية من خصائص طبيعتي، إنها تماماً نسيج وجودي ).

الوجودية(6)

 الوجودية هي تيار فلسفي يعلي من قيمة الانسان ويؤكد على تفرده، وأنه صاحب تفكير وحرية وارادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه.

يعتبر "سورين كيركجورد" (1813 - 1855م) هو مؤسس المدرسة الوجودية، من خلال كتابه "رهبة واضطراب".

ومن أشهر مفكريها: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي، والقس جبرييل مارسيل الذي يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والمسيحية. بالإضافة إلى الفيلسوف الألماني كارل جاسبرز والمفكر الفرنسي بسكال بليز، وكل من بيرد يائيف وشيسوف، وسولوفييف في روسيا.

يؤمن الوجوديون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة. كما يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته.

ويرون أن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان. ويقولون إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.

كما يؤمن أصحاب الفكر الوجودي بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء. وأن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.

لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.

جاءت الوجودية كردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين. وتأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.

كما تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك"، وبالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس..

الوجوديه من الموضـة إلى الظل(7)

 

  

في ذكري ولادته قبل مئة عام ورحيله منذ ربع قرن يعود الحديث عن جان بول سارتر فيلسوف الوجودية الأشهر ليتصدر المشهد الإعلامي والثقافي في دول العالم وبلده فرنسا خاصة والتي تعد لتلك المناسبة منذ عام كامل حيث افتتحت المكتبة الوطنية الفرنسية معرضا خاصا به‏,‏ ليبعث من جديد فارس الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي علي ساحة الأدب والفلسفة‏.‏ وتثير تلك الاحتفالية عدة أسئلة أهمها‏:‏ ماذا تبقي من وجودية ساتر؟ وهل لها مع المتغيرات العالمية المتلاحقة من وجود أو مستقبل أم تحولت إلي تراث إنساني وحسب؟ ولماذا فتن به المثقفون العرب في الخمسينيات والستينيات هذه الأسئلة كانت محورا لهذا التحقيق‏.‏

في البداية يحدثنا المفكر والكاتب محمود أمين العالم وهو أحد المفكرين القلائل الذين التقوا بسارتر وتحدثوا معه وعنه في مصر وباريس‏.‏

يقول‏:‏ لابد من التنويه أولا بأن لجنة الفلسفة في المجلس الأعلي للثقافة قررت الاحتفاء بسارتر في ديسمبر القادم مع ترجمة بعض أعماله التي لم تترجم إلي العربية وهو كتاب نقد العقل الجدلي وهو كتاب كبير من جزءين‏,‏ وستتم دعوة بعض الكتاب الفرنسيين والمفكرين العرب‏.‏ إما إذا تحدثنا عن سارتر فالسؤال الذي نبدأ به‏:‏ ما وجودية سارتر‏..‏ نقول إنه بدأ متأثرا بالفلسفة الألمانية وخاصة هيدجر‏..‏ وهنا بدأ سارتر يقدم الوجودية مركزا علي الجانب الروحي ثم الكتابة عن الجانب الحسي الشعوري والحرية الذاتية‏..‏ وقد بدأ يتجه إلي حد ما نحو الماركسية لكن بمفهوم خاص ويحفل كتابه نقد العقل الجدلي بميل خاص للماركسية‏.‏

أيضا لا نغفل التفاعلات التاريخية في لحظة معينة لها تأثيرها فقد كانت هناك محنة الحرب العالمية ومأساة الفاشية والنازية واحتلال فرنسا العظيمة وحالة الفوضي العارمة التي عمت العالم‏,‏ وكان هو ضحية لكل هذه التفاعلات حيث تم تجنيده بل أسره لعدة أشهر مما كان له الأثر في فلسفة سارتر التي تمجد الفرد والحرية وكنا نحن في مصر أيضا نتوق إلي الحرية بعد الحرب العالمية الثانية‏.‏ ويقول العالم‏:‏ لكن الذي أغفله سارتر هو الأسس الاجتماعية للحرية فالجحيم ليس الآخرون كما يقول لكن الإنسان لا غني عنه عن الجماعة باختصار الإنسان الجماعة وليس الإنسان الفرد إذن هو التزام فردي وجماعي‏,‏ وقد ضمنت ذلك في كتاب معارك فكرية‏.‏ وينقلنا الدكتور عاطف العراقي أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة إلي زاوية أخري قائلا‏:‏ سواء اتفقنا أم اختلفنا مع سارتر حول بعض آرائه فإنه بلا شك في طليعة المفكرين الذين مزجوا بين الحس الفلسفي والحس الأدبي وهذا ما أدي إلي شهرته وانتشاره بين جميع المثقفين سواء في العالم الغربي أم العالم العربي بالإضافة إلي أنه كان ناقدا بعنف لكل الاتجاهات التي تقلل من حرية الإرادة وكان هذا علي عكس ما قاله ديكارت أنا أفكر فأنا موجود أما سارتر فقد عكس هذه المقولة بحيث تصور الوجود قبل الفكر ونظر إلي الإنسان علي أساس أنه هو الذي يصنع وجوده‏.‏

ويقول د‏.‏ العراقي‏:‏ إن كتابة سارتر للعديد من الكتب والمقالات والمسرحيات أدت إلي ذيوع أفكاره بمعني أنه لم يكن قابعا في برجي عاجي بل كان ينتشر بين مرتادي المقاهي في فرنسا ورواد المسرح‏,‏ وقد رأي فيه المثقف العربي ـ الذي يعاني من كثير من القيود في مجالات عديدة منها ما يرتبط بالأسرة والمجتمع ولعل هذا يؤدي بالمثقف إلي أن يتصور ـ أن الخلاص إنما يتمثل في فكر سارتر‏,‏ وفوق ذلك انتشرت أفكار سارتر في عصره لأن المثقفين قد ضاقوا بالمذاهب الفلسفية التي لا تعد معبرة عن قضايا الإنسان بالإضافة إلي الرغبة في التجديد ولو بنوع من التجربة الجديدة ورفض أي قيود خاصة ما كان موجودا في المعسكر الاشتراكي والشيوعي والماركسي والذي يلغي الحرية للفرد والشعوب‏.‏ ويكشف الدكتور عصام عبد الله أستاذ الفلسفة المساعد في جامعة عين شمس النقاب عن حدث مهم في تاريخ العالم الحديث قائلا‏:‏ سارتر أكثر فيلسوف عبر عن ثورة الطلبة في‏1968‏ فقد تنبأ بكل ما حدث بل كان دافعه الأول وثار الطلبة في فرنسا وفي أوروبا وذلك معناه انهيار مفهوم الدولة بصيغتها التقليدية كما رسمت حدودها ومعالمها في معاهدة ويستفيليا في عام‏1648‏ بموجب هذه المعاهدة كان التظاهر يتم في إطار مؤسسي يعني داخل الجدران‏,‏ ولكن الطلبة خرجوا إلي الشارع وهناك سقطت شعارات ماركسية وغيرها‏.‏

لم يكن ملهما فقط فقد كان هو نفسه أول من غير من الاتجاه الماركسي فقد كان أشبه بالنبي وكانت بين الناس كتبه ورواياته وكلها تتنبأ بما ستصل إليه الأمور في ظل الاستقطاب الروسي الأمريكي للعالم‏.‏

أما الفلسفة الفرنسية السارترية فقد كان ثلثها أدبا والثلث الثاني فلسفة والثلث الأخير سياسة وقد كان لسارتر عبارات أدبية ملهمة مثل جلسة سرية‏,‏الجحيم هو الآخرون وذلك فتح بابا للحداثة في الأدب بمختلف فنونه‏.‏

أما لماذا تعلقنا في الشرق بسارتر؟‏!‏ فالإجابة ليس تأثير سارتر لكن قد كان بداخل كل منا سارتر معنوي بغض النظر عن الاسم فقد ظهر في فترة كانت فيها حركات التحرر الوطني والشباب هي وقود الثورات والحرية وقد كانت أفكار سارتر هي الهوية التي يبحث عنها الشباب‏.‏

ويضيف عصام عبد الله قائلا‏:‏ إن سارتر عاش ليس لأنه الأهم في الخارج ولكن لأن النظام يقبله‏.‏ من جهته يقول صلاح الدين عبد الله الباحث في فلسفة وتاريخ الأديان‏:‏ لاشك أن النظر إلي سارتر كجزء من تاريخ الفلسفة هو ظلم له وللفلسفة في وقت واحد‏,‏ ظلم له حين يسأل عما لا يدخل في زرعه من قضايا الانطوجيا والميتافيزيقا وظلم للفلسفة حين يتسع إطارها إلي حد أن يستوي داخلها المتفلسف والفيلسوف فالأجدر أن يحسب سارتر علي تاريخ الأدب الفلسفي شأنه في ذلك شأن ألبيركامي ومارسيل بروست وكل أولئك الذين لهم خطرات فلسفية يضمنونها أعمالا أدبية‏.‏ وإذا كان كثرة من دارسي الوجودية وأشياع سارتر يصرون علي أن يروا أعماله الأدبية انعكاسا تطبيقيا لنظرياته الفلسفية فإنني أري أن كتبه الفلسفية مجرد إطار مترهل لأعماله الأدبية والدليل الأول هو ذلك التناقض الفادح الذي يقع بين كتبه التنظيرية كما في كتابيه ما الأدب والمخيلة والدليل الثاني أن سارتر في عرض آرائه وتصوراته لم يكن يلوذ بالبرهنة المحكمة بل كان يلقي أقواله كما لو كانت كلاشيهات معدة سلفا‏.‏

الآن وبعد وفاة سارتر بربع قرن ووسط متغيرات عالمية متلاحقة ومذاهب فلسفية متباينة‏,‏ يواجهنا سؤال ماذا بقي من وجودية سارتر فهل نحن في حاجة إليها أم أصبحت تراثا إنسانيا فحسب‏,‏ وكانت الإجابات متباينة‏.‏

المفكر محمود أمين العالم يقول‏:‏ تبقي الأفكار ما بقي الإنسان ولكن هناك مراجعات فكرية وفلسفية ربما تصلح فلسفة ما لفترة ما ولكن لا تصلح لغيرها لاختلاف الظروف والمعطيات‏,‏ وأفكار الحرية والانتصار علي الظلم لا نهاية لها لأنه لا نهاية للظلم‏,‏ ولكن ما يفقد بريقه من سارتر ويحتاج إلي مراجعة هو حالة الانكفاء علي الفرد فالعالم أصبح غرفة واحدة وليس قرية كما يقال‏,‏ والمشاركة الإنسانية أصبحت ضرورة مهما كان الجحيم هو الآخرون فلابد من الآخرين‏.‏

ويقول الدكتور عصام عبد الله‏:‏ إننا ندخل علي منعطف جديد فكرة الآخر فيه تتصدر المشهد في عصر يهمل ولا يمهل يتطلب أن نتجدد وإلا سنتبدد ولا يمكن أن نقول أفكار فلان وعلان فذلك ليس هو المناسب لما هو قادم ففكرة الثورة والتمرد تضمحل رغم الصراخات والثورة الديمقراطية القادمة‏,‏ هل نعلم أن‏40‏ شركة في العالم هي التي تصيغ القيم وثقافات العالم؟‏!‏ فالعولمة هي التي تحدد الهوية وأتصور لو كان سارتر يعيش بيننا الآن ما كان له هذا الطرح القديم الذي نادي به قضية الآخر هي القضية المحورية وليس الجحيم هو الآخرون‏,‏ ولكن يبقي من سارتر ومضات ولمحات ليست فلسفية ولكن إنسانية في سياق التاريخ الإنساني‏.‏

ويقلب الدكتور حسن طلب ظهر المجن ـ كما يقول العرب ـ قائلا‏:‏ المذاهب لا تموت هكذا يقول الفكر الإنساني ويمكن الآن أن نعود إلي أرسطو وأفلاطون ونطورهما‏,‏ نعم الفلسفة تعبير عن الإنسان وجوهره و يظل من كل مذهب شيء وسارتر هنا هو الرابح في هذا المضمار الوجودية كتيار فكري يحمل لواء فكرة الفرد يجب أن يبقي وبخاصة أننا نعيش في مجتمعات القطيع ونري من ينوب عن‏70‏ مليونا في تأييد كذا أو رفض كذا وذلك ليس معناه الموافقة علي فكرة الجحيم هو الآخرون فذلك مبالغة في الوقت ذاته نحتاج دائما إلي فكرة الحرية وأن الإنسان يستطيع أن يشكل مثله العليا وأن يشكل وجوده‏,‏ لأننا مازلنا نعيش حياة الراعي والرعية بالمعني الحرفي الذي يجعل الكل في واحد‏,‏ وهذا سبب تفرد سارتر ويبقي من الوجودية مقاومة الفلسفة للأبراج العاجية فلسفة الصورة المتعالية المتعجرفة‏,‏ مازلنا نحتاج إلي فيلسوف بصورته الوجودية من أجل حرية الإنسان وقد ترجم ذلك في كتابه الاستعمار الجديد في عام‏1964‏ وهاجم الغرب وبشر بنهاية الاستعمار وهلاكه وهذا ما ينطبق اليوم علي أمريكا في احتلالها للعراق ـ كمثال ـ وإذا كان من الضروري قراءة سارتر مقرونا بظروف مجتمعه والحرب التي خرج منها أكثر إحباطا وكتب الغثيان إلا أن الوضع الحالي في بلادنا العربية يدعو إلي شيء من الأمل لمواصلة الكفاح للحصول علي الحرية فلن يمنحنا أحد ذلك بل إن الحرية الممنوحة مسخ لا يمكن أن يسمي حرية‏..

الوجوديه ما لها وما عليها(8)

قامت الوجوديه كرد فعل مذهبى يهتم بكيان الفرد اولا واخيرا ولا تعنيه النظرة الشموليه التى تطالب المجتمع كافة متحدثة بصيغة الجمع المطلق.. قامت الوجوديه كمذهب يحفظ للفرد كيانه الذاتى "المكرّم" و يعرفه بحقوقه وواجباته بين بنى الانسان

ولكن تنحدر الوجوديه " كما عادة المناهج والافكار" بانحدار مريديها وربما تصل الى ضرب من ضروب الاباحيه المفرطه والانقياد الاعمى للشهوات .. وهى بهذا تنحرف عن كونها تكريم للإنسان..وتتجه لتكريم شهواته بدوافع من الانانيه المفرطه لكنها فى الاصل الفكرى ربما تختلف كليا عن ذلك..

ولأن الافكار ليست مقدسه كما انها ليست معلومة المصدر بالتحديد لذا يكون الحكم عليها غالبا من خلال معتنقيها او مبدعيها الاوائل ...

و من الوجوديه التى استحقت الانكار..هى التى الغت الوجود الانسانى الفردى وهى بهذا تقطع روابط وجود الانسان ووجود الكون من حوله .. ويعتبر هذا كضرب من ضروب العدميه .. او الاتحاد الذى وقع فيه بعض سالكى الصوفيه عبر عن ذلك فيلسوف ذلك العصر وشاعره "برتراند رسل" حينما قال:

** فى صحراء شاسعة الاطراف ... فراغ واسع من الرمال ... ذهبت ابحث وانقب عن الطريق المفقود ... الطريق الذى لا أصل له ... تتيه روحى هنا وتتيه هناك ... وكلما بحثت لا اجد شيئا ... تلك الرمال الرتيبه المحزنة ... التى تمتد الى نهاية الافق واسمع صوتا ف النهايه....صوتا صاعقا يحلو او حلوا يصعق...يقول لى اتحسب انك روح ضائعه... انت لست بروح ... انت لست بضائع ... انت عدم انت غير موجود **

وهذا المذهب يدين بأن الالم والخجل يخلقان الشعور بالضمير .. فالضمير موجود وصاحبه عدم ,,, وهذا الشاعر كانت له قصه ما جعلت الكثير يشككون فى فكرنه وهى انه :"اى هذا الشاعر" قد تم تعذيبه سابقا فى معسكرات النازي و سجن ايضا فى روسيا. ودخل السجن فى الصين الشيوعيه لاتهامه فتاه بريئه بالجاسوسيه ولعل هذا كان دافعا له ليشعر بالخجل والعار .. وينسب نفسه للوجود .. وهذا الرجل عندما عاد لفرنسا اقيمت الاحتفالات ترحيبا به كوجودى صاحب فلسفه... كان هذا مثال من تفكير وجودى معتنقا للمذهب...

ولانى اعلم اننى لن استطيع تناول المذهب بالكليه فقد افرغت له كتب واستغرق في وصفه وتحليله فلاسفه كبار لذا سابدامن جديد بتعريف سريع للوجوديه.. : هى بالبداهة الاولى المراد بها مطلق الوجود .. حيث ان الحجر موجود .. والشجرة موجودة..وكذلك الانسان كونة مخلوقا اذن فهو موجود لكن ربما بالنسبه لغيره فقط لا بالنسبه لنفسه ويكون حكم وجوده كحكم وجود الحجر لنفسه...

" هذا كان تلخيص سريع لتعريف واسع"

اذن فالوجوديه ليست مرهونه بالحياه لانها بذلك لم تعترف بواقعية الميلاد او الوفاة كشرط للوجود وهى ايضا لم تعنى مطلق الوجود ولا مطلق الحياه اريد ان المح هنا الى ان من كبار مؤسيين هذا المذهب هو " سورين كيركجرد" .. وملخص فكرته سريعا " ان على الانسان ان يعتقد اختياره".. والف كتابا كانت الفكرة التى دار حولها هى " اما ان تجد نفسك او تفقدها كل الفقدان " و انا لا اتفق معه او اختلف وليس هذا ما اود قوله ولكنى اريد توضيح وشرح لافكار ولأراء فلسفيه تقابلك فى حياتك وربما يكون بمثابة دعوه للتفكير ويؤكد البعض ان فلسفة " كيركجارد" نابعه من صدمته ف الانسانه التى احبها فى بادىء حياته وخانته او تركته .. فاختار"كركجرد"كما يدعى وجوده .. وعاش ولم يتزوج وأعتقد انه لم يخلق للزواج وعاش على سنه المسيح " عليه السلام" واتخذ شعاره ان لا يخدم سيدين وآمن انه قد خلص من واجبات الاسرة والوطن والعرف ..وآمن بوجوده الانسانى وهنا تتضح فكرة الوجوديه هى احساسها واهتمامها بوجود الانسان هو دونما رؤية اى احد سواه... وهذا ينقلنا الى هل هناك وجودييون مؤمنين بالله" عز وجل " فى ظل رؤيتهم لأهميه وجودهم وتحرره...نجد الاجابه من فلاسفه عرب تؤكد على انه هناك وجوديه مؤمنه واخرى ملحده تنكر وجود الاله او تتدعى وحدة الوجود وتنحى منحا انتحاه بعض المتصوفة الضالين... اما الوجوديون المؤمنين فيروا ان وجود الانسان مرتبط بكونه مخلوق لله ووجوده لا يتحقق الا بوجود خالق له وهو "الله سبحانه وتعالى"..وكان من بين معتنقيها " كركجرد" و من الوطن العربى " انيس منصور " و استاذه الفيلسوف عبد الرحمن بدوى والذى يقول عنها في دراسته عن " الفلسفة الوجودية " : ( أنها إحدى المذاهب الفلسفية ، وفي الوقت نفسه هي من أقدمها ، أحدثهـا لأن لها مركز الصـدارة والسيادة في الفكر المعاصر .... والوجودية أيضـاً من أقدم المذاهب الفلسفية لأن العصب الرئيسي للوجودية هو أنها فلسفة تحـيا الوجود ، وليست مجرد تفكير في الوجود ، والأولى يحياها صاحبها في تجاربه الحية وما يعانيه في صراعه مع الوجود في العـالم ، أما الثانية فنظر مجرد إلى الحيـاة من خارجها وإلى الوجود في موضوعه ).

اريد ان اؤكد على امران اخران :اولهما هو تأثر شتى المدارس الوجوديه بفيلسوف هذا العصر " هيجل" الذى تأثرت بافكاره شتى المذاهب والنظريات فى هذه الفترة بين الشيو عيه والوجوديه والاشتراكيه الديمواقراطيه وغيرها ولا ننسى ايضا ان هيجل كان متأثرا بمن سبقه وكأن الفكر شعله نورانيه يستلمها جيل من بعد جيل .. وهناك من يضيئها بزيت كريم .. وهناك من يضيئها مستخدم احقر انواع الزيوت..وهناك اجيال تْطفأ منهم الشعله

وخلاصة مذهب هيجل هو ان الكون كله "مرآه للكائن الأبدى المطلق"... ورغم تأثر " كركجرد "بهذا المذهب فى البدايه الا انه شن عليه حمله عنيفه فيما بعد...لأن كركجرد كان مذهبه يقترب الى المذاهب الايمانيه التى تنزه وترتفع بالصورة الالهيه عن هذه الصورة الانسانيه.. ويرى ان ارتقاء الانسان فى عبادته لله " عز و جل"..وان يشعر بحب الله له ورضاه عنه...ويؤمن بانه مخلوق والله سبحانه هو الخالق مهاجما ادعاءات او تصورات هيجل.. وكل انسان فى راى كركجرد محبوب من الله " عز وجل" لانه خلقه..لكن هناك من يشعر بهذا وهناك من لايشعر.. وذلك لانه مستغرق ف الوان اخرى من الحب كحب المال والاولاد وملاهى الدنيا .. وهو بهذا يقترب الى مذهب المتصوفة المسلمين المعتدلين الذين يرون ان الدنيا اكبر حجاب بين العبد وربه بملاهيها ومفاتنها.. اى انه وببساطه خلاف كركجراد مع هيجل نابع من ايمانه بالله وتقديسه له عن اى تشبيه .. كان من بين الفلاسفه الذين اعتقدوا فى هذا المذهب "جسبرز - وادمند هسيرل - ودلثى - وزميل" وهناك من كان مؤمنا بالله " عز وجل ومنهم من كفر وانكر الله "معاذ الله"

ولكن هناك امرا اجتمعوا عليه و هو انهم متبرمون بالمقررات المنطقيه والعلميه التى ترجع بالامر الى سلطان او نظام..

ومعظمهم يوصى بالاخلاق ومقابله الحيرة النظريه بالعمل الخلقى" وهذا بالتحديد امر من الممكن الاستفاده منه" مقابله الحيرة بالعمل وجاءت فيما بعد هذه الفلسفه على يد " بول سارتر - البير كامو" الفلاسفه المعروفين ف الوطن العربى.. والوجوديه لدى سارتر هى الفخر بالالم والشده..بمعنى الاعتزاز بقيمة التعب الناتج عن انجاز العمل.. واعتماد الانسان على نفسه فى اختيار الطريق المناسب..حتى لو كان اختيارها مخالفا الا ان سارتر كان نصف يهودى افرط ف الالحاد والانكار مما يجعلنا ننتبه ونحن نتناول نظرياته ونتجنب الكثير منها...ويجعلنى الحاد سارتر...افكر كيف لفيلسوف كبير كسارتر ان لا ينتهى بتفكيره الى وجود الله الحق "فأى انسان يفكر بعقله ويتأمل ماحوله لابد له ان يصل الى ان الله حق وهو خالق الانسان والكون من حوله "..واشعر بالاستغراب.. ولكنى اتذكر قول الامام النفرى فيلسوف الصوفيه..عن انه فى بعض الاحيان ورغم عظمة العقل البشرى الا انه ولنفس السبب يتحول الى حجاب يحجب الانسان من الوصول الى الحقيقه ويتحول بذلك الانسان المفكر الى عبد لعقله ...

والوجوديه لدى كامو هى وجودية الاطمئنان الى عبث الحياه..وعنده ان الانسان ف الدنيا مثل بطل اسطورة" "سيزيفُ""..وملخصها ان هناك رجل اخطا فى حق الالهه فحكمت عليه بان يحمل حجر ويصعد به الى قمة الجبل ومن ثم يسقط الحجر فيعود ليحمله مرة ثانيه وهذا الامر يستمر الى ما لا نهايه ثانبا : يقول البعض كما المحنا سابقا ان المذهب الوجودى مذهب قديم ولم يظهر فقط فى ظروف الحرب العالميه.. وهناك من قال انه اقدم من ارسطو وافلاطون

و اتصور اننى لو كنت بهذه الفترة لقلت بأن: الوجوديه... هى ما يعتقدها القادة...والاشتراكيه هى ما ينادون به ليجمعوا الناس حولهم

اخيرا:

اتمنى ان يكون قد وفقنى الله " عز وجل" فى شرح سريع وبسيط لفكرة او نظريه ظهرت فى المجتمع الغربى إبان الحروب العالميه التى قتلت العديد والعديد من الشباب... مما جعلهم يتنبهون لاهميه الفرد والعقل...

اما عن موقفى الشخصى: من هذه النظريه فانا ارفض رفضا تاما ونهائيا وعن قناعه تامه لأى فكرة او نظريه تنكر الله "معاذ الله" او تتخذ من الالحاد منهجا لها...

اما ما سوى ذلك فانا اقرأه واتأمله واعمل فيه عقلى كما امرنى الله عز وجل.. ولكنى ف النهايه لا أتخذ اى من النظريات والافكار منهجا بالجمله .. لانه ف النهايه لايعلو على كونه ابداع لبشر" مخلوق مثل سائر الخلق".. وكل البشر يخطىء ويصيب .الا من اوحى الله له.

مفاهيم فكرية- الوجودية(9)

الوجودية (existentialism) : مدرسة فلسفية تقول بأن الوجود الإنساني سابق على الماهية أي أن الإنسان صانع وجوده بغض النظر عن أي عوامل متحكمة فيه, ,ان العقل وحده عاجز عن تفسير الكون ومشكلاته والإنسان يستبد به القلق عند مواجهة مشكلات الحياة, وأساس الأخلاق قيام الإنسان بفعل إيجابي وبأفعاله تتحدد ماهيته, وإذن فوجوده العقلي يسبق ماهيته. كما تؤمن الوجودية بالحرية المطلقة التي تمكن الفرد من أن يمتع نفسه ويملأ وجوده على النحو الذي يلائمه. وهو أشهر مذهب استقر في الآداب الغربية في القرن العشرين . ويرتكز المذهب على الوجود الإنساني الذي هو الحقيقة اليقينية الوحيدة في رأيه ، ولا يوجد شيء سابق عليها ، ولا بعدها ، وتصف الوجودية الإنسان بأنه يستطيع أن يصنع ذاته وكيانه بإرادته ويتولى خلق أعماله وتحديد صفاته وماهيته باختياره الحر دون ارتباط بخالق أو بقيم خارجة عن إرادته ، وعليه أن يختار القيم التي تنظم حياته . وهو بذلك تيار فلسفي يعلي من قيمة الإِنسان ويؤكد على تفرده، وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه، وهو جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة، وليس نظرية فلسفية واضحة المعالم. ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار. ظهرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ثم انتشرت في فرنسا وإيطاليا وغيرهما وقد اتخذت من بشاعة الحروب وخطورتها على الإِنسان مبرراً للانتشار السريع. انتشرت الفكر الوجودي بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرهما حيث ادى إلى بعض الفوضى الاخلاقية والإِباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان، وهي تنادي بأن الإنسان لا يدري من أين جاء ولا لماذا يعيشً .

أول جذر وجودي كانت دعوة سقراط : أعرف نفسك بنفسك

يرى رجال الفكر الغربي أن "سورين كير كجورد" (1813 - 1855م) هو مؤسس المدرسة الوجودية. من خلال كتابه: رهبة واضطراب. وقد نمى آراءه وتعمق فيها الفيلسوفان الألمانيان مارتن هيدجر الذي ولد عام 1889م ، وكارك يسبرز المولود عام 1883م . وقد أكد هؤلاء الفلاسفة أن فلسفتهم ليست تجريدية عقلية ، بل هي دراسة ظواهر الوجود المتحقق في الموجودات . والفكر الوجودي لدى كيركاجورد عميق التدين ، ولكنه تحول إلى ملحد إلحاداً صريحاً لدى سارتر و أشهر زعمائها المعاصرين: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي المولود سنة 1905م وله عدة كتب وروايات تمثل مذهبه منها: الوجودية مذهب إنساني، الوجود والعدم، الغثيان، الذباب، الباب المغلق.

ومن رجالها كذلك: القس كبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والمسيحية ، كارل جاسبرز: فيلسوف ألماني ، بسكال بليز: مفكر فرنسي. وفي روسيا: بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف.

دخل المذهب الوجودي مجال الأدب على يد فلاسفة فرنسيين : هم جبرييل مارسيل المولود عام 1889م . وقد أوجد ما أسماه الوجودية المسيحية ، ثم جان بول سارتر الفيلسوف والأديب الذي ولد 1905م ويعد رأس الوجوديين الملحدين والذي يقول : إن الله خرافة ضارة . وهو بهذا فاق الملحدين السابقين الذين كانوا يقولون إن الله خرافة نافعة وسارتر غني عن التعريف ، ومن الشخصيات البارزة في الوجودية : سيمون دي بوفوار عشيقته التي قضت حياتها كلها معه دون عقد زواج تطبيقاً عملياً لمبادئ الوجودية التي تدعو إلى التحرر من كل القيود المتوارثة والقيم الأخلاقية .

الافكار والمعتقدات :

الوجود اليقيني للإنسان يكمن في تفكيره الذاتي ، ولا يوجد شيء خارج هذا الوجود ولا سابقاً عليه ، وبالتالي لا يوجد إله ولا توجد مثل ولا قيم أخلاقية متوارثة لها صفة اليقين ، ولكي يحقق الإنسان وجوده بشكل حر فإن عليه أن يتخلص من كل الموروثات العقيدية والأخلاقية إن هدف الإنسان يتمثل في تحقيق الوجود ذاته ، ويتم ذلك بممارسة الحياة بحرية مطلقة . الالتزام في موقف ما - نتيجة للحرية المطلقة في الوجود - من مبادىء الأدب الوجودي الرئيسة .. حتى سميت الوجودية : أدب الالتزام أو أدب المواقف .. أي الأدب الذي يتخذ له هدفاً أساسياً أصحابه هم الذين يختارونه . وبذلك جعلوا القيمة الجمالية والفنية للأدب بعد القيمة الاجتماعية الملتزمة . ولقد نتج عن الحرية والالتزام في الوجودية ، القلق والهجران واليأس :

القلق نتيجة لنبذ القيم الأخلاقية والسلوكية . والهجران الذي هو إحساس الفرد بأنه وحيد لا عون له إلا نفسه . واليأس الذي هو نتيجة طبيعية للقلق والهجران ، وقد حاول سارتر معالجة اليأس بالعمل ، وجعل العمل غاية في ذاته لا وسيلة لغرض آخر ، وحسب الوجودي أن يعيش من أجل العمل وأن يجد جزاءه الكامل في العمل ذاته وفي لذة ذلك العمل .

يكفرون بكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان ويعتبرونها عوائق أمام الإِنسان نحو المستقبل. وقد اتخذوا الإِلحاد مبدأ ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج. يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة.

يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته. يعتقدون بأن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان ، يقولون: إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره. يقولون بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.

يقولون: إن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية. يقول المؤمنون منهم إن الدين محله الضمير أما الحياة بما فيها فمقودة لإِرادة الشخص المطلقة ، لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين. رغم كل ما أعطوه للإِنسان من أهمية فإن فكرهم يتسم بالانطوائية الاجتماعية والانهزامية في مواجهة المشكلات المتنوعة.

الوجودي الحق عندهم هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج إنما يسيِّر نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود. للفلسفة الوجودية الآن مدرستان واحدة مؤمنة والأخرى ملحدة وهي التي بيدها القيادة وهي المقصودة بمفهوم الوجودية المتداول على الألسنة. الوجودية في مفهومها تمرد على الواقع التاريخي وحرب على التراث الضخم الذي خلفته الإِنسانية. وقد تكون جاءت ردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين. تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية لهذا رفضت الدين والكنيسة.

نبذة مختصرة عن الوجودية و اللاادرية(10)

الوجودية

الوجودية هي تيار فلسفي يعلي من قيمة الانسان ويؤكد على تفرده، وأنه صاحب تفكير وحرية وارادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه.

يعتبر "سورين كيركجورد" (1813 - 1855م) هو مؤسس المدرسة الوجودية، من خلال كتابه "رهبة واضطراب".

ومن أشهر مفكريها: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي، والقس جبرييل مارسيل الذي يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والمسيحية. بالإضافة إلى الفيلسوف الألماني كارل جاسبرز والمفكر الفرنسي بسكال بليز، وكل من بيرد يائيف وشيسوف، وسولوفييف في روسيا.

يؤمن الوجوديون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة. كما يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته.

ويرون أن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان. ويقولون إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.

كما يؤمن أصحاب الفكر الوجودي بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء. وأن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.

لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.

جاءت الوجودية كردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين. وتأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.

كما تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك"، وبالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس..

اللاأدرية

اللاأدرية Agnosticism مذهب فلسفي يقول إن القيمة الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة و لا يمكن لأحد تحديدها . ان قضايا وجود الله أو الذات الإلهية بالنسبة لهم موضوع يستحيل التعرف عليه ولا يمكن تحديده في الحياة الطبيعية للإنسان .

أول من استخدم هذا المصطلح هو عالم الأحياء هوكسلي (T.H.Huxley) وهو أحد رواد نظرية داروين (النشوء والارتقاء) ورمز به لمن لا يعترف بوجود عالم اللاهوت أو قضايا الدين الأخرى.

وتختلف اللاأدرية عن الإلحاد. لأن الإلحاد لا يعترف بوجود الآلهة أو لا يؤمن بها. في حين أن اللاأدرية تقول بأن وجود إله أو قوى ميتافيزيقية خارقة لا يمكن اثباته ولا يمكن انكاره بحواسنا، لذلك فهي غير مرتبطة بشؤون الإنسان.

ومن رواد اللاأدرية، هوكسلي، وتشارلز داروين، و براتراند راسل . وقيل عن ديفيد هيوم أنه كان يؤمن باللاأدرية خصوصا في كتابه: Dialogues Concerning Natural Religion إلا أن هذا يظل محل جدال.

عن الفلسفة الوجودية(11)

 أصبحت الفلسفة الوجودية حديث الجمهور وموضع الإقبال في عدد من البلاد بعد الحرب العالمية الثانية. ورغم أن كتاب جان بول سارتر "الوجود والعدم" كتاب شديد الصعوبة، وتتطلب قراءته معرفة متعمقة بتاريخ الفلسفة، وان تحليلاته شديدة التخصص وشديدة التجريد بحيث أنه لا يقدر على متابعتها إلا فلاسفة خبراء وجيدي التكوين. على الرغم من كل هذا إلا أن الكتاب لاقى نجاحاً عظيما.

ولا شك أن الفلاسفة الوجوديين الفرنسيين قد صنعوا لأنفسهم جمهوراً واسعاً بفضل ما كتبوه من روايات ومسرحيات. ولكن هذه الشعبية ذاتها ولّدت ألواناً من سوء الفهم المختلفة بإزاء الوجودية الفلسفية. وينبغي علينا منذ الابتداء إزالة ألوان سوء الفهم هذه (…) ببيان ما ليس من الفلسفة الوجودية وما ليست هي عليه.

ومن الواضح أن الوجودية تتناول مشكلات تسمى اليوم مشكلات "وجودية" للإنسان، من مثل مشكلة معنى الحياة، مشكلة الموت، ومشكلة الألم بين مشكلات أخرى. ولكن الوجودية لا تقف عند حد تناول هذه المشكلات، لأنها مسائل مما تتناوله كل العصور بالمعالجة.

ومن الخطأ الشديد أن يُسمّى "القديس أوغسطين" أو باسكال وجوديين، لمعالجتهما أمثل هذه المسائل. وسيكون خطأ كذلك إلقاء التسمية الوجودية على كتّاب أوربيين من القرن العشرين الميلادي؛ من مثل الناقد الإسباني ميجل دي أونامونو (1937 – 1861م) والروائي الكبير فيدور دستويفسكي (1821 – 1881م)، والشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه (1875 – 1926م). فهذه المجموعة من الكتاب والشعراء تناولوا في أعمالهم عدداً من المشكلات الإنسانية المتنوعة بطريقة شديدة التأثير، ولكن هذا لن يجعلهم مع ذلك من فلاسفة الوجود.

وخطأ آخر أن يسمى الفلاسفة الذين يدرسون الوجود بمعناه الدقيق، أو يدرسون الموجود الكائن، أن يسموا بالوجوديين. ويضل بعض أتباع المذهب "التوماوي"(نسبة إلى "توما الأكويني") ضلالاً بعيداً حين يزعمون أن القديس توما الأكويني من أسلاف الوجوديين.

وسوء فهم آخر لا يقل فداحة عن سابقه هو ذلك الذي يريد أن يدخل "هسرل" في ضمن تيار الفلسفة الوجودية. لا لشيء إلا لأنه أثر عليها تأثيراً عظيماً. فالواقع، أن "هسرل" يضع الوجود بين قوسين.

أخيراً فإنه يجب أن تحدد الفلسفة الوجودية بمذهب وجودي واحد.وليكن مثلاً فلسفة سارتر، لأنه تقوم فروق جوهرية بين المذاهب الوجودية بعضها والبعض كما سنرى.

في مقابل ألوان سوء الفهم هذه جميعاً. فإن المؤكد أن الفلسفة الوجودية تيار فلسفي لم يتشكل إلا في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي في الحضارة الغربية. وان أصوله لا تتعدى كيركجارد، وأنه نما وتطور وظهر على هيئة عدة مذاهب متباينة. والجزء المشترك فيما بينها هو وحده الذي يستحق أن يسمى عن حق بأنه "الفلسفة الوجودية".

الفلاسفة الوجوديون

نظن أنه من المناسب، في إطار هذا العرض، أن نجمع أولاً الفلاسفة الذين يعدون ضمن المدرسة الوجودية. وان نحاول ثانياً، استخلاص ما يجمع بينهم ويكون مشتركاً عندهم.

هناك فلاسفة أربعة على الأقل، في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي يوصفون بأنهم وجوديون من غير منازعة من أحد: جابريل مارسل، كارل ياسبرز، مارتين هيدجر، وجان بول سارتر. وهم جميعاً يعلنون انتسابهم إلى "كيركجارد" الذي يعد فيلسوفاً وجودياً مؤثراً في القرن العشرين، رغم بعده في الزمان.

وفيما عدا هؤلاء الأربعة البارزين، فإنه لا يوجد كثيرون غيرهم يمكن عدهم وجوديين، على المعنى الدقيق، على الرغم من أن الاتجاه الوجودي لاقى اهتماماً عند عدد من الفلاسفة، وتأثر به البعض. ويمكن أن نشير هنا إلى معاونة سارتر، وهي "سيمون دي بوفوار"، وعلى الأخص "موريس ميرلو - بونتي"، وهو واحد من أ هم العقول في الفلسفة الفرنسية في منتصف القرن العشرين الميلادي.

ويمكن أن نشير إلى مفكرين روسيين هما: نقولاس برديانيف (1874-1948م) وليون شسشوف (1866 – 1942م) اللذين عرفا عن طريق كتاباتهم بالفرنسية. ونذكر كذلك المفكر البروتستانتي المشهور كارل بارت (ولد عام 1886م) والذي تأثر بكيركجارد تأثراً ملحوظا. ومن جهة أخرى فإنه سيكون من الخطأ أن نعد "لوي لافل" بين الوجوديين بينما هو في الحقيقة من فلاسفة الوجود (…).

لقد مات كيركجارد عام 1855م. وفي عام 1919م يظهر ياسبرز مع كتابه سيكولوجيا النظرة إلى العالم، ثم يظهر في عام 1927م كتاب مارسل "يوميات ميتافيزيقية". وكذلك كتاب هيدجر "الوجود والزمان". وفي عام 1932م يظهر كتاب ياسبرز "فلسفة"، ويظهر كتاب سارتر "الوجود والعدم" عام 1943م. ونلاحظ أن الوجودية لم تنل انتشاراً في البلاد المتكلمة بلغات نشأت عن اللاتينية، وخاصة في فرنسا وإيطاليا، إلا بعد الحرب العالمية الثانية، بينما كانت مؤثرة تأثيراً قوياً في ألمانيا منذ حوالي 1930م.

أصول الفلسفة الوجودية

أشار الكتّأب من قبل إلى الأهمية الكبرى لمؤلفات سورين كيركجارد (1813 – 1855م) بالنسبة إلى الوجودية. ولم يحظ هذا المفكر البروتستانتي الدانماركي، في أثناء حياته ذاتها، إلا بتأثير لا يكاد يذكر، ويعود السبب في إعادة اكتشافه في خلال القرن العشرين الميلادي إلى الصلة الوثيقة التي تربط بين فكرة التراجيدي (المأساوي) والذاتي وروح الحضارة الغربية في خلال القرن العشرين الميلادي. وقد قدم جابريل مارسل أفكاراً قريبة من أفكار كيركجارد، في وقت لم تكن قد عرفت فيه بعد كتب المفكر الدانماركي.

ولم يقدم كيركجارد نظاماً فلسفياً بالمعنى المعروف، إنما هو يهاجم أعنف هجوم فلسفة هيجل، وذلك بسبب طابعها "العمومي" وبسبب اتجاهها الموضوعي. وهو ينكر إمكان التوفيق والمصالحة. أي إمكان هدم المعارضة بين القضية ونقيضها في تركيب جديد عقلاني ومنظم. ويؤكد كيركجارد أولوية الوجود على الماهية. وربما كان هو أول من أعطى كلمة "وجود" معناها "الوجودي".

وكيركجارد معارض للعقل إلى أقصى درجة. فهو يرى انه لا يمكن أن نصل إلى الإله بوسيلة طرائق الفكر. لأن العقيدة المسيحية مليئة بالتناقضات. ويعتبر أن كل محاولة من أجل إضفاء طابع عقلي عليها هي تجديف وكفر.

وقد جمع كيركجارد إلى نظريته عن القلق، نظرية في وحدة الإنسان الفرد وعزلته عزلة كاملة في مواجهة الإله. ونظرية في المصير التراجيدي (المأساوي) للإنسان. وقد رأى أن اللحظة هي تركيب يجمع بين الزمان والخلود.

إلى جانب تأثير كيركجارد، كان "لفينومينولوجيا" هسرل تأثير عظيم على الفلسفة الوجودية. ويستعمل كل من "هيدجر" و"مارسل" و"سارتر" بصفة عامة المنهج "الفينومينولوجي" على الرغم من أنهم لم يقبلوا قضايا هسرل الأساسية، ولا حتى موقفه المبدئي.

كذلك فإن الوجودية تأثرت تأثراً ظاهراً بفلسفة الحياة، وهي تدفع بهذا الاتجاه إلى أبعد مما وصل إليه ، بتطوير مذهبه في الفعل والنشاط وتحليلاته حول الزمان ونقده للمذهب العقلي ونقده كذلك في كثير من الأحيان للعلوم الطبيعية. ويمكن اعتبار برجسون ودلتاي وعلى الأخص نيتشه أسلافا للوجودية.

أخيراً فإن الفلسفة الميتافيزيقية الجديدة كان لها دور هام جداً في تكون الفلسفة الوجودية. وذلك أن كلّ الوجوديين يعالجون مشكلات ميتافيزيقية بالأصالة، موضوعها "الوجود". وبعضهم، مثل هيدجر، يتميز بمعرفته المتعمقة للمذاهب الميتافيزيقية عند اليونان وفي القرون الوسطى المسيحية.

وحين يحاول الوجوديون أن يصلوا إلى الوجود في ذاته، فإنهم يجتهدون في نفس الوقت أن يتغلبوا على النزعة المثالية وأن يتعدوها. ومع ذلك، فإن بعضهم، وعلى الأخص ياسبرز، لا يزالون يخضعون خضوعاً قوياً لتأثير النزعة المثالية.

وهكذا، فإن الوجودية تظهر من معطف الاتجاهين الكبيرين اللذين قاما بقطع الصلات مع الفكر السائد في القرن التاسع عشر الميلادي. كما أنها متأثرة في نفس الوقت بحركة أخرى مميزة للفلسفة الغربية في القرن العشرين الميلادي، ألا وهي الفلسفة الميتافيزيقية.

الخصائص المشتركة بين الفلاسفة الوجوديين

أ‌) السمة المشتركة الرئيسية بين مختلف الفلسفات الوجودية في القرن العشرين الميلادي تقوم في أنها جميعاً تتبع ابتداء من تجربة حية معاشة، تسمى تجربة وجودية. ومن الصعب تعريفها تعريفاً دقيقاً. وهذه التجربة الوجودية تختلف بين فيلسوف وآخر من هؤلاء الوجوديين.

وهكذا، فإن تلك التجربة تأخذ في حالة ياسبرز شكل إدراك هشاشة الوجود وفي حالة هيدجر شكل تجربة السير باتجاه الموت. وفي حالة سارتر شكل تجربة الغثيان، ولا يخفي الوجوديون أبداً أن فلسفتهم نشأت من تجربة من هذا القبيل.

ومن هنا فإن الفلسفة الوجودية بصفة عامة، بما في ذلك عند هيدجر، تحمل طابعاً شخصياً بسبب هذه التجربة المعاشة.

ب‌) الموضوع الرئيسي للبحث الفلسفي عند الوجوديين هو ما يسمى "الوجود". ومن الصعب تعريف المعنى الذي يأخذ عليه الوجوديون تلك الكلمة، ولكنها تدل على كل حال، على الطريقة الخاصة بالإنسان في الوجود. ويرى الوجوديون أن الإنسان وحده هو الذي يحوز الوجود. وهم نادراً ما يستخدمون كلمة "إنسان"، وإنما يدلون عليه بتعبيرات مثل "الموجود – هناك". و"الوجود" و"الأنا" و "الوجود لأجل ذاته". ولنصحح قولنا إن الإنسان "يحوز" أو يملك وجوده، فالإنسان لا يملك وجوده، إنما الأحرى أنه هو هو وجوده.

ت‌) يتصور الوجوديون الوجود على نحو فاعلي نشط، فلا يكون الوجود، وإنما هو يخلق نفسه بنفسه في الحرية. بعبارة أخرى هو "يصير".

إن الوجود دائماً غير مكتمل، وكأنه يُبتدأ، إنه شروع واستقبال. ويؤكد الوجوديون على نحو أقوى هذا الموقف حين يقولون بأن الوجود يتماشى تماماً ويتطابق مع الزمانية.

ث‌) الفرق بين هذا الاتجاه الفاعلي عند الوجوديين والاتجاه الفاعلي عند فلسفة الحياة يقوم في أن الوجوديين يعتبرون أن الإنسان ذاتية خالصة، وليس مظهراً أو تجسيداً لتيار حيوي أشمل منه (أي التيار الحيوي الكوني) كما كان الحال عند برجسون على سبيل المثال. ويضاف إلى هذا أن الوجوديين يفهمون الذات، بمعناها الخلاق، فالإنسان يخلق نفسه بنفسه، إنه هو هو حريته هو.

ج‌) لكنه سيكون من الخطأ، مع ذلك، أن نستنتج أن الإنسان عند الوجوديين منغلق على نفسه. على العكس تماماً، فإن الإنسان، وهو الحقيقة الناقصة والمفتوحة، هو، من حيث جوهره ذاته، مربوط أوثق ارتباط إلى العالم، وعلى الأخص إلى البشر الآخرين.

ويقول كل المفكرين الوجوديين بهذه التبعية المزدوجة. وذلك على النحور التالي: فمن جهة، يبدو لهم الوجود الإنساني مضموماً في العالم، قائماً في داخله إلى درجة أن الإنسان يكون دائماً في موقف محدد، بأنه هو هو موقفه، ومن جهة أخرى فإنهم يرون أن هناك رباطاً وصلة بين البشر. وهذا الرباط يكوّن الطبيعة الخاصة للوجود الإنساني، شأنه شأن الموقف. وهذا هو معنى مفهوم "الوجود معا Mitsein" عند هيدجر و"التواصل" عند ياسبرز و"الأنت" عند مارسل".

ح‌) ويرفض كل الوجوديين التمييز بين الذات والموضوع . ويقللون من قيمة المعرفة العقلية في ميدان الفلسفة. فهم يرون أن المعرفة الحقة لا تكتسب بوسيلة العقل، بل ينبغي بالأحرى التعامل مع الواقع. هذا التعامل أو الخبرة يتم على الخصوص بالقلق، أو في تجربة القلق، وفيه يدرك الإنسان أنه موجود محدود قاصر، ويدرك هشاشة وضعه في العالم. هذا العالم الذي يلقى إليه الإنسان إلقاء. ويدرك أخيراً أنه سائر إلى الموت (عند هيدجر). ومع ذلك، وبالرغم من هذه السمات المشتركة بين الفلسفات الوجودية، والتي يمكن إضافة سمات أخرى مشتركة إليها، فإنه توجد اختلافات عميقة بين ممثلي الوجودية، إذا أخذ كل منهم بمفرده.

وهكذا مثلاً، نجد أن مارسل، مثل كيركجارد، يعلن إيمانه بالألوهية، بينما يقول ياسبرز بوجود التعالي أو المتعالي. ولكن لا يمكن أن نقول إن هذا التعالي يعادل القول بوجود الألوهية أم بوحدة الوجود والألوهية أم بإنكار الألوهية. وهذه المواقف الثلاثة يرفضها ياسبرز كلها على السواء.

أما فلسفة هيدجر فإنها تبدو فلسفة منكرة للألوهية، ومع ذلك فإن هيدجر صرح بأنه لا ينبغي اعتبارها كذلك، وان كان هذا التصريح لا يعني الشيء الكثير. أما سارتر، أخيراً، فإنه يحاول إقامة مذهب منكر للألوهية صريح ومتسق الأركان.

كذلك يتنوع الهدف والمنهج عند الفلاسفة الوجوديين، فنجد أن هيدجر يدعي أن يقدم نظرية في الوجود (أنطولوجيا) بالمعنى الأرسطي للاصطلاح. وهو يطبق منهجاً دقيقاً صارماً، وهو ما يفعله سارتر أيضاً على أثر "هيدجر". أما "ياسبرز" فإنه يرفض كل "أنطولوجيا" في مجال التعريف بالوجود. ومفهوماً على الطريقة الوجودية. ولكنه من جانبه يمارس نوعاً من التأمل الميتافيزيقي، وهو يستخدم منهجاً متحرراً إلى حد ما، غير مقيد بخطوات محددة.

..................................................................................................

المصادر/

من كتاب: الفلسفة المعاصرة في أوروبا، إ.إم.بوشنسكي، ترجمة: د.عزت القرني، عالم المعرفة 165، سبتمبر 1992.

1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

 2- محمود عوض / الشبكة الإسلامية

 3- شبكة الفلق الثقافية

 4- الموسوعة العربية

 5- ماجد محمد حسن / الحوار المتمدن

 6- موقع آفاق

 7-  تحقيق ـ محمد هلال/ الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق

 8- مدونة السيد شبل

 9- عصام البغدادي / الحوار المتمدن

 10- مهند الحسيني / شبكة البرلمان العراقي

11- إ.م. بوشنسكي/ موقع السؤال

شبكة النبأ المعلوماتية- االاحد 11 أيار/2008 - 4/جماد الاول/1429